Thursday, April 28, 2011

ما بعد الثورة

تعانى مصرنا من عدة مشكلات كبرى من أخطرها مشكلة الانفجار السكانى واكتظاظ القرى فى الريف والأحياء الشعبية والعشوائيات السكنية فى المدن والأقاليم، هذه المشكلة المتفاقمة نتجت بسبب فشل السياسات التى انتهجتها حكومات النظام البائد..

وقد أدى هذا الانفجار السكانى الذى نعيش فيه اليوم إلى تدهور الناتج القومى للأراضى الزراعية ونهر النيل بفروعه والبحيرات الشمالية وبحيرة قارون.. وفى ظل الإهمال والتسيب وتغييب القانون تلوثت المجارى المائية والأراضى الزراعية بالإسراف فى استخدام المبيدات المسموح به منها والمحرم، وتآكلت الأراضى الزراعية الخصبة، وضاق المكان بالبشر، وانعدمت قدرة الطاقة الاستيعابية للطرق والممرات والكبارى، وتزايدت أعداد العناصر البشرية فاقدة التأهيل والإعداد الحرفى والتعليمى، وتحولت إلى تجمعات بشرية تمثل أعباء على المجتمع والدولة. فى هذا الوسط الاجتماعى تتربى مفارخ للصراعات الطائفية والعشائرية والعائلية.

ما العمل؟

لقد وصل بنا الحال إلى أن الكيلومتر المربع يعيش عليه ألف شخص! ومازالت ٩٦٪ من مساحة البلاد أرضاً صحراوية خالية.. لقد أصيبت مصر بما يمكن أن نطلق عليه «خراب الحياة»، ويمكننا أن نرى مظاهر هذا الخراب فى العاصمة نفسها وفى ضواحيها والعشوائيات التى تحاصرها، ويمكن أن نراه فى «الريف المصرى» الذى كان رائعاً فى جماله وصفائه...

عندما نعود لنقرأ من وقت لآخر فى «شخصية مصر» ونسمع جمال حمدان يتكلم عن «اللاند سكيب» المصرى ندرك أن مصر على مدى تاريخها الطويل لم تشوه ولم تقبح بهذا الشكل أبداً.

كل هذا القبح وتشوه المنظر وتلاشى مظاهر الجمال من الحياة ينعكس على نفسية الإنسان ويؤثر تأثيراً سلبياً فى السلوك وفى العلاقات الاجتماعية وأحياناً يصيب الإنسان بمرض الغربة فى الوطن...

لكن: من قلب هذا القبح والطحن اليومى المتواصل للإنسان تنفجر الثورة وينبثق شعاع من الجمال، فنرى الشباب ينطلقون يجملون الميادين والشوارع...

نعم اليوم ينفتح الأفق أمامنا لنرى من جديد أحلامنا المجهضة، فها هى مصر الجديدة تفيق وتصحو لتنادى أبناءها من كل حدب وصوب، ليقدموا إليها إبداعاتهم وجهودهم المخلصة وأهمها المشروعات النهضوية الكبرى! مشروع ممر التنمية لصاحبه العالم فاروق الباز يعرض الآن ويناقش مع رئيس الوزراء...

وعندما يذكر ممر التنمية يجدر بنا أن نُذكر بمشروع الدكتور رشدى سعيد «دلتا جديدة لمصر» الذى أعلنه فى مارس من عام ١٩٩٦ على ما أذكر.. هذه المشروعات التنموية الكبرى تغير وجه الحياة فى مصر كلها: وادى النيل والدلتا والصحراء.

مشروع الدكتور رشدى سعيد يطهر الدلتا بأرضها وجوها وأنهارها وكل المجارى المائية فيها، ويخلصها من التلوث ويكسبها أرضاً خصبة لمصر لا تقارن فى عطائها وكفاءتها بأى أرض حديثة الاستصلاح، هذه الأرض التى صنعها النيل على مدى عشرة آلاف سنة.. تتآكل الآن ويفقدها الاقتصاد القومى «قبل حوالى ٤٥ ألف فدان اختفت تحت الأسمنت المسلح فى أيام الثورة».

إذا استمر الحال على ما هو عليه فإنه بعد ١٨٣ سنة سوف تغطى جميع الأراضى الزراعية بالأسمنت! أى خطر يحدق بنا؟ لماذا لم يستمعوا إلى جمال حمدان حين قال ونصح: «الطين للزراعة والرمل للعمران»؟

ولماذا لم يأخذوا بما بحثه رشدى سعيد وحذر منه طيلة أربعين سنة ثم جمعه ونشره فى كتابه القيِّم: «الحقيقة والوهم فى الواقع المصرى»، يخطط رشدى سعيد لنقل المصانع إلى الصحراء، ويقول إن ٨٠٪ من هذه المصانع تحتاج لعمليات إحلال وتجديد وبدلاً من تجديدها وهى فى الدلتا تنقل إلى الصحراء حول حقول الغاز، وسوف تنشأ عندها مدن صغيرة وتجمعات سكنية بالخدمات والمرافق التعليمية والصحية، تجذب إليها ملايين العاملين وأسرهم من الوادى المتفجر بالسكان.

هذه المشروعات الكبرى سوف تستوعب بداخلها العديد من المشروعات المتوسطة والصغيرة، وتستوعب الخبرات العلمية المصرية المعطلة التى لا تجد آذاناً صاغية ولا فرصاً مواتية لتطبيق ابتكاراتها فى أرض الواقع العملى...

فى هذا المشروع الكبير يمكن لعشرات الابتكارات والمخترعات أن ترى النور.. والأيام التى نعيشها الآن تدعونا للتفاؤل وتبعث فينا الأمل والنظر إلى المستقبل فنقول: «إنه عند تمام هذه المشروعات سوف يتغير وجه مصر جغرافياً وبيئياً وسوف تنشأ علاقات اجتماعية جديدة وإيقاع حياة يختلف عما نحن فيه الآن.. أى نمط حياة أفضل كثيراً.. نحمد الله أن رشدى سعيد عاش معنا ليرى الثورة وها هى مصر الثورة تناديه ليعيد طرح مشروعه الحضارى العظيم.. إن أجل تقدير للعلماء هو تطبيق نظرياتهم على أرض الواقع فى أوطانهم.. لقد جاء الوقت لتعويض ما فات من خسارة وحانت ساعة العمل البناء.

عبدالعزيز مخيون - المصرى اليوم

makhyoun@hotmail.com



No comments: