Friday, April 29, 2011

مصر التى لا تعرفونها

يُخطئ من يقيّم الأفراد قياساً على تصرفهم فى لحظة من الزمن أو فعل واحد من الأفعال، ويسرى ذلك على الأمم، فيخطئ من يقيّم الدول على فترة من الزمان، وهذا للأسف سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر.

تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير، تنفق بسخاء وبلا امتنان، وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر.

هل تعلم يا بنى أن جامعة القاهرة، وحدها، قد علّمت حوالى المليون طالب عربى ومعظمهم دون أى رسوم دراسية؟ بل كانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين.

هل تعلم أن مصر كانت تبعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية للدول العربية المستعمرة حتى لا تضمحل لغة القرآن لديهم، وذلك كذلك على حسابها؟

هل تعلم أن أول طريق مسفلت من جدة إلى مكة المكرمة كان هدية من مصر؟

حركات التحرر العربى كانت مصر هى صوتها وهى مستودعها وخزنتها.

وكما قادت حركات التحرير فإنها قدمت حركات التنوير. كم قدمت مصر للعالم العربى فى كل مجال، فى الأدب والشعر والقصة وفى الصحافة والطباعة، وفى الإعلام والمسرح، وفى كل فن من الفنون.. ناهيك عن الدراسات الحقوقية ونتاج فقهاء القانون الدستورى.

جئنى بأمثال ما قدمت مصر. كما تألقت فى الريادة القومية تألقت فى الريادة الإسلامية. فالدراسات الإسلامية ودراسات القرآن وعلم القراءات كان لها شرف الريادة. وكان للأزهر دور عظيم فى حماية الإسلام فى حزام الصحراء الأفريقى، وكان لها فضل تقديم الحركات التربوية الإصلاحية.. أما على مستوى الحركة القومية العربية فقد كانت مصر أداتها ووقودها، وإن انكسر المشروع القومى فى ٦٧ فمن الظلم أن تحمل مصر وحدها وزر ذلك، بل شفع لها أنها كانت تحمل الإرادة الصلبة للخروج من ذل الهزيمة.

إن صغر سنك يا بنى قد حماك من أن تذوق طعم المرارة الذى حملته لنا هزيمة ٦٧، ولكن دعنى أؤكد لك أنها كانت أقسى من أقسى ما يمكن أن تتصور، ولكن هل تعلم عن الإرادة الحديدية التى كانت عند مصر يومها؟

أعادت بناء جيشها فحولته من رماد إلى مارد. وفى ست سنوات وبضعة أشهر فقط نقلت ذلك الجيش المنكسر إلى أسود تصيح «الله أكبر»، وتقتحم أكبر دفاعات عرفها التاريخ. مليون جندى لم يثن عزيمتهم تفوق سلاح العدو ومدده ومن خلفه. بالله عليك كم دولة فى العالم مرت عليها ست سنوات لم تزدها إلا اتكالاً، وست أخرى لم تزدها إلا خبالا؟

ثم انظر بعد انتهاء الحرب.. فتحت نفقاً تحت قناة السويس التى شهدت كل تلك المعارك الطاحنة، وأطلقت على النفق اسم الشهيد أحمد حمدى. اسم بسيط ولكنه كبر باستشهاد صاحبه فى أوائل المعركة. انظر كم هى كبيرة أن تطلق الاسم الصغير. هل تعلم انه ليس منذ القرن الماضى فحسب، بل منذ القرن ما قبل الماضى كان لمصر دستور مكتوب.

شعبها شديد التحمل والصبر أمام المكاره والشدائد الفردية، لكنه كم انتفض ضد الاستعمار والاستغلال والأذى العام. مصر تمرض ولكنها لا تموت إن اعتلّت ومرضت اعتلّ العالم العربى، وإن صحت واستيقظت صحا، ولا أدل على ذلك من مأساة العراق والكويت، فقد تكررت مرتين فى العصر الحديث، فى إحداهما قُتلت المأساة فى مهدها بتهديد حازم من مصر للزعيم عبدالكريم قاسم، حاكم العراق، عندما فكر فى الاعتداء على الكويت، ذلك عندما كانت مصر فى أوج صحتها. أما فى المرة الأخرى فهل تعلم كم تكلف العالم العربى برعونة صدام حسين فى استيلائه على الكويت؟

هل تعلم أن مقادير العالم العربى رُهنت لعقود بسبب رعونته وعدم قدرة العالم العربى على أن يحل المشكلة بنفسه. إن لمصر قدرة غريبة على بعث روح الحياة والإرادة فى نفوس من يقدم إليها. انظر إلى البطل صلاح الدين، بمصر حقق نصره العظيم. انظر إلى شجرة الدر، مملوكة أرمنية تشبعت بروح الإسلام فأبت إلا أن تكون راية الإسلام مرفوعة فقادت الجيوش لصد الحملة الصليبية. لله درك يا مصر الإسلام، لله درك يا مصر العروبة، إن ما تشاهدونه من حال العالم العربى اليوم هو ما لم نتمنه لكم. وإن كان هو قدرنا، فإنه أقل من مقدارنا وأقل من مقدراتنا.

أيها الشباب أعيدوا تقييم مصر. ثم أعيدوا بث الإرادة فى أنفسكم، فالحياة أعظم من أن تنقضى بلا إرادة. أعيدوا لمصر قوتها تنقذوا مستقبلكم، نبذات ووقفات هنا بعض نبذات قبل اكتشاف وخروج البترول.. الحجاز.. توفيق دياب، كان رئيس تحرير جريدة الجهاد المصرية، وتوفيق نسيم كان رئيس وزراء مصر، حدثت مجاعة وأمراض أزهقت آلافاً من الأرواح بأراضى الحجاز... كتب توفيق دياب فى صدر صحيفته إلى توفيق نسيم رئيس وزراء مصر، كتب يقول: من توفيق إلى توفيق، فى أرض رسول الله آلاف يموتون من الجوع وفى مصر نسيم!!

أصدر توفيق نسيم أوامره فوراً، وعبرت المراكب تحمل آلاف الأطنان من الدقيق والمواد الغذائية، وآلافاً من الجنيهات المصرية والتى كانت عملتها أعلى وأقوى من العملة البريطانية، غير الصرة السنوية التى كانت تبعث بها مصر، وكانوا يشكرون مصر كثيرا على ذلك. الكويت.. كانت مصر تبعث بالعمال والمدرسين والأطباء والموظفين لمساعدة الإخوة بالكويت، بأجور مدفوعة من مصر.

ليبيا.. كانت جزءاً من وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية.. كل هذا لم يكن منة من مصر، لكن كان دعما وواجبا وطنيا لأشقائها العرب، مذكرات الثورى العظيم أحمد بن بلة، وقيادات الثورة الجزائرية تشهد، وهم يقولون مهما قدمنا وقدمت الجزائر لمصر فلن نوفى حق مصر علينا وما قدمته لنا...

كذلك ما قدمته مصر لثورة الفاتح من سبتمبر الليبية.. التضحيات الكبيرة والعظيمة التى لا ينكرها أبداً الشعب اليمنى لما قدمته مصر لليمن حتى أشرف اقتصاد مصر على الانهيار.. مصر التى سطعت منها شمس الحرية على ربوع الكرة الأرضية.. مصر التى وقفت بكل إمكانياتها المتواضعة وشعبها العظيم فى وجه القوى الغاشمة «فرنسا وبريطانيا العظمى»..

مصر التى ساندت قضايا المظلومين بالعالم شرقا وغربا فاحتضنت حركات النضال والتحرير من مشارق الأرض إلى مغاربها دون تمييز بسبب اللون أو الدين أو العرق فكانت قبلة الثوار والمناضلين من ربوع الكرة الأرضية، فاحتضنت بتريسيا لومومبا وحركته، وحزب المؤتمر الأفريقى ضد التمييز العنصرى بقيادة مانديلا، وروبرت موجابى وأبطال وزعماء أفريقيا ومناضليها، وقدمت الدعم والمساندة للثوره الجزائرية والليبية واليمن والعراق وفلسطين، واستقبلت على أرضها عظماء ثوار العالم فاستقبلت الثائر العالمى جيفارا وفيدل كاسترو ونهرو وأحمد سوكارنو وذو الفقار على بوتو ومحمد إقبال وتيتو.

مصر التى تعطى بسخاء لا يمكن أن تغدر، مصر التى تجمع وتحتضن لا يمكن أن تفرق وتقتل، مصر التى تأوى لا يمكن أن تخون.

هذه هى مصر الصابرة الآمنة المؤمنة المحتسبة يا أيها السفهاء، يا من تتطاولون على مصر وشعبها هذه هى مصر العظيمة، فمن أنتم؟! هذا ما قدمته مصر للعرب والعالم.. فماذا قدمتم؟!

مصر هى بلاد الشمس وضحاها، غيطان النور، قيامة الروح العظيمة، انتفاض العشق، اكتمال الوحى والثورة «مراسى الحلم» العِلم والدين الصحيح، العامل البسيط، الفلاح الفصيح، جنة الناس البسيطة، القاهرة القائدة الواعدة الموعودة الساجدة الشاكرة الحامدة المحمودة العارفة الكاشفة العابدة المعبودة العالمة الدارسة الشاهدة المشهودة، سيمفونية الجرس والأدان، كنانة الرحمن، أرض الدفا والحنان، معشوقة الأنبيا والشُعرا والرسامين، صديقة الثوار، قلب العروبة النابض الناهض الجبار، عجينة الأرض التى لا تخلط العذب بالمالح، ولا الوليف الوفى بالقاسى والجارح، ولا الحليف الأليف بالغادر الفاضح، ولا فَرح بكرة الجميل بليل وحزن إمبارح، ولا صعيب المستحيل بالممكن الواضح، كونى مصر دليل الإنسانية ومهدها.

جميل فارسى - المصرى اليوم
ماذا تعنى الحرية؟

لنطرح السؤال: ماذا تعنى لكم الحرية؟

خلال مقالاتى الأخيرة حول الليبرالية تأكد لى أن مفهوم الحرية صار له أعداء كثيرون. ففى زمن عربى سابق كانت الحرية مرتبطة بنطاق سياسى عريض وبمعان واسعة كالثورة والتمرد على الظلم وإنهاء الاستعباد وتحقيق العدالة.. إلى آخر تلك المفاهيم التى تداولتها أجيال عالمية اعتبرت أن الحصول على صك الحرية مطمعاً يستحق التضحية. لكن حدث أن انقلبت الأمور فى الزوايا العربية المحافظة وصارت للحرية معان ضيقة مرتبطة بانحلال الأخلاق، بالبنات، بالتربية، بالصياعة.

تكتب عن الحرية فتصلك مخاوف الناس من الأمر الذى تقود إليه الحرية، يذكرونك بآيات القرآن، بتقاليد مجتمعك العريق وأعرافه الثابتة، يذكرونك بأنك مسلم فلا تنس تعاليم نبيك.

أيام تظاهرات مصر، وفيما كنا نتابع ما يحدث عبر التلفاز، فاجأتنى قريبة شابة بقولها: تعلمون أن كل الذى نراه كفر، الخروج عن الحاكم أياً كانت سلوكياته خروج عن طاعة الله.

أعداء الحرية هم الذين لا يعرفونها. الذين تعلموا أنها شرك أكبر، أنها عبث مخجل، تلقنوا تعاليم دراسية أسسها وكتبها ونشرها المسيطرون على التعريف. فنشأت أجيال (خاصة بين النساء) تفهم الحرية فهماً باطلاً يُقرن الحرية بالخوف وانعدام الأمان وخسارة كل ضمانات الحياة الرغيدة، هذا هو الفهم الراهن بعدد من الدول الخليجية وللأسف منتشر بشكل لا يصدق فى السعودية.

البلد الذى أفتى كبار رجال الدين به أن التظاهرات حرام وشرك، وفهم العدد الأكبر من الناس به أن الانحراف عن التقليد عيب، والخروج عن ولاة الأمر وشيوخ الدين وعدد من الأقارب والمسؤولين وخط لا نهاية له من الأشخاص كفر.

وعلى العكس فى البلدان العربية التى تسودها الثورات، فإن نسبة من الناس بها ترى الحرية بإطارها السياسى فقط. ويتغاضى الناس عن حقيقة ارتباط الحريات السياسية بحرية الفرد داخل بيئته الاجتماعية الصغيرة، تغاضوا عن أن العدالة السياسية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية، وأن الحريات العامة جزء مكمل للحريات الخاصة. تغاضوا عن أن مطلب الحرية الاجتماعية ليس برفاهية ولا هو بترف. إنما شرط أساسى لنيل الحرية السياسية.

