Monday, February 28, 2011

الاستفتاء على التعديلات الدستورية سيجرى في 19 مارس


القاهرة (رويترز) - قال عضو بائتلاف ثورة الشباب في مصر يوم الاثنين بعد لقاء مع

المجلس العسكري الحاكم إن المجلس قرر اجراء استفتاء على التعديلات الدستورية في 19

مارس اذار واجراء انتخابات برلمانية في يونيو حزيران وانتخابات رئاسية بعد ذلك بستة

اسابيع.

وائتلاف شباب الثورة هو الذي نظم وقاد الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في

وقت سابق من هذا الشهر.

وقال زياد العليمي انه اجتمع مع ثلاثة من اعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة يوم

الاحد.

ومضى قائلا "مجلس القوات المسلحة أبلغنا ان الاستفتاء على التعديلات الدستورية سيجرى

في 19 مارس وانتخابات مجلس الشعب ستجرى في يونيو.. انتخابات الرئاسة ستجرى بعد

ذلك بشهر ونصف."

ولم يعلن المجلس حتى الآن موعدا رسميا للاستفتاء او الانتخابات.

وقال العليمي إن المجلس قال انه ملتزم بتسليم السلطة لحكومة مدنية في فترة الاشهر الستة

التي حددها ويرفض دراسة تمديد تلك الفترة.


الثورة المضادة: كيف المواجهة؟


يبدو الموقف الذى تمر به الثورة المصرية العظيمة بعد شهر من اندلاعها وأكثر من أسبوعين على خروج رئيس النظام السابق من منصبه، شديد الدقة والحساسية فى مواجهة تطورات وتغيرات كثيرة على مختلف المستويات فى المجتمع والدولة المصريين. وفى قلب هذه التطورات والتغيرات السريعة المتلاحقة يبرز الخطر الأكبر الذى بات الأكثر هيمنة على الحوار العام فى البلاد، وهو التخوف من نجاح قوى النظام المنهار فى حشد طاقاتها وصفوفها للانقضاض على الثورة لاستعادة نظامها القديم فيما يسمى تقليديا بالثورة المضادة. والحقيقة أن تحليل مكونات هذه الثورة المضادة ومدى خطورتها والسبل الأكثر كفاءة فى مواجهتها، يستلزم أولا التطرق إلى طبيعة الثورة المصرية والخصائص الرئيسية التى اتسمت بها وذات العلاقة بهذه الثورة المضادة سواء من زاوية عوامل ظهورها أو من زاوية إمكانيات مواجهتها.

اتسمت الثورة المصرية الشعبية الأولى من نوعها فى التاريخ المصرى الحديث بكونها قبل كل شىء مفاجئة بصورة لم تخطر ببال أكثر المحللين ولا الفاعلين السياسيين خيالا بل ولا حتى المجموعات الشبابية التى دعت إلى مظاهرات الخامس والعشرين من يناير والذين لم يكن هدف إسقاط نظام حسنى مبارك وخلعه هو شخصيا من الرئاسة مطروحا عليهم بأى صورة من الصور فى الساعات الأولى من اندلاع المظاهرات الاحتجاجية قبل أن تتحول إلى ثورة شعبية كاملة. اتسمت هذه الثورة من الناحية الثانية ارتباطا بالخاصية السابقة بأنها افتقدت حتى اللحظة وجود أحزاب أو تنظيمات كبرى ذات طابع مركزى تقودها وتحرك جماهيرها الغاضبة الواسعة على الرغم من وجود مجموعات وائتلافات شبابية متنوعة نشأ معظمها على الفيس بوك وجماعة الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب تحت التأسيس وأخرى محظورة قانونا. أيضا اتسمت الثورة المصرية بأنها بدأت بشعارات وأهداف سياسية تدور كلها حول التغيير فى طبيعة النظام الحاكم، ثم اتسع مجالها بانضمام فئات وطبقات اجتماعية أوسع وأكثر فقرا إلى صفوفها مما وسع من دائرة الشعارات والأهداف لتشمل المجالين الاجتماعى والاقتصادى، إلا أنها فى الحالين لم تكن تحمل تفاصيل ولا برامج محددة بصورة زمنية لتحقيق هذه الأهداف والشعارات وتحويلها إلى مؤسسات وتشريعات وسياسات تشكل معا نظام الحكم الجديد المنشود بناؤه.

