Wednesday, December 31, 2008

الدور هذه المرة على مصر في تحمل الهجوم الإعلامي وهيجان الشوارع عليها. عمداً بدأت المقال بهذه الجملة، ولم أبدأ بالحديث عن التفجع والتألم لضحايا غزة الآن، أولا لأن هذا الترحم شيء طبيعي وشعور إنساني فطري، تجاه ضحايا وأبرياء غزة، خصوصاً من النساء والأطفال والعجزة والمدنيين الذين لا ناقة لهم مع حماس ولا جمل مع فتح. هؤلاء، وهؤلاء تحديداً، هم من يتألم الإنسان حقا لمصابهم في غزة على يد آلة الجيش الإسرائيلي الوحشية.
في غزة، كل قطرة دم غالية، وكل دمعة ألم عزيزة ومؤثرة على قلب أي إنسان سوي، لكن نسأل هنا كيف ولماذا جرى ما جرى؟ ولماذا أصبحت مصر في الدعاية الحربية لعرب ايران ومحورها هي «أم الشرور» وليست أم الدنيا؟ وكأنها هي التي تقصف غزة وليست إسرائيل؟ نسأل حتى لا نؤخذ بضجيج الأبواق وصراخ القنوات الفضائية «الحماسية»، التي يصل الأمر فيها إلى حد دعوة الجيوش العربية النظامية إلى الزحف مباشرة إلى غزة والانقلاب على دولها.
. نعم هكذا سمعت طرفاً من الاتصالات على إحدى القنوات العربية الفضائية.
إذا تذكرتم، ففي حرب يوليو (تموز) 2006 بين حزب الله وإسرائيل، بعد مغامرة الحزب الإلهي بخطف جنديين إسرائيليين، الأمر الذي استدعى، كالعادة، رداً وحشياً من إسرائيل، دمر على إثره الجنوب اللبناني وسويت الضاحية بالأرض، وشرد مئات الآلاف وقتل الكثيرون، وانقسم المجتمع اللبناني على حزب الله بشكل واضح وعميق، حينها وصفت السعودية صنيعَ حزبِ اللهِ بالمغامرة غير المحسوبة، وهو وصف صحيح، لأن زعيم الحزب الإلهي نفسه، خرج لاحقاً، وهو يتكلم بنبرة هادئة بعيداً عن الإرعاد والإزباد المعتاد منه، ليقول إنه لو كان يعلم ما سيجري لمَا أقدم على تلك المغامرة،
حينها انطلقت نفس الآلة الإعلامية التي تشتغل الآن
. انطلقت ضد السعودية واصفة اياها بأبشع الاوصاف ، ناعتة اياها بالخيانة والعمالة، بل وصل الامر في إحدى لحظات الحماس بالرئيس بشار الاسد الى ان يصف العرب الذين لم يصفقوا لحزب الله بأنصاف الرجال، هذا قبل أن يعلن عن تفاوضه مع إسرائيل، وهو ما كان يجري أصلا تحت الطاولة من قبل.
ولا ندري كيف سيصف أنصار حزب الله وحماس ومن يعجب بهما الموقف السوري حالياً..
يبدو أن الهجوم الحالي على مصر يعد منذ فترة ليست بالقليلة، ففي منتصف هذا العام 2008، اندلعت أزمة سياسية بين مصر وإيران على خلفية فيلم دعائي ضد مصر بعنوان «إعدام الفرعون» عن الرئيس الراحل أنور السادات، لكن تم تطويق الأمر حينها، ثم سعت حماس وبتشجيع سوري ـ إيراني إلى إفشال مساعي الحوار الفلسطيني مع فتح برعاية مصر. وسجل ذلك الوزير ابو الغيط على من سماهم أدوات فلسطينية بيد إيران.
وفجأة انطلقت مجموعة من المظاهرات المرتبة ضد سفارات مصر في طهران ودمشق وبيروت، لوضع مصر تحت الحصار الإعلامي والابتزاز العاطفي، من أجل فتح معابرها مع حماس بدون قيد أو شرط، لأنه لا مخرجَ لحماس في غزة إلى العالم إلا عبر المنافذ المصرية، فبقية المنافذ تفضي إلى إسرائيل. مصر الدولة أدركت اللعبة، وهي التي كان بعض نخبها ومثقفيها يعتقدون سابقاً أن السعوديين يبالغون في رؤية الخطر الإيراني.
حماس جربت ابتزاز مصر أكثر من مرة، تارة عبر الإحراج من خلال أزمة حجاجها وحجاج فتح في موسم الحج الأخير، وتارة عبر التذرع بالحالات الإنسانية. ومصر بدورها كانت متوازنة في ذلك أو في الأقل تحاول ذلك من خلال التوفيق بين سياستها تجاه حماس وواجبها في مساعدة سكان غزة العاديين.
مصر ترفض الاعتراف بسلطة الأمر الواقع لحماس في غزة، لانها تعتبر حماس امتدادا لإيران وعمقا للإخوان لديها. وترى أن الشرعية هي في السلطة الوطنية برام الله، وهو ما قرره وزراء الخارجية العرب أيضا، سياسة صعبة ودقيقة، ولكن هذا هو الحال، وربما تصيب مصر وربما تخطئ.
غزة تعتبر باستمرار جزءاً من الأمن القومي الحيوي لمصر، ولا يمكن لها أن تتركه لحال سبيله، فما يحدث في غزة يؤثر دوماً في مصر، لكن ايران من خلال حماس تريد من مصر تسليم القطاع وفتح حدودها بدون قيد أو شرط لشيعتها في حماس.
ووصل الأمر مع سيد الحزب الإلهي في خطبته الأخيرة التي حرض فيها جيش مصر على التمرد على السلطة، إلى أن يطلب من مصر السماح بعبور كل شيء عبر الحدود حتى السلاح إلى حماس، وإلا فهم خونة وشركاء في الجريمة!
رؤية ايران ومعها جماعات الإخوان، التي تقود الآن حملة التحريض في الشارع العربي، ورحب مرشدها العام في مصر بالغزو الإيراني الثوري، في مواجهة مصر، تقوم على بعض التصورات الصحيحة للشارع العربي، فهم يعتقدون انه من السهل استثارة طاقة الغضب لدى المواطن العربي من خلال إحراج مصر والسعودية والأردن (بالمناسبة: هي الدول المقصودة دوماً إذا قيل الآن: أين العالم العربي؟ وليست سوريا مثلا!) وإذا ما تم استثارة الشارع العربي تحت عنوان نصرة فلسطين ومحاربة الصهاينة، فيمكن تصريف طاقة الغضب هذه الى مسارات اخرى قد تبدو بعيدة عن صلب الموضوع، أي أن المسألة هي في تخليق طاقة غضب موجهة، ولا يوجد افضل من الصاعق الفلسطيني لاستثارة بارود الشارع، ومن ثم قيادة الغضب باتجاه تحريك نواعير المصالح الخاصة بإيران ومحورها العربي، المتمثلة في إرغام مصر على ترك حماس تتحرك بحريتها في غزة وواجب الاعتراف بها، أو في الأقل التعامل معها بشكل واقعي قسري، هذا ما يفسر التركيز على مصر حالياً.
أتساءل: لماذا لم يتم التظاهر أمام السفارات الأردنية والسعودية في إيران وسوريا ولبنان؟ هل لأن المقصود في هذه الجولة هو ضرب مصر وإخراجها من معسكر إلى معسكر، هل هذا ما يفسِّر النبرة العدائية الاستعلائية التي تحدث بها صاحب الحزب الإلهي الأصفر في بيروت، وهو يلقي على مصر دروساً في المقاومة والكرامة.
لقد صدق حسن نصر الله حينما قال أخيرا: «الموقف المصري هو حجر الزاوية»، وهو يريد، ومعه وليه الفقيه في طهران الذي حرض على التظاهر ضد الدول العربية في كل العالم العربي. يريدون إرهاب مصر وجرها إلى المنطق الإيراني ـ السوري، الذي هو بدوره عابر ومصلحي ومرهون بتغير الظروف مع أمريكا، لكن ما فاتهم أن مصر قد اختارت، بعد سلسلة حروب، الخيار السلمي منذ كامب ديفيد، وخرجت من منطق الحروب، رغم ضجيج الإخوان المسلمين في مصر ومعهم بقايا اليسار إضافة للناصريين. مصر لن ترغم على خوض حرب مع إسرائيل بالنيابة عن إيران الهادئة في أرضها او بالنيابة عن سوريا التي لم ينطلق من جولانها ولو عصفور واحد يعكر صفو الهدوء على الحدود الإسرائيلية.
ستستمر حملة التخوين والابتزاز الغوغائي لمصر بضعة أيام أو أسابيع إلى أن يمل الشارع المهيج أو يرى مطلقو هذه الحملات أنها قد استنفدت أغراضها، وهي أغراض ليست بالنقاء الذي يتصوره الهاتفون والغاضبون الذين ينطلق كثير منهم في العالم العربي من مشاعر صادقة وغير مشكوك فيها تعاطفاً مع المأساة الانسانية في غزة.
أيها السادة: إيران تحارب بدماء الفلسطينيين واللبنانيين، وهي بعيدة عن لهب هذه المعارك، او هي تفتعل هذه المعارك لإبقاء اللهب بعيدا عنها، ومثلها إلى حد ما سوريا، ولكن ألا يقف احد ويفكر، ما الذي سينتج عن هذا الصراخ والهياج كله؟ هل هناك غاية معقولة وواقعية وراء هذه الحفلة المحزنة؟ حماس لا تملك القدرة على إجبار إسرائيل على شيء، فضلا عن إزالتها، مثلما هو حزب الله، رغم كل بهرجته عن أوهام النصر المؤسطر، فلماذا المغالطة، التي يدفع ثمنها عجائز وأطفال وأبرياء؟ مرى أخرى، جيش إسرائيل همجي ووحشي ولا إنساني، لكن مَنْ الذي استدرج هذا الدب، وعن عمد، إلى الكرم الهزيل الذي لا ناطور له؟ ولماذا استدرجه بكل تقصد، رغم علمه انه لا مقارنة البتة بين مليشيا وجيش كامل العدة والعدد من أقوى جيوش العالم
. هل إيقاع هذه المجزرة والمواجهة كان متعمدا من اجل إجبار مصر على القبول بما لم تكن تقبله قبل سيلان الدماء في غزة ؟ ربما، وربما من هنا نفهم ان حماس ترفض مرور الجرحى والمرضى إلا وهي على جثثهم. ربما لم نشاهد مستوى من الابتزاز العاطفي والاختباء خلف الدماء والجراحات والمقدسات مثلما تفعله حماس حاليا، على إيقاع حرب إعلامية منظمة، ومبيتة بليل، ضد مصر، ومصر فقط هذه المرة. لكم الله أيها الأبرياء في غزة
بقلم / مشاري الزايدي
نقلا عن الشرق الأوسط
أكثر ما يعجبنى فى حسن نصر الله، هو أنه أصبح لا يظهر إلا من خلال شاشات التليفزيون، ولا أعتقد أنه مختبئ خوفا على نفسه، فهو رجل مؤمن بالله سبحانه وتعالى ويؤمن بأن لكل أجل كتاب، وحتى إن نال منه أعداؤه فسوف يبعث شهيدا وربما مع سيد شهداء الجنة، لذلك لاأتفق مع الكثيرين من أعداء حسن نصر الله بأنه مختبأ خوفا من الإغتيال، هو ليس مختبأ ولكنه مجرد مبتعد عن الأنظار لغرض لا يعلمه إلا الله. وقد خرج علينا من مخبأه على شاشات التليفزيون هذا الأسبوع وشن هجوما على مصر وإتهمها بالتآمر على غزة، كما طالب الشعب المصرى بالنزول إلى الشوارع بالملايين وقال أن أجهزة الأمن المصرى لن تجرؤ على قتل مليون مصرى فى الشوارع وهذا يدل على أنه لا يعرف الشعب المصرى كما أنه لا يعرف قوات الأمن المصرية!!
وزاد وغطى من "سماحته" بأنه طالب الجنرالات والضباط المصريين بالتمرد على قيادتهم العليا، وتعجبت جدا من أسلوب حسن نصر الله، وكأنه يعمل فى طابونة عيش فى السيدة زينب،
وقد قال عمرو أديب ما معناه أننا معشر المصريين عملاء وما لناش فى الحروب، والبركة بقى فى حسن نصر الله ونصره الإلهى، ونحن فى إنتظار حسن نصر الله لفتح جبهة جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن أهالى غزة. ولن اعيد كلام عمرو، ففيه الكفاية.
وأتساءل لماذا يطلق على حسن نصر الله، "سماحة السيد"، ومامعنى كلمة السيد (هل لأنه من السادة، أم لأنه من آل البيت، طيب بأمارة إيه) وما معنى لقب "سماحة" هل معناه أنه متسامح أم أن له وجه سمح وبشوش، إن كانت الثانية فأنا أتفق بأن له وجه سمح بشوش، وأعتذر لأنى أناديه بأسمه المجرد بدون لقب السيد، فعندما عبرت قناة السويس مع غيرى من المصريين "العملاء" فى حرب أكتوبر عام 1973 وهزمنا إسرائيل بدون أنطلق عليه النصر الإلهى، كان حسن نصر الله وقتها يتعثر فى المرحلة الإبتدائية في مدرسة حي "النجاح"، ويأتى الآن لكى يعطى أوامر لقادة الجيش المصرى بالتمرد، آخر زمن والله ياسى حسن، مصر "إتبهدلت يارجالة"!!
أما كان الأجدر بالسيد حسن نصر الله بدلا من مهاجمة مصر والتى لن تغنى ولا تسمن من جوع ولن توقف العدوان على غزة، أن يخرج من مخبأه الإختيارى منذ عامين ونصف ويخطف رجله ويذهب إلى إيران لتقدمة فروض الولاء والطاعة للسيد خامنئى ويطلب منه أن يطلق ولو (تحت الحساب) صاروخين شهاب واحد أو شهاب ثلاثة أو آخر موديل صاروخ إسمه "سجيل" والذى كان من المفروض أن ينزل على أعداء إيران فيحولهم إلى "عصف مأكول"، وأنا أعرف أن أحمدى نجاد تنبأ بأن إسرائيل سوف تزول من خريطة العالم عاجلا أم آجلا، هيا ياحسن أطلب من صواريخ إيران الإنطلاق لإزالة إسرائيل من خريطة العالم وخير البر عاجله، ولا هو بس كلام، وكنت أعتقد أن بعض العرب هم فقط " ظاهرة صوتية"، ولكن إتضح لى أيضا أن من الفرس أيضا "ظاهرة صوتية".
أما بالنسبة لحسن نصر الله فأنا لى إقتراح جميل جدا، لماذا لا يصبح حسن نصر الله رئيسا لمصر بدلا من حسنى مبارك، وسوف يجد الترحيب فى مصر وخاصة من أصدقائه فى جماعة الإخوان المسلمين، وبصفة خاصة من المرشد العام "محمد مهدى عاكف"، والذى سوف يوافق على الفور:
أولا: لأنه سبق أن وافق على إعطاء رئاسة مصر إلى مسلم من ماليزيا، فيبقى حسن نصر الله أولى فهو مننا وعلين
ا ثانيا: مهدى عاكف لا يطمع فى رئاسة مصر لأنه سبق أن قال عن مصر "طظ"، ولا يصح له أن يرأس بلدا "طظية"
ثالثا: مهدى عاكف يدرك جيدا أنه ليست له شعبية حسن نصر الله حتى فى داخل مصر نفسها.
رابعا: مهدى عاكف يدرك جيدا أن حسن نصر الله راجل ذو "نصر إلهى" وحزبه أطلق عليه "حزب الله" يعنى راجل واصل وعاكف فى أشد الإحتياج إلى نصر إلهى.
خامسا: عاكف صرح منذ أيام أن إتساع النفوذ الإيرانى لا يقلقه وأن حركات التشييع لا تقلقه أيضا، وعنده حق فمصر كانت ذو أغلبية شيعية، والمصريين شيعة الهوى بطبيعتهم وإن كانوا سنة رسميا، فلم لا فنحن لدينا سيدنا الحسين والسيدة زينب وسيدى زين العابدين وسيدى حسن الأنور وكل آل البيت، لذلك فأهلا برئيس شيعى لمصر.
وحسن نصر الله سوف يكون مناسبا جدا لزعامة مصر، فمصر كما قال العقيد منذ عدة سنوات "بها شعب بلا زعيم، وليبيا زعيم بلا شعب" (وعلى فكرة هذا فيه إهانة كبيرة لكلا من الشعبين المصرى والليبى)، وعندما يتربع حسن نصر الله على عرش مصر كما هو الآن متربع الآن على عرش الضاحية الجنوبية، تكون تحت أمرته كل قيادات الجيش المصرى بجنرالاته وضباطه يأمرهم على مزاجه فيأتمرون، كما سوف يكون تحت أمره الشعب المصرى بملايينه الثمانين وسوف ينزلون إلى الشارع يهتفون:"بالروح والدم نفيدك يا نصر الله"، وساعتها سوف يتسلم مفتاح معبر رفح، يفتح المعبر... يقفل المعبر هو حر .
وما لايدركه حسن نصر الله وغيره من الذين يهاجمون مصر لعدم فتحها معبر رفح هو أن العسكرى المصرى حارس المعبر نزل أجازة من العيد الكبير و نسى وأخذ معاه مفتاح المعبر، وإن شاء الله أول ما يرجع من الأجازة حنفتح المعبر
بقلم/ سامي البحيري
نقلا عن إيلاف
HAPPY NEW YEAR