الذين يطالبون بحرية سياسية وديمقراطية وعدالة ولا يؤمنون فى ذات الوقت بضرورة أن يتمتع الفرد بحريته الخاصة جداً التى تتوقف عند حدود حريات الآخرين، هؤلاء ليسوا سوى أبناء الفكر السياسى العربى التقليدى الذى يعلم تماماً أن حرية الفرد الخاصة تؤدى لتقليص حرية الحاكم العامة وتحديد حدود صلاحياته.

كما يعلم ذاك الفكر أن حرية الفرد تعنى وجود قانون يحمى تلك الحرية من أن يخدشها أحد ولو كان مسؤولاً كبيراً. هذا بالطبع يتعارض مع مطامحهم التى لا تتحقق إلا إذا ما تم حبس الأفراد فى خندق وهمى اسمه حماية الشرف والأخلاق والعفة ليتفرغ أصحاب المطامح الكبار للشؤون السياسية الكبيرة.

يريدون حريات سياسية بالقدر الذى يوصلهم للسلطة فقط وعدا ذلك فلا شىء يفرقهم عن أى نظام راحل أو حال.

أهم فعل ثورى يقوم به ثوار اليوم هو تغيير مناهج التعليم التى خلت لعقود من تعاريف حقيقية للحريات واحتوت طرحاً مزيفاً عن الإبداع. على التعليم أن يُرجع للكلمة تعريفها الصحيح، أن ينفض عنها الخديعة التى أحلت بها وحولتها لرمز الإثم حتى غدا التعريف: أن تكون حراً يعنى أن تصبح منحلاً. وأن تتحررى يعنى أن تخسرى شرفك وتحلى ضيفة ليلية على البارات.

مهم أن تحتوى مناهج التعليم قصصاً عن العبيد القدامى، عن حكاية الإنسان مع الحرية، عن تضحيات الشعوب لأجل الحرية، عن مناضلات الحركات النسوية القديمة.

مهم أن يفهم الطالب أن الاحترام مقترن بالحرية، وأن تفهم الطالبة بأن احترام المرأة لا يكون بالالتزام بالتقليد فقط أو بحفظها فى معلب وكأنها غير مكتملة النمو، بل يكون باحترامها ومنحها حرية تقرير مصيرها. هكذا يغدو منطقياً أن يفكر كلا الجنسين بالمشاركة السياسية فى بلد تتحول الحرية به إلى ثقافة وحياة، وليس مجرد مطلب تافه يطرحه المعارضون والمنفيون كطقس خطابى متوارث فى ساحة المعارضة لبلوغ غايتهم رغم رأيهم الواضح المستنكر للحريات الاجتماعية ورغم اعتبارهم مسألة تحييد دور المرأة وخنقها جزءاً من تقاليد العرب اللاحياد عنها.

كيف تمنح الحق فى انتخاب حاكم وليس من حقك اختيار مستقبلك؟

ومنذ متى كانت للحرية معايير ورؤى سياسية وجنس يتمتع بها دون الآخر؟

نادين البدير - المصرى اليوم

nadinealbdear@gmail.com


عصام شرف.. وحكومة الهوجة

ليس غريباً أن يتجاور جديد الثورة وقديم النظام الذى تسعى إلى تغييره لبعض الوقت حين تكون ثورة غير مكتملة، وهذه هى الحال فى مصر الآن بعد ثورة ٢٥ يناير التى لم تتولَّ السلطة بشكل مباشر.

فقد تولت هذه السلطة قوة صديقة للثورة، هى القوات المسلحة، وأتاحت الجسور المفتوحة مع مجلسها الأعلى، الذى يدير شؤون البلاد فى المرحلة الانتقالية، دوراً للثورة فى اختيار عصام شرف، الذى استمد شرعيته من الشارع حين ذهب إلى ميدان التحرير عقب تكليفه بتشكيل حكومة شاع اعتقاد فى أنها «حكومة الثورة، أو على الأقل حكومة صديقة للثورة».

وكان المشهد تاريخياً بحق فى ميدان التحرير يوم الجمعة ٤ مارس عندما أعلن «شرف» أن هذا الميدان هو مصدر شرعيته، وبالرغم من أن تساؤلات أثارها استمرار عدد من وزراء النظام السابق فى حكومته، وغموض معايير الاختيار بوجه عام، فقد ظل الأمل كبيراً فى أن تكون تعبيراً عن الثورة بدرجة أو بأخرى.

غير أنه ربما باستثناء شخص رئيس الحكومة، وعدد قليل من وزرائها، لم يكن هناك ما يسند هذا الأمل فى الواقع. وبالرغم من أن «شرف» سعى إلى المحافظة على ميثاق الشرف الضمنى مع الثورة لم يكن حرصه على الاقتراب من الناس كافياً لكى ترتفع حكومته إلى المستوى الذى ينبغى أن تكون عليه حكومة ثورة شارك فيها ملايين المصريين.

ولذلك ربما لم يتجاوز أحد وزرائها (د. زاهى حواس، وزير الدولة للآثار) الواقع عندما قال ما يُستنتج منه أنه يعتبرها «حكومة هوجة».. فعندما أراد تبرير سرقة آثار كان قد نفى فى البداية تعرضها لأى سوء قال إنها كانت «هوجة» ضاعت فيها قطع أثرية.

ويعنى ذلك أنه يعتبر ثورة المصريين «مجرد هوجة»، بالرغم من أنها تعتبر ناجحة حتى الآن. فلم توصف الثورة العرابية، التى افتتح بها المصريون نضالهم الوطنى الديمقراطى فى العصر الحديث، بأنها «هوجة» إلا بعد أن هُزمت ونجح الأعيان الذين خانوها فى تشويهها.

وبين وزراء عصام شرف من يشاطرون «حواس» هذا الرأى حتى إذا لم يُفصحوا عنه، فلم يُضبط بعضهم متلبسين أبداً باستخدام كلمة «ثورة»، فالتعبير الأثير لديهم هو «الأحداث».

وقد يرى بعضنا أن هذه مسألة شكلية، وبالرغم من أن المضمون لا ينفصل عن الشكل، خصوصاً فى لحظات التحول التاريخى، فربما يمكن قبول الفصل بينهما لو أن الأداء يعبر عن اتجاه إلى تغيير حقيقى فعلاً، ولكن الناس لم يلمسوا شيئاً من هذا التغيير فى سياسة معظم الوزراء وفى أداء الحكومة بوجه عام حتى الآن.

ويبدو أن «شرف» تأثر بوزرائه الذين يعتبرون الثورة «هوجة» أو «أحداثا» عابرة» أكثر مما أثر هو فيهم، فقد فات عليه عندما تولى منصبه أن يقدم للشعب الذى يستمد الشرعية منه خطة محددة لحكومته. وعندما انتبه إلى ذلك فى بداية شهرها الثانى، اكتفى ببيان تليفزيونى أسبوعى لطيف يفرط فى الوعظ الوطنى، ولكنه لا يقول ما ينتظره الناس منه.

ولذلك يشعر كثير من المصريين بأن القديم مازال قائماً وأن بعضه يزداد. ولعل أخطر ما فى هذا القديم هو المنهج وطريقة إدارة الأمور على النحو الذى اتضح فى حركة المحافظين، فلم تكن هذه الحركة لتختلف كثيراً لو أنها أُجريت يوم ٢٤ يناير الماضى، ولا يقل خطراً تجاهل احتجاجات أهالى قنا التى بدأت تلقائية، ثم معالجتها بطريقة أظهرت أن المسافة هائلة بين المحتجين و«حكومتهم» فى القاهرة.

فليست حكومة صديقة للثورة تلك التى تستهين بمشاعر قسم من شعبها وترفض تصحيح خطأ ارتكبته، وتتذبذب مواقفها بين إبقاء محافظ مرفوض وقبول استقالته وصولاً إلى قرار مدهش بتجميد نشاطه، وهذا تحايل لا يليق بحكومة يفترض أنها تعبر عن ثورة.

ويعنى ذلك أن عقلية النظام السابق لاتزال موجودة فى هذه الحكومة، وقد ظهر ذلك فى كثير من القرارات والترتيبات منذ إعداد قانون منع التظاهر والاعتصام فى غرفة مغلقة دون أى تشاور، وحتى قرار إنشاء ما أُطلق عليه المجموعة الوزارية للشؤون التشريعية وأمانتها الفنية قبل أيام.

وليست هذه إلا مجرد أمثلة على مدى قوة القديم بعقليته ومنهجه وطريقة إدارته للأمور فى حكومة حلم المصريون بأن تكون قاطرة تنقل مصر إلى عهد جديد باعتبارها حكومة الثورة. أما وأن هذا هو أداؤها حتى الآن فقد نكتشف بعد قليل أنها ليست إلا «حكومة الهوجة» التى سُرقت خلالها الآثار!

د. وحيد عبدالمجيد - المصرى اليوم

امريكا تفرض عقوبات جديدة على سوريا بسبب حملة القمع


واشنطن (رويترز) - فرضت الولايات المتحدة يوم الجمعة عقوبات على جهاز المخابرات السورية واثنين من اقارب

الرئيس السوري بشار الاسد في اول خطوة واضحة تتخذها واشنطن ردا على قمع دموي من اجهزة الامن السورية

للمحتجين.

ولم يرد اسم الاسد الذي يحكم سوريا منذ 11 عاما في قائمة الشخصيات التي فرضت عليها العقوبات بأمر وقع عليه

الرئيس الامريكي باراك اوباما لكن مسؤولا امريكيا رفيعا قال ان العقوبات قد تشمل الرئيس السوري قريبا اذا استمر

العنف الذي تقوم به القوات الحكومية ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية.

وكان ماهر الاسد شقيق الرئيس وعاطف نجيب احد اقاربه من بين خمسة اهداف للعقوبات الامريكية ذات صلة

بمزاعم انتهاكات حقوق الانسان.

وتشير هذه الخطوة الى نهج اكثر حزما من جانب الولايات المتحدة بعد ان انتقدتها جماعات حقوقية بدعوى انها لا

تبذل ما يكفي من الجهد لكبح محاولات الاسد لسحق الانتفاضة ضد نظام حكم الفرد في سوريا.

لكن مسؤولا امريكيا اخر قال ان البيت الابيض "ليس مستعدا" لمطالبة الاسد بالتنحي كما جرى الامر مع الزعيم

الليبي معمر القذافي لان اوباما ومساعديه "لا يريدون ان يسبقوا الشعب السوري."

وتزيد العقوبات التي تتضمن تجميد اصول وحظر تعاملات تجارية مع الولايات المتحدة من حدة اجراءات تفرضها

واشنطن على سوريا منذ عام 2004.

وتثور تساؤلات عما اذا كانت العقوبات الجديدة ضد الدائرة الداخلية للاسد سيكون لها أثر ملموس كبير حيث يعتقد ان

الاصول التي يمتلكها المقربون من الاسد في الولايات المتحدة ضئيلة. لكن مسؤولين امريكيين قالوا انهم يأملون في

ان تتبع الحكومات الاوروبية والاسيوية نفس النهج.


دبلوماسيون اوروبيون: الاتحاد الاوروبي سيفرض حظر سلاح على سوريا


بروكسل (رويترز) - قال دبلوماسيون ان الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي توصلت لاتفاق مبدئي يوم الجمعة

لفرض حظر سلاح على سوريا والنظر في اجراءات تقييدية أخرى ردا على حملة القمع السورية ضد المتظاهرين.

واثناء اجتماع في بروكسل وافق سفراء حكومات الاتحاد الاوروبي بصورة مبدئية على فرض حظر سلاح وستتم

صياغة الاتفاق بصورة رسمية خلال الايام القادمة. وطلبوا ايضا من خبراء في الاتحاد الاوروبي اعداد خطط لاحتمال

فرض حظر سفر وتجميد اصول على القيادة السورية.

وقال دبلوماسي بالاتحاد الاوروبي "حدث اتفاق سياسي على حظر سلاح." واضاف وافقوا ايضا على الاعداد

لعقوبات اخرى.

مجلس حقوق الانسان يدين سوريا ويأمر باجراء تحقيق


جنيف (رويترز) - ادان مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة سوريا يوم الجمعة لاستخدامها القوة القاتلة ضد المحتجين المسالمين وأمر بفتح تحقيق في حوادث القتل وغيرها من الجرائم المزعومة.

وأيد المجلس الذي يضم 47 عضوا في جلسة طارئة في جنيف عقدت بطلب من الولايات المتحدة مشروع قرار أمريكي وذلك بموافقة 26 عضوا واعتراض تسعة وامتناع سبعة عن التصويت.

وقالت الين دوناهو سفيرة حقوق الانسان الامريكية في بيان "اجتمعت الدول الاعضاء لادانة الاساليب الوحشية التي يستخدمها نظام الاسد لاسكات المعارضة السلمية."