هذه الخصائص الثلاث الرئيسية للثورة المصرية، وغيرها كثير بالطبع، هى الأكثر ارتباطا بظهور ما يسمى بالثورة المضادة، حيث إن فجائية الثورة وافتقادها القيادة التنظيمية واتساع شعاراتها وأهدافها دون امتلاك تصورات تفصيلية لتحقيقها، كانت هى البوابات الرئيسية التى بدأت الثورة المضادة فى الدخول منها مرة أخرى إلى المجال السياسى ومحاولة تعويق مسيرة الثورة وعرقلة خطواتها تمهيدا للانقلاب عليها والسعى لإعادة النظام القديم ولو بمسميات وأشخاص آخرين. فأركان النظام القديم، على فساده واستبداده، يملكون القدرة على مواجهة فجائية الثورة بما كان لديهم جاهزا من قبلها سواء فى أجهزتهم الأمنية أو الحزبية من خطط وبدائل للتغلب على أية محاولات لإسقاط نظامهم سواء عن طريق هبات وانتفاضات جماهيرية أو حركات انقلابية من داخل مؤسسات النظام. كذلك فهم يملكون القدرة التنظيمية التى تفتقدها الثورة، حيث تتوحد صفوفهم خلف قيادة حزبية يمثلها الحزب الوطنى، وأخرى أمنية تمثلها بعض أجهزة وزارة الداخلية وفى القلب منها أمن الدولة، وثالثة اجتماعية ــ اقتصادية يمثلها كبار رجال الأعمال الذين قام النظام السابق عليهم وقامت عليه مصالحهم الحيوية، ورابعة سياسية ــ اجتماعية ــ محلية يمثلها قيادات الحزب الحاكم والأجهزة التنفيذية المنتشرون فى مختلف مدن وقرى مصر. أيضا فهم يملكون فى مواجهة أهداف الثورة وشعاراتها العامة تصورات تفصيلية لنظام سياسى ــ اجتماعى ــ اقتصادى كامل قام على الفساد والاستبداد لعقود طويلة استقرت فى هيئة مؤسسات وتشريعات وسياسات وجماعات مصالح وحتى عصابات نهب وبلطجة.

بذلك يبدو واضحا حتى اللحظة أن نجاح ثورة المصريين فى الإطاحة برأس النظام وبعض من أبرز أركانه والبدء فى هدم أجزاء من قواعده وأعمدته لم يترافق بعد مع المهمة الثانية لأى ثورة مكتملة، وهى بناء قواعد وأعمدة نظام جديد يحل فى النهاية محل القديم المنهار، وقد كان للخصائص الثلاث السابقة للثورة الدور الرئيسى فى عدم البدء بصورة جادة وسريعة فى أداء هذه المهمة الثانية. وقد بدت المفارقة واضحة فى أن الثورة التى لم يكن الجيش طرفا فيها منذ البداية وإن مثل تدخله فى اليوم الرابع لاندلاعها أحد العوامل الحاسمة لاستمرارها ونجاحها برفضه العلنى التدخل العنيف ضدها، أضحى تنفيذ مطالبها سواء بهدم بقية أركان النظام القديم أو وضع قواعد جديدة للنظام القادم منوطا بهذا الجيش وبخاصة مجلسه الأعلى الذى أصبح مركز السلطة الفعلى والأكبر فى البلاد. وبذلك ظلت الثورة فى نفس الإطار «المطلبى» الذى تعودت عليه الحالة المصرية المعارضة لسنوات طويلة، وإن كانت الإضافة الأبرز والأهم هى الدعوة للتجمع والتظاهر فى ميدان التحرير بالقاهرة وبعض ميادين مدن مصرية أخرى فى أيام الجمعة لممارسة ضغوط إضافية على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لكى يستجيب أو يسارع فى الاستجابة لبعض «مطالب» الثورة سواء لاستكمال هدم النظام القديم أو تشكيل ملامح النظام الجديد.

من هذه الفجوة الواسعة والخطيرة بدا واضحا أن عناصر الثورة المضادة راحت تتسرب وتعيد ترتيب صفوفها للانقضاض على الثورة التى اتضح لهم أن ما تملكه حتى اللحظة لاستكمال مراحلها الرئيسية من الناحية التنظيمية والتصورات التفصيلية والأدوات العملية ليس كثيرا بالمقارنة مع ما يملكونه هم على نفس الأصعدة. ومن هنا أيضا بدا واضحا أن عناصر هذه الثورة المضادة المتبقين والنافذين فى مناطق كثيرة ومهمة من المجتمع والدولة راحوا يركزون هم أيضا جهودهم على مركز السلطة الفعلى فى البلاد، أى قيادة الجيش، لدفعها بطرق عديدة شملت العلاقات القديمة فى جهاز الدولة وإخفاء والتلاعب فى المعلومات الحساسة التى يسيطر عليها البعض منهم عن هذه القيادة وافتعال وتفجير صراعات وصدامات بل وتخريب فى بعض القطاعات بهدف هيمنة حالة من الفوضى فى البلاد على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى بما يدفع قيادة الجيش إلى التمهل والتباطؤ أحيانا فى الاستجابة لمطالب الثورة وضرورات استكمال مراحلها.