Saturday, December 27, 2008

الدكتور نصر حامد أبوزيد لـ«المصرى اليوم »:يجب إعادة التفكير فى معانى القرآن


بنفس الحماسة التى اعتادها متابعوه والتى تمتزج بها رزانة الفكرة، يتحدث معلناً أن مصالحته للوطن استغرقت، كما يقول، بعضاً من سنوات عمره، ولكنها تمت فى العام ٢٠٠٥، وينتقد حال الخطاب الدينى فى عالمنا العربى، واصفاً رجاله بحصر مبدأ تطوير ذلك الخطاب، فى تجديد «الخطبة الدينية»، وهو مفهوم يشوبه القصور،
لذا يرفض أن يسير فى ركب المحدثين به، رافضاً فى ذات الوقت، عزل الخطاب الدينى عن التعليمى، والسياسى، والاقتصادى أيضاً، مؤكداً أن ثوابت الدين معلومة، وما عداها من حق العقل التفكير فيه، ومقاومة تيارات باتت تسيطر على المجتمعات العربية هدفها تقليص القضايا التى يمكن التفكير فيها، مقابل زيادة مساحة غير المفكر به، لتكون محصلة التفكير الدينى فى تلك الفترة من حياة المسلمين «صفراً»،
مشدداً على ضرورة الفصل بين «النقد، بحرف الدال»، و«النقض بحرف الضاد»، مشيراً إلى أن الأمل فى تحقيق نهضة فكرية فى عالمنا العربى، يستلزم وجود حزمة متكاملة ومتزامنة من الإصلاح، تطول الكيانات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية، وقبل كل هذا، محاربة الفساد.
الحوار مع الدكتور نصر حامد أبوزيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ليدن فى هولندا، أستاذ كرسى ابن رشد بجامعة «أوتر يخت» الهولندية، الذى يزور مصر الآن، لإلقاء عدد من المحاضرات بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، التى وإن كانت لا تثير نفس الجدل، الذى أحدثته آراؤه التى أعلنها فى منتصف التسعينيات، إلا أنها تدور فى السياق ذاته،
مؤكدة، رغم تنوع مضمونها، شعار أن العقل ليس جريمة، والنهضة لن تتحقق إلا بالحرية، التقته «المصرى اليوم» فى حوار، تنوع حديثه فيه بين الشأن الدينى والعام.

* تحمل عناوين محاضراتك بجامعة الإسكندرية عناوين صادمة للبعض.. ألم تخش تكرار الهجوم عليك كما حدث فى التسعينيات؟
- لم أشعر بالخوف فى أى وقت، فأنا لا أخلص إلا للفكر، لست محسوباً على الغرب أو الشرق، ودعينى أقل لك شيئاً، لم أشعر يوماً أننى تركت مصر لأننى مضطهد، وأذكر أنه عند حضورى أول ندوة فى هولندا، بدأتها بالبسملة والشهادة، ورفضت عرض اللجوء السياسى هناك، لأن ما حدث معى لم يحدث لكونى نصر حامد أبوزيد،
لكن لوجود تيار يرفض أى فكر جديد أياً كان صاحبه، وعندما سافرت هولندا كنت أظن أننى انسلخت عن ثقافتى العربية والإسلامية، ولكن عندما جعلونى مسؤولاً عن كرسى ابن رشد، وأصروا على تسميته بمسماه العربى، بدلاً من كلمة «أفور ويس» التى يعرف بها فى الغرب، شعرت بأننى جزء من تلك الحضارة
.
* متى صالحت ذاتك على الوطن؟
- كنت أرى مصر فى أحلامى بالليل، فأصحو مكتئباً مقسوماً بين شعور بالوحشة والحزن، خاصة مع وفاة الكثير من الأحباء هنا فى مصر، وظللت هكذا حتى جاء عرض التدريس بالجامعة المصرية لزوجتى الدكتورة ابتهال، وهو ما رفضته هى فى البداية رافضة تركى بمفردى فى هولندا، لكننى أقنعتها بالعودة، وفى العام ٢٠٠٣ قررت زيارة مصر لأول مرة منذ خروجى منها، وحتى ذلك التاريخ كان هناك حالة من اللاصلح الداخلى معها، ولكن ما إن جئت حتى تبخر جبل الجليد بينى وبينها فى الذوبان، ولينتهى الأمر بالصلح التام عام ٢٠٠٥.
* الفكر الإسلامى هو محور محاضراتك هنا، ولكن لأيهما يحتاج هذا الفكر، لتجديد أم لتطوير الخطاب الدينى؟
- نحن بحاجة لتنوير، بعد أن سُرق مفهوم «تجديد الخطاب الدينى»، وبات مقصوراً على الخطبة الدينية وحسب، وفرق كبير بين الاثنين، فالخطبة مجرد نمط من أنماط الخطاب الذى من المؤكد أنه بحاجة لتحليل ونقد، والتنوير يعنى استعادة احترام منطق التفكير، وهو ما يستدعى وجود حريات يفتقدها المجتمع العربى لضمان الحياة لهذا الفكر، لأنه إذا غابت الحرية والفكر، غابت التنمية، وكل حديث عن التنمية فى غياب هذين العنصرين، يصبح حديثاً عن استيراد أشكال من الخارج، تُبنى اليوم وتُهدم غداً.
وهناك عبارة تقول: «ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع». تأملوا معى هذا الترتيب وكيف جاء المصنع بعد الحرية ثم الفكر، وهذه العبارة تلخص مشروع النهضة، الذى تبناه الأفغانى وكان يسعى لتبنى الحداثة، فى القرن ١٩، وهو المشروع الذى لم يكتمل، لماذا؟! لأن غياب الحرية، يُجهض الفكر، ويؤثر فى غياب الإنتاج، ونوعيته.
والخطاب الدينى جزء من السياق الثقافى العام، يتطور بتطوره، ويتراجع بتراجعه. وفى تحليلى للخطاب الدينى فى عالمنا العربى الآن، لا أستطيع فصله أو عزله عن الخطاب التعليمى والسياسى والاقتصادى، الذى يتضح فيهم التراجع والتدهور بشكل كبير، وهو ما أثر على نوعية الفكر العربى بوجه عام.
ولا يمكن تطوير الخطاب الدينى إلا فى وجود تحليل نقدى للفكر، وتحليل المصالح السياسية التى تحكم هذا الخطاب. نحن بحاجة لشىء أبعد من التجديد، الذى تحول لإعادة طلاء، فبدلاً من اللون الداكن، نضع لوناً مبهجاً، ويظل المضمون كما هو
.
* هل يعنى هذا ضرورة التفكير مجدداً فى إعادة قراءة القرآن؟
- بالطبع، فالسياق الحالى المعروض فى الغرب تحت ما يسمى «فوبيا الإسلام»، وبخاصة بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، وما نتج عنه من تشويه لصورة الإسلام، ليقدم للعالم بوصفه ديناً إرهابياً، إقصائياً، يستلزم ذلك. لا لإعادة تقديم أنفسنا للغرب ولكن لتحقيق التقدم والتنمية التى نتحدث عنها ليل نهار فى مجتمعاتنا العربية.
فالفقه ليس قانوناً ولكنه نقاش حول مسائل قانونية، وفى هذا النقاش يدخل المجتهد وينتقى رأياً، كما فعل الأئمة الأربعة الذين أعملوا العقل واجتهدوا، واختلفوا، ونحن نحرم على أنفسنا نفس ما فعلوه. ولا يعلم الكثيرون أن عملية التفكير مجدداً فى التراث، بدأت ولم تتوقف منذ القرن الثامن عشر،
كما لم تتوقف عملية مفاوضة «المعنى» القرآنى، بطرق، وأساليب، ومناهج شتى، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن، ولذا يجب علينا الإلحاح ليس بالمطالبة بضرورة الاستمرار فى عملية التفكير، وإعادة التفكير مجدداً فى التراث، وفى معنى القرآن، بل فى ضرورة أن يحاول المسلمون، أينما كانوا، التقدم خطوة أبعد فى هذه العملية، من أجل إنجاز منهج تأويلى واضح، وليكونوا مشاركين نشطين فى صياغة معنى حياتهم فى العصر الذى يعيشون فيه، بدلاً من أن يكونوا مجرد متلقين سلبيين للمعانى التى تفرض عليهم بالقهر والانصياع.
* تتحدث مجدداً عن التأويل الذى يراه البعض أمراً غير وارد فى التعامل مع القرآن؟
- نعم لأننا بحاجة للتأويل، الذى يعنى الدخول فى عالم النص سواء كان لغوياً أو غير ذلك، كما أننا بحاجة للمجاز الذى يعنى استخدام اللغة بشكل لا يؤدى لفهمها فهماً حرفياً، وإنكار المجاز كارثة معرفية ودينية فى ذلك الوقت، لماذا؟ لأن فهم القرآن يتطلب قبل كل شىء فهم اللغة التى كتب بها، وكيفية استخدام العرب لها ولتعبيراتها فى فترة نزول القرآن.
ليس هذا فقط بل فهم العقل العربى الذى كان يستقبل القرآن أيضاً، لفهم السياق الاجتماعى والثقافى والدينى المحيط بنزول القرآن. ولذا فالعلاقة بين المجاز والتأويل فى الفكر الإسلامى، علاقة حيوية ومهمة منذ المعتزلة وحتى ابن رشد
.
* لماذا يتعامل الفكر الإسلامى مع «التأويل» بنظرة تتأرجح بين الرفض والإنكار والريبة؟
- يظن البعض أن التأويل، يعنى فرض الرؤى الشخصية، والمفاهيم الأيديولوجية على معانى النص الدينى. كما يرى هؤلاء أن ما طرحه السلف من معان، هو الأكمل فى التفسير دون غيره، تبريرهم فى ذلك أن السلف كانوا الأقدر على الفهم من الأجيال التالية لهم، لأنهم الأقرب زمانياً لفترة العصر الذهبى للإسلام،
بالإضافة إلى أنهم كانوا أكثر تقوى مما نحن عليه، وهذا فهم غير تاريخى لكلمة التأويل، بدليل أننا لدينا فى التراث موسوعة تفسير «محمد بن جرير الطبرى» الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى.
وعنوانها «جامع البيان فى تأويل آى القرآن»، وهو ما يعنى أن كلمة «تأويل» لم تكن تحمل أى معنى سلبى فى تلك الفترة من التاريخ الإسلامى، والأصح أنها لم تحمل تلك الدلالات السلبية إلا فى إطار الصراع الفكرى بين السُنة والشيعة فى القرن الرابع الهجرى. وكما أننا بحاجة للتفسير بما يعنيه من شرح للمفردات اللغوية الصعبة والغامضة فى لغة القرآن، فإننا بحاجة أيضاً للتأويل الذى هو سعى لاستنباط دلالة التركيب بالعودة إلى السياق
.
* ترى أن التعامل مع القرآن يجب أن يكون على أساس أنه «خطاب» لا «نص».. ما تفسير ذلك؟
- لم يدرك المفسرون والعلماء المسلمون بشكل كامل، أهمية الظاهرة الحية للقرآن بوصفه «خطاباً»، حيث دأبوا على التعامل معه من خلال نفس المنظور التراثى فى التعامل مع القرآن بوصفه «نصاً»، وهو أسلوب يشجع إمكانيات التفسير والتفسير المضاد، كما يسمح بإمكانية التلاعب الدلالى، ليس فقط بالمعانى، بل بالمبنى القرآنى نفسه.
وكنت فى وقت ما أحد المؤمنين «بالنصية»، لكننى أدركت فيما بعد، خطورة التعامل مع القرآن بوصفه نصاً فقط، لأنه يقلل من شأن حيويته، ويتجاهل حقيقة أنه مازال يمارس وظيفته فى الحياة اليومية للمسلمين، بوصفه «خطاباً» وليس مجرد نص.
كما أنه لم يعد كافياً، مجرد البحث عن سياق لمقطع، أو مجموعة من الآيات، حين يكون الهدف مناظرة الفكرة بالفكرة، كالأصوليين الذين يعتنقون مبدأ «الحاكمية»، على سبيل المثال، أو حينما نناقش بعض الممارسات التاريخية التى باتت غير ملائمة لحياة المسلمين فى العصر الحديث
.
* تنتقد عبارة «معلوم من الدين بالضرورة» لماذا؟
- لأنها باتت تستخدم فى الكثير من القضايا التى تمس حياة المسلمين، على الرغم من أن هذا المعلوم يتركز فى أساسيات الدين وأركانه، كالإيمان بالله، والرسول العربى، محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء، والزكاة والحج والصلاة. وقد ميز علماء المسلمين بين العلوم الضرورية وبقية العلوم، والانتقال بينها لابد أن يتم عبر الاستدلال أى إعمال العقل، لذا فكلما اعتمدنا على مقولة «معلوم من الدين بالضرورة، تراجعت مساحة العقل وفرصة التعامل مع النص من خلاله. لأنه طالما أنه معلوم من الدين بالضرورة فلا داعى للتفكير فيه، أو بمعنى أصح إعمال العقل فيه.
وعلى الرغم من حاجة المسلمين الماسة لتحليل النص القرآنى والعمق فى معانيه، إلا فإنه للأسف نجد أن مجتمعاتنا العربية تنظر لكلمة «النقد» بعداء، وبسبب العمى اللغوى لدينا، نخلط بين «النقد»، و«النقض» ليكون معنى النقد فى بلادنا، هو الهدم، رغم أن العقلية النقدية جزء من الهوية البشرية،
كما لا يمكننا إطلاق وصف «مثقف» على أى إنسان دون أن يكون ناقداً، وللعجب فإنك حينما تتحدث عن قضية ما أو تنتقد ظاهرة فى المجتمع فلابد أن تكون صاحب مصلحة، أو منتمياً لفكر ما تدافع عنه، لماذا لأننا مجتمعات سلطوية يسود فيها فكر القبيلة، التى يظل الدفاع عنها وعن مصالحها الغاية الأسمى،
وأذكر أننى تحدثت ذات يوم فى لقاء تليفزيونى عن حق الإخوان فى إنشاء حزب سياسى، ولم يكن لرأيى هذا أى علاقة بتعاطفى مع الجماعة لكنه كان منطلقاً من باب الحرية، والحقوق السياسية التى لابد أن يكفلها الوطن لمواطنيه، وفوجئت بعدها بمن يقول إننى أهادن الإخوان، والأدهى أننى وجدت الإخوان يتصلون بى فى هولندا لحضور إفطارهم السنوى فى رمضان!
كل هذا لأننى قلت رأيى المنطلق من قناعاتى الخاصة، فقط، لا فكر دون نقد، والأمثلة عديدة فى الحضارة البشرية، فلو لم ينقد «كانت» فكر «ديكارت» لما كان هذا الفيلسوف العظيم، ولو لم ينقد مارتين لوثر الكنيسة لما ظهرت البروتستانتية التى أسهمت فى نقل الغرب من مجتمعات شبه إقطاعية لمجتمعات صناعية
.
* الفكر المسيحى رفض العقل هو الآخر، ومر بمرحلة سكون استمرت نحو ثمانى قرون، حتى فجر عصر النهضة، السؤال لماذا لم يستطع الفكر الإسلامى هو الآخر التطور وقبول العقل بعد فترة السكون التى قاربت ١٠٠٠ عام؟
- هذا السؤال يمكن أن يطرح بشكل آخر، لماذا تقدموا ولماذا تأخرنا؟ ولكن قبل الإجابة عنه لابد من الإشارة إلى أنه نهضة الفكر المسيحى، لم تكن لتتم دون وساطة الثقافة العربية، فمن خلال إيطاليا وصقلية تطور الغرب بفضل الترجمة للحضارة الغربية، وهنا أستشهد بمقولة للكاتب محمد حسنين هيكل تقول: «الحضارة محيط، تزوده بحار، والبحار تزودها أنهار، فالأنهار هى الثقافات تصب فى البحار التى هى الحضارات، لتصب فى النهاية فى المحيطات التى هى الحضارة الإنسانية مكتملة»،
وهذا أمر طبيعى لأن الحضارة البشرية عبارة عن التقاء حضارات تماماً كمن يقف أمام مرآة ليكتشف ذاته ويرى نواقصه، ومدى حاجته للتغيير، والثقافة الإسلامية مرت بعصر ذهبى كانت أوروبا نائمة فيه،
وعندما استيقظت أوروبا كانت الحضارة الإسلامية مقسمة بين ثلاث امبراطوريات، الأندلس، وبغداد، ومصر، إلى جانب بعض الدويلات الصغيرة، ومع الحروب الصليبية، وحالة الانقسام التى شهدتها تلك الحضارة، انغلق الفكر الإسلامى وتم تجريم الكثير من العلوم، كعلم الفلسفة وعلم الكلام والعلوم الطبيعية، ولم ينجح من تلك المذبحة سوى علم الفقه، لينغلق العالم الإسلامى على نفسه ولا يصحو إلا ليجد الهوة الواسعة بيننا وبينهم، فإهمالنا للفكر هو سبب تخلفنا، وقد حاول الأفغانى ومحمد عبده الإجابة عن سؤال لماذا تخلفنا، وأكدوا منذ ما يزيد على ١٠٠ عام،
أننا يجب إعادة قراءة التراث الإسلامى لإعادة فهم الإسلام، وإعادة وصل المعنى الدينى بالعصر الذى نحياه، لأن المعنى الدينى السابق مرهون بالعصور التى ظهر بها، ولذا يبقى الفارق بيننا وبين أوروبا، أن التغيير لديهم وفق آليات ومؤسسات تقوم على العقل والحرية، بينما الإصلاح لدينا يرتبط بآليات سلطوية،
وأعود لأستشهد بمقولة الكاتب محمد حسنين هيكل حينما شبه حلم التقدم فى العالم العربى بامرأة حبلى، تحتاج لأن تضع مولوداً فى هدوء، ولكنها تدخل غرفة ولادة تغرق فى الضجيج، فتجهض جنينها، وهو ما ينطبق على فكرنا فى المنطقة الملىء بالصخب والضجيج، والنظر للفكر على أنه رفاهية لا يتحملها المجتمع الآن، رغم أنك لا تستطيع إطفاء الحريق دون فهم أسبابه، تماماً كما يحدث فى فلسطين بين فتح وحماس، إلى جانب أن المحرمات فى الثقافة الغربية ضئيلة، ولكن المحرمات لدينا تزداد كل يوم، ولدينا خطوط من كل لون وليست حمراء فقط
.
* كيف السبيل للخروج من صندوق الخوف من الفكر؟
- يجب أن نعى أن الفكر البشرى، لم يتقدم فى أى مرحلة من مراحل تطوره، سوى بمحاولات الخروج خارج الصندوق، حتى لو حدثت أخطاء، ففى مجال الفكر الدينى المسيحى، نجد أنه لم يكن ليتقدم ويتطور، لولا وجود ما سمى بالهرطقة، ودون البدع لم يكن الفكر الإسلامى ليتقدم، فالفكر لا يمكن أن يسير فى مناطق آمنة دوماً، لأن الفكر الساعى لإحداث تطور، يقتحم مناطق يتصور البعض أن بها خطورة،
وما كان خطراً فى عصر، يصبح آمناً فى عصر آخر، فمن قال إن ما جاء به عيسى لم يكن بدعة عند ظهوره، حتى صار له أتباع، ومن قال إن ما جاء به نبى الإسلام محمد، لم يجد معارضة شديدة من مجتمعه بصفته فكرًا جديدًا، لم يعتادوه، حتى صار الإسلام دينًا لأمة كاملة، لذا فالحل فى نظرى يكمن فى وجود حزمة متكاملة ومتزامنة من الإصلاحات،
تطول السياسة والمجتمع والتعليم والثقافة، ويقع على إعلامنا عبء كبير فى تحقيق هذا الإصلاح، بعد أن أثر الإعلام على إمكانيات الفكر، وأفسد المثقفين بإغراءات الشهرة، والمقابل المادى، فتحول المثقف لسلعة، وبات الإعلام يقوم على الإثارة والتسلية، لا على فكر التنمية والتطوير، ولو عملنا تصنيفاً للسلع المُعلن عنها فى إعلامنا، لعرفنا نوعية الجمهور الذى يتعامل معه،
وعلى الرغم من طغيان الإعلان على الإعلام الغربى إلا أن النظام الاقتصادى هناك قائم على الإنتاج لا الاستهلاك، وبالإضافة إلى كل هذا على المواطن العربى تدشين فكر المقاومة لتحقيق التقدم الفكرى عبر تمكين الفرد، ومدخل هذا التمكين هو التعليم وإعادة النظر فى البنية الاجتماعية، ومحاربة الفساد الذى لم يعد سمة مصرية وحسب، بل بات سمة عربية أيضًا،
وللأسف لم يؤثر فقط على تدهور الحالة الاقتصادية والسياسية فى بلادنا، ولكنه أثر على سلوكيات العنف التى سادت شرائح مختلفة فى المجتمع
حوار نشوى الحوفى ٢٧/ ١٢/ ٢٠٠٨