واضافت ان ضرورة عقد هذه الجلسة الطارئة "تأكدت بتقارير مزعجة اليوم عن أن النظام يواصل حملته العنيفة في البلدات في انحاء سوريا."

وقال مصدر طبي يوم الجمعة ان قوات الامن السورية قتلت 15 شخصا عندما فتحت النار على الاف المحتجين الذين حاولوا دخول مدينة درعا الجنوبية وهي قلب الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ ستة اسابيع ضد حكم الرئيس بشار الاسد.

وغابت خمس دول من بينها السعودية والاردن وقطر والبحرين عن التصويت الذي جاء بعد مناقشات حامية ومفاوضات جرت في الغرف المغلقة أدت الى تخفيف حدة نص القرار.

وقال رضوان زياده الذي يرأس في المنفى مركز دمشق لدراسات حقوق الانسان لرويترز "انها نتيجة جيدة بشكل عام وكنا نعرف انه سيكون هناك حل وسط."

واضاف "في الوقت نفسه فالدول التي غابت لها دلالة واضحة. قطر والسعودية والبحرين والاردن اربع دول عربية. هذا له دلالة واضحة جدا. انه يخبرك بمدى انعزال النظام السوري. انها خطوة مهمة جدا بالنسبة لنا."

وقالت منظمة حقوقية سورية هذا الاسبوع ان 500 مدني على الاقل قتلوا منذ بدأت الاضطرابات في درعا في منتصف مارس اذار. وتقول السلطات ان عدد القتلى اقل من ذلك بكثير.

وقالت منظمة العفو الدولية ان القوات السورية ترتكب انتهاكات خطيرة دون محاسبة على الاطلاق واعربت عن مخاوفها بشأن مصير مئات الاشخاص المحتجزين.

وقال بيتر سبلينتر ممثل منظمة العفو الدولية في جنيف امام مجلس حقوق الانسان "تلقينا شهادة مروعة مستقاة من مصدرها الاول عن التعذيب وضروب أخرى من سوء المعاملة بمافي ذلك الضرب المبرح بالعصي وكعوب البنادق والكابلات والصعق بالكهرباء والاعتداء الجنسي وهذا مورس ضد محتجزين بعضهم من الاطفال."

وكانت كل من الارجنتين والبرازيل وتشيلي وغانا وزامبيا من بين الدول الرئيسية التي رجحت القرار الغربي.

لكن الصين وروسيا وباكستان صوتت ضد القرار رافضين التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ومتهمين المجلس بالازدواجية في المعايير.

وحذر السفير الصيني قبل التصويت من أن "هذا سيزيد فقط تعقيد موقف حقوق الانسان في سوريا ويزيد التوتر في البلد".

وقال مسؤولون أمريكيون كبار ان الرئيس باراك اوباما وقع يوم الجمعة أمرا تنفيذيا يفرض عقوبات جديدة على المخابرات السورية واثنين من اقارب الرئيس بشار الاسد ردا على الحملة ضد المحتجين.

واضاف المسؤولون أن العقوبات لم تستهدف الاسد لكن قد يتم استهدافه فيما بعد اذا استمرت القوات الحكومية في استخدام العنف ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية. وسوف تشمل العقوبات تجميد أصول وحظر تعاملات مع شركات أمريكية.

وقالت السفيرة الامريكية للصحفيين في وقت سابق "اطلاق الرصاص الحي وارسال القناصة والدبابات لقمع المظاهرات غير مقبول."

وفي اشارة الى سعي سوريا للحصول على عضوية مجلس حقوق الانسان في 20 مايو ايار قالت دوناهو "الحكومات التي تصوب السلاح نحو شعبها لا مكان لها في هذه المجلس."

ودافع فيصل خباز الحموي سفير سوريا في الامم المتحدة في جنيف عن القوات السورية وقال انها تمارس اقصى درجات ضبط النفس لتفادي سقوط قتلى بين المدنيين الابرياء.

وقال ان نحو 60 ضابطا وجنديا قتلوا في اعمال العنف.

وادانت بريطانيا وفرنسا الحملة الامنية العنيفة التي تشنها سوريا وقالتا ان سوريا لا مكان لها في مجلس حقوق الانسان. وقال بيتر جودرهام سفير بريطانيا "الرد المناسب على الاحتجاجات هو الاصلاح لا القمع."

وطالبت منظمة هيومان رايتس ووتش الجامعة العربية بسحب دعمها لترشح سوريا للحصول على عضوية المجلس.

من ستيفاني نيبيهاي

جماعة: عدد قتلى المظاهرات السورية يوم الجمعة يرتفع الى 48 قتيلا


عمان (رويترز) - قال المرصد السوري لحقوق الانسان ان 48 مدنيا على الاقل قتلوا في مظاهرات مؤيدة للديمقراطية في سوريا يوم الجمعة بينهم 13 في بلدة الرستن شمالي حمص.

وقال احد سكان الرستن لرويترز عبر الهاتف ان قوات عسكرية والشرطة السرية ومسلحين موالين للرئيس السوري بشار الاسد هاجموا حشدا كبيرا للمتظاهرين في البلدة كانوا يطالبون "بسقوط النظام" واطلقوا النار عليهم مما اسفر عن مقتل 13 شخصا واصابة 45.


عن ضرورة الدولة العصرية


كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن المفاضلة بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وكانت الأغلبية تفضل الدولة المدنية، وإن كان البعض قد فضل أن يؤكد أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولا يدعو إليها، وأن المطلوب هو دولة مدنية ولكن بمرجعية إسلامية.

قلت لنفسى: هل نحن فى حاجة حقا إلى الانشغال بجدل من هذا النوع، خاصة ونحن لم نكد نخرج من ثورة عظيمة، ولم نكد نتخلص من عهد طويل سيئ مشرق، ونفتح صفحة جديدة تماما عسى أن نبدأ فيها بناء نهضة نعوض بها ما فاتنا، وما أضعناه من وقت ثمين؟

هذه أمة عظيمة مُنيت بحظ سيئ للغاية طوال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية (وقد يفضل البعض أن يقول «بل الخمسين أو الستين عاما الماضية»)، انقطعت خلالها عن مسايرة العالم، حتى كاد يصح عليها ما وصفه بها البعض بأنها «خرجت من التاريخ».

فتفوقت علينا أمم كانت أقل منا شأنا، وليس لها مثل تاريخنا وحضارتنا وتراثنا. تفوقت علينا فى الاقتصاد والقوة العسكرية والتعليم والإنتاج الثقافى، بينما خبنا نحن اقتصاديا وعسكريا وعلميا وثقافيا.

فنجحت تلك الدول فى أن تحقق لشعوبها مستوى معيشيا أفضل، وحظيت باحترام العالم من حولها، وتصدت بنجاح لمن أراد النيل من كرامتها وحقوقها، وساهمت فى تقدم العلم والتكنولوجيا.

بينما جلسنا نحن قانعين بما يلقيه إلينا العالم من فتات موائده، نستجدى الصدقات من هذا الجزء من العالم أو ذاك، ونستعطف دولا صغيرة، راجين ألا تحرمنا من مياه الشرب والرى، ولم يعد لنا حولا ولا قوة نقدم بها النجدة لأصدقائنا وأشقائنا، وننفق ما بقى لنا من مال أو ما نحصل عليه من صدقة على استيراد سلع الاستهلاك الترفى لكى تنعم قلة صغيرة جدا بالرفاهية التى هى أقرب إلى الانحلال الخلقى منها إلى الاستمتاع بالحياة.

يحدث لنا كل هذا ومازلنا نفاضل بين الدولة المدنية والدولة الدينية، دون أن يتطرق الحوار إلى قضية واقعية مهمة، بل يتطرق إلى قضايا من نوع ما إذا كان الاحتفال بشم النسيم حلالا أم حراما.

●●●

إننى أكتب هذا الكلام الآن لأننى ألاحظ تطورا فى حياتنا السياسية والاجتماعية ينحو هذا المنحى الخطير والضار جدا فى رأيى، وهو رفض التعامل مع العالم الحديث، بحجة أفضليتنا الثقافية والأخلاقية.

إننى لا أريد ولا أدعو للتنكر لثقافتنا أو خيانة هويتنا، وقد كتبت كثيرا من قبل فى الدفاع عن هذه الثقافة وهذه الهوية، وفى رفض ترتيب الثقافات بعضها فوق بعضها، ورفض اعتبار الثقافة الغربية أفضل من ثقافتنا العربية والإسلامية أو أى ثقافة أخرى لمجرد تفوقها التكنولوجى.

فالتكنولوجيا الحديثة هى جانب واحد من جوانب الحياة، مهمة حقا ولكنها لا تلغى أهمية نوع العلاقات الاجتماعية والقيم الإنسانية.

ومع ذلك فإننى أعترض بشدة على أن تقتصر مهمتنا على الصراخ بأن ثقافتنا أفضل، دون أن نحاول أن ننتج شيئا يستوحى هذه الثقافة، وأن نكتفى بإعلان أن قيمنا أفضل من قيمهم ثم نستمر فى استيراد واستهلاك السلع والخدمات التى ينتجونها هم، والمشحونة بهذه القيم التى نعلن رفضنا لها.

كذلك علينا أن نكف عن التصرف والكلام وكأن من الممكن أن نعيش بمعزل عنهم.

إن علاج مشاكلنا لا يكون بإغلاق الأبواب والانعزال عن العالم، وإنما بالأخذ بكل أساليب القوة والتكنولوجيا الحديثة، رغم كل عيوبها، هى من أهم أساليب اكتساب القوة. وتعلم العلم الحديث هو أيضا من الشروط الأساسية لاكتساب هذه القوة.

والتظاهر بأننا نستطيع أن نفرض إرادتنا عليهم ونحن بهذه الدرجة من الضعف اقتصاديا وسياسيا، هذا التظاهر ليس إلا نوعا من الانتحار.

وأنا لا أجد موجبا بعد للاقدام على الانتحار،
بل مازال لدينا أمل رغم كل ما أصابنا من تدهور.

نحن لا نريد أن نكون مقلدين أغبياء «للحداثة»، ولكننا نريد أن نشب عن الطوق، ولا نعيد ونزيد فى الجدل عما يصح وما لا يصح فى أمور عفى عليها الزمن. نحن لا نريد أن نكون مثل الشاب الأهوج الذى ينفق أمواله فى تقليد أقرانه فى كل ما يبددون أموالهم فيه مهما كان غبيا وسخيفا، ولكننا لا يمكن أيضا أن نظل خائفين من مخاطر التقدم فى العمر فنظل متشبثين بما تعودنا عليه فى الطفولة والصبا.

لا مفر لنا من ولوج العصر الذى نعيش فيه بكل مخاطره، لأنه أيضا حافل بكل ما تعد به الحياة من طيبات ومسرات. ولا أمل فى الحصول على طيبات الحياة إلا ببعض المخاطر. بل إن الظن بأن التشبث بالماضى هو أفضل طريق للحفاظ على الهوية وتميز الشخصية، هو ظن خاطئ فى رأيى، لأن الإثبات الحقيقى للهوية وتميز الشخصية ليس باجترار الماضى وإعادة تكراره بلا نهاية، بل بالقدرة على مواجهة الجديد وعلى الإبداع فى مواجهة التحديات.

نعم، فى العالم الحديث أشياء كثيرة كريهة: النهم الاستهلاكى، المادية المفرطة، الإباحية الجنسية، استغلال الجنس فى الدعاية التجارية، تفكك العائلة والافراط فى الفردية، الخداع المستمر فى الدعاية التجارية السياسية.. إلخ. كل هذا سيئ، ولكن لا مفر لنا مع ذلك من التعامل مع هذا العالم الحديث. وإذا لم يكن لنا مفر من التعامل مع هذا العالم فلا جدوى من التظاهر بعكس ذلك.

لا يمكن لأحد أن ينكر أن فى ثقافتنا أشياء كثيرة أفضل من ثقافتهم، ولدينا من القيم الكثير مما هو أفضل أخلاقيا من قيمهم، ولكن يجب أن نعترف أيضا أن العكس كذلك صحيح، أى أن فى ثقافتهم أشياء أفضل مما يقابلها عندنا، وبعض قيمهم أفضل مما يقابلها فى قيمنا، وعلى أى حال فالمجال ليس مجال التفاخر والتباهى، بل الموضوع هو كيف تستطيع المحافظة على ما هو أفضل لديك، واقتباس ما هو أفضل عندهم، مع استمرار تعاملك معهم، إذ ليس أمامك فى الحقيقة أى اختيار آخر.

لابد أن ينصرف جهدنا إذن إلى كيفية بناء «المجتمع العصرى» أى مجتمع يعرف كيف يتعامل مع العالم الحديث، ويبنى خلال ذلك قوته حتى يصبح ندا للمجتمعات الأخرى التى سبقتنا، وتصبح له القدرة على أن يفعل ما يتفق مع قيمه وتقاليده، وليس فقط القدرة على التغنى بهذه القيم والتقاليد.