وحتى لا يظل التحليل وصفيا وينتقل إلى اقتراح تصورات عملية محددة يجب القيام بها بصورة عاجلة لمقاومة الثورة المضادة والاستكمال المنظم لمراحل الثورة الشعبية العظيمة، فإن الأمر يتطلب أولا تحديد المستويات التى يجب أن تجرى فيها هذه المواجهة. والمستوى الأول والأبرز للثورة المضادة هو قاعدتها الاجتماعية ــ الاقتصادية التى هى نفسها قاعدة النظام السابق، وهى تتشكل من حلف رجال الأعمال الواسع مع فئات واسعة أيضا من رجال الإدارة العليا والوسطى وعديد من القيادات والعناصر الأمنية، وهو حلف لا يزال يمسك بمقاليد الثروة والاقتصاد كما كانت تقريبا فى ظل النظام السابق، ولم يتعرض حتى الآن سوى لضربات قانونية لبعض ممثليه دون أن يمتد الأمر إلى سياسات محددة وواضحة لتفكيك قدراته بصورة قانونية وإجرائية. من هنا فإن مهمة مزدوجة سريعة وعاجلة على أبناء الثورة والحريصين عليها يجب أن تنجز فورا: الشق الأول منها أن تبدأ صياغة تصورات عملية فى هيئة تشريعات وسياسات اقتصادية ومالية ونقابية يبدأ الأخذ بها فى المرحلة الانتقالية لتحقيق هذا التفكيك، منها مثلا الأخذ بالضريبة التصاعدية واستعادة الأراضى المخصصة لبعض رجال الأعمال والتى لم تذهب للأغراض التى خصصت من أجلها ووضع أهداف تأشيرية للاقتصاد القومى يلتزم بها رجال الأعمال وتشكيل نقابات واتحادات عمالية فى مؤسسات الأعمال الخاصة وإعادة تشكيل الاتحاد العام لعمال مصر، وغيرها. أما الشق الثانى فيتلخص فى ضرورة تشكيل لجان متخصصة وفعالة للبحث فى تفاصيل ووقائع قضايا ومستندات الفساد المالى والسياسى المرتبط بهذا الحلف وتقديمها فورا إلى جهات التحقيق المختصة والرأى العام المصرى.

أما المستوى الثانى للمواجهة مع الثورة المضادة فقد بدأ بالفعل، وهو انتخابات مجلسى البرلمان القادمة، والذى بدأ الحلف المشار إليه سابقا بقيادة كبار ومتوسطى قيادات الحزب الوطنى فى الاستعداد لها بطرق عديدة تقليدية باستخدام المال والعصبيات والبلطجية وأخرى جديدة أبرزها ركوب موجة الثورة بتشكيل لجان ومشروعات أحزاب وجمعيات أهلية تزعم انتسابها لها وتسعى لتجميع الشباب الثورى والغاضب فيها على مستوى دوائر الجمهورية كلها ومدنها الصغيرة والمتوسطة وحتى قراها أيضا. وتسعى الثورة المضادة على هذا المستوى إلى استغلال حرية الانتخابات البرلمانية القادمة لكى يحصلوا فيها على نسبة تجعلهم القوة الأكبر فى البلاد بما يضعهم مرة أخرى فى قيادتها بصورة «ديمقراطية» تضيع بعدها كل مكاسب الثورة بل والثورة نفسها، وذلك اعتمادا على كثرة مرشحيهم ذوى الخبرة فى دوائرهم وبالاستفادة من كل الإمكانيات المالية والأمنية والعنيفة التى يتشكل منها حلف الثورة المضادة.