Sunday, December 14, 2008

د. مراد وهبة يكتب : نحو عقل فلسفى .. ابن رشد فى أبوظبى

فى اليوم الخامس من شهر مايو من هذا العام دعيت للمشاركة فى ندوة عن «ابن رشد» فى أبوظبى بصفتى رئيساً «للجمعية الدولية لابن رشد والتنوير»، ودعى معى جوزيف بويغ مونتادا أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة كومبلوتينس بمدريد، وكان من المدعوين أيضاً سفراء من دول عربية وأوروبية بدولة الإمارات.
وقد نظم هذه الندوة الأديب الإماراتى المبدع محمد خليفة المرر الذى يدير مركز شؤون الإعلام التابع لنائب رئيس مجلس الوزراء. وأظن أن هذه الندوة هى الندوة الأولى التى تنعقد عن ابن رشد فى إحدى دول الخليج
. والسؤال إذن: ما مغزى القول بأنها الندوة الأولى عن ابن رشد فى إحدى دول الخليج؟
المغزى هو أن ابن رشد ليس وارداً فى هذه الدول، وإنما الوارد اثنان من كبار علماء الكلام، أحدهما هو الغزالى من القرن العاشر، والآخر هو ابن تيمية من القرن الثالث عشر، ويقع بينهما ابن رشد من القرن الثانى عشر.
وكل من الغزالى وابن تيمية ضد المشتغلين بفلسفة اليونان لأنها فلسفة الكفار.
قال عنهم الغزالى فى كتابه «تهافت الفلاسفة»: «إنهم منكرون للشرائع والنحل، وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، ومعتقدون أنها نواميس مؤلفة وحيل مزخرفة».
أما ابن تيمية فقد ركز هجومه على منطق اليونان فى كتابه المعنون «الرد على المنطقيين»، بدعوى أنه يلزم الاستغناء عن ذلك المنطق، لأن الذهنية اليونانية المؤسسة له هى على النقيض من الذهنية الإسلامية، إذ إن الأولى يسيطر عليها الطابع النظرى، بينما الثانية تحكمها أوضاع الحياة العملية، ومن ثم فهى ليست فى حاجة إلى «البرهان» الذى هو أساس المنطق اليونانى، وإنما فى حاجة إلى الفطرة السليمة التى هى سمة أساسية للذهنية الإسلامية.
أما ابن رشد فهو على النقيض من الغزالى وابن تيمية، إذ يقول فى كتابه المعنون «فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»: «إنه يجب علينا أن نستعين بما قاله القدماء سواء كانوا مشاركين لنا فى الملة أو غير مشاركين». وهو يقصد بغير المشاركين فلاسفة اليونان الذين كانوا موضع تكفير من الغزالى وابن تيمية.
وبسبب هذا التكفير لم يتمكن ابن رشد من إحداث تيار تنويرى فى العالم الإسلامى على غرار التيار التنويرى الذى أحدثه فى أوروبا باسم «الرشدية اللاتينية» التى اصطدمت بالسلطة الدينية المنغلقة على ذاتها وقتذاك، ثم فجرت الطاقة الإبداعية الكامنة فى العقل الأوروبى فاستأنف «التقدم» الذى كان قد توقف فى العصور الوسطى.
أما العالم الإسلامى فقد «توقف» عن التقدم بعد تكفير ابن رشد وحرق مؤلفاته ومحاكمته فى نهاية القرن الثانى عشر.
فإذا أراد العالم الإسلامى أن يستأنف التقدم فعليه أن يتخذ من ابن رشد «جسراً» للعبور إلى أوروبا المتنورة. وفكرة «الجسر» هذه قد وردت إلى ذهنى مع بداية حرب الخليج الأولى فى شهر أغسطس من عام ١٩٩٠، حيث كنت مدعواً للمشاركة فى مؤتمر فلسفى فى بروكسل ببلجيكا فعرضت على المشاركين فى اجتماع خاص فكرة «الجسر»، فقوبلت بالموافقة مع اقتراح بعقد مؤتمر فلسفى دولى بالقاهرة تحت عنوان «ابن رشد والتنوير».
وقد تم ذلك فى ديسمبر ١٩٩٤ بتدعيم من أمين عام الأمم المتحدة والاتحاد الدولى للجمعيات الفلسفية والجامعة العربية ووزارات الثقافة والخارجية والداخلية. وقد عرضت هذه الأفكار فى ندوة أبوظبى تحت عنوان «ابن رشد جسراً بين الثقافتين الأوروبية والإسلامية» وفى الاتجاه نفسه سار المفكر الإسبانى بويغ، إذ ارتأى أن الرؤية الفلسفية المنفتحة على الآخر التى تميز بها ابن رشد ينبغى أن تكون «قنطرة» للتواصل الحضارى بين الغرب المسيحى والشرق الإسلامى.
واللافت للانتباه أنه بعد إلقاء هذين البحثين اشترك السفراء المدعوون فى حوار الندوة بأسلوب أكاديمى جدير بالإكبار والإجلال. فقد قال سفير المملكة المغربية إن فكر ابن رشد يعتبر تجسيداً لوجود الحضارة العربية الإسلامية فى مسار الحضارة الإنسانية بحيث لا يمكن اعتبارها نشازاً كما يراد تصويرها خطأ.
وقال سفير لبنان إن هذا الحدث الفلسفى الذى جرى فى أبوظبى يفضى بنا إلى ضرورة تعميق الحوار فى مجتمعاتنا حتى نكون على وعى بكيفية تناول قضايا العصر. وأثار سفير إسبانيا مسألة العلاقة بين الفلسفة والسياسة، وهى علاقة واضحة فى حياة ابن رشد.
وفى هذا الإطار أثيرت قضية الإرهاب الكوكبى، وكان رأيى أن الإرهاب إفراز من الذهنية الأصولية التى تتوهم أنها مالكة الحقيقة المطلقة، ومن ثم فهى لا تقبل بغير حقيقتها، فإذا وجدت فقتلها أمر لازم ومطلوب، ومن هنا ينشأ الصراع بين ملاك الحقيقة المطلقة، وبناء عليه فإذا أردنا التخلص من الإرهاب كان علينا التحرر من قبضة ملاك الحقيقة المطلقة.
وإثر انتهاء الندوة همس فى أذنى أحد السفراء العرب قائلاً: «محاربة الإرهاب مهمة شاقة وعسيرة وتستغرق سنوات لا أحد يعرف مداها
نقلا عن المصري اليوم