●●●

عندما وقعت الهزيمة العسكرية المشئومة فى 1967، تعددت ردود الفعل من المفكرين العرب فى محاولة تفسير ما حدث، والنصح بما يجب عمله للخروج من المأزق الذى وضعتنا فيه الهزيمة.

وكان من أفضل ما كتب فى هذا الصدد، سلسلة مقالات كتبها الأستاذ أحمد بهاء الدين، لخص فيها الأمر كله بفشلنا فى إقامة «الدولة العصرية». وكان يقصد بذلك بناء دولة تستطيع التعامل ندا بند مع العالم الحديث، بدلا من أن تظل فى موقف التابع الذليل، وما يتطلبه ذلك من بناء المؤسسات الديمقراطية الحديثة، والاعتراف بحرية التعبير وسائر حقوق الإنسان، وإرساء الأسس فى مؤسساتنا التعليمية والثقافية اللازمة لتقدم العلم وممارسة التفكير العلمى، وتحقيق التقدم الاقتصادى اللازم لكل ذلك، ولبناء قوة عسكرية قادرة على التصدى لمخططات المعادين لنا.

ولكن ها قد مر أكثر من أربعين عاما على هذه الهزيمة وهذا التنبيه، فإذا بحالنا الآن، فى كل هذه الأمور، أسوأ مما كان، واسوأ مما كنا عليه منذ مائة عام، عندما كتب الشيخ محمد عبده كلاما له نفس المعنى، ومنبها إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة لا تتعارض مع كل هذا بل تتطلبه وتدعو إليه.

أخذت بعض الدول الإسلامية بعد طول تردد، مثل ماليزيا وتركيا، بنصيحة محمد عبده وأحمد بهاء الدين، ولم نأخذ بها نحن، بل فضلنا أن نصرف جهدنا إلى فرض النقاب على النساء، ظنا منا أن مراعاة الفضيلة تتطلب الاختفاء من الوجود، وإلى تركيب ميكروفونات على المساجد، ظنا منا أن الإسلام يزداد رفعة كلما زاد ارتفاع صوت المؤذن، وإلى الترويج لتفسيرات تنسب نفسها إلى الدين، وتزعم أن نظريات نيوتن وأينشتاين مذكورة فى الكتب المقدسة، واعتدينا على الأقباط وهم خارجون من كنائسهم فى أيام عيدهم، وكأن السماح لهم بالاحتفال بأعيادهم ينطوى على اعتداء على حقوقنا كمسلمين، ثم هتف البعض ضد محافظ جديد ملخصا اعتراضه عليه بأنه غير مسلم، وتفتقت أذهان آخرين عن القول بأن من بين أسباب ضعفنا الاحتفال بشم النسيم..إلخ

إننى أظن أننى أعرف السبب فى هذا التقهقر وهذا الفشل، فقد سلمنا مقاليدنا لرؤساء فعلوا كل شىء ومن شأنه إحداث هذا التقهقر، بعضهم عن وعى تام بما يفعلونه، وبعضهم عن غباء تام، وكلهم مدفوعون بقوى خارجية من ناحية وبنهم لا يمكن إشباعه لتكديس الأموال.

الآن تخلصنا من هؤلاء الرؤساء، فماذا نحن فاعلون؟ هل نعود إلى ما كنا عليه، فنسلم أمورنا إلى نفس النوع من الرؤساء الذين يعملون، بوعى أو بغير وعى، لتكريس نفس الفشل والتقهقر؟

قلم:جلال أمين - الشروق

مثقفون إخوة فى رضاعة الفساد


الإعلام الحكومى واحد فى كل الأنظمة العربية، وكأنهم جميعا رضعوا الكذب والتدليس والبلادة من ثدى واحد، فالذى لم ير فى ملايين الثائرين فى ميدان التحرير إلا مئات من المخربين، وتبجح أكثر وحاول إظهار السمك سعيدا ويرقص فى مياه النيل فرحا وتأييدا للسيد الرئيس المحبوب، هو أخ فى الرضاعة لذلك الإعلامى السورى الذى بلغت به القدرة على الكذب والتزوير أن قال عن المظاهرات العارمة للثوار إنها خرجت لشكر الله على نزول المطر، ولم أكن سأستغرب كثيرا لو قال إن الشعب خرج يشكر الله والرئيس معا على المطر.

إنه خطاب واحد فاسد على الجانبين، يتنافس فى ذلك إعلاميون ومثقفون يفترض أنهم ضمير الأمة، غير أن الأيام أثبتت أنهم لسان السلطة المستبدة، فالذى تجرد من كل قيمة إنسانية محترمة وأعلن على الهواء مباشرة أن بعض المعتصمين فى ميدان التحرير متعاطو مخدرات وممارسو جنس جماعى، لا يختلف عن أخيه السورى فى رضاعة الفساد والتضليل الذى يروج لأن جيش حافظ الأسد يطلق الرصاص ويقصف بالدبابات عصابات الشوارع وليس الثوار والمتظاهرين.

الأول ذهب إلى أن المصريين شعب من الحشاشين وزبائن الجنس الجماعى، والثانى انتهى إلى أن الشعب السورى الغاضب ليس إلا عصابات إجرامية تمرح فى الشوارع.. ومن أسف أن المثقفين السوريين لم يسمع لهم صوت حتى الآن دفاعا عن أبناء شعبهم الذين تحصد أرواحهم يوميا بالعشرات، بل سقط معظمهم فى مستنقع الدفاع عن همجية ودموية النظام الباطش، لكن الأخطر أن سقطوا فى جب الطائفية، وانخلعوا تماما من كل القيم الأخلاقية والاجتماعية التى طالما تشدقوا وطنطنوا بها.

غير أن المطمئن فى المسألة أن هذه ثورات شاملة، لا تستهدف إسقاط نظم حكم مستبدة وفاشلة فقط، بل أيضا هى ثورة على أنظمة إعلامية مارست طويلا تزييف الوعى العربى وقصفه بكل الأسلحة.. وكلما تمادت هذه الأصوات فى الإساءة والتشويه للأحلام الشعبية المشروعة، اكتسبت هذه الأحلام والأشواق المتطلعة إلى التغيير المزيد من الأنصار والمشاركين.

وإذا كانت «موقعة جمل» واحدة قد أججت روح الثورة المصرية، فقد نفذ الأسد أكثر من موقعة جمل، وارتكب أكثر من مجزرة وهو ما يقدم دعما هائلا للثورة السورية، التى ستكتمل رغم أنف أعدائها.

إن التطابق فى الحالتين المصرية والسورية يكاد يكون كاملا، وإذا كان بعض القراء «الأذكياء جدا» قد استنكروا أن أقول فى مقال سابق «الأسد يلتهم نصف مصر الشمالى» وأزعجهم كثيرا هذا الوصف، فإننى أكرر هنا أن «مصر هى نصف سوريا الجنوبى» فقد كنا دولة واحدة فى فترة مرت كلمح البصر، وأظن أن ما بين الشعوب العربية أعمق وأكبر من أنظمة الحكم التى لا تتورع عن ارتكاب المجازر كى تبقى على عروشها

قلم:وائل قنديل - الشروق

إكرام الميت دفنه وإكرام السباعى عزله


السباعى أحمد السباعى.. اسم يثير الفزع والغضب فى مصر الآن، تحدث الرجل على فضائية «أون تى فى» فصرخ الناس فى المنزل، وأعلنوها حربا على شبكات التواصل الاجتماعى حتى إسقاطه.

السباعى كبير الأطباء الشرعيين أثار العديد من المخاوف والهواجس حين قال الشىء ونقيضه فى ظرف 24 ساعة، فقد أعلن أن الحالة الصحية للرئيس المخلوع تسمح بنقله إلى مستشفى سجن طرة، ثم عاد وقال العكس مستخدما توليفة من المفردات والمصطلحات الطبية «الملعبكة» لكى يفتى بأن نقل مبارك من شرم الشيخ إلى القاهرة فيه خطورة على حياته لأنه مصاب بارتجاف فى الأذين.

والدكتور السباعى قد يكون عبقرى زمانه فى الطب الشرعى وغير الشرعى أيضا، لكنه بكل تأكيد لا يصلح لهذه الفترة، ووجوده على رأس مصلحة الطب الشرعى بعد الثورة يعنى أننا كمن يعطى إشارة إلى اليمين ثم يتحرك فجأة إلى اليسار، فالسباعى هو صاحب التقرير الفضيحة الذى قال إن الشاب خالد سعيد شهيد الطوارئ والقمع البوليسى توفى لأنه ابتلع لفافة بانجو، وهى اللحظة التى تخلق فيها جنين الثورة فى رحم الغضب المصرى النبيل من القهر والفساد والاستبداد.

وأظن أن الجميع، بدءا من المجلس العسكرى مرورا بمجلس الوزراء، انتهاء بالمواطن المصرى يعلمون أن ثورة 25 يناير انطلقت من صفحة على «فيس بوك» اسمها كلنا خالد سعيد، واختارت يوم الاحتفال السنوى بعيد الشرطة لكى تدفع بالملايين من أبناء مصر لمواجهة الطغيان وامتهان الكرامة الإنسانية، أى أن الدكتور السباعى شخصيا كان أحد أسباب اندلاع هذه الثورة ونجاحها، وبمعنى أوضح فقد قامت الثورة ضد السباعى وما يعبر عنه ويمثله.

وبعيدا عن أن كلام السباعى على شاشة التليفزيون جدد اشتعال النيران فى صدور المصريين غضبا مما اعتبروه تلاعبا بالتقارير والمصطلحات لتبرير بقاء مبارك ملكا متوجا على عرش دويلة شرم الشيخ فإن الأخطر من ذلك بمراحل ما نشره الزميل ممدوح حسن فى «الشروق» أمس على لسان محقق قانونى فى مصلحة الطب الشرعى وأكد فيه أن كبيرهم الدكتور السباعى متهم بالضغط على أطباء المصلحة لكتابة تقارير مغلوطة عن شهداء ثورة 25 يناير المجيدة، وقال إن الكثيرين استشهدوا بطلقات نارية وتمت كتابة تقارير عن وفاتهم بالغاز، بل إن المصدر نفسه ذكر أسماء بعينها لشهداء جرى التلاعب فى التقارير الخاصة بأسباب وفاتهم.

ولو وضعت كل ذلك بجوار ما رواه أقارب شهداء الثورة عن المهازل التى اكتشفوها لدى توجههم للسؤال والبحث عن جثث أبنائهم فى مصلحة الطب الشرعى، فضلا عن التناقض الفادح بين المثبت فى الأوراق الرسمية عن مواعيد الوفاة، وبين الواقع الفعلى، ستكتشف أن رائحة عفن تفوح من المصلحة، وبكل تأكيد فإن مصدرها ليس جثث الموتى.

إن مصر تغلى الآن نتيجة استفزازات السباعى، بما يجعل بقاءه فى موقعه كفيلا بخروج أكثر من مليونية، لا تطالب فقط بإقصائه، بل تصل إلى أبعد من ذلك.

وكما أن إكرام الميت دفنه، فإن إكرام السباعى عزله من منصبه

بقلم:وائل قنديل - الشروق

اندلاع مظاهرات حاشدة في سوريا في تحد لانتشار الجيش


دمشق (رويترز) - تظاهر عشرات الالاف من السوريين في مراكز حضرية يوم الجمعة تضامنا مع مدينة درعا المحاصرة وللمطالبة بحريات سياسية في تحد لانتشار قوات الجيش والامن بكثافة.

واندلعت المظاهرات في واحدة على الاقل من ضواحي العاصمة دمشق وفي مدينة حمص بوسط البلاد وبلدة بانياس الساحلية وايضا في شرق سوريا. وقال شهود وزعيم معارض وجماعة مدافعة عن حقوق الانسان ان مظاهرتين صغيرتين بدأتا أيضا في وسط دمشق.


Photo

Thursday, April 28, 2011

عندما نتكلم يجب أن تنصتوا

كان البروفيسور دنيس ويبر واحداً من أهم علماء الطب فى العالم، كان متخصصاً فى علم الأنسجة (الهيستولوجى) وقد جابت شهرته الآفاق، حتى أنه خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، نادراً ما صدر مرجع فى الهيستولوجى دون أن يضم بحثاً مهماً للدكتور ويبر..