ولذلك فإن مواجهة هذا المستوى الخطير من الثورة المضادة تستلزم أربع خطوات محددة: الأولى أن يصبح التصويت بالرقم القومى مطلبا رئيسيا يستحق أن تفرد له إحدى جمع ميدان التحرير لأنه سيلغى إلى حد كبير إمكانية التزوير وسيدفع بأكثر من عشرة ملايين مصرى جدد إلى الهيئة الناخبة. الثانية أن تشن حملة قومية متواصلة من شباب الثورة وأبنائها لدفع المصريين إلى ضرورة التصويت فى تلك الانتخابات، وهو الأمر الذى سيضيف إلى التصويت الفعلى فى الانتخابات السابقة والمتراوح بين 4 و5 ملايين أكثر من عشرين مليون صوت جديد إذا ما صوت المصريون بنسبة 50% فقط من هيئتهم الناخبة التى ستصل لنحو 50 مليون ناخب، وسيكون معظم هؤلاء من أنصار الثورة ومرشحيها. الثالثة أن تتشكل قائمة موحدة لمرشحى الثورة على مستوى الجمهورية على أن يبدأ تشكيلها من الدوائر وليس من المستوى المركزى بالقاهرة، بحيث يتم اختيار من يصلحون كمرشحين للثورة فيها قادرين على النجاح بغض النظر عن ألوانهم السياسية، على أن يتم التنسيق بين القوى السياسية حول نسب تمثيلها فى تلك القائمة بعد استكمال الاختيارات المحلية والتى يجب أن ينشغل بها شباب الثورة طوال الفترة القادمة. أما الخطوة الرابعة فهى قرينة للخطوة السابقة وهى أن يكون شعار إنجاح مرشحى الثورة هو الوجه الأول لشعار آخر وهو إسقاط كل بقايا النظام المنهار فى الانتخابات القادمة وتوصيل الحقيقة للمصريين جميعا بأن عودتهم مرة أخرى ستعنى القضاء على المصالح العامة من الثورة وكل مصلحة خاصة لأى واحد أو واحدة منهم.

بقلم:ضياء رشوان - الشروق

المستشار محمود أبوالليل: مبارك رفض استقلال التفتيش القضائى ..وأجبرنى على إحالة البسطويسى ومكى للتأديب


بعد سنوات من إيثار الصمت يخرج المستشار محمود أبوالليل راشد عبر صفحات «الشروق» ليدلى بشهادته عن فترة توليه وزارة العدل بين عامى 2004 و2006.. تلك الفترة التى كانت مفصلية وحاسمة فى تاريخ مصر، ويرى مراقبون أنها شهدت أول الأحداث التى مهدت لثورة 25 يناير وإسقاط نظام الرئيس مبارك، مثل انتخابات 2005 وتغيير قيادة الحزب الوطنى ليبرز جمال مبارك وأعضاء مجموعة «السياسات»، وكذلك تعديل المواد الدستورية ليلغى الإشراف القضائى ويقتصر الترشح للرئاسة على زعيم الحزب الوطنى.

يكشف أبوالليل عن ممارسة الرئيس السابق حسنى مبارك ضغوطا عليه لإحالة المستشارين هشام البسطويسى ومحمود مكى، رمزى تيار الاستقلال القضائى، إلى التأديب، كما يروى الأسباب التى دفعته للاستقالة ليكون الوزير الوحيد الذى يتقدم باستقالته طوال عهد مبارك، ويوضح أن الحزب الوطنى غضب منه لعدم التنسيق معه قبل إعلان تقدم الإخوان فى المرحلة الأولى من انتخابات 2005.

كما يكشف أبوالليل عن دور جمال مبارك فى صياغة التشريعات خلال تلك الفترة، ورفض الرئاسة نقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل، والتغيير الشخصى الذى طرأ على حسنى مبارك بعد الدفع بابنه إلى الواجهة السياسية، ويؤكد أن خطاب تخلى الرئيس السابق عن السلطة ليست له قيمة قانونية وأن إنجاح الثورة يتطلب حل جميع المجالس المحلية وإعداد حركة جديدة للمحافظين.

ما ظروف اختيارك وزيرا للعدل عام 2004؟
ـ بدأت العمل العام محافظا لكفرالشيخ عام 1996 ثم محافظا للجيزة منذ 1999، ثم تم اختيارى وزيرا خلفا للمستشار فاروق سيف النصر الذى تولى الوزارة 19 سنة، وجاء اختيارى بناء على خبرتى الإدارية الطويلة رغم أن قائمة المرشحين للوزارة ضمت زملاء عديدين.

وكنت مهتما منذ أيامى الأولى بإخراج قانون السلطة القضائية إلى النور بعد سنوات طويلة من مناشدة الوزارة البدء فى مناقشته وتمريره، كما اهتممت بتطوير العمل داخل إدارات الوزارة، ووجهت القضاة لضرورة سرعة الفصل فى القضايا، وقامت الوزارة خلال 4 أشهر فقط بإعداد أبنية محاكم الأسرة الجديدة وتدريب القضاة للعمل بهذه المحاكم بدءا من أكتوبر 2004.