مع رئيسين فى عيد ميلادى السبعين

تشاء صدفتا الميلاد والنشاط العام أن أقضى عيد ميلادى السبعين (٣/١٢/١٩٣٨-٣/١٢/٢٠٠٨) بين مدينتى جنيف السويسرية وأطلانطا الأمريكية. وفى المدينتين التقيت رئيسين سابقين هما الرئيسة السابقة لجمهورية أيرلندا، د. مارى ربنسون، والرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر
. وكانت قضية حقوق الإنسان فى قلب اللقاءين، بالإضافة إلى أهم المستجدات على المسرح العالمى، وهو انتخاب رئيس أمريكى شاب وواعد. وقد ساعد فرق التوقيت (٧ ساعات) أن أكون موجوداً فى بلدين وقارتين مختلفتين، وأن أتناول الإفطار مع رئيس سابق محترم، والعشاء مع رئيس سابق آخر محترم أيضاً.
ونادراً ما أستخدم صفة «محترم» مع أى من الرؤساء الحاليين أو السابقين، إلا إذا كان هذا الرئيس يستحق هذه الصفة فعلاً. وفى استخدامى هذا الوصف مع أى رئيس لا بد من توافر شرطين على الأقل.
الأول، أن يكون قد أتى إلى منصب الرئاسة هذا من خلال انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة، والثانى أن يكون قد ترك منصبه فى نهاية مدة ولايته الدستورية سلمياً، ومارس حياة عامة منتجة «كرئيس سابق».
وقد استحق الرئيس جيمى كارتر والرئيسة مارى ربنسون صفة الرئيس المحترم بجدارة. مع الرئيسة مارى ربنسون،
كنت العربى الوحيد ضمن لجنة من عشر شخصيات، عُهد إليها الإعداد للاحتفال بالذكرى الستين «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان»، وهى تلك الوثيقة التى صدرت عن الأمم المتحدة يوم ١٠ ديسمبر ١٩٤٨، وتحتوى على ثلاثين مادة، تنص كل مادة منها على أحد الحقوق، التى اعتبرها المجتمع الدولى وقتها حقوقاً أساسية لكل مخلوق بشرى، مهما كان جنسه، أو دينه، أو لون بشرته. ولأن معظم الثلاثمائة مليون عربى المعاصرين اليوم، بمن فيهم هذا الكاتب نفسه، لا يزالون محرومين من كل أو معظم هذه الحقوق.. ولأن الأجيال الجديدة لم تتعلمها فى الأسرة، أو المدرسة، فمن المهم أن تستذكرها،
ودون تفصيل فإنها:
١ - الحق فى المساواة.
٢ - الحق فى الحرية من التمييز.
٣ - الحق فى الحياة والأمن.
٤ - الحق فى الحرية من العبودية.
٥ - الحق فى عدم الخضوع للتعذيب.
٦ - الحق فى الاعتراف بالذات أمام القانون.
٧ - الحق فى المساواة أمام القانون.
٨ - الحق فى التقاضى أمام المحاكم.
٩ - الحق فى الحرية من الاحتجاز التعسفى أو النفى.
١٠ - الحق فى محاكمة علنية.
١١- الحق فى البراءة إلى أن يتم إثبات غير ذلك.
١٢- الحق فى الحرية الخاصة وحرمة الأسرة والمسكن والمراسلات.
١٣- الحق فى حرية الحركة داخل الوطن وخارجه.
١٤ الحق فى اللجوء إلى خارج الوطن تفادياً للاضطهاد.
١٥ - الحق فى الجنسية، وفى تغييرها.
١٦ - الحق فى الزواج وتكوين أسرة.
١٧ - الحق فى التملك.
١٨ - الحق فى حرية الدين والعقيدة.
١٩ - الحق فى حرية الرأى وتداول المعلومات
٢٠- الحق فى حرية التجمع السلمى وإنشاء الروابط
٢١ - الحق فى المشاركة فى الحكومة، وفى الانتخابات الحرة.
٢٢ - الحق فى الضمان الاجتماعى.
٢٣ - الحق فى عمل مرغوب وفى عضوية النقابات.
٢٤ - الحق فى الراحة ووقت الفراغ.
٢٥ - الحق فى مستوى معيشة لائق.
٢٦ - الحق فى التعليم.
٢٧ - الحق فى المشاركة فى الحياة الثقافية للمجتمع.
٢٨ - الحق فى نظام اجتماعى يكفل ما ورد فى هذه الوثيقة.
٢٩ - الحق فى تحمل الواجبات الضرورية لتنمية حركة كاملة.
٣٠ - الحق فى الحرية من تدخل الدولة أو الأفراد فى إنكار الحقوق السابقة.
لقد تعمدت النص الكامل لهذه الحقوق كما وردت فى الإعلان العالمى، الذى أقرته الأمم المتحدة يوم ١٠ ديسمبر ١٩٤٨ لأن معظم القرّاء المصريين والعرب ربما لم يطّلعوا على مواد الميثاق كاملة.
وربما يُباهى حاكم عربى، هنا أوهناك، بأنه منح شعبه أو مواطنيه هذا الحق أو ذاك، وهو ادعاء غير صحيح.
فبمجرد دخول أى دولة للأمم المتحدة فإنها لا بد أن تقر بقبول هذا الإعلان. وبجعل هذا القبول بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان منه جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية للدولة. فإذا تعارض أى قانون أو مادة فى القوانين الوطنية مع ما ورد أعلاه، فإن الأسبقية تكون للمواثيق والمعاهدات الدولية.
من ذلك، أن المادة ١٩ الخاصة بحق حرية التعبير كانت، وما زالت، فى نظر المراقبين هى الأهم فى الإعلان العالمى، لأنها شرط الضرورة للدفاع عن بقية الحقوق التسعة والعشرين الأخرى الواردة فى الإعلان. وربما لهذا نشأت جمعية فى لندن تحمل رقم هذه المادة (١٩). ومن الواضح أن بعض القضاة المصريين إما لم يسمعوا عن هذه المادة، وإما سمعوا بها، ولكنهم يتجاهلونها، إرضاء لصاحب السلطة الأعلى أو طمعاً فى رضائه وعطاياه مستقبلاً.
جالت هذه الخواطر والمُفارقات بعقلى، مرة فى جنيف، بجانب الرئيسة مارى ربنسون، ونحن نُدشن لوحة استذكارية للراحلة الينور روزفلت، زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين، والتى رأست لجنة من ثمانى شخصيات دولية، كان منهم اثنان عرب هما المصرى د. محمود عزمى واللبنانى د. شارل مالك، واستغرقت ثلاث سنوات. وأقرتها كل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وقتها (١٠/١٢/١٩٤٨)، وبينها سبع دول عربية مستقلة (مصر، لبنان، سوريا، العراق، الأردن، اليمن، السعودية)، وقد احتفلنا بالمناسبة نفسها مع الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وقرينته روزالين، فى مدينة أطلانطا، على نحو ما ذكرت فى فقرة سابقة.
ويعتبر الرئيس كارتر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان أهم وثيقة عرفتها البشرية منذ الكتب السماوية الثلاثة (التوراة، الإنجيل، القرآن). ومع ذلك فقد تعجب مما إذا كان يمكن إقرار الإعلان نفسه بالأغلبية نفسها لو أعيد التصويت عليه اليوم فى الأمم المتحدة؟! لقد كان عدد أعضاء الأمم المتحدة عام ١٩٤٨، حينما عُرض للتصويت أقل من أربعين، معظمهم تحكمه أنظمة ديمقراطية. أما الآن فإن عدد الأعضاء قد تجاوز المائة والثمانين، نصفهم تحكمه أنظمة غير ديمقراطية... ولا تحترم ما ورد فى الإعلان من حقوق.
كذلك، فحتى الأعضاء الأصليون الذين أقروا الميثاق عام ١٩٤٨، لأنهم كانوا ديمقراطيين، ولكنهم لم يعودوا كذلك، ومنهم مصر وسوريا. وحين سمعت اسم مصر فى هذا السياق أحسست بحسرة حقيقية. وكانت حسرتى تتضاعف وأنا أستمع لشهادات المنظمات الحقوقية الدولية، وهم يذكرون الدور المصرى الرسمى المناوئ لمشروعات القرارات التى تُدين الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان فى كل من السودان (دارفور) وزيمبابوى. وتقود مصر فى هذا الصدد ثلاث مجموعات دولية.. هى المجموعة الأفريقية، والمجموعة العربية، والمجموعة الإسلامية. وهى معاً تزيد على نصف أعضاء المنظمة الدولية.
ورجعت بى الذاكرة لكتاب جمال عبدالناصر فلسفة الثورة، الذى كان أول من تحدث فيه عن الدوائر الثلاث الحيوية التى تنتمى لها مصر فى خمسينيات القرن الماضى، فى سنوات حركات التحرير التقدمية، التى ناصرت حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. وربما لم يخطر ببال عبد الناصر أن الانتماء للدوائر الثلاث، سيوظف لا من أجل معارك حقوق الشعوب إنما معارك لتحصين الأنظمة المستبدة، ضد شعوبها وضد حقوق الإنسان
. فسبحان مُغير الأحوال من النقيض إلى النقيض. ولا بد أن يكون د. محمود عزمى، أحد رموز مصر الليبرالية، وعبدالناصر أحد رموز مصر التقدمية يتقلبان فى قبريهما. فلا مصر حافظت على ليبراليتها من العهد الملكى، ولا على تقدميتها من العهد الثورى. ولم تقطع رحلة الذكريات هذه إلا أصوات غناء يقودها جيمى كارتر وروزالين «عيد ميلاد سعيد... عيد ميلاد سعيد يا سعد... عيد ميلاد سعيد يا سعد!».
عندئذ تذكرت زملاء آخرين غنوا لى الأغنية نفسها فى سجن مزرعة طرة، فى اليوم نفسه منذ خمس سنوات..
ومرة أخرة قلت لنفسى سبحان مُغير الأحوال!
بقلم- د. سعد الدين إبراهيم
نقلا عن المصرى اليوم

All tied up in knots

In Egypt, premarital sex is frowned upon but the cost of marriage is becoming prohibitive for many.

No matter how grand or modest, the vast majority of Egyptian weddings have a number of things in common: the bride and groom are the constant centre of attention, and the music is invariably so loud that it could make your ears bleed.
And my brother's wedding, which I attended in Cairo recently, was no exception to this time-honoured tradition. From the moment his bride, trailed by a lacy white dress, and he, decked out in a black suit and bowtie, entered the ballroom preceded by a loud fanfare of drummers and dancers, to the end of the party in the wee hours, the happy couple did not get a moment's rest. They had to have the first dance, and then dance until they were quite literally about to drop.
When they weren't strutting their stuff, they had to sit on two raised throne-like seats where everyone could see them, and eat first while everyone watched them. And it is the glare of this constant spotlight that I regard as the most horrifying aspect of Egyptian weddings.
Perhaps the most surprising aspect of a wedding in Egypt for Europeans is that Egyptians overcome their inhibitions and go wild without the need for alcoholic lubrication. Hakim, one of the country's favourite singers who mixes modern pop rhythms with traditional working-class shaabi music, whipped the guests – women and men, young and old – up into a frenzied storm of pulsating hips, trembling bellies and shuddering shoulders and chests.
As a gift from my brother's father-in-law, this wedding did not cause the happy couple undue financial pain. Whether they can afford it or not, most Egyptians drag themselves over hot coals in order to put on the grandest wedding they can. After all, getting married is a life-defining moment, so the justification goes. But why should people spend a big chunk of their lives paying for the excesses of that one night?
Marriage is popularly believed to be the better half of faith and a rite of passage into the world. But as the prerequisites for tying the knot and the cost of living keep on rising, and people stay longer in education and work on building careers before marriage, many young couples find themselves in danger of losing the other half of their faith and are stuck for years in limbo between the two worlds.
My sister's approach of getting married without a large wedding raises eyebrows in Egypt. My own approach of living together unmarried in a furnished apartment, and then building a life together from the bottom up while moving gradually towards marriage, is out of the question for most Egyptians. That said, there has been a massive trend in recent years in which unmarried couples have been living together under the guise of so-called urfi marriages, which are unregistered, informal contracts they enter into for the sake of social decorum.
Recent research by the Brookings Institution reveals that almost 50% of men in the Middle East between the ages of 25 and 29 are not married. A large percentage of people nowadays don't take the leap until their early thirties. While settling down late is not seen as a major issue in the west, the key difference is that most unmarried Arabs are in that situation involuntarily and sex out of wedlock, while quite common, remains frowned upon.
In Egypt, economic challenges and the housing shortage make up part of the equation. But another significant factor is the inflexibility of familial demands. Few families are willing to allow a marriage to commence without a fully furnished flat in an appropriate neighbourhood being ready, not to mention the additional expense of a glittering jewellery set and a large wedding.
Needless to say, given the massive extent of the marriage crisis, it is a popular topic for the media, dramatists and comedians. Films, TV soap operas, newspaper caricatures and popular jokes delve into the various aspects of this phenomenon.
For instance, a short story by the satirist Ahmed Ragab, who is a national institution in Egypt, explores both the housing and the marriage crisis. It features a young couple who have had a "stay of execution" imposed on their marriage because they cannot find a flat and are each still living with their parents.
In a desperate bid to consummate their marriage and start their new life together, they agree to take part in a shrewd developer's "affordable housing" scheme in which would-be residents have to work on the construction site of their future apartments. The extended families of the DIY residents pitch in to help out in this collective barn-raising effort. They endure sweltering heat, hard labour and humiliation, only to discover that the developer has gone and sold the tiny apartments to other buyers.
An increasing number of young people are beginning to challenge these dated and rigid attitudes to marriage, in which what should be an emotional alliance is often more akin to a business partnership. A nascent "singles pride" movement is growing and women are trying to purge the Arabic word 'aanes (which means spinster, but applies to both genders in Arabic) of its negative connotations.
Abeer Soliman writes a blog called The Diary of a Spinster. "My aim is not to lament my lot as an unmarried woman but to open a window on to my generation (both women and men) so that society can gain insight into our situation and stop labelling us 'aanes," she writes in her Facebook group.
Another popular blog on the subject by Ghada Abdel-Aal, an Egyptian pharmacist, has, with its blend of humour, honesty and insight become a best-selling book. "The problem with Egyptian men is that half of them are like molasses, all gooey, and the other half are hard taskmasters. I suppose the best thing to do would be to put them all in a blender," she jokes.