كان من حظى السعيد أن تتلمذت على يد هذا العالم الكبير فى جامعة إلينوى بالولايات المتحدة، إذ كان أحد المشرفين على رسالتى للماجستير وتلقيت على يديه أكثر من فصل دراسى (كورس)، وأذكر ذات مرة أنه كان يدرس لنا فى أحد الفصول الدراسية، كنا مجموعة صغيرة من طلاب الدراسات العليا من مختلف دول العالم، وكان الدكتور ويبر يطلب منا قراءة أبحاث معينة وتلخيصها أمام زملائنا ويناقشنا فيها ثم يقيّم أداءنا بنفسه. بعد أسبوعين من بداية الفصل الدراسى فوجئنا بالدكتور ويبر يقول:

ــ أريد من كل واحد فيكم أن يقول ما عيوب هذا الفصل الدراسى فى رأيه؟ اندهشت من السؤال ولأننى كنت أول الجالسين فكان لابد أن أتكلم، الحق أننى لم أجد ما أعيبه على أداء هذا العالم الكبير لكن بقية الطلبة راحوا، واحداً بعد الآخر، يعبرون باحترام وصراحة تامة عن ملاحظاتهم السلبية.. قال أحدهم إن الأبحاث المطلوب قراءتها كثيرة وأحياناً تكون خارج الموضوع وقالت طالبة إنها تحتاج إلى شرح أكثر من الدكتور ويبر لأنه كثيراً ما يمر على بعض النقاط بسرعة وهو يظن أننا نفهمها..

توالت الانتقادات على الدكتور ويبر وظل هو يستمع بانتباه وهدوء ويسجل كل كلمة تقال.. ثم تكلم أخيرا فاستجاب لبعض الملاحظات ووعد بتلافى الأخطاء ثم شرح لنا أن بعض طلباتنا لا يمكن الاستجابة لها وذكر لنا الأسباب. وفى نهاية الدرس ابتسم وقال:

ــ أشكركم جميعا على هذه الملاحظات لأنها أفادتنى كثيرا.

خرجت من الفصل وأسئلة عديدة تتردد فى ذهنى: لماذا يحرص عالم كبير على الاستماع إلى نقد لعمله من طلبة مبتدئين لا وزن لهم إطلاقا فى العلم بجوار مقامه الرفيع؟ لماذا لم يحدد الدكتور ويبر كل شىء فى الدرس بقرارات نهائية لا تقبل النقد أو النقاش؟! لماذا اعتبر الدكتور ويبر نقد الطلبة لطريقته فى الشرح شيئاً مفيداً ولم يعتبره تطاولاً أو وقاحة؟

إن الدكتور ويبر بالطبع، شأن كبار العلماء دائما، شخص مهذب ومتواضع لكن هناك سببا موضوعيا لسلوكه: أنه نشأ فى مجتمع ديمقراطى حيث ترتبط السلطة بالمسؤولية واحترام الآخرين، بينما فى مجتمع الاستبداد تقاس السلطة بالقدرة على البطش.

المسؤول الديمقراطى يحترم كرامة الناس وينصت باهتمام لآرائهم ويسعى دائما لإجابة مطالبهم ولا يجد غضاضة فى التراجع عن أى قرار اتخذه إذا ثبت أنه خطأ.

أما المسؤول الاستبدادى فهو يفرض قراراته على الناس بالقوة ولا يسمح بأى نقد لتصرفاته ويعتبره تطاولاً وقلة أدب، وحتى إذا تيقن من أن قراره خطأ فهو لا يتراجع عنه أبداً حفاظاً على هيبته..

هذا التباين فى مفهوم السلطة نراه بوضوح فى سلوك الحكام أنفسهم. الحاكم الديمقراطى المنتخب يعلم أن أفراد الشعب هم الذين منحوه منصبه وهو يعتبر نفسه فى خدمتهم ويسعى لإرضائهم، أما الحاكم المستبد فقد استولى على السلطة وحافظ عليها بالقوة وبالتالى لا يهمه إرضاء الشعب بقدر اهتمامه بالاحتفاظ بقدرته على القمع لأنها الضامن الوحيد لحكمه.

هكذا كان مفهوم حسنى مبارك لممارسة السلطة فهو لم يحترم قط إرادة المصريين ولا كرامتهم، ولم يفوت فرصة واحدة للتهكم عليهم والتقليل من شأنهم.. القرار عند حسنى مبارك كان ما يريده هو لا ما يريده الناس، وهيبته تمثلت لديه فى قدرته على فرض كل ما يريده على المصريين حتى لو كان لا يوافق رغباتهم ولا مصالحهم..

الشعب فى نظر مبارك قاصر، عاجز عن إدراك مصالحه وهذا ما دفعه إلى التأكيد مراراً على أن البديل الوحيد لحكمه هو الفوضى لأن الشعب المصرى لا يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه فى نظام ديمقراطى. بعد ثلاثين عاما من الاستبداد أوصل حسنى مبارك مصر إلى الحضيض فى كل المجالات، ثم اندلعت الثورة العظيمة فى ٢٥ يناير التى تلخصت أهدافها فى هتاف شهير ردده ملايين المصريين: تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية.

دفع المصريون ثمناً باهظاً للثورة: مئات الشهداء والمصابين وآلاف المفقودين، ثم قامت القوات المسلحة بحماية الثورة ورعاية الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية.. المصريون يحسون بامتنان لقواتهم المسلحة على دورها العظيم، لكننا فوجئنا الأسبوع الماضى بقرارات تعيين المحافظين الجدد التى خيبت آمال الناس حتى أحسوا وكأن حسنى مبارك لايزال يحكم مصر.

معظم المحافظين الجدد ينتمون إلى نظام مبارك الفاسد، منهم من شارك فى تزوير الانتخابات ومنهم من استعان بالأمن للقبض على الطلبة الناشطين السياسيين داخل الحرم الجامعى، ومنهم متهمون بوقائع فساد مالى بل إن العديد من المحافظين الجدد ضباط سابقون فى أمن الدولة متهمون بقمع المصريين وتعذيبهم وهتك أعراضهم، حتى إن الدكتور أيمن نور، رئيس حزب الغد، اتهم محافظ قنا الجديد اللواء عماد شحاتة ميخائيل بالإشراف بنفسه على ضربه وتعذيبه عام ٢٠٠٧.. وهكذا فإن المسؤول عن هذه القرارات بدلا من محاكمة ضباط أمن الدولة على جرائمهم البشعة قرر أن يكافئهم بتعيينهم محافظين.

كنا نتوقع من حكومة الثورة أن تجعل منصب المحافظ بالانتخاب الحر المباشر كما يحدث فى الدول الديمقراطية المحترمة. الانتخاب هو الطريقة المثلى لتصعيد الكفاءات واحترام إرادة المواطنين. إذا قيل إن الظروف الحالية لا تسمح بانتخاب المحافظين فقد كان من الممكن على الأقل اختيار وجوه جديدة لها تاريخ نظيف لم تشترك فى الفساد والقمع والتزوير.. لقد احترت فعلاً فى فهم الحكمة من تعيين هؤلاء المحافظين بهذه الطريقة. من الذى اختار هؤلاء المحافظين؟

هل هو المجلس العسكرى أم الحكومة؟ هل يعيش صانع هذا القرار بمعزل عما يحدث فهو لم يسمع بالثورة، أم أنه يريد أن يقول إن الثورة وإن كانت قد أطاحت بمبارك نفسه إلا أنها لن تغير من طريقة توزيع المناصب على أهل الثقة بدلاً من أهل الكفاءة؟

كان من الطبيعى أن تندلع مظاهرات عنيفة فى محافظات عديدة اعتراضاً على تعيين هؤلاء المحافظين.. وقد وصلت الاحتجاجات فى محافظة قنا إلى حد مقلق. قنا محافظة لها طبيعة خاصة لم يفهمها أو لم يهتم بفهمها من اختار المحافظ الجديد. نفوذ القبائل الكبيرة فى قنا يلغى دور المجتمع المدنى المستقل تماماً فكل ما يحدث فى قنا يقرره زعماء القبائل وينفذه أبناؤها، أضف إلى ذلك أن قنا مثل سائر محافظات الصعيد قد لحق بها ظلم فاحش فى عصر مبارك.

فقر وبطالة وإحباط وإحساس يتأكد كل يوم بأن الدولة لا تهتم بأهل الصعيد ولا تأبه لمعاناتهم. كل هذه العوامل ضاعفت من حجم المظاهرات فى قنا لكن الحكومة المصرية عالجت الأزمة بالطريقة القديمة: تجاهلت ما يحدث فى قنا كأن شيئاً لم يكن، ولما زادت الاحتجاجات حاولت الحكومة امتصاص الغضب عن طريق لجان الحوار التى لا تفضى إلى أى شىء، وهى طريقة قديمة أيضا لم يعد أحد يقتنع بجدواها.. إذ إن الحوار مع السلطة إن لم يكن ملزماً لها يتحول فى الحقيقة إلى دردشة بلا طائل. مع تزايد الاحتجاج فى قنا خرج علينا الدكتور يحيى الجمل بآخر عجائبه فبدلاً من احترام إرادة الناس ومشاعرهم صرح سيادته قائلا:

ــ إن محافظ قنا الجديد باق فى منصبه وهو لم ولن يقدم استقالته.

كانت الرسالة التى يوجهها الجمل إلى أهل قنا تقول بوضوح: إن رأيكم بلا قيمة وبلا تأثير.. أنا الذى أقرر ما أريده فى الوقت الذى أريده، وسواء شئتم أم أبيتم فسوف تقبلون كل ما أمليه عليكم وأنتم صاغرون.

هذا المنطق الاستبدادى الذى كان سائداً قبل الثورة لا يصلح إطلاقاً بعدها. من هنا فما إن ذاع تصريح يحيى الجمل حتى اتسعت رقعة الاحتجاجات فى قنا وتسارعت وتيرتها، واستغل الأزمة المتربصون بالثورة من فلول الحزب الوطنى وعناصر مباحث أمن الدولة، فدفعوا بالمظاهرات إلى اتجاه عنيف وخطير إذ أوعزوا إلى أتباعهم بتعطيل قطار الصعيد وإغلاق الطرق السريعة، ثم تم الدفع ببعض المتطرفين من عملاء الأمن ليعطوا المشكلة صبغة طائفية، فبدأوا يعلنون أنهم يرفضون المحافظ الجديد ليس لأنه ينتمى إلى النظام الساقط وليس لأنه متهم بالتعذيب وقتل المتظاهرين، ولكن لأنه قبطى كافر، وفى تصرف غير مسبوق قام المتطرفون برفع أعلام المملكة السعودية بدلاً من أعلام بلادهم مصر. إن الاختيار الخاطئ للمحافظين وتردد الحكومة وتصريحات الجمل الاستفزازية، كل ذلك منح فرصة ذهبية للمتآمرين على الثورة لإحداث الفوضى وإشعال فتنة طائفية قد تحرق مصر كلها.. إننا نطالب الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء الذى نحبه ونقدره جميعا، بأن يعلن موقفاً واضحاً من هذه الأزمة؟! هل يوافق، وهو رئيس حكومة الثورة، على تعيين محافظين متهمين بالتعذيب والقتل والفساد؟ ولماذا لا يتم إلغاء هذه القرارات الخاطئة فورا؟

إن مصر دخلت عصراً جديداً لا خوف فيه ولا خنوع ولا إذلال وكل من يتجاهل هذه الحقيقة سوف يجبره الشعب على الاعتراف بها. لم يعد ممكناً فى مصر الثورة أن نفرض على الناس بالقوة قرارات خاطئة وفاشلة يعلمون أنها ستضرهم. إن ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع وواجهوا الموت من أجل الحرية حتى خلعوا حسنى مبارك من الحكم لن تستطيع أى قوة بعد ذلك أن تفرض عليهم ما لا يريدونه.

إن التمسك بقرارات ظالمة وخاطئة بدعوى المحافظة على هيبة الدولة مفهوم مغلوط عفا عليه الزمن، لأن الدول المحترمة تتحقق هيبتها من احترام إرادة مواطنيها وليس عن طريق قمعهم. من الآن فصاعدا فإن المواطن البسيط، حتى ولو كان كناساً فى الشارع، سيكون من حقه أن ينتقد رئيس الدولة ويحاسبه على سياساته وقراراته. عندما يقرر الشعب أنه لا يريد مسؤولاً ما، مهما كان منصبه، فيجب ألا يبقى هذا المسؤول فى موقعه يوماً واحداً. إن السيادة للشعب المصرى وحده، وإرادة الشعب فوق أى سلطة مهما كان نفوذها.. عندما نتكلم يجب أن تنصتوا.

الديمقراطية هى الحل

علاء الأسوانى - المصرى اليوم
ما بعد الثورة

تعانى مصرنا من عدة مشكلات كبرى من أخطرها مشكلة الانفجار السكانى واكتظاظ القرى فى الريف والأحياء الشعبية والعشوائيات السكنية فى المدن والأقاليم، هذه المشكلة المتفاقمة نتجت بسبب فشل السياسات التى انتهجتها حكومات النظام البائد..