كما خصصت لأندية القضاة أكبر ميزانيات فى تاريخها وحرصت على زيارة جميع محاكم مصر والالتحام بالقضاة فى كل مكان للاستماع لمشاكلهم وتحسين أوضاعهم.

وما شهادتك من موقعك كوزير للعدل على الأحداث السياسية التى شهدتها مصر فى تلك الفترة؟
ـ كانت فترة الوزارة من أصعب فترات العمل السياسى فى تاريخ مصر وأوكلت لوزارة العدل مهام كبيرة، مثل إعداد تعديلات القوانين السياسية والاجتماعية، مثل مباشرة الحقوق السياسية، الأحزاب، مجلسى الشعب والشورى، وإلغاء مواد الحبس فى جرائم النشر بقانون العقوبات، وكذلك قانون السلطة القضائية، وكان شريكى فى إعداد هذه التشريعات المستشار سرى صيام، رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى حاليا، والذى كان فى تلك الفترة مساعدى للتشريع وهو من خيرة القضاة المتمرسين على التشريع.

لكننا عانينا من تدخل سياسى كبير فى عملنا وتحكم من جانب الحزب الوطنى فى صياغة هذه القوانين لتقييد الحريات، وتمرير ما يحلو للحزب من تعديلات عبر مجلسى الشعب والشورى، حيث تم تعديل المادة 76 من الدستور لتسمح بإجراء أول انتخابات رئاسية، حيث تم تعديلها بإضافة شروط تعجيزية لإعاقة راغبى الترشيح وقصر المسألة على مرشح الحزب الوطنى.

من الذى قام بصياغة المادة 76 بهذا الشكل، وهل شاركت وزارة العدل فيها؟
ـ مجموعة من قيادات الحزب الوطنى، على رأسهم جمال مبارك، وعدد من المستشارين القانونيين للرئاسة، ولم يشارك أى ممثل عن وزارة العدل فيها، وأكد المستشار سرى صيام أنه فوجئ بوجود ترتيب معين لإعلان التعديل ومضبطة تحضيرية لمجلس الشعب عن المادة لم تتطرق أبدا لدور وزارة العدل.

كيف كان يتم تشريع القوانين فى تلك الفترة؟
ـ مجلس الشعب لم يكن له قيمة سياسية أو تشريعية حقيقية، وكانت مشروعات القوانين تبدأ بأفكار من الحزب الوطنى ثم تحال إلى مجموعة وزارية تضم رئيس الوزراء ووزيرى العدل وشئون مجلسى الشعب والشورى ورئيسى المجلسين، وكان جمال مبارك يحضر دائما هذه الاجتماعات، بل كان هو من يدير الحوار، وكنت مع صيام نحاول فرض صياغات قانونية تحقق انفتاحا سياسيا، وكان باقى الأعضاء يرفضونها دائما.

وكيف كنت تتعامل مع جمال مبارك؟
ـ كان التعامل فى البداية عاديا ثم حدث بيننا خلاف أثناء إعداد قانون السلطة القضائية.. لأننى كنت قد عاهدت الله على إخراج القانون بشكل يضمن الاستقلال الحقيقى للقضاة بعيدا عن تدخل الجهات التنفيذية بما فيها وزارة العدل، ونسقت مع مجلس إدارة نادى القضاة برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز فى التعديلات، وكنت أؤيد تماما تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى بدلا من وزارة العدل، ووافقت على هذا فى خطاب رسمى وجهته للمستشار فتحى خليفة، رئيس مجلس القضاء آنذاك، فى يونيو 2005.

وبعد إرسالى هذا الخطاب بأيام اجتمعت المجموعة الوزارية المختصة بإعداد القانون فى حضور رئيسى مجلسى الشعب والشورى وجمال مبارك، ففوجئت بأن جمال يصر على استمرار تبعية التفتيش القضائى لوزارة العدل بهدف فرض سيطرة الدولة على القضاة، فاعترضت وقلت: لست أنا الوزير الذى يوافق على ذلك.

وساندنى رئيس الحكومة أحمد نظيف وقال لجمال «مينفعش يرجع الوزير فى كلامه، انتو بكده هتحرجوه قدام القضاة وكأن خطابه مالوش قيمة».

وماذا كان رأى الرئيس مبارك؟
ـ التقيت فيما بعد بزكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فى مكتب الوزير مفيد شهاب، وتناقشنا حول المسألة ذاتها، فأخبرنى برفض الرئيس فصل التفتيش عن وزارة العدل فى الوقت الحالى واستطرد: «احنا فى مرحلة صعبة وداخلين على انتخابات، واللى ما يتحققش النهارده يتحقق بكرة».. وكان الاعتقاد السائد فى هذه الأوساط أن بقاء التفتيش تابعا للوزارة سيجعل القضاة تحت السيطرة.