Khaled Diab
guardian.co.uk, Saturday 13 December 2008 18.00 GMT
Article history

Thursday, December 11, 2008

عن التطبيع وفنون الإثارة والتهييج

إذا أردت أن تحصل علي شعبية وجماهيرية رخيصة ودون تكلفة أو جهد تبذله أو وقت تقضيه في الدراسة والبحث، ما عليك إلا أن تسب إسرائيل وتصفها بأحط الصفات، وتنزع عنها القدرة علي الفعل أحيانا، فهي أهون من بيت عنكبوت، وتجعل منها كيانا أسطوريا أحيانا أخري يقف وراء كل النكبات التي نمر بها، وأياديها خلف كل المصائب التي نتعرض لها بدءا من تفجيرات طابا وشرم الشيخ وصولا إلي أعمال القرصنة البحرية التي تجري عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بهدف حرمان مصر من دخل قناة السويس.
وإذا دخلت في سجال مع طرف يعمل علي نشر المعرفة الدقيقة بإسرائيل ويقول لك منذ البداية عليك أن تعرف إسرائيل جيدا حتي تتخذ قرارا سليما إن سلما أو حربا، فما عليك ألا أن ترفع صوتك عاليا وتقول "تطبيع.. تطبيع" هنا سوف يتعاطف معك عدد كبير ممن تلتهب مشاعرهم تضامنا مع القضية الفلسطينية.
أذكر أننا عندما بدأنا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، عام 1995 مع تولي د. عبد المنعم سعيد إدارة المركز، التفكير في إصدار مجلة مختارات إسرائيلية، أذكر أن عدداً من الصحفيين والناشطين في مجال العمل العام في مصر في ذلك الوقت، بدأوا في شن حملة علي المجلة والمركز بدعوي أن المجلة تعد نوعا من التطبيع مع العدو الصهيوني.
والمجلة ببساطة شديدة كانت عبارة عن ترجمة لمقالات صادرة في صحف ودوريات إسرائيلية عبرية، كانت تقدم لباحثي وخبراء مركز الدراسات في الأهرام بشكل أسبوعي لقراءة هذه المقالات حتي يكونوا علي دراية باتجاهات الصحافة العبرية والقضايا محل الاهتمام هناك وكيفية تناول مصر في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وفي عام 1995 كان قرار إدارة المركز بأن هذه المواد علي درجة عالية من الأهمية فلماذا لا تتاح للمثقفين والمتخصصين من خارج المركز، الفرصة للاطلاع عليها، مع تخصيص قسم في المجلة تحت عنوان " رؤي عربية" للرد علي ما يرد في هذه المقالات من أكاذيب أو معلومات مغلوطة. أذكر أن المجلة تعرضت في ذلك الوقت لحملة شديدة ركزت علي أنها تعد تطبيعا مع العدو الصهيوني.
وبمرور الوقت باتت المجلة من أهم مصادر المعلومات عن إسرائيل ولا تخلو أي رسالة علمية لنيل الماجستير أو الدكتوراه في أي جامعة عربية من مجلة مختارات إسرائيلية ضمن قائمة المصادر الرئيسية التي تم الاعتماد عليها، بل إن ما هاجموا مركز الدراسات بسبب إصدار المجلة اعتمدوا عليها كمصدر للمعلومات في مقالات لهم ومداخلات تليفزيونية، فقد أقروا بأن المجلة مصدر مهم للمعلومات بعد أن أقروا بأهمية المعلومة وقيمتها، وتوقفوا عن ممارسة نطريتهم المفضلة " التحليل بغض النظر عن المعلومات".
استعدت هذه الذكريات بمجملها بعد أن تكرر السيناريو تفصيلا عندما بدأ بث برنامج " إسرائيل من الداخل" علي قناة " أو تي في"، فالبرنامج هو المعادل البصري لمختارات إسرائيلية، بمعني أن البرنامج مخصص لتقديم المعرفة عن إسرائيل ويبدأ بجملة واضحة وحاسمة " سواء أردت أن تحارب إسرائيل أو تقيم معها سلاماً، فأنت في حاجة إلي معرفتها أولا" فالبرنامج يقدم تشريحا شاملا لإسرائيل دولة ومؤسسات وأفكاراً وتوجهات، يقدم إسرائيل كما هي في الواقع، دون تهويل أو تهوين، يقدم المجتمع الإسرائيلي كما هو نقاط القوة وجوانب الضعف، يشرح المجتمع الإسرائيلي ويقدم للمشاهد المصري حقائق قائمة لم يسبق له معرفتها مثل الأصولية اليهودية، النازيين الجدد، طبيعة النظام السياسي، إخفاقات جهاز الموساد، العلاقات الشائكة بين شرائح وأعراق المجتمع الإسرائيلي من يهود شرق وغرب، يهود سود وروس.....ويعتمد البرنامج علي تقديم معلومات موثقة عن القضية محور النقاش، ويستضيف متخصصين مصريين للحديث عن الموضوع، مع تقرير في كل حلقة عن الموضوع.
فجأة صرخ البعض تطبيع تطبيع... وكانت الحجة أن الحلقة تتضمن تقريرا من إسرائيل تقدمها مراسلة القناة ( من عرب 1948) عن الموضوع وتأخذ آراء بعض الإسرائيليين في الموضوع. ورغم إدراكي التام أن الحملة في جوهرها لا تخرج عن كونها نوعاً من الابتزاز الرخيص لشخص مالك القناة، ومزايدة من البعض الآخر علي مواقف سياسية، وتورط بعض ثالث في الأمر دون إلمام كاف بأبعاد الحملة التي جري استغلالها لاعتبارات منافسة مهنية، رغم ذلك أقول بأن التطبيع الحقيقي الشامل والمباشر تمارسه قنوات عديدة محل فخر هؤلاء المزايدوين، فهناك قنوات عربية مثل الجزيرة والعربية وأبو ظبي، قامت بتغطية الانتخابات الإسرائيلية والأحداث الكبري من داخل إسرائيل مباشرة وإقامت استوديو خاصاً بها في داخل إسرائيل، واستضافت محللين إسرائيليين في الاستوديو، بل إن التليفزيون المصري استضاف محللين عسكريين إسرائيليين مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية -الستالايت- ودخل في حوارات معهم عرضوا فيها وجهات النظر الإسرائيلية بشكل تفصيلي.
والسؤال هنا هل إعداد تقرير عن مدي حقيقة وجود مطبخ إسرائيلي من عدمه هو الذي يمثل خطرا داهما علي المقاطعة الشاملة التي تفرضها مصر والدول العربية علي إسرائيل، وهل في السؤال عن مدي وجود مطبخ يهودي هو الذي يكسر الحصار الحديدي المفروض عربيا علي إسرائيل ؟
إنها مزايدة مريضة من أشخاص ينتمون لمدرسة التحليل دون معلومات، لأن لا معلومات لديهم، ولأنهم لا يطيقون رؤية الحقائق كما هي ويتصورون في مخيلتهم ما يعتقدون أنه واقع، إضافة إلي انضمام شخصيات معروف عنها ممارسة الابتزاز لهذه الحملة للظفر بما اعتادوا الحصول عليه من جراء الابتزاز.
.التطبيع الحقيقي يمارس ليل نهار من جانب عواصم عربية لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، فالرياض استضافت فريدمان، ورتبت له جولة وأهدته مبادرة السلام " السعودية" التي باتت عربية، ومؤتمر الحوار بين الأديان الذي دعا إليه عاهل السعودية وعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع قبل الماضي شارك فيه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، وسوريا تتحاور مع إسرائيل عبر تركيا، ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني تجلس مع وزراء الخارجية العرب بمن فيهم السوري في "الاتحاد من أجل المتوسط".. .وبرنامج إسرائيل من الداخل نوع من التطبيع ويمثل الخطر الشديد علي جبهة الصمود والتصدي العربي ضد التطبيع مع العدو الصهيوني!
بقلم / د. عماد جاد
نقلا عن جريدة البديل

الذكرى الستون لأعلان حقوق الأنسان إنتهاكات مستمرة وإفلات من العقاب

عانت البشرية من الحربين الكونيتين ( الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ) مآسي فظيعة وكوارث خطيرة هددت مستقبل الانسان ووجوده على هذا الكوكب، وقد شعر المجتمع الدولي، بعد تشكيل منظمة الأمم المتحدة، بأهمية وضع لائحة قواعد أساسية لحقوق الانسان تلزم جميع الأطراف الموقعه عليها بأحترامها طواعية من أجل تجنب الحروب وبناء مستقبل آمن ومزدهر للبشرية في ظل السلام الذي هو قانون الحياة الأساس. ومن هنا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10 ديسمبر من عام 1948 والذي أعتبر خطوة هامة نحو صياغة وثيقة دولية لحقوق الانسان وتكون لها قوة ملزمة ومعنوية، وقد صادقت عليها جميع الدول في العالم تقريبا عدا بعض الدول ومنها المملكة العربية السعودية التي رفضت التوقيع عليها بحجة إنها تتعارض مع الشريعة الأسلامية. وقد تبع ذلك في عام 1976 إصدار وثائق هامة أخرى هي الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ثم الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الأخيرة تعزيزا لهذه الحقوق ودعما لها حيث لم تعد الانتهاكات الواقعه على حقوق الإنسان قضية داخلية تمس الوضع الداخلي للدول وإنما قضية مهمة تمس المجتمع الدولي وأمنه وإستقراره وتمس السلام العالمي أيضا، مما دفع المجتمع الدولي الى التدخل لحماية هذه الحقوق في مناطق ساخنة متعددة منها في يوغسلافيا سابقا وفي افريقيا وفي العراق عام 1991 ودارفور في السودان وغيرها، أي إن قضية احترام حقوق الانسان صارت تقيد من مبدأ السيادة المطلقة للدول. وعلى الرغم من صدور هذا الأعلان العالمي والملاحق التي تبعته والعديد من الاتفاقيات الدولية التي تحرم إنتهاكات حقوق الانسان وتدعم قيم الاعلان مثل إتفافية سيداو واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية منع تقادم جرائم الحرب وإتفاقية جنيف لعام 1951 المعدلة الخاصة باللجوء وغيرها، إلا أن الحروب لم تتوقف في العالم، وبقيت الإنتهاكات لحقوق الإنسان مستمرة من كثير من الحكومات وأجهزتها القمعية، كما حصلت كوارث إقليمية وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط كان في مقدمتها الحروب العربية – الاسرائيلية والحرب العراقية – الايرانية التي دامت 8 سنوات وما تبعها من إحتلال نظام صدام لدولة الكويت مما ادى الى نشوب حرب عاصفة الصحراء عام 1991 ومن بعدها الحرب على العراق في عام 2003، وهذه كلها سببت أنتهاكات لحقوق الانسان و دمارا وخرابا كبيرين بالاضافة الى إزهاق أرواح ملايين البشر وأدت الى الاصابة بالإعاقات الجسدية والأمراض النفسية لملايين أخرى ما تزال تعاني حتى الأن من أثر هذه الصراعات المسلحة التي سببت الآلام والمأسي لأنها تهدد الحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والنفسية للبشر. إحتل العراق، وكذلك البلدان العربية والأسلامية، المرتبة الأولى من بين دول العالم في إنتهاكات حقوق الانسان طبقا لتقارير منظمة العفو الدولية ومراصد حقوق الأنسان، وفي – تقديرنا – فأن هذا يرجع الى عاملين جوهريين وهما: العامل الأول- وجود ثقافة الكراهية بسبب التعصب والتطرف وبخاصة في المناهج الدراسية التعليمية. إذ أن وجود مثل هذه الثقافة في المراحل الدراسية المختلفة في العراق وفي العديد من البلدان في الشرق الاوسط وغيرها من الدول العربية والاسلامية تعني تواصل إهدار حقوق الأنسان ومعاييرها الدولية المتعارف عليها التي يجب أن تكون هي الأساس في التربية والتعليم وليس عبارات الأنتقام والثأر والجهاد وتكفير الآخر والعنصرية أوالتمييز بين البشر على أساس الجنس أواللون أوالأصل أوالدين أوالمذهب، وهذه المفاهيم هي السائده الآن في كتب ( التربية الاسلامية ) والتاريخ والجغرافية والتربية الوطنية وغيرها من الكتب المدرسية، وحتى في مناهج الجامعات في كثير من البلدان، هذا فضلا عن نشر ثقافة الكراهية والتطرف في خطب أغلب المساجد والجوامع عند تأدية صلاة الجمعة من كل إسبوع. والمفروض أن تبنى أسس إنسانية جديدة تزرع في نفوس البشر في هذه البلدان، ومنها مثلا مفاهيم التسامح والحوار ونبذ التطرف والتعصب وإحترام حقوق الإنسان مثل الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية والحق في الإختلاف وإحترام جميع الديانات والمذاهب والمعتقدات و أماكن العبادة وحرية التفكير والتعبير وتحريم تكفير الآخر وإحترام حقوق المرأه وحقوق الطفل وحقوق أصحاب الحاجات الخاصة الذين يعانون من العوق البدني، وغيرها من القيم الأنسانية النبيلة، مع محاسبة من ينتهك هذه المفاهيم حسب القانون، وبدون ذلك لن يكون هناك سلام بين الشعوب وبخاصة في المناطق الساخنة التي يزداد فيها التوتر الديني والعرقي والمذهبي والفكري. العامل الثاني – غياب الديمقراطية وإنعدام الشفافية وضعف دور القانون في البلدان الاسلامية والعربية، ذلك لأن الحكم الشمولي للحزب الواحد أو للقائد الأوحد ونظام عبادة الشخصية للحاكم التي تسود معظم هذه البلدان ترتفع في ظلها وتيرة إنتهاكات حقوق الإنسان مع غياب لتطبيق القانون، سواء أكان نظام الحكم جمهوريا أم ملكيا، وتشهد على ذلك تقارير منظمة العفو الدولية والمنظمات الدولية والجهات الناشطة في ميدان حقوق الأنسان. ففي العراق مثلا، تدهورت أوضاع حقوق الأنسان بصورة خطيرة جدا طيلة أربعة عقود في ظل حكم حزب البعث ونظام صدام بحيث صار الوضع في العراق نموذجا سيئا للدول التي أرتكبت فيها أبشع الجرائم ضد حقوق الأنسان مما دفع بالأمم المتحدة الى التدخل لحماية هذه الحقوق وبخاصة في كوردستان لحماية الكورد وفي الوسط والجنوب لحماية الشيعة غير ان هذا لم يكن كافيا لوقف تدهور أوضاع حقوق الانسان بوجه عام. واذا كانت العدالة قد تحقق منها جانب بسيط بعد زوال النظام في 9 نيسان من عام 2003 من خلال محاكمة بعض رموزهذا النظام ومعاقبتهم إلا أن هناك الكثير من المجرمين ما يزالون دون حساب رغم الجرائم التي ارتكبوها، وهذا ضرر كبير بجوهر العدل والعدالة، كما إن هذه الإنتهاكات لحقوق الانسان استمرت وبشدة رغم سقوط النظام الدكتاتوري، حيث تعرض أتباع الديانات من المسيحيين والصابئة المندائية والأزيديين وأطراف عديدة إخرى الى جرائم بشعه لا يمكن السكوت عليها، وجرت عمليات القتل على الهوية والتعذيب في السجون والإعتقالات العشوائية وبروز ظاهرة البغاء وتجارة البشر وانتشار ظاهرة قتل النساء بدواعي غسل العار وإضطهاد لشرائح كثيرة في المجتمع مما شكل تدهور خطير لوضع حقوق الأنسان في العراق. وفي مصر مايزال التطرف الديني قويا، ويمارس المتطرفون جرائم عمدية ضد أتباع الديانات الأخرى منهم الأقباط الذين يعانون كثيرا من الاضطهاد وانتهاك حقوقهم ومن الجرائم التي ترتكب ضدهم، وكذلك الحال ضد البهائية ولم تكن المرأة بعيدة عن هذه الجرائم فقد نالها الكثير سواء بوجود ظاهرة التحرش الجنسي دون عقاب ام بأنتشار قضية ختان الاناث في الريف المصري بشكل واسع أم غيرها من عشرات الانواع من الانتهاكات لحقوق البشر. وفي سوريا مثلا يتعرض الشعب الكوردي الى حملات الإبادة العنصرية من حكم يتسلح بفكر عروبي متطرف ينتهك حقوق القوميات وأتباع الديانات وحقوق المرأة والناشطين في ميدان حقوق الانسان وأصحاب الرأي الذين يقبعون في السجون بلا محاكمة او بمحاكمات صورية بعيده عن الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة. وكذلك الحال في ايران وتركيا حيث تمارسان سياسة عنصرية ضد الشعب الكوردي وتشنان حربا عدوانية ضده. وهناك بعض الدول العربية والإسلامية صار لها سجل خطير في مجال انتهاكات حقوق الأنسان عامة وحقوق المرأة خاصة منها على سبيل المثال العراق وسوريا والسعودية وايران وافغانستان والصومال والسودان وفي بعض الدول من القارة الافريقية التي شاعت فيها الاعتداءات الجنسية ضد الاطفال والتجارة بالبشر مثل الكونغو. وعلى صعيد حقوق المرأه مثلا، فأن جميع الأدلة تشير الى أن هناك سياسة منهجية متخلفة تمارس ضد حقوقها تتمثل في التمييز في مجال العمل، حيث لا تسمح الكثير من الدول العربية والإسلامية للمرأة أن تتولى منصب القضاء على سبيل المثال، فالرجال يحتكرون المناصب القضائية، وإن وجد للمرأة دور في بعض هذه الدول فأن مشاركتها تكون شكلية ومحدودة، وهو خرق فاضح للإعلان العالمي لحقوق الانسان وللإتفاقيات الملحقة به والاتفاقيات ذات الصلة بوضع المرأة مثل اتفاقية سيداو المتعلقة بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة. ولا تزال قوانين العقوبات في كثير من البلدان العربية والاسلامية تكرس العنف والتمييز ضد المرأة والطفل، وتعتبر ضرب الزوج لزوجته وضرب الأولاد تأديبا يدخل ضمن أسباب الإباحة التي تمنع من العقاب، كما ورد مثلا في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، بينما يعد هذا السلوك في البلدان المتحضرة جريمة يعاقب عليها القانون لأنها تمس حق الأنسان في السلامة البدنية والمعنوية. كما إن تحجيم دور المرأة السياسي صار منهجا في تلك الدول ومنها في العراق والسعودية وايران وغيرها، مع تقييد فرص التعليم العالي لها. ومن الجرائم الخطيرة ضد حقوق الأنسان الواقعه على المرأة في البلدان العربية والاسلامية أرتكاب جريمة تزويج الصغيرات، وختان الأناث، وتعدد الزوجات، وممارسة الأضطهاد النفسي والبدني والفكري على المرأة، والمنع من السفر إلا مع ذكر من المحارم، وغيرها من الممارسات التي تجسد عملية التمييز ضد المرأة. يتضح من ذلك، إن هذه الإنتهاكات ضد حقوق الانسان تزداد بصورة كبيرة جدا في ظل الأنظمة غير الديمقراطية والتي تفتقد للشفافية ويضعف فيها دور القانون، غير إن هذا لا يعني عدم وجود إنتهاكات لحقوق الانسان في ظل الانظمة الديمقراطية، حيث أن هذه الانتهاكات موجوده في جميع دول العالم، ولكن من ينتهك هذه الحقوق في البلدان الديمقراطية يتعرض للمسؤولية والعقاب، بينما تبقى هذه الانتهاكات لحقوق الانسان المرتكبة من الاشخاص ومن مؤسسات الدولة في الدول الغير ديمقراطية بعيدة عن المحاسبة، ويفلت المجرمون غالبا من العقاب، وهنا مصدر الخطر على حقوق الانسان وعلى السلام بين الشعوب. وبمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الانسان، نأمل أن يكون العام القادم أكثر إحتراما لهذه الحقوق من الحكومات والأشخاص، وأن تكون هناك محاسبة جاده وفعلية لكل من ينتهك هذه الحقوق حاكما كان أم محكوما إذ لا يجوز للحاكم التذرع بالحصانه مثلا للتخلص من المسؤولية، ونأمل أيضا ان يزول التمييز بين البشر على اساس الجنس، كما نأمل تكريم الناشطات والناشطين في ميدان حقوق الانسان، وأن يكون هناك إحتفاليات يكرم فيها ضحايا هذه الأنتهاكات، و أن تتعزز عملية نشر ثقافة حقوق الانسان بدلا من ثقافة الكراهية والتعصب والتطرف، وأن تتوقف عمليات التعذيب للبشر التي صارت منهجا في السجون والمعتقلات في كثير من البلدان، وأن يصار الى الحد من جرائم الأضطهاد وأن تحترم كل البلدان معايير الإعلان العالمي لحقوق الانسان من أجل التعايش المشترك والأستقرار، وبدون ذلك لن تسلم البشرية من كوارث الحروب التي ما تزال ويلاتها مستمره حتى الآن.
الدكتور منذر الفضل
نقلا عن موقع ايلاف