وقد أدى هذا الانفجار السكانى الذى نعيش فيه اليوم إلى تدهور الناتج القومى للأراضى الزراعية ونهر النيل بفروعه والبحيرات الشمالية وبحيرة قارون.. وفى ظل الإهمال والتسيب وتغييب القانون تلوثت المجارى المائية والأراضى الزراعية بالإسراف فى استخدام المبيدات المسموح به منها والمحرم، وتآكلت الأراضى الزراعية الخصبة، وضاق المكان بالبشر، وانعدمت قدرة الطاقة الاستيعابية للطرق والممرات والكبارى، وتزايدت أعداد العناصر البشرية فاقدة التأهيل والإعداد الحرفى والتعليمى، وتحولت إلى تجمعات بشرية تمثل أعباء على المجتمع والدولة. فى هذا الوسط الاجتماعى تتربى مفارخ للصراعات الطائفية والعشائرية والعائلية.

ما العمل؟

لقد وصل بنا الحال إلى أن الكيلومتر المربع يعيش عليه ألف شخص! ومازالت ٩٦٪ من مساحة البلاد أرضاً صحراوية خالية.. لقد أصيبت مصر بما يمكن أن نطلق عليه «خراب الحياة»، ويمكننا أن نرى مظاهر هذا الخراب فى العاصمة نفسها وفى ضواحيها والعشوائيات التى تحاصرها، ويمكن أن نراه فى «الريف المصرى» الذى كان رائعاً فى جماله وصفائه...

عندما نعود لنقرأ من وقت لآخر فى «شخصية مصر» ونسمع جمال حمدان يتكلم عن «اللاند سكيب» المصرى ندرك أن مصر على مدى تاريخها الطويل لم تشوه ولم تقبح بهذا الشكل أبداً.

كل هذا القبح وتشوه المنظر وتلاشى مظاهر الجمال من الحياة ينعكس على نفسية الإنسان ويؤثر تأثيراً سلبياً فى السلوك وفى العلاقات الاجتماعية وأحياناً يصيب الإنسان بمرض الغربة فى الوطن...

لكن: من قلب هذا القبح والطحن اليومى المتواصل للإنسان تنفجر الثورة وينبثق شعاع من الجمال، فنرى الشباب ينطلقون يجملون الميادين والشوارع...

نعم اليوم ينفتح الأفق أمامنا لنرى من جديد أحلامنا المجهضة، فها هى مصر الجديدة تفيق وتصحو لتنادى أبناءها من كل حدب وصوب، ليقدموا إليها إبداعاتهم وجهودهم المخلصة وأهمها المشروعات النهضوية الكبرى! مشروع ممر التنمية لصاحبه العالم فاروق الباز يعرض الآن ويناقش مع رئيس الوزراء...

وعندما يذكر ممر التنمية يجدر بنا أن نُذكر بمشروع الدكتور رشدى سعيد «دلتا جديدة لمصر» الذى أعلنه فى مارس من عام ١٩٩٦ على ما أذكر.. هذه المشروعات التنموية الكبرى تغير وجه الحياة فى مصر كلها: وادى النيل والدلتا والصحراء.

مشروع الدكتور رشدى سعيد يطهر الدلتا بأرضها وجوها وأنهارها وكل المجارى المائية فيها، ويخلصها من التلوث ويكسبها أرضاً خصبة لمصر لا تقارن فى عطائها وكفاءتها بأى أرض حديثة الاستصلاح، هذه الأرض التى صنعها النيل على مدى عشرة آلاف سنة.. تتآكل الآن ويفقدها الاقتصاد القومى «قبل حوالى ٤٥ ألف فدان اختفت تحت الأسمنت المسلح فى أيام الثورة».

إذا استمر الحال على ما هو عليه فإنه بعد ١٨٣ سنة سوف تغطى جميع الأراضى الزراعية بالأسمنت! أى خطر يحدق بنا؟ لماذا لم يستمعوا إلى جمال حمدان حين قال ونصح: «الطين للزراعة والرمل للعمران»؟

ولماذا لم يأخذوا بما بحثه رشدى سعيد وحذر منه طيلة أربعين سنة ثم جمعه ونشره فى كتابه القيِّم: «الحقيقة والوهم فى الواقع المصرى»، يخطط رشدى سعيد لنقل المصانع إلى الصحراء، ويقول إن ٨٠٪ من هذه المصانع تحتاج لعمليات إحلال وتجديد وبدلاً من تجديدها وهى فى الدلتا تنقل إلى الصحراء حول حقول الغاز، وسوف تنشأ عندها مدن صغيرة وتجمعات سكنية بالخدمات والمرافق التعليمية والصحية، تجذب إليها ملايين العاملين وأسرهم من الوادى المتفجر بالسكان.

هذه المشروعات الكبرى سوف تستوعب بداخلها العديد من المشروعات المتوسطة والصغيرة، وتستوعب الخبرات العلمية المصرية المعطلة التى لا تجد آذاناً صاغية ولا فرصاً مواتية لتطبيق ابتكاراتها فى أرض الواقع العملى...

فى هذا المشروع الكبير يمكن لعشرات الابتكارات والمخترعات أن ترى النور.. والأيام التى نعيشها الآن تدعونا للتفاؤل وتبعث فينا الأمل والنظر إلى المستقبل فنقول: «إنه عند تمام هذه المشروعات سوف يتغير وجه مصر جغرافياً وبيئياً وسوف تنشأ علاقات اجتماعية جديدة وإيقاع حياة يختلف عما نحن فيه الآن.. أى نمط حياة أفضل كثيراً.. نحمد الله أن رشدى سعيد عاش معنا ليرى الثورة وها هى مصر الثورة تناديه ليعيد طرح مشروعه الحضارى العظيم.. إن أجل تقدير للعلماء هو تطبيق نظرياتهم على أرض الواقع فى أوطانهم.. لقد جاء الوقت لتعويض ما فات من خسارة وحانت ساعة العمل البناء.

عبدالعزيز مخيون - المصرى اليوم

makhyoun@hotmail.com



كى لا يتفتت ضمير الثورة

سؤال اللحظة الدقيق هو: هل لثورة يناير ضمير وطنى جامع أم أصبح لها من (الضمائر) قدر ما شارك فيها من ثوار؟ للوهلة الأولى اكتشفنا فى ثورة يناير ضميراً وطنياً جامعاً. فالثورة منذ اندلاعها بدت تعبيراً عن مجموعة من القيم والمثل والمطالب العادلة التى ارتفعت فوق انتماءات المصريين الدينية والفئوية والمهنية والاجتماعية. لكن وبمرور الوقت وتعقُّد حركة الأحداث وظهور محاولات إرباك الثورة وشق صفوفها بدا لى- وأرجو أن يكون ظنى مخطئاً- أن هذا الضمير الوطنى الجامع للثورة يكاد يتفتت إلى مجموعة من الضمائر المتفرقة التى لا أشك فى إخلاص أحدها، لكنى أعتقد فى المقابل أنها تهدد مسيرة اكتمال الثورة وجنى قطافها.

(١)

كان موقف الإخوان المسلمين فى البداية من أسباب وحدة الضمير الوطنى الجامع للثورة. جميعنا يتذكر دورهم الكبير فى حماية الثورة والذود عن ميدان التحرير ليلة ٢-٣ فبراير، حين كادت عقارب الساعة تعود إلى الوراء بفعل ما سُمى«موقعة الجمل». ومن الإنصاف أن نذكر ما لاقاه أعضاء الجماعة من عنت واضطهاد وملاحقة وزجٍّ فى المعتقلات والسجون. وكان التحاقهم بباقى الجماعة الوطنية وذكاؤهم فى الابتعاد المتعمد عن صدارة المشاهد الأولى للثورة بشائر أثلجت الصدور، لكن سرعان ما تلاحقت التصريحات المثيرة للتساؤل من الإخوان وغيرهم من القوى الإسلامية والسلفية الأخرى بما يجعلها أبعد من أن تكون زلّة لسان!

كان تصريح تطبيق الشريعة الإسلامية بعد إقامة الدولة الإسلامية مثيراً لتساؤل البعض وقلقهم. لم يكن الحديث عن إقامة الحدود هو ما أثار الانتباه بقدر ما كانت الإشارة إلى تمكين الدولة الإسلامية. بدا فى الأمر قفز غير مفهوم على أولويات الثورة، وأولويات الوطن، بل أولويات الجماعة نفسها. وسبق ذلك تصريح آخر خطير صدر هذه المرة عن التيار السلفى، حين صرّح الداعية السلفى محمد حسين يعقوب بأن من لا تعجبه نتائج التعديلات الدستورية فليبحث لنفسه عن مكان آخر فى أمريكا أو كندا. ونحن نعلم- يقول الداعية الكبير- أن لديهم تأشيرات! هذا كلام يضر بأكثر ما يفيد.

كنا ننتظر أن يقال إن النموذج الإسلامى الذى نسعى إليه هو الذى يحتضن كل أبناء الوطن، مسلمين وغير مسلمين، بدلاً من الدعوة إلى الهجرة خارج مصر لإخوة لم يعرفوا غير مصر وطناً، لهم فى مصر بقدر ما للجميع.

كلام آخر عبَّر عنه المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، فى مؤتمر بالإسكندرية منذ أيام. كان لافتاً أن يقول المهندس خيرت الشاطر: «إننا لن نقبل بأى نموذج يصدر إلينا من خارج مصر، ولا يوجد أى نظام فى أى دولة يمثل النموذج الإسلامى فى الحكم، ولكننا-يضيف قائلاً- نريد نموذجاً مصرياً يبهر العالم». هذا كلام طيب.

لكن ما يستدعى التساؤل هو قوله فى الخطاب ذاته مثلما نشر فى «المصرى اليوم» (عدد ٢٣ إبريل الحالى) «إن الجماعة تستعد للحكومة الإسلامية كمرحلة تالية لتطبيق نهضة مجتمعية على أساس مرجعية إسلامية بهدف الوصول إلى مرحلة سيادة العالم وعودة الدولة الإسلامية». بدت عبارة (سيادة العالم) مثيرة وغامضة. وحين اتصلت بأحد أصدقائى من جماعة الإخوان فى الإسكندرية للاستفسار عن صحة العبارة عاود الاتصال بى بعد قليل قائلاً إن المهندس الشاطر كان يقصد (أستاذية العالم) وليس (سيادة العالم).

كان التوضيح باعثاً على طمأنينتى نظراً لما تختزنه عبارة (سيادة العالم) من إيحاءات وهواجس ومخاطر للجماعة ذاتها قبل أن تكون للآخرين. لكن أعترف بأن عبارة (أستاذية العالم) قد استوقفتنى بشدة. ولا شك أن التعبير مثير وقيل إنه منسوب إلى الإمام حسن البنا، مؤسس الجماعة. ومن حق جماعة الإخوان المسلمين مثلما أن من حق أى تيار فكرى أو عقائدى أن يعتقد فى فكره ما يلهم العالم. الماركسيون أنفسهم كانوا يرون أن فكرهم قادر على تغيير العالم لكى تسود طبقة البرولتاريا، والمفكر الأمريكى ذو الأصل اليابانى فوكوياما بلغ انحيازه إلى الليبرالية حد اعتبارها نهاية التاريخ لتجبَّ بذلك وتتجاوز كل ما عداها من فلسفات ونظريات أخرى، فلماذا لا يكون من حق الإخوان وهم يرون فى إنسانية الإسلام وطابعه (الأممى) بالتعبير السياسى الحديث عن أستاذية العالم؟ ليس هذا تحديداً ما يثير القلق فى ذاته. الجدير بالقلق هو أن جماعة الإخوان وقد كانت شريكاً رئيساً فى الثورة تبدو وكأنها تعود إلى شرنقتها لتنسج مشروعها العقائدى والأممى بينما الثورة-ثورتهم وثورة كل المصريين- تتهددها الأخطار وتحدق بها المؤامرات من كل جانب.