تحت أى بند كان يتدخل جمال مبارك فى تشريع قانون السلطة القضائية؟
ـ لم يكن «جمال» على علم أو خبرة، بل كان قدرا مفروضا علينا، يحضر كل الجلسات الخاصة بتعديل القوانين كأمين لسياسات الوطنى، وكلمته مسموعة وسارية على كبار قيادات الحزب.

كيف أدرت انتخابات مجلس الشعب عام 2005؟
ـ هذه الانتخابات كانت الأكبر والأفضل فى تاريخ مصر، لكنها أيضا كانت سببا فى غضب القضاة، قدمت من خلالها إشرافا قضائيا كاملا على الانتخابات المصرية تحقيقا لمبدأ «قاضٍ على كل صندوق»، علما بأننى كنت رافضا تولى رئاسة اللجنة العليا للانتخابات، وطالبت الحكومة بإسنادها لرئيس محكمة استئناف القاهرة، لكنها رفضت وأصرت على أن قيادة وزير العدل للجنة سيضبط إيقاعها ويكسبها اهتماما أكبر.

أجرينا الانتخابات على 3 مراحل موزعة على 33 ألف لجنة فرعية يتصارع فيها 5177 مرشحا ودفعنا للإشراف عليها 13500 قاضٍ وأعضاء من هيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية.

كنا نتلقى شكاوى عديدة من المرشحين ونباشر حلها، وأذكر منها أن مصطفى بكرى اتصل بى صباح يوم الانتخاب وطلب تغيير رئيس لجنة فرعية كان ينظر قضية ضده، فأمرت مساعدى المستشار انتصار نسيم باستبدال هذا القاضى، وكذلك تلقيت شكوى من حمدين صباحى بوجود اعتداءات على اللجان فى بلطيم واستطعنا تأمينها، وفاز الاثنان.

كما منحنا منظمات المجتمع المدنى 7 آلاف تصريح مراقبة لأول مرة فى تاريخ مصر، وحصرنا فى كل لجنة ما لا يزيد على 1200 ناخب لتمكين القضاة من المراقبة الحقيقية، ومنعنا إقامة اللجان الانتخابية فى مقار الشرطة لأول مرة.

فى هذه الظروف أسفرت المرحلة الأولى عن نجاح كبير لمرشحى الإخوان، مما أثار غضب الحزب الوطنى، ثم أقمت مؤتمرا صحفيا عالميا لإعلان النتيجة، فاتصل بى فى المساء قيادى كبير فى الحزب يلومنى على «إعلان النتيجة بهذا الشكل قبل التنسيق مع الحزب» فرددت عليه بأننى لا أستطيع التدخل فى النتيجة لأن كل لجنة بها قاضٍ، وأنا رجل قضاء لا أستطيع مخالفة مبادئى، فرد علىّ قائلا: «هو انت مش معانا؟» فانفعلت عليه وقلت له: إنى معكم شريطة احترام عمل اللجنة العليا والإشراف القضائى على الانتخابات.

وماذا حدث فى المرحلتين الثانية والثالثة؟
ـ بعد هذا الاتصال توقعت شرا، لكن لم يحدث لأنه على ما يبدو كانت معلومات الحزب الوطنى الاستطلاعية لقوة منافسيه خاطئة وغير دقيقة، ففوجئوا مرة أخرى بنتائج مخيبة لآمالهم، علما بأننا رصدنا بعض محاولات إغلاق اللجان تصدى لها القضاة.

لكن المرحلة الثالثة كانت «حياة أو موت» بالنسبة للوطنى، فبدأت الاتصالات تنهال عليّ من القضاة يشكون إغلاق اللجان من الصباح الباكر ومنع الناخبين وحصار اللجان، فشعرت بالقلق على سلامة القضاة، فاتصلت صباحا بوزير الداخلية حبيب العادلى وأعلمته بالشكاوى فأجابنى مدعيا استنكار الأمر «ازاى ده يحصل.. أنا هشوف».. ولم أستطع الوصول إليه فيما بعد على مدار اليوم، فتوليت بنفسى الاتصال بمديرى الأمن لحماية القضاة، وتأكدت أنهم تلقوا أوامر مشددة بمنع تكرار نتيجة المرحلتين السابقتين.

وفى ظل هذا التربص الأمنى كان القضاة يعانون من صعوبة نقل الصناديق إلى اللجان العامة، حتى أن بعضهم كانوا يستأجرون «جرارات زراعية» ويجلسون على الصناديق لتأمين وصولها.