الحاج مدبولى


تعرفت على المكان وأنا طالبة بالجامعة، فكل كتاب لا يتوافر مع بائع الصحف والكتب أمام الجامعة كان معناه أننا لن نجده إلا «عند مدبولى». وكان الأصدقاء يتطوعون للقيام بهذه المهمة، حتى سألت فى يوم ما «هو فين مدبولى؟» فكانت أول رحلة لى لتلك المكتبة، رحلة تحولت إلى شبه دورية، ثم أسبوعية، ثم كادت أن تصبح يومية. وتطور الأمر، فكلما أسافر أعود إلى القاهرة لتكون مكتبة مدبولى هى أول مكان أذهب إليه لأتابع ما فاتنى. فى كل تلك الرحلة كنت أسمع عن الحاج مدبولى، كيف بدأ، كيف كافح، كيف.. كيف.. حتى أصبحت رحلته موضوعا للكثير من التحقيقات الصحفية والأفلام التسجيلية، ورغم كل ذلك لم أكن قد التقيت به ولا مرة واحدة. منذ سنوات ليست بالبعيدة توجهت إلى تلك المكتبة - كالمعتاد - لأبحث عن رواية ما نشرت فى بيروت، وقد وجدتها على ما أذكر، ولم أكن أعرف حينها فى المكان سوى أشرف، ولم يكن سوى أشرف يعرفنى. حملت الكتاب وتوجهت إلى مكان الدفع فجاءنى أحد الشباب المتحمسين، ونظر لى ثم أشار لكتاب «فن الحلويات» وقال «كتاب ممتاز، ولدينا مجموعة أخرى». احترت تماما فى رد الفعل الذى يجب أن أقوم به، ولم يسعفنى خيالى، إلا بكلمة واحدة «ليه؟» وهو ما جعل ذلك الشاب ينظر لى بمنتهى الدهشة، استغرق الأمر بأكمله ثوان، حتى سمعت صوتا عميقا هادئا يقول «سيبها، سيبها، معلش» وأخذ الكتاب من يدى، أخبرنى بسعره، دفعت وشكرته، وحين هممت بالمغادرة قال بوضوح «مع السلامة». كان هذا هو الحاج مدبولى. لكن حتى تلك اللحظة لم أكن متأكدة، وفى المرة التالية همست لأشرف «مين اللى قاعد هناك ده؟» فابتسم مندهشا قليلا وقال «الحاج!»، مرة تلو الأخرى حتى تجرأت وقلت له «إزيك يا حاج؟» ولم يزد الحوار مطلقا عن ذلك، فى كل مرة كان هادئا، بشوشا بطريقته، مرحبا بايماءاته. ثم أتيحت لى فرصة التعرف على جانب آخر فى شخصيته، الجانب المهنى الممتزج بالإنسانى. كان ذلك حين تمكنت من طباعة رواية «خيانة القاهرة» عنده. وكانت المرة الأولى التى تقيم فيها مكتبة مدبولى حفل توقيع، والحقيقة أنه كان يوما رائعا بكل المقاييس، فقد جاء الكثير من الأصدقاء والمعارف فى ذلك اليوم من أجل المكان فى حد ذاته، ومن أجل ما يفرضه من الالتفات لكل ما يدور حوله، ولكل ما هو متعلق به. لم يكن الحاج مدبولى موجودا بمصر، فقد كان فى أحد معارض الكتاب بالعالم العربى، وقرب انتهاء حفل التوقيع قال لى كل فرد بالمكتبة إن الحاج قد اتصل تليفونيا ليهنئنى وليطمئن على سير الحفل. كانت لفتة فى غاية الرقة، لفتة أسرتنى رغم الحوارات المختصرة للغاية. بعد أن استنفدت عدد النسخ المتفق عليه من الرواية، كنت أذهب لأشترى المزيد، وفى كل مرة تصادف فيها وجود الحاج مدبولى، كان يرفض أن يجعلنى أدفع ثمن النسخ، وفى كل مرة كنت أخرج وقد تعلمت شيئا جديدا، لا يقصد الآخرون مطلقا أن يعلمونا إياه. كانت آخر مرة التقيت فيها الحاج مدبولى قبل عيد الفطر مباشرة، سلمت على جميع من فى المكتبة لأننى كنت على وشك السفر وتمنيت للحاج عيدا سعيدا، وغادرت، ولم أتوقع أن أسمع عن رحيله قبل عيد الأضحى. منذ أن علمت وأنا أتساءل عن الكيفية التى سأعاود بها دخول المكان فى غياب الحاج مدبولى. كنت فى الكثير من المرات أذهب ولا أجده، لكن كان معروفا أنه موجود، فى الخارج أو فى الداخل، المهم أنه موجود. لم تكن فكرة الغياب الكامل قد طرأت على ذهنى، وها هو الغياب التام يعلن عن نفسه كعادته، بشكل مفاجئ ومباغت فلا يمهلنا وقتا للتفكير. كيف نتعامل معه؟ رحمك الله يا حاج مدبولى وجزاك خيرا على الكثير مما فعلته، وعلى الأسماء التى بدأت معك صغيرة ثم كبرت، وعلى اتساقك الرائع مع ذاتك. نقلا عن جريدة المصري اليوم
* المقال / الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن اتجاهات الموقع، ومن منطلق حرية الرأي والتعبير نترك مساحة حرية أكثر للكاتب حتى يعبر عن رأيه
بقلم: د.شيرين أبو النجا
المصرى اليوم