(٢)

ليس الإسلاميون وحدهم على تنوع فصائلهم هم الذين يتملصون فى التوقيت غير المناسب من مسؤولية الضمير الوطنى الجامع للثورة. الآخرون يفعلون ذلك أيضاً. أحزاب وقوى الثورة التى تتفتت قبل الأوان وتقودها نرجسيتها الجديدة (وللثورة أيضاً نرجسيتها) إلى إعلان عدد من الأحزاب والتجمعات أصبحنا نجد منذ الآن صعوبة فى تتبعها مع أن المشترك بينها واسع وكبير. المشهد السامق النبيل الذى اكتست به الثورة بالأمس القريب يوشك أن يتحول اليوم إلى (كرنفال) سياسى متعدد الألوان. لا ضير فى ذلك، فمن حق الجميع أن يدافع عن مشروعه ويسعى إلى اكتساب قواعد شعبية تقوده إلى مقاعد البرلمان. لكن هذا التعجُّل غير المفهوم فى التجزئة والتفتت بدلاً من تكوين جبهات قوية موحدة-على الأقل فى المرحلة الراهنة- يخلق حالة تشرذم بين الثوار. يحدث هذا فى وقت لم تنجز الثورة بعد خطوتها الأولى على طريق إقامة حياة ديمقراطية سليمة، فماذا نحن فاعلون فى الغد إذا كان هذا هو حالنا اليوم؟

المقلق أكثر أن التصريحات المتبادلة بين شركاء الثورة قد أسهمت فى صنع حالة استقطاب سياسى جديد ومقلق. والاستقطاب هنا لا يعنى فقط أن يتمترس كل حزب أو تيار خلف مشروعه الخاص، بل يعمّق شكوكاً قديمة بين مختلف الأطراف. وفى مناخ الشكوك تترعرع كل الأشياء السلبية الأخرى. بل إن الأمر قد وصل إلى حد أن أحداً لم يعد يعجب أحداً فى صفوف الثوار أنفسهم، واعتقد البعض أن ثوريتهم تحصنهم من الآفات ذاتها التى أسقطت النظام السابق.

(٣)

من يتابع النقاش العام المحتدم اليوم فى مصر منذ الموافقة على التعديلات الدستورية- وقد كنت أحد المؤيدين لها- يكتشف أن الشقة تتباعد بين الثوار، وأن الضمير الوطنى الجامع للثورة الذى ضمن لها النجاح وانتزع إعجاب العالم بها يوشك أن يتفتت إلى مجموعة ضمائر تستيقظ معها غرائز ومشاريع وحسابات. والسؤال: هل من مصلحة الثورة أن يتفتت ضميرها وتضعف قوة دفعها بينما المستفيد الوحيد من ذلك معروف فى الداخل والخارج؟ ماذا جرى لحصافة الثوار وتضامنهم وأى خطر يهدد وحدة هدفهم ونحن ما زلنا فى بداية الطريق؟

الغريب فى المشهد كله أن أحداً لم ينشغل بما فيه الكفاية بعد بأهم التحديات التى تواجه الوطن. أين حديثنا وتنافسنا حول مشروع التعليم الجديد الذى نريده لمصر؟ ماذا عن قضايا التنمية وعجلة الإنتاج وهروب الاستثمار؟ متى ننشغل بإصلاح حقوقى عميق ومؤسسى وبعيد المدى بخلاف انشغالنا بالانتخابات البرلمانية والرئاسية؟ هذه وغيرها أمثلة ننتظر من ضمير الثورة الانشغال بها بأكثر من انشغاله بتكفير بعضه واتهام البعض الآخر بالتطرف.

(٤)

يقول الشاعر الراحل أمل دنقل:

... الرياح اختبأت فى القبو حتى تستريح

من أرجحة الأجساد فوق المشنقة

ووقفنا نحرس الباب ونحمى الأروقة

بينما خيل المماليك تدق على الأرض بالخطو الجموح

....

نحن كنا نحرس الباب ونحمى اللافتة

وهى- تعويذتنا- لم نحمها

د.سليمان عبد المنعم - المصرى اليوم

من كسر عرابى؟


هل نحن قادرون على إقناع الناس بموهبتنا فى بناء نظام جديد، كما كنا موهوبين فى هدم النظام الفاسد؟! هذا هو السؤال الذى أتصور أنه يواجه الآن كل القيادات الشابة للثورة الذين يعلق عليهم المصريون آمالاً عريضة فى أن يكونوا رجال سياسة بارعين كما كانوا رجال ثورة شجعاناً، وأن يكونوا مشاريع واعدة لقادة دولة تخلف دولة العواجيز التى يبدو أن أوان رحيلها لم يحل بعد كما كان يتمنى الخال الأبنودى.

للأسف أعتقد أن بعض الثوار الشباب لايزالون مشغولين أكثر بسُكنى الواقع الافتراضى بديلاً عن الواقع الحى، ولذلك لم ينجحوا فى بناء علاقة حميمة مع الشارع، لست أقلل من أهمية الواقع الافتراضى الذى لا يمكن إغفال دوره فى ثورة يناير، لكننى أذكر أن ذلك الواقع الافتراضى كان فعالاً عندما كانت الحركة محظورة فى الواقع الحى، أما وقد تحرك الواقع الحى وانفتحت شرايينه فإن الغلبة اليوم ستكون لمن يتحرك فقط فى الواقع الحى، ويستخدم الواقع الافتراضى كأداة لمساعدته فى هذه الحركة للوصول إلى غايته فى تحقيق أهداف الثورة، لا أن يصبح الواقع الافتراضى هو الغاية والوسيلة فى آن واحد.

اتصلت بى سيدة فاضلة تبلغ من العمر خمسة وستين عاماً واستحلفتنى بالله أن أوصل صوتها لأحد قادة الحركات الشبابية الثورية الذى استمعت إليه فى أحد البرامج وفوجئت ــ على حد تعبيرها ــ به يتحدث بنبرة متعجرفة، ولذلك قالت لى: «يا ابنى ده احنا ماكانش حد موقف نفسنا فى الحياة غير العنطزة والتكشير.. فين الوشوش السمحة الضاحكة اللى كنا بنشوفها فى التحرير بتثور وهى بتضحك وبتفتح فى وشوشنا الأمل»، تصادف أن كنت أشاهد مثلها صديقنا الشاب وسط جمع من الناس، أطلق أغلبهم تعليقات مشابهة على أدائه وعلى أداء بعض زملائه، لكننى دافعت أمام السيدة ــ وأمام الجمع أيضاً ــ عن ذلك الشاب الذى أعلم وطنيته وحماسه ورغبته فى الإصلاح، لكننى أعلم أيضاً أنه وبعض رفاقه يتعرضون لضغوط ومزايدات من بعض أفراد الوسط الذى يتحركون فيه، تفرض عليهم أن يبدوا، أحياناً، أكثر ثورية من الجميع.

قلت للجميع: لقد تحملتم من كان يقول لكم كلاماً معسولاً رقيقاً ثم اتضح أنه يسرقنا ويلسعنا ولا مؤاخذة على أقفيتنا ومع ذلك صبرتم عليه ثلاثين عاماً، لماذا لا تعطون هذا الجيل فرصته لكى يتعلم ويتطور، خاصة أنكم تعلمون أنه لا يمتلك مصالح ولا حسابات وأنه حتى إن أخطأ فهو يتحدث للصالح العام وليس من أجل مصلحة شخصية، ألا يشفع لهم ما قدموه أم أننا فجأة عندما بدأنا نتمتع بالحرية السياسية قررنا أن نطلب من شباب حديث العهد بالسياسة أن يكون مدرباً على التعامل مع الجماهير العريضة؟!

قلت الذى فيه النصيب فسمعت همهمة من هنا وغمغمة من هناك، وأكثر ما توقفت عنده كانت جملة قال صاحبها: «إحنا ناقصين حد يتعلم فينا.. ده إحنا استوينا خلاص»، ظللت أفكر فيما سمعته وقلت فى عقل بالى: «ستكون حقاً داهية لو قررت غالبية الشعب أن تمارس حقها فى الرفض فى مواجهة هؤلاء الثوار الذين استردوا لها حريتها وخلصوها من الاستبداد.. حصلت كثيراً فى التاريخ.. هل يتذكر أحد الآن أن عبدالرحمن فهمى كان البطل الحقيقى لثورة 19.. هل يتذكر الجميع الآن بطولة يوسف صديق فى ثورة يوليو.. حتى لو افترضنا أن الثورة لن تتم سرقتها من جموع المصريين.. هل يمكن أن تضيع فرصة جنى ثمارها على الثوار الذين إذا لم يطوروا أنفسهم وأداءهم يمكن أن يجدوا أنفسهم وقد سبقتهم الثورة، خصوصاً فى هذه اللحظات الحرجة التى يريد الناس فيها أن يسلكوا سبيل الخلاص بأى ثمن».

اتصلت بصديقى الشاب وحكيت له كل ما سمعته تعليقاً على أدائه وعلى مداخلاته هو وعدد من رفاقه الذين يعلم الله كم أحبهم، ويشهد الله أنه تأثر كثيرا بما سمعه وطلب منى رقم تلك السيدة ليتصل بها ويعتذر لها، وهو ما شجعنى على أن أقول له بحب، هو يعلمه والله يعلمه: «يا صديقى أنتم الآن فى سباق مع الزمن ليس هدفه الانتخابات، بل هدفه كسب قلوب الناس الذين يعانون حالة رهيبة من الفراغ السياسى والنفسى، ويحتاجون لمن يشعرون بالأمل، يا صديقى أنتم تستحقون أن تقودوا هذه البلاد لأنكم ضحيتم من أجل تغييرها، لكنكم لو لم تدركوا أن هذه المرحلة تتطلب أداءً إعلامياً وسياسياً مختلفاً عن الفترة الأولى للثورة فإنكم ستخطئون خطأ جسيماً، يا صديقى أنا آخر من يتحدث عن الحكمة والعقلانية، لكننى فى النهاية كاتب فرد إن أخطأ سيتحمل مسؤولية أخطائه لوحده، لكنكم للأسف إذا لم تطوروا من أدائكم الإعلامى والسياسى سريعا ستدفع الثورة ومطالبها وأهدافها ثمن ذلك.

وربما أتحتم الفرصة لغيركم من الانتهازيين المدربين على اقتناص الفرص أن يجنوا ثمار هذه الثورة ويتواصلوا مع الناس لكسب ثقتهم وولائهم بسبب قصوركم وتخبط أدائكم»، كنت أريد أن أواصل حديثى مع الشاب الجميل لأحكى له ما قرأته عن مصير الثائر أحمد عرابى، لكننى لمحت علامات الضيق على وجهه، فخفت أن أكون قد أطلت، أو بمعنى أصح خشيت أن يظن أننى أبشر فى وجهه أو أكسر مقاديفه، فقررت أن أحكى ذلك هنا لأن ما بيننا من عشم يجعلك تتقبل إطالتى عليك بين الحين والآخر، كما أنك تعودت على فهمى خطأ، وربنا ما يقطع عادة بيننا.

أنت طبعاً تسمع عن الزعيم أحمد عرابى، رحمه الله، وتسمع دائما أن الولس كسر عرابى وأن الخيانة التى تعرض لها هى التى أجهضت ثورته وأدت إلى دخول الاحتلال الإنجليزى إلى مصر، ولعلك تعتبر أن ذلك من المسلمات التاريخية التى يتفق عليها المؤرخون، ربما لأنه من المريح أن نجد سببا دراميا كالخيانة لتبرير انكسار حالم عظيم مثل عرابى. لكن دعنى أقل لك إن المؤرخ المصرى الكبير عبدالرحمن الرافعى لديه تفسير آخر يرى فيه أن الغرور وحده هو الذى كسر عرابى.

يقول الرافعى فى كتابه (الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى) الصادر عن دار المعارف: كان عرابى بلا نزاع، ذا شخصية جذابة تؤثر فى الأفراد والجماعات، ولولا هذه الموهبة لما استطاع أن يجتذب إليه محبة ضباط الجيش وجمهرة الأمة وينال ثقتهم ويملى إرادته عليهم.. على أنه إلى جانب ذلك لم يكن على حظ كبير من الكفاءة السياسية وبُعد النظر، ومن هنا جاء شططه فى كثير من المواطن، وعدم تقديره للأمور وملابساتها، وعرابى معذور فى ذلك لأنه لم ينل حظاً كبيراً من الثقافة والإلمام بشؤون السياسة وأطوارها، ولم يعلم نفسه بنفسه تعليماً ناضجاً، ولم يكن من العبقرية ما يغنيه عن الدرس والاطلاع والتحصيل، ولم يكن لديه محصول علمى يكفيه لتكوين الرأس المدبر للثورات، القدير على تذليل المعضلات وحسن التصرف فيما يعرض على البلاد من أحداث وأزمات.