ماذا كان رد فعلك على هذه التجاوزات؟
ـ اتصل بى السفير ناصر كامل، رئيس هيئة الاستعلامات آنذاك وسفير مصر فى فرنسا فيما بعد، لإعداد المؤتمر الصحفى لإعلان نتيجة المرحلة، فرفضت إعلانها بنفسى احتجاجا، وقلت له: كيف أعلن نتيجة انتخابات شهدت كل هذا التدخل الأمنى.

وماذا كان رد فعل القضاة؟
ـ ثاروا ضد تدخل الأمن وضد زملائهم الذين أشرفوا على لجان شهدت نتائج غير طبيعية مثل الدقى ودمنهور، وكثفوا تحركاتهم مطالبين بقانون السلطة القضائية ونزلوا إلى الشارع فى مظاهرات بالأوشحة، كما بدأ بعضهم فى إبداء شهاداتهم مثل نهى الزينى، عضو النيابة الإدارية، التى استقبلتها فى مكتبى ورفضت طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية معاقبتها على نشر شهادتها فى الصحف.

ما رأيك فى تظاهر القضاة بالأوشحة؟
ـ القضاة شعروا بعد الانتخابات بالهزيمة وعدم تمكنهم من الحصول على حقوقهم، لذلك تحمسوا وانفعلوا فى مواجهة دولة تحاول قمعهم، وقيل وقتها إن نزول القضاة بالأوشحة ليس سابقة بل حدث فى بلاد أخرى.

ما القصة الحقيقية لإحالة القاضيين هشام البسطويسى ومحمود مكى للتأديب؟
ـ كان القاضيان نائبين لرئيس محكمة النقض وبعد الانتخابات تقدم مستشار كان يرأس لجنة عامة بشكوى ضدهما يقول إنهما نسبا إليه تزوير الانتخابات وطلبا تطهير القضاة من أمثاله واتهما مجلس القضاء الأعلى بالتواطؤ والتستر على القضاة المزورين، فحققت النيابة العامة فى البلاغ، وانتهت إلى طلب تحريك الدعوى التأديبية ضدهما وأرسلت لى ملف القضية.

حصلت على الأوراق وتداولت فيها مع مساعدى الأول المستشار عصام حسين واستقر رأينا على عدم إحالتهما للتأديب وأعطيته الأوراق ووضعها فى درج مكتبه، حتى بدأت الضغوط لتحريك الدعوى التأديبية.

هل تدخلت الرئاسة فى الموضوع؟
ـ تلقيت عدة اتصالات من رئاسة الجمهورية تستفسر عن سبب تأخير إحالة القاضيين للتأديب، ثم اتصل بى مبارك نفسه يسأل عن الموضوع، فشرحت له أسباب تحفظى على الإحالة وأن هذا سيؤدى لاستفزاز القضاة واستعدائهم، وهم ثائرون أصلا، فاقتنع بكلامى ووافق على عدم إحالتهما، ووضعت سماعة الهاتف وأنا سعيد ومرتاح.

لكن سعادتى لم تدم أكثر من 10 دقائق حيث اتصل بى زكريا عزمى وقال: «الرئيس يخبرك بضرورة إحالتهما للتأديب ودى تعليمات ولازم تتنفذ»، فأبديت استغرابى من التحول المفاجئ، فأخبرنى عزمى بأن مبارك عرض وجهة نظرى على مجلس القضاء الأعلى وأصر المجلس على محاسبة القاضيين لما رآه من تجاوزهما فى حقه.

وكانت لحظة توقيعى قرار إحالة البسطويسى ومكى للتأديب أسوأ لحظات حياتى، لأننى كنت مقتنعا بضرورة إغلاق الملف، وأجبرت على عكس ذلك.

ماذا حدث بعد ذلك؟
ـ علمت أن البسطويسى مرض ويرقد فى العناية المركزة، فقررت زيارته بمفردى دون أن أخبر أحدا فى الوزارة.. دخلت عليه حجرته بالمستشفى وأصابته حالة من الدهشة، قبلته فى رأسه ودار بيننا حوار حول الأزمة وأخبرنى بأنه يقدر موقفى ويفهم أن الإحالة كانت تحت ضغط كبير، ونشرت صحيفة صورتى وأنا أقبل رأس البسطويسى فى اليوم التالى لأتلقى اتصالات هاتفية من الرئاسة وزملائى الوزراء تلومنى على هذه الزيارة، فرددت عليهم بأن البسطويسى زميل مريض ويجب علىّ عيادته.