مصر تحتاج إلى أنبياء لقيادة الحركة السياسية

فى موعدنا كنت أمام باب منزله، فتح لى معتذراً عن رائحة البصل التى ظن أنها تنبعث منه،
باسمة قلت: ليست رائحة البصل ولكنها رائحة التسبيكة.
أجابنى بنصف ضحكة: نعم إنها الفاصوليا البيضاء التى أجيد طهيها وتعلمتها من جدتى وأمى،
فى تعجب قلت: «هل تجيد الطهى يا خال؟» أجابنى مؤكداًً: «وهل تريدين لنهال كمال أن تبشر البصل!»
وهكذا بتلقائيته بدأ جلستنا معه فى منزله، الذى يعكس عشقه للبساطة، ولكل شىء يتصل بجذوره فى «أبنود»، يحكى ويسرد، ويخرج من حديث ليدخل فى آخر، مشيراً بين لحظة وأخرى، إلى أن كلامه هذا مجرد «دردشة» فى الحب والسياسة والحياة.
من الحياة بدأ الحديث، مؤكداً أن الأيام المقبلة لن تكون أسهل، ولكن ستكون مقاومة الأجيال، الشابة لها أقل، والسبب، كما يقول، طبيعة تلك الأجيال التى عاشت عصر الاستهلاك وإعلانات اللبان ومطاعم «التيك آواى»، مقارناً بين جيله والجيل الحالى، الذى لم يقرأ كتاباً، بينما هم لم يتركوا شيئاً من دون قراءة، حتى «قراطيس الطعمية»، ولذا كان لكلامهم وزن.
وإلى الحب انتقل ليتحدث عن أيام الطفولة فى أحضان النيل والفضاء والأهل، والفقر أيضاً، وإلى السياسة اخترق الحوار قائلاً «إن قضايا الفساد المعلن عنها، مجرد بثور على جسد أنهكه المرض». الحديث مع الخال، لابد أن يبدأ من عند «فاطنة قنديل»، الأم التى منحته الحياة بربطها ركبتيه النحيلتين، بأشرطة من القماش كى تمسك بها ساقيه بعد مولده ، من شدة ضعفه وإصفرار وجهه. وهو ما يقول عنه: «ولدتنى أمى فى الحسومات، وهى أيام تسعة فى السنة القبطية، من يولد فيها من النادر أن يعيش، وإذا عاش يكون مثلى معلولاً»
. ورغم ضعف الوليد، ووجود ١٠ أبناء آخرين لدى الأم «فاطنة»، فإن إصرارها على حياته يُخلد فى الكتب، كانت تصعد الجبل مع كل غروب، تدعو وتتضرع لله كاشفة رأسها، أن يمنح وليدها الحياة، فيشب مرتبطاً بها ويقول: «كان غناء أمى أول ما سمعت، وكانت دموعها التى تتساقط على خدى مع كل ظلم تتعرض له، أو حزن يصيبها، تلهب حواسى ومداركى.
فنشأت وأنا مؤمن بأن أمهاتنا فى الصعيد حُماة حضارة، ففى زماننا كانت الثقافة شفاهية، وقد سمعت من أمى أحلى قصص وأجمل غناء، حتى إنها كانت تضحك معى بعدما اشتهرت بتأليف الأغانى عند زيارتى لأبنود، وتقول لى: فين يا واد قرشينات الغناوى اللى إنت بتقول لهم فى مصر إنها بتاعتك، وهىَّ غناوىَّ أنا؟.
لقد قاطعت إخوتى نحو ستة عشر عاماً، لأنها مرضت قبل وفاتها فنقلوها الى الإسماعيلية لدى شقيقتى، ودفنوها هناك، رغم معرفتهم بأخذها عهداً علىَّ، يحتم دفنها بجوار والدى فى قنا، وأن أكون متقدماً مشيعيهاً، ولذا فأنا لم أحضر وفاتها ولا جنازتها، وهو ما أحزننى بشدة حتى يومنا هذا».
علاقة الأبنودى بالأب، الذى يحكى عنه الكثير، كانت ذات أثر واضح فى حياته، حتى إنه خالفه فى كل شىء كان يفعله، وهو ما يرويه ضاحكاً: كان أبى بعيداً عنا، متجهماً كوالده، لم أره يضحك إلا مع أصدقائه، وعندما كان يرانى مقبلاً عليه وهو يضحك، يمسح وجهه بيده ليكشط الضحكة، ثم ينظر لى زاغراً: عايز إيه يا واد. وعندما نجحت فى التوجيهية، ذهبت له أخبره، فقال لى بحدة: «أمال كنت عاوز تسقط». كما كان ممسكاً فى إنفاق المال، حتى إنه كان يفرك القرش بشدة، قبل أن يمنحه لطالبه، ليتأكد أنه غير ملتصق بغيره، وكنت أضحك مع أصدقائى من إمساك أبى مردداً، إن كل القروش الممسوحة فى مصر خرجت من جيب الشيخ الأبنودى. ورغم الاختلافات بيننا فإننى مدين لهذا الشيخ الصارم، بعبدالرحمن الأبنودى، التقدمى المثقف.
فى خزانة طفولة عبدالرحمن الأبنودى، لابد أن تلمح صورة الجدة «ست أبوها»، تهدهد وتمنح الأمان لأحفادها، صانعة وجبات تمد أجسادهم النحيلة، بالدفء فى ليالى شتاء قارصة البرودة، رغم قلة المتاح، فمن يدها أكل المديدة، والعصيدة، والخبيصة، والمبروم، والمخروط، والمزبوبة، زادها فى صناعتها دقيق القمح ودقيق الشعير والزبد والعسل الأسود. وتكتمل الصورة فى حياة الصغير القابع فى قرية أبنود بصعيد مصر، فيخرج كغيره من أقرانه لرعى الغنم ويسبح فى فضاء الكون،
ويقول عن تلك الفترة: «كان لابد لى أن أكون شاعراً، ففى الرعى تقرأ الوجود، والألوان والأضواء، وتعيش الحياة وهى تُولد وتُظلم، فلا حدود للأضواء والخيال والمعرفة، التى يتيحها لك هذا العالم، فالرعى ليس مهنة سهلة ولكنه مهنة الأنبياء. هناك أيضاً جنى القطن، ومياه فيضان النيل، التى كانت تغمرنا حتى أوساطنا، ووقت الفراغ الذى كنا نقضيه فى صيد العقارب بأسياخ الحديد، كل هذا قتل بداخلنا الخوف وملأنا جرأة، ولذا كتبت الشعر بصفاء الحقول وعملية العمل».
ويصمت ثم يضيف مكملاً تأملاته: «لما كتبت أيامى الحلوة وقدمتها أنا وزوجتى نهال فى حلقات تليفزيونية، سألتنى نهال: هل أنت متأكد أنها كانت أياماً حلوة؟ قلت لها: بالطبع نعم، ولولا أنها كانت حلوة لما كنت أنا وأنت الآن نتحدث عنها فى التليفزيون، فالولد الفقير راعى الغنم، الذى ينتظر ما تصنعه جدته وأمه من طعام ساخن، ويجلس ليتدفأ بنيران الفرن، هو نفسه عبدالرحمن الأبنودى، الشاعر والكاتب، الذى كان يأكل العسلية عندما يمر بائعها كل عشرة أيام،
نعم كان هناك فقر بلا شك، ولكنه كان فقراً كريماً، لا يهين أحداً، كان فقراً «غنياً». أقاطعه قائلة: «وهل هناك فقر غنى وآخر فقير؟ فيجيبنى بسرعة: «طبعاً فالفقر الآن مهين ومذل لأصحابه، والفقير من أهل بلدى يشعر بالتناقض الشديد بين ما يحتاج إليه، وما يراه حوله، و تأتى «السياسات» لتتعامل مع الشعب الفقير على أنه شحاذ، ينتظر الإحسان، وليتهم يحسنون عليه بما يقيم قوته، ولكنهم يمنحونه (كرتونة) يسمونها باسم (الحزب الوطنى)، لا تُغنى فقيراً، ولا تُخرجه من وضعه الاجتماعى المهين»
. كان حلم الشيخ الأبنودى الأب، يتلخص فى زواج الأبناء من حوله، لتزيد بهم عزوته فى القرية، وتمنحه وظائفهم الحكومية، مهما كانت بساطتها، هالة من الوجاهة، ولكن الأبنودى الابن لم يكمل الحلم ككاتب محكمة فى قنا، فكان قرار الاستقالة، الذى يقول عنه: «الإنسان ينجب الأبناء ليحملوا اسمه، ويكونوا صورة منه، يحملوا ماضيه، ويستكملون مشواراً يتوهمه فى عقله، وعندما أتخيل المسافة بينى وأبى أجدها بعيدة جدا، كأننى لست ابنه، وعندما قدمت استقالتى من محكمة قنا، سقط أبى مريضاً، وتخيل أن البيت الذى تعب فى بنائه تهدم، حتى إن أهالى أبنود جميعاً، حاولوا إثنائى عن قرارى، ولكنهم فشلوا فى إقناعى».
يصمت رافعاً كوب الشاى إلى فمه، يرتشف بعضاً منه، ثم يضيف: «اليوم أتصور لو أن ابنتى جاءت لى وأخبرتنى بأنها ستسافر إلى أوروبا لإكمال تعليمها أو دراسة شىء جديد، فلن أعترض طريقها، مادامت ترى شيئاً تريد تحقيقه لمستقبلها، فأنا لم أعلمها أحسن تعليم، وأقتطع من قوتى لها كى تجلس بجوارى، حتى لو جاءتنى بعريس لا يرضينى سأقول لها رأيى فقط، وأترك لها القرار النهائى، حتى لو عادت لى مطلقة، فتلك تجربتها، لقد أيقظنا هذا الجيل من وهم شعاره (أن الأبناء امتداد للآباء) كل جيل يحيا حياته، ولا أحد يكمل مسيرة أحد.... اشربى الشاى».
كان الموعد مع الرحيل والاغتراب عن أبنود وناسها، انساق وراء نداهة القاهرة ليعيش بين أرجائها. كانت البداية مع أحد التنظيمات الشيوعية، التى يقول عن تجربته معها: «انضممت لكتيبة صغيرة اسمها (وحدة الشيوعيين)، أطلقت عليها (مدرسة تحفيظ الماركسية بالأجر) لأنها ساعدتنى فى قراءة الماركسية.
ولكننى سرعان ما اكتشفت أن تلك الوحدة خائبة فى العمل السياسى، فكل ما تعلمته منها هو الخوف من المخبر، وأنا لا أعرف الخوف، لأننى أقول قولى كما أريد، ولذا سرعان ما قدمت استقالتى منها، وقررت أن أكون حزباً بمفردى وأن يكون صوتى نابعاً من فكرى دون أن يُملى علىَّ أحد أفكارى». وأتعجب من حكاية الخال عن تلك الوحدة الشيوعية، التى انضم لها وهو ابن الشيخ الأبنودى، فيزيل تعجبى بقوله: «الشيخ الأبنودى كان (مأذوناً شرعياً) يحب الناس ويخفف عنهم، وكان يأتيه أحدهم ويقول له إنه حلف على زوجته يمين طلاق إن خرجت من المنزل، فيسأله أبى أى منزل كنت تعنيه، هذا أم ذاك؟ فيجيبه الرجل: «ذاك»، فيقول له أبى اذهب وعُد لبيتك وزوجتك، وفرج عن أهلك بذبيحة حتى لو كانت دجاجة، وهكذا كان أبى يرى أن الدين يسر لا عُسر.
وأجدنى أقارن بينه وعلماء الدين الآن، الذين تركوا الدين، وصعبوه على الناس، وتفرغوا لإقامة الدعاوى ضد المفكرين والكتاب، بينما البلد ينهار من حولهم وهم يجلسون ويتحدثون عن فتاوى التبرك ببول النبى، وإرضاع الكبير، وهو ما يعنى أنهم أُناس لم يغادروا الجاهلية». وتجيئه الفرصة كى يُبدع ويؤلف ويملأ الدنيا غناءً بدءاً بصوت محمد رشدى وليس انتهاء بعبدالحليم، وهو ما يقول عنه: «عندما حضرت للقاهرة، نشرت قطعة زجل عن دودة القطن فى مربع صلاح جاهين بالأهرام، وفى أحد الأيام، كنت أسير مع بعض الأصدقاء فى العتبة، فسمعت كلماتى تُغنى فى الإذاعة، وعلمت من صلاح أن الأستاذ الشجاعى أخذها بعد أن أعجبته وأعطاها لأحد الملحنين وأنه يريدنى أن أذهب إليه، فاقترضت بدلة شقيق الملحن إبراهيم رجب، وكان لونها أصفر فاق عاً جداً، وذهبت له، فسألنى عما إذا كنت شيوعياً؟ فأجبته بالنفى. فسألنى عما إذا كنت أعرف كتابة الأغانى، فقلت نعم، فطلب منى أن أقدم له ثلاثة أعمال، فكتبت أغنية (تحت الشجر يا وهيبة) و(اتمد يا عمرى اتمد) و(بالسلامة يا حبيبى) أعطوا الأغنية الثانية لمحمد قنديل، والثالثة لنجاح سلام، أما أغنية (تحت الشجر يا وهيبة) فلم تجد من يلحنها أو يغنيها، حتى جاء الفنان عبدالعظيم عبدالحق ولحنها، فقلت لهم، إن أنسب من يغنيها هو محمد رشدى، الذى يغنى أدهم الشرقاوى، ولم أكن أعرف أن اسمه محمد رشدى، وعلمت أنه أصيب فى حادثة كسر فيها ساقه. فذهبت له على قهوة التجارة، فعاملنى بتعال فى البداية، ولكنه غير أسلوبه بمجرد ذكرى اسم الأستاذ الشجاعى، وعرضت عليه الأغنية، التى قلبت حياة رشدى وباتت تغنى فى كل مكان وأصبح من نجوم الطرب، أتبعتها بأغنية (عدوية)، التى لحنها بليغ حمدى وطاف بها رشدى العالم».
وأسأله عن عبدالحليم، فيعود برأسه للوراء ماراً بيده على رأسه ويقول: «حليم خطفنى خطف، وليس صحيحاً أنه كان يحارب رشدى، فلكل منهما لونه وطبيعته، وقد ذكر لى رشدى أنه استغل شائعة محاربة عبدالحليم، كدعاية له. كما أن هناك فارقاً بين حليم ورشدى، فحليم كان يحضر الأغنية من لحظة ولادتها لحناً ثم كلمة، انتهاءً بوصولها للشكل النهائى، تماماً كالطعام اليابانى، الذى ترى مراحل تحضيره أمام ناظريك، بينما رشدى كان يأتى بعد الانتهاء من الأغنية تماماً.
ولم أختلف مع عبدالحليم إلا عندما قدمنا أغنية (التوبة) وهاجمت توزيعها، فغضب منى حليم وقال لى إن الأغنية بمجرد خروجها للجمهور، باتت سلعة لا يحق لى مهاجمتها، وكان معه حق».
أغانى وأشعار الخال تمتلئ بالشخصيات، التى يظن البعض أنها شخصيات من وحى خياله كمبدع، وهو ما ينفيه قائلاً: «كل الشخصيات فى شعرى حقيقية أنا مش مؤلف، ولا (نخاع) أنا أعيش الواقع، وأتواصل مع شخوصه وأدبياته وتفاصيله. على سبيل المثال شخصية (أحمد إسماعيل) تعبر عن ابن عمى محمد مصطفى، الذى علمنى الكثير من المهارات، التى مارستها فى طفولتى، كصيد العقارب واليمام والعصافير، وتسلق النخل. و«حراجى» كان هو الآخر يلعب معنا فى الطفولة، و(فاطنة عبدالغفار) هى شقيقتى فاطنة، التى تربطنى بها علاقة خاصة دوناً عن كل إخوتى، وهكذا ولكن مع ملاحظة أننى لا أنقل تلك الشخوص فوتوغرافياً، ولكننى أتعمق معهم شعرياً، وأقدم للناس تجربة إنسانية.
ففيلم (شىء من الخوف) على سبيل المثال، الذى كتبت له الحوار والأغانى، ومن يقرأ القصة الحقيقية له يجد فارقاً كبيراً بينها والفيلم الذى يقوم على محور وكالة العروس، وهو أمر كان يحدث يومياً فى بيتنا، لأن أبى مأذون، وبالتالى لما جاءنى المخرج حسين كمال بورق الفيلم، الذى كتب السيناريو له صبرى عزت، كى أكتب له الأغانى، وأعطانى مهلة أربعة أيام فقط لذلك الأمر، لم أصارحه بما سأفعله. ولكننى حبست نفسى فى الغرفة وقررت أن أكتب الحوار من جديد، وكلمت حسين كمال فى اليوم الأخير وطلبت منه تحضير شريط تسجيل ساعتين، وذهبت إليه وسجلت حوار كل شخصية بصوتى، هنا أدرك حسين ما فعلت، حتى انتهيت من التسجيل، فقام وعانقنى، فقلت له هذا هدية منى لك إنت وصلاح ذوالفقار المنتج، وطلبت عدم كتابة اسمى، ولكنهم أصروا وأعطى حسين لكل ممثل نسخة من التسجيل، كى يعرف طبيعة الأداء. وها هو الفيلم بات واحداً من أروع ما قدمت السينما المصرية».
أعود به من الذكريات للحاضر، الذى يسجل فيه السيرة الهلالية مع سيد الضوى تليفزيونياً، وأسأله عن سر حبه الشديد لتلك السيرة الشعبية التى سبق له تسجيلها صوتاً، فيقول: «السيرة الهلالية كالحُب الذى يتمكن منك، ومنذ سمعتها فى صغرى شعرت بأنها عالم مهول من الشعر، وكان أملى أن أسجلها. كانت المرة الأولى بعد النكسة، حينما أحضر لى حليم، جهاز تسجيل فرجعت لأبنود، وسجلتها كلها، والآن لم يعد باقياً من حفاظها سوى السيد الضوى، وقد سعدت بقرار عبداللطيف المناوى، رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون، بتسجيل السيرة، وأخشى أن تنتهى حياتى وحياة الضوى وتندثر السيرة معنا، التى أعتقد أنه إن لم يكن لها مكانة فى الضمير الشعبى، لما عاشت كل هذه السنين، فأبوزيد الهلالى تجسيد لبطل مفتقد، وتعبير عن أمة عربية واحدة، ولذا كانت السيرة تنتعش فى الشدائد التى تمر علينا». يصمت للحظة سارحاً فى لا شىء ثم يقول: «كثيرون يعلمون قصة التحاقى بكلية الآداب جامعة القاهرة فى السبعينيات كى أكمل دراستى، ولكنهم لا يعلمون أن السيرة الهلالية كانت السبب الحقيقى وراء ذلك، وكان ذلك قبل زواجى بنهال كمال، كنت أريد دراسة السيرة الهلالية بشكل صحيح، بعدما جمعتها وأخذت منى سنوات». يضحك وهو يتحدث ويضيف: «الحمد لله الليسانس شفع لى عند والد نهال، عندما تقدمت للزواج منها، لأنه كان يرفضنى للفارق العمرى بيننا، وعندما فشل فى إقناعها سألها عما أحمله من شهادات، تخيلى لو كنت ذهبت له من غير شهادة أيضاً». وهكذا ودون مقدمات دخل بنا فى دنيا عواطفه، ليتحدث عن قصة زواجه بالمذيعة التليفزيونية نهال كمال، التى كانت إحدى متابعات قلمه وأعماله، وفجأة تحولت إلى الحبيبة التى حاربت الدنيا من أجله، ويقول: «كانت نهال تنتمى لعالم غير عالمى، فوالدها رجل بترولى، عاش فترة طويلة فى أوروبا، وإلى الآن أتعجب من عظمته. فالرجل تقبلنى بعد أن أيقن أننا تربطنا عاطفة نبيلة وسامية، فنهال لها طبيعة خاصة وخجولة، وقد قالوا لها قبل الزواج إن سنى كبيرة والموت قريب منى، فقالت لهم لو عشت معه ثلاث سنوات فقط، ستكون كالعمر كله. وقد سألتنى قبل الزواج كم سنة سأحيا لها، فقلت لها ثلاث سنوات، فقالت لى بل سبعة. قلت لها إذا أنجبتى سأعيش لك سبع سنوات، وعندما أنجبت ابنتنا آية، قالت لى عليك أن تكمل معى عشر سنوات لأنجب مرة أخرى، فقلت لها أحاول، وها نحن متزوجان منذ ٢٣ سنة، فالحياة معها تجرى دون أن أشعر بها».
يقطع حديثنا تذكره وعاء الفاصوليا، فيجرى نحوه خوفاً من أن يحترق، ويعود قائلاً إنه انتهى من طهيها. ومن نار الفاصوليا إلى نار السياسة، ينتقل مسار الحديث، فأسأله عن مرحلة المعتقل التى سجن فيها فى ستينيات القرن الماضى فيقول: «لم يعتد علينا أحد فى عهد عبدالناصر، كنا البادئين بالمعارضة، والدولة ردت علينا بالاعتقال، والسجن فى عهد عبدالناصر كان أفضل من حالة اللاسجن الآن. وعموماً لا أحب الحديث عن تجربة السجن، لأننى لا أحترف النضال ولا أتخذها سبيلاً للتباهى كغيرى ممن يردد أننى هادنت الدولة وتعاملت معها، ولا يهمنى الرد لأننى مؤمن بأن هناك شيئاً اسمه الغد، سيتضح فيه كل شىء ويعرف فيه كل إنسان على حقيقته».
وأسأله: «وماذا سيقول الغد عن مصر اليوم؟» فيجيبنى: «سيقول إنه لم تمر علينا فترة أسوأ منها، بعد أن خطف لصوص الرأسماليين مصر، وتحكم أعداؤنا فينا بإرادتنا، أيام الملك كان هناك نسبة حياء، ولكننا الآن وفى ظل هذا اللون القبيح من الرأسمالية بتنا على استعداد لتسليم أى شىء، فتدهورت حياة الناس، ولذا نرى ما نراه من انفجارات بدءاً من حوادث تحرش، انتهاءً بالاعتصامات التى أراها تمهيدا لانفجار كبير لا يعلم أحد مدى خطورته، فالدولة عميت عن الهدف الحقيقى لوجودها وهو النهوض بالأمة، وقضايا مثل انهيار صخرة الدويقة وغرق العبارة بأهالينا والفساد الذى ملأ الدنيا، صارت مجرد بثور على جسد أنهكه المرض».
واستفسرت قائلة: «وماذا عن المواطن، ألا يوجد دور له؟» فيجيبنى بثقة العالم: «كل ثورة سياسية لها طليعة، ونحن لا نمتلك تلك الطليعة الآن، لماذا نجحت حركة الضرائب العقارية؟ لأنه كانت لهم قيادة، ومشكلة هذا الشعب الآن أننا جميعاً بتنا فراعنة، وزعماء، كل واحد يدعى امتلاك الحقيقة، ولدينا فوضى اختلط فيها اليسارى باليمينى بالإخوان.
وثوريتنا لا تتحرك أبعد من نطاق منتصف المدينة، نظن أن النضال السياسى هو الخروج فى مظاهرة وترديد الهتاف والعودة إلى البيوت، ستظل الدولة تغلبنا وتمارس علينا ما تمارسه وأكثر، وهى واثقة من أنه لا سبيل أمامنا، فمصر الآن بحاجة إلى أنبياء لقيادة الحركة السياسية، بعد أن بات كل من كتب كلمتين زعيماً، وكل من خرج فى مظاهرة ثورياً».
ويتصل الحديث ليصل بنا إلى تجربة المرض، التى يراها مرحلة آلمته، ولكنها لم تسلب منه روحه المرحة المبدعة، مؤكداً أنه لم يتم علاجه على نفقة الدولة، كما ردد البعض، ويضيف: «حدثت لى مشكلة أثناء علاجى فى مصر، فطلبت أحد المسؤولين على الهاتف، وقلت له أنا عبدالرحمن الأبنودى، فأجابنى: عبدالرحمن الأبنوى من؟ فأغلقت الهاتف فى وجهه، لأن جهله أو تجاهله لى أمر لا يعنينى، فأنا أعرف قيمة ذاتى، وقيمتى لدى الناس. أنا مثقف أقدامه (غارسة) فى الطين، والناس تعلم ذلك، لأنهم يشعرون بأننى أتكلم بلسانهم ولغتهم
المصرى اليوم- كتب-نشوى الحوفى