فالفرق كبير من هذه الناحية بينه وبين كافور مثلاً فى إيطاليا أو واشنطن فى أمريكا أو كوشيسكو فى بولونيا أو كوشوت فى المجر، ولو وفقت الثورة إلى زعيم مثل كافور لسارت فى سبيل الفوز، ولعرف كيف يدير دفة السفينة بمهارة وكفاية. قد يكون لعرابى بعض الشبه بجاريبلدى فى قلة المحصول العلمى والسياسى، ولكن جاريبلدى كان يفوقه كثيرا فى الشجاعة والوطنية والتضحية، ثم إن جاريبلدى كان يترك لرجال السياسة تصريف المعضلات السياسية،

أما عرابى فكان على جانب كبير من الغرور والاعتداد بالنفس، إذ كان يعتقد فى نفسه القدرة على تصريف الشؤون السياسية جميعاً، ولو أنه عرف قدر نفسه واستعان برجل من معاصريه قدير فى شؤون السياسة كشريف باشا، لكان ممكنا أن تسير الثورة فى سبيل النجاح إلى النهاية، ولكنه على العكس قد عمل على التخلص منه حتى أقصاه عن الوزارة، فخسرت الثورة الرأس المفكر الذى كان يستطيع تفهم الحوادث والملابسات السياسية، وقيادة السفينة وسط الخضم الذى كانت تموج فيه.

كان عرابى على جانب كبير من الغرور، وقد كان ذلك من العوامل الفعالة فى اتجاهه السياسى، والأمثلة على غروره كثيرة، فمن ذلك أنه حين تحفزت إنجلترا لضرب الإسكندرية أبان له بعض مواطنيه ضرر الحرب وسوء مستقبلها، كان يقول: «أنا أقوى من دولة فرنسا»، وكان ظنه أن الإنجليز لا طاقة لهم على قتال البر، وأن قوتهم محصورة فى البحر، وفى ذلك كان يردد هو وأنصاره كلمتهم المأثورة: «الإنجليز كالسمك إذا خرج من البحر هلك»، وهذا من الغرور الناشئ عن الجهل لا محالة. وكان يصرح بأنه لن يخضع لأوروبا أو لتركيا ويقول: «فليرسلوا لنا جيوشا أوروبية أو هندية أو تركية فإنى مادمت وبى رمق فإنى سأدافع عن بلادى، وعندما نموت جميعا يمكنهم أن يمتلكوا البلاد وهى خراب»، وقد رأيت أن الغرور هو الذى أملى عليه هذه العبارات الفخمة.

لا أريد أن أنقل كل ما قاله الرافعى عن عرابى، مع أنه اعتمد فقط على شهادات المعاصرين له المعروفين بعطفهم عليه، مثل الإمام محمد عبده والمستر بلنت، الذى تولى مسؤولية الدفاع عنه، لكن يجب التنبيه إلى أن الرافعى لم يكن من المعجبين بعرابى، بوصفه واحداً من قيادات الحزب الوطنى، حيث يرى أن عرابى كان سبب دخول الاحتلال الإنجليزى إلى مصر، لكنك عندما تقرأ الآراء المعارضة للرافعى، التى يتجسد أبرز مثلين لها فيما كتبه الأستاذ محمود الخفيف فى كتابه (عرابى المفترى عليه) والأستاذ حسن حافظ فى كتابه (الثورة العرابية فى الميزان)، ستجد أن الاثنين حاول كل منهما أن يكون منصفا وهو يتحدث عن عرابى، لكنهما لم يجدا ردودا مقنعة على ما قاله الرافعى، واقتصر دفاعهما عن عرابى على التأكيد على وطنيته وسوء حظه وسوء الظروف المحيطة به، وكل ذلك لم يشكل فى رأيى ردا مقنعا لما قاله الرافعى عن غرور عرابى وحرصه على الانفراد بالقرار دون مشاورة المتخصصين.

يبقى أن أقول لك إن عرابى الذى كان يملأ الأرض ثقة فى نفسه وتيهاً واعتقاداً بأنه يمسك بكل مقاليد الأمور، كان يمتلك، كما يقول الرافعى، روحا مملوءة غرورا، انتهى به الحال إلى نهاية مشينة جعلته فى عز سخط البلاد على الاحتلال الإنجليزى وسياسته يدلى بحديث لصحيفة المقطم عدد 3 أكتوبر 1901 أيد فيه الاحتلال وسياسته لكى يتمكن من العودة من منفاه، الذى كتبت عنه الدكتورة لطيفة سالم كتابا حزينا جدا هو (عرابى ورفاقه فى جنة آدم)، هنا يعلق الرافعى قائلاً: «وبذلك بدا الفرق بينه وبين محمود سامى البارودى فى هذه الناحية، فقد لزم البارودى العزلة بعد عودته وامتنع عن الخوض فى الأحاديث السياسية، وكان ذلك منه عين الحكمة والصواب، أما عرابى فلم تفارقه الثرثرة التى لازمته من قبل، فجلب على نفسه سخط الصحافة والرأى العام».

ما أريد أن أقوله من كل هذا الكلام، طيب، حاضر، سأختم أهه حالاً، باختصار، ولا بلاش باختصار أحسن تزعل، يمكنك أن تنسى كل ما ذكرته لك آنفا، لكن أرجوك حاول أن تتذكر أنك إذا كنت قد تعودت على الدوام أن يكون لك عدو، فتذكر بعد انتصارك عليه أن أعدى أعدائك أحيانا قد يكون نفسك

بلال فضل - مصراوى

اختبار الإخوان


نجحت الثورة وظهر على السطح كثير منالجماعات التى اضطهدها النظام السابق، ومنها الإخوان المسلمين. صحيح أنها كانت موجودة طوال العهد السابق ولم يسفر اضطهادها إلا عن تعطيل عملية الانتقال الديمقراطى وإبقاء الجماعة على أفكارها القديمة نفسها دون أى تغيرات عميقة.

والمؤكد أن العودة الصارخة لكثير من التيارات الإسلامية، ومنها الجماعات السلفية المختلفة التى لم تكن لها علاقة بالسياسة، وبعضها وُظف فى معارك الأمن ضد الإخوان فدعمها وترك لها مساحة من التحرك طالما لا تتحدث فى السياسة إلا فيما يتعلق بطاعة أولى الأمر، فى حين حافظ آخرون على «النقاء العقيدى» ولم يُوظفوا فى معارك النظام السابق، وإن ظلوا أيضا بعيدين عن العمل السياسى.

ولذا جاءت تدخلاتهم طوال الفترة السابقة تنم عن عدم معرفة ليس فقط بأبسط القواعد السياسية، إنما أيضا بالعناوين المطروحة للنقاش العام، فنعم على الاستفتاء تحولت إلى «واجب شرعى» حول موضوع لا علاقة له بالدين، والعيد الديمقراطى بالتصويت بشكل محترم وراق على الاستفتاء تحول إلى غزوة الصناديق، وهكذا.

أما الجماعة الإسلامية فعادت مرة أخرى إلى الساحة السياسية بعد فترة اعتقال وحصار طويلين، وفترة الاعتقال الطويلة التى قضاها قادتها خلف القضبان.

ورغم المراجعة الفكرية العميقة التى قدمتها الجماعة وأعلنت فيها بصدق التخلى عن العنف، فإن التحدى الكبير أمامها يكمن فى امتلاك خبرة مدنية تتيح لها أو تسهل عليها مهمة الانتقال للعمل السياسى والحزبى، فتراثهم السابق لم يخرج كثيرا إلا عن كونها جماعة عنف تخلت عنه وقدمت مراجعة فكرية شجاعة لوقفه، وبعد ذلك لا شىء، نتيجة تعرضها لضغوط صارمة طوال العهد السابق لم تسمح لها بالمشاركة بأى شكل فى النشاط العام.

وبالنسبة لجماعة الإخوان فقد امتلكت خبرة مدنية بدأت منذ السبعينيات وامتدت لأكثر من 40 عاما مارست خلالها نشاطا طلابيا ونقابيا وبرلمانيا، وهى خبرة مهمة لم تعرفها الجماعة على نفس المستوى قبل ثورة يوليو، «فالإخوان المؤسسون» لم يكن لهم نائب فى البرلمان ولم يكن لهم تمثيل نقابى يذكر، وكانت الجماعة منتشرة وسط الطلاب ومؤثرة بالمعنى الاجتماعى والدينى كواحدة من كبرى الجماعات المنظمة فى ذلك الوقت دون أن يعكس ذلك تمثيل سياسى يذكر.

والحقيقة أن التحدى الذى واجهه الإخوان طوال الثلاثين عاما الماضية تَمَثل فى احتفاظهم بالبناء القديم الذى أسسه الإمام الراحل حسن البنا منذ عام 1928 (وسميناه التأسيس الأول للجماعة) ويقوم على المزج بين الدعوى السياسى، وقيام الجماعة بجميع المهام الاجتماعية والرياضية والدعوية والسياسية فى الوقت نفسه، وهو الأمر الذى جعلها تتعامل مع السياسة باعتبارها مجرد قسم من أقسام الجماعة.

وجاء قرار الإخوان بتشكيل حزب سياسى ليمثل خطوة فى اتجاه الفصل بين الدعوى والسياسى، والبدء فيما سبق أن سميناه «التأسيس الثانى للجماعة»، وإن ظل الحديث عن أن الحزب سيبقى أشبه بقسم من أقسام الجماعة بما يعنى إحكام السيطرة التنظيمية عليه واعتباره مجرد ذراع سياسية للجماعة.

ومع ذلك سيؤدى تأسيس حزب سياسى للجماعة إلى دخولها فى تحول تاريخى يتعلق بعضويتها، فلأول مرة سيدخل حزب الجماعة فى عضوية على البرنامج السياسى وليس البرنامج الدعوى، كما كان يجرى مع الجماعة، بما يعنى أننا سنكون أمام أعضاء من عموم المصريين قادرين على التأثير فى مسار الحزب وتحديد شكل علاقته بالجماعة.

إن التحدى الأول الذى سيواجهه حزب الإخوان سيتمثل فى كيفية أن يصبح جزءاً من قيم الجماعة لا مشروعها التنظيمى، أو بالأحرى جزءاً من القيم والمبادئ الإسلامية (التى من حق الجماعة أن تعتبرها أنها أحد تجلياتها وليس التجلى الوحيد)، كما جرى مع كثير من الأحزاب فى أمريكا وتركيا وباقى الدول الديمقراطية حين كانت تتأثر هذه الأحزاب بخطاب قوى وجماعات دينية أو سياسية أو اقتصادية، أما أن يصبح الحزب ذراعاً لجماعة فهو لم يحدث فى أى تجربة ناجحة، وفى حال تكراره فى مصر سيمثل امتداداً لتجارب الفشل فى السودان وأفغانستان لا تجارب النجاح فى تركيا وماليزيا.

أما التحدى الثانى فهو الفرصة التاريخية التى قد تكون الأخيرة لبناء تيار إسلامى مدنى وديمقراطى فى مصر لديه مرجعيته الإسلامية، ويخضع فى الوقت نفسه لكل القواعد المدنية والديمقراطية التى تحكم العملية السياسية، بعد عقود طويلة من الفشل والتعثر تتحمل مسؤوليتهما النظم المتعاقبة والتيارات الإسلامية.

والحقيقة أن أمام الإخوان المسلمين فرصة لم تتح للتيارات الأيديولوجية والعقائدية الأخرى مثل التيار القومى واليسارى من زاوية عودته فى ظل موجة ديمقراطية غير مسبوقة على المنطقة العربية، فقد قاد التيار القومى العالم العربى فى الخمسينيات والستينيات فى ظل غياب للديمقراطية كأولوية سياسية لدى النخبة والجماهير التى كان التحرر من الاستعمار مشروعها الأول، على عكس المرحلة الحالية التى أصبحت فيها الديمقراطية والكرامة والعدالة مطالب الشعوب العربية، ومنها الشعب المصرى، وأصبحت هناك فرصة تاريخية لإحداث دمج آمن للتيارات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، فى هذه المبادئ، بشرط الالتزام بقواعد الديمقراطية واستحقاقات الدولة المدنية ومعرفة الأولويات الحقيقية التى يطالب بها الشعب المصرى وما إذا كانت «امتلاك الأرض» أم امتلاك القوت والكرامة والحرية والاستقلال الوطنى.

نعم يمكن لأى حزب ذى مرجعية إسلامية أن ينجح فى المساهمة فى نهضة هذا البلد، بشرط أن يحترم القواعد الديمقراطية والمدنية الحاكمة، وأن يعرف أن مرجعيته الدينية لا تعطيه، تلقائيا، وضعاً أفضل من الآخرين، إنما الرؤى والأدوات السياسية والممارسة المدنية هى التى تعطيه هذا الوضع، وأن الإخوان، كباقى القوى، فى مفترق طريق إما أن يساهموا فى نهضة هذا البلد أو يقعوا فى عراك أيديولوجى وفكرى يعيدهم إلى مربع ما قبل الثورة، وينسوا أن مبارك ترك بلدا مأزوما اقتصاديا وسياسيا منهارة فيه الخدمات والصحة والتعليم، وأن القادر على مواجهة هذه التحديات، بالفعل لا بالشعارات، هو الذى سيفوز بثقة الشعب المصرى

بقلم: د. عمرو الشوبكى

مصراوى