خروج الأمن من الجامعة.. هل هناك مخاطر؟


أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها التاريخى، الذى نص على إنشاء وحدة للأمن الجامعى، تابعة لإدارة الجامعة بدلاً من حرس الجامعة، التابع لوزير الداخلية. وذلك طبقًا لنص الدستور فى المادة ١٨ وكذلك اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، لأن الوضع الحالى ينال من استقلال الجامعة ولا يتفق مع احكام الدستور.
وبالرغم من الفرحة التى عمت أعضاء هيئة التدريس إلا أن تصريحات هانى هلال، وزير التعليم العالى، الذى قيل إنه قدم طعنًا فى الحكم كان صدمة للجميع لأنه أوضح أن ولاءه الشديد للداخلية وليس للجامعة، وأيضًا لأنه من الناحية القانونية تدخل فيما لا يخصه، لأن جامعة القاهرة الصادر بشأنها الحكم مستقلة بنص الدستور والقانون، والوزير ليس له وضع قانونى فى هذا الأمر.
وسارع الكثيرون من رؤساء الجامعات بالتصريح بأن هناك خطورة من إلغاء الأمن، خاصة من الأساتذة، الذين تربوا فى أحضان الأمن، ويدينون له بالولاء والعرفان لوصولهم إلى مناصبهم.
وأوضح للقارئ العزيز أنه لم يحدث فى تاريخ الجامعة المصرية فى جميع العصور - بما فى ذلك المظاهرات الكبيرة والعنيفة - أى تعد على منشآت الجامعة أو المدرجات أو المعامل أو غيرها والأمر الثانى أن القانون وحكم المحكمة ينصان على إنشاء وحدة لحماية المنشآت الجامعية، تكون مسؤولة عنها.
أما لماذا نطلب تنفيذ الحكم، لأن الأمن فى الجامعة يعوق تقدم العلم والحرية والأكاديمية، وسوف أبرز بعض الأمثلة، التى من المؤكد أن القيادة الأكاديمية سوف تكون أكثر قدرة على تقييمها من ضابط الأمن.
١- لا يمكن تعيين معيد أو عضو هيئة تدريس دون موافقة الأمن، وذلك بعد انتهاء جمع الموافقات الأكاديمية، وقد دافع وزير التعليم الهمام عن هذا الأمر حين قال «طبعًا لازم نسأل عنه كما يأتى عريس لابنتك لابد أن تسأل عنه»، ألا يعلم الجميع أن من يعين فى وظيفة معيد هو أول دفعته طوال سنوات الدراسة وحين يحرم الأمن هذا الطالب، شديد التفوق، فإنما يحرم المجتمع من أستاذ عظيم فى المستقبل، ويحول المعيد المرشح إلى كاره لكل شىء وربما مشروع إرهابى، ناقم على كل شىء.
٢- لا يمكن أن يتم أى اجتماع علمى داخل الجامعة إلا بعد موافقة الأمن الذى يطلب البرنامج بالتفصيل ويناقش رئيس القسم فى اسم أحد المتحدثين أو الباحثين.
٣- لا يمكن دعوة أستاذ من جامعة مصرية أخرى للاشتراك فى ندوة أو مؤتمر علمى دون موافقة الأمن.
٤- لا يمكن دعوة صحفى كبير أو مؤلف أو أديب مصرى إلا بعد موافقة الأمن، وقد منع على سبيل المثال كاتبنا الكبير بهاء طاهر من دخول جامعة عين شمس.
٥- بعد الموافقات الأكاديمية وموافقة رئيس الجامعة لا يمكن السفر إلى مؤتمر علمى إلا بعد موافقة الأمن.
٦- عمل مقابلة شخصية للمرشحين لوظائف وكلاء الكليات بواسطة الأمن للتأكد من ولائهم أما العمداء ورؤساء الجامعات، فيكتفون بالتقارير الأمنية قبل تعيينهم.
٧- بالنسبة للطلبة، فإن الأمر أسوأ بكثير، حيث يتم استدعاؤهم لأمن الدولة وإهانتهم، وتزوير انتخابات اتحاد الطلبة تحت نظر العمداء ورؤساء الجامعة، ومنع تكوين الأسر الطلابية إلا تحت إشراف الأمن، والرحلات تتم بإشراف الأمن وحتى المباريات الرياضية تحت إشراف الأمن.
إذن الموضوع ليس كما يصوره البعض، على أنه الحرص على ممتلكات الجامعة، وإنما هو ما يفعله الأمن فى الأساتذة والطلاب، الذين يصاب بعضهم باللامبالاة، التى للأسف انتشرت بين المصريين أو يضيع البعض وقته ومجهوده فى الدفاع عن حرية الجامعة، بدلاً من أن يأخذ التعليم والبحث العلمى وقته كله.
وهناك طبعًا قلة تستفيد من وجود الأمن وتعيش بسعادة فى كنفه ومنهم أساتذة وعمداء ورؤساء جامعات معروفون بالاسم فى كل مصر، حين يخرج الأمن من الجامعة سوف يرفع الأستاذ والطالب رأسه وسوف يتقدم التعليم والبحث العلمى وسوف ينزوى الأساتذة والطلاب عملاء الأمن بعيدًا أو ينضمون إلى مسيرة التقدم، وسوف تستمر وحدة أمن الجامعة التابعة إلى رئيس الجامعة فى حماية منشآت الجامعة.
الكارثة هى أن استمرار حكم الأمن فى أنحاء كثيرة من مصر أعطى شعورًا خاطئًا أنه بدونهم لن يستمر العمل، وأنا أقول إنه سوف يستمر بطريقة أفضل وأقول لرجال الأمن فى الجامعة أنتم إخوتنا وأبناؤنا، شكرًا وكفاية كده
بقلم د.محمد أبو الغار ١١/ ١٢/ ٢٠٠٨
المصرى اليوم

شرطة اليونان ومصر: حين يفرق الحاضر التاريخ المشترك


لايزال كثير من المصريين يتذكرون جيرانهم اليونانيين، حين جاءوا إلى مصر كتجار أو عمال أو حرفيين، وامتلك بعضهم محال حلويات وبقالة، وتصليح سيارات، وفنادق صغيرة («البنسيون الذى هو عبارة عن طابق أو اثنين فى عمارة»).
وكان بعضهم على باب الله عملوا كعمال فى تلك المحال أو سائقى سيارات أجرة، وتفاعلوا مع المصريين مثل أهلها، واختلفوا عن باقى الأوروبيين المستعمرين فى مشاعرهم الطيبة تجاه المصريين، وغياب أى روح استعلائية تجاه أهل البلد، حتى أصبحوا جزءاً من تاريخها، لا يستطيع أى مصرى، خاصة إذا كان من سكان الإسكندرية، أن ينسى كثيراً من الذكريات الطيبة عن هذا الشعب الجار.
كما أن الذاكرة الوطنية المصرية لم تنس للمرشدين اليونانيين موقفهم المشرف حين أمم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس، وسحبت كل الدول الأوروبية موظفيها من الهيئة، ما عدا اليونان التى أبقت عليهم لمساعدة زملائهم المصريين فى إدارة القناة.
والمؤكد أن أحوال مصر الاقتصادية فى ذلك الوقت، كانت أفضل من اليونان، بل إن معظم اليونانيين بقوا فى مصر بعد تأميمات الستينيات، لأنهم لم يكونوا من طبقة كبار الملاك، إلى أن شهدت البلاد منذ ثلاثة عقود بيع الأبناء والأحفاد لممتلكات آبائهم وأجدادهم، وعودتهم إلى اليونان بعد أن أصبحت مصر طاردة لأبنائها وليس فقط ما تبقى من الجالية اليونانية، كما أن الأوضاع فى البلد الجار تحسنت بصورة هائلة، وأصبحت منذ الثمانينيات حلما لكثير من المصريين الذين شدوا الرحال إلى هناك، بحثاً عن لقمة عيش وحياة كريمة.
وقد شاهد المصريون الفارق الهائل بين ما جرى فى اليونان تجاه جريمة، قام بها أحد أفراد الشرطة بحق صبى عمره ١٥ عاما، وبين الجرائم المتكررة التى يقوم بها أفراد الشرطة فى مصر دون رقيب أو حسيب، وبدا واضحا أن الفارق بين الحالتين يرجع أساسا إلى طبيعة النظام فى كلا البلدين.
فاليونان اختارت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وعضوية الاتحاد الأوروبى منذ عام ١٩٨١، رغم أنها سبق أن احتلت وعرفت ديكتاتوريات عسكرية، فى حين اختارت مصر عن جدارة أن تقف منذ ذلك التاريخ فى مكانها، بما يعنى عمليا أنها تراجعت بصورة هائلة فى كل المجالات.
ولعل جريمة شرطة اليونان تحمل ظروفاً مخففة مقارنة بما يجرى فى مصر، ومع ذلك رأينا كل هذه ردود الأفعال، فقد قام صبى فى الخامسة عشرة من عمره وشبان آخرون، برشق سيارة للشرطة بالحجارة، فأطلق الشرطى الرصاص على الصبى، وأرداه قتيلاً فى مشهد شديد القسوة والعنف على مجتمع ديمقراطى، مهمة الشرطة فيه الحفاظ على أرواح الناس لا قتلها، وبصرف النظر عن كون الصبى هو الذى بدأ بقذف سيارة الشرطة بالحجارة، فالمؤكد أن رد الفعل يجب ألا يكون هو إطلاق الرصاص.
وجاء رد الفعل من قبل المجتمع اليونانى عنيفاً وقاسياً، فقد شهدت البلاد طوال هذا الأسبوع احتجاجات مختلفة، وأعمال شغب، بدأت فى العاصمة أثينا فى ساعة متأخرة من مساء السبت الماضى وبعد إعلان خبر وفاة الصبى بساعات قليلة، وألقى شبان قنابل حارقة على الشرطة، وأحرقوا إطارات سيارات وحطموا واجهات متاجر، وسرعان ما امتدت أعمال الشغب إلى سالونيكا، ثانى أكبر مدن اليونان وبلدات أخرى فى شمالها.
وامتدت الاحتجاجات أيضاً إلى مدن فى جزيرتى كريت وكورفور السياحيتين، مما دفع وزير الداخلية «بروكوبيس بافوبولوس» إلى عرض استقالته، إلا أن رئيس الوزراء كوستاس كرامنليس رفض على الطريقة العربية، وربما إخلاصاً لعلاقته التاريخية بمصر استقالة وزير داخليته حتى الآن.
وإذا كان من المؤكد أن أعمال الشغب والتخريب مرفوضة كليا، رغم أنها تحدث فى أعرق الدول الديمقراطية، إلا أن الحدث الأبرز والأكثر إيجابية داخل المجتمع اليونانى هو دعوة الأساتذة والطلاب واتحادات العمال إلى إضراب عام، والتظاهر فى قلب العاصمة اليونانية، وهى الدعوة التى طرحها أيضاً تحالف الأحزاب الاشتراكية المعارضة، من أجل الاحتجاج السلمى والسياسى على أخطاء الشرطة.
وهنا يكمن الفارق بين مجتمع الجار الحى، ومجتمعنا المصرى المتبلد، فالمؤكد أن الجرائم التى ارتكبها أفراد من جهاز الشرطة فى مصر فى الفترة الأخيرة مرعبة فى قسوتها، والمؤسف أن الحساب (إن جاء) يأتى بالقطعة، لأن المشكلة هى أكبر من المحاسبة الفردية (إن حدثت)، إنما فى نظام عام، بات يفرز كل يوم مئات من مرتكبى الجرائم، لا من مواجهيها.
والمؤكد أن سلسلة الجرائم التى راح ضحيتها مواطنون أبرياء، وكان آخرها ما جرى فى حى المهندسين مع أحد لاعبى منتخب اليد السابقين، حين أطلق ضابط لا يتجاوز عمره ٢٣ عاماً النار على الشاب فأرداه قتيلاً فى الحال، وبعيداً عن كل التبريرات البلهاء عن أن الشاب كان عنيفاً وأنه جاء برفقة أصدقائه، فإننا أمام «خناقة شارع» وليس مطاردة مجرمين، ورغم ذلك، كان إطلاق النار وقتل روح إنسان بكل تلك البساطة والسلاسة المرعبة.
والمدهش أن هذه الحوادث تكررت مرات طويلة، وضحاياها مواطنون عاديون، وليسوا خارجين عن القانون، بما يعنى أن كراهية الناس وغرور السلطة المطلقة العابثة، باتا من مسوغات عمل الأجهزة الأمنية فى مصر، فمن حادثة عماد الكبير الذى انتهك عرضه فى أحد أقسام الشرطة إلى عشرات الحوادث التى جرت، وكان ضحاياها مواطنين عاديين لا إرهابيين أو مجرمين.. صار هذا النمط من الجرائم أمرا عادياً ومتكرراً.
والمؤسف أيضاً أن جهاز الشرطة ممثلا فى وزير داخليته، والحكومة ممثلة فى رئيس وزارئها، لم يقوما، ولو لمرة واحدة على سبيل السهو، بتقديم اعتذار لضحايا تلك الجرائم، كما يجرى فى كل بلاد العالم المحترمة بما فيها اليونان، وغابت حتى الكلمة الطيبة والاعتذار عن الخطأ وترك العدالة تحاسب المجرمين دون ضغوط وتدخلات عن ثقافة من يحكموننا، بل تعرض أهالى الضحايا لتهديدات وضغوط مخجلة حتى لا ينشروا مآسيهم فى الصحف ووسائل الإعلام.
إن مشكلة مصر ليست فقط أنها دولة غير ديمقراطية، واليونان دولة ديمقراطية، إنما أن مصر بها نظام لا يعتبر المواطن المصرى رقماً فى أى معادلة، نظام معدوم الكفاءة، ترك لكل صاحب سلطة ونفوذ صلاحيات استثنائية هائلة، فجهاز الأمن فى مصر هو جهاز له سلطات هائلة، وتميز رجاله عن باقى المواطنين المصريين بالزى والسلاح والنفوذ «الميرى»، وفى ظل نظام سياسى تغيب عنه أدنى درجات المحاسبة، ويترك الناس تقتل بعضاً فى الشوارع حتى يرتاح من وجع الدماغ..
تصبح هذه الجرائم ليست مجرد انحرافات أفراد، إنما هى انحرافات ذوى السلطة والنفوذ من رجال الأعمال القتلة، إلى بلطجية الشوارع وحراس الراقصات، وكبار المسؤولين وضباط الأمن، فالمعضلة ليست فى جريمة ضابط هنا أو هناك، إنما فى دولة تعمدت تغييب القانون، فاستبيحت من كل صاحب حظوة أو نفوذ، وتحولت إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف.
وطالما أن «الدبورة والسيفين» تعطى لمن يرتديها قوة عابرة للقوانين.. وحتى للأعراف والتقاليد، فعلينا أن نتوقع كل يوم مزيداً من الضحايا الأبرياء، خاصة إذا كان الشعب المصرى قد أثبت وداعة وطيبة نادرتين فى التعامل مع قتلته
بقلم د. عمرو الشوبكى ١١/ ١٢/ ٢٠٠٨
المصرى اليوم