هل كانت الرئاسة تتدخل فى علاقتك بالقضاة؟
ـ نعم، فبعد هذه الأحداث دعانى مجلس إدارة نادى القضاة لافتتاح القاعة الشرقية، وكتب اسمى على اللوحة التذكارية، فطلب منى زكريا عزمى عدم حضور الحفل، فرفضت الانصياع وشاركت زملائى حفلهم على عكس رغبتهم، وأدت هذه الأحداث إلى تراكمات نفسية كثيرة جعلتنى أشعر بصعوبة استمرارى فى موقعى وأنا عاجز عن تحقيق أهدافى.

متى بدأت تفكر فى الاستقالة؟
ـ عندما شعرت بوجود توجه من الدولة لعدم التعامل مع نادى القضاة، وكنت أشعر طول الوقت أننى أؤدى عملا ضد مبادئى، وأنى لا أستطيع تنفيذ مشاريعى وهم يريدون منى خدمة مشروعهم الحزبى، وخشيت أن ينفد رصيدى الإنسانى والتاريخى لدى القضاة إذا بقيت فى موقعى.

كيف تقدمت باستقالتك؟
ـ اتصلت بالدكتور نظيف وعرضت عليه الاستقالة دون أن أخبر أحدا قبله حتى أسرتى، وبررتها بسوء حالتى الصحية، وأوصل رغبتى للرئيس الذى قبلها، ويبدو لى أن استقالتى كانت على هوى النظام وكأنهم قالوا «بركة يا جامع» حتى لا يبدو إبعادى فى صيغة الإقالة فيثور القضاة، وأعلن قبول استقالتى بعد 10 أيام وتم تعيين المستشار ممدوح مرعى وزيرا للعدل.

استقبلنى مبارك فى يوم حلف اليمين للوزراء الجدد ومنحنى وسام الجمهورية وشكرنى على فترة عملى محافظا ووزيرا، ووصف خطاب استقالتى فى حديث صحفى له بـ«الرقيق»، وأعتقد أن سبب منحى هذا الوسام هو محاولة النظام إرضاء القضاة وإيهام الناس بأننى استقلت وهم راضون عنى وليس بسبب الخلافات.

ما هو انطباعك عن شخصية مبارك خلال لقاءاتك المتعددة به؟
ـ طرأ تغيير كبير على شخصية مبارك بين فترة خدمتى محافظا لكفرالشيخ والجيزة وفترة وزارة العدل، فعندما كنت محافظا (نهاية التسعينيات وبداية الألفية) كان الرئيس متابعا جيدا لكل ما يجرى ومهتما جدا بالاستفسار عن حال كل شىء، وكنت ألمس ذلك عن قرب خلال زياراته الميدانية بالمحافظة.

ذات يوم وجدته يتصل ويطلب منى ترشيح نائب لمحافظ الجيزة، فسألته عما إذا كان لاحظ تقصيرا فى عملى، فنفى، وأكد أنه يرغب فى إعداد كوادر جديدة، فرشحت اللواء ياسين بدوى ووافق على الفور وعينه.

وبعدما توليت الوزارة لاحظت أنه أصبح غير قابل للنقاش أو الحوار، كما ترك خيوطا كثيرة لإدارة الدولة فى يد ابنه جمال.

كيف لمست إدارة جمال مبارك للدولة؟
ـ كان جمال يحسم أمورا كثيرة بمعزل عن والده، وأؤكد أن تصعيد جمال كان مشروعا عائليا شارك فيه الرئيس وزوجته ومهدا له بصورة هادئة حتى تبلور فى شكل محاولة التوريث لتبقى الرئاسة فى حضن الأسرة، وكان هناك توافق كامل بين أفراد الأسرة على أن يكون جمال فى هذا الموقع، حتى أنه فى بعض الأحيان كان يعامل الآخرين كرئيس للبلاد.

وما المكانة التى كان يحتلها القضاء عند مبارك؟
ـ كان يدعى دائما أنه يقدر السلطة القضائية وأننا نعيش فى دولة قانون، وفى الحقيقة كان يقف ضد القضاء فى أمور عديدة واتخذ مواقف سلبية من نادى القضاة ووضع قيودا على علاقة السلطة التنفيذية بالقضاة، فكانت هناك فجوة كبيرة بين القول والفعل.

ما الأسباب التى أدت إلى ثورة 25 يناير؟
ـ التردى الشامل فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية فى آخر 20 سنة من حكمه والفساد وسيطرة رأس المال، وانهيار مكانة مصر العالمية والعربية حتى أدت دورا سلبيا فى كارثة حصار غزة، وبلغ الفساد ذروته فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التى كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، لأن المواطنين كانوا يأملون فى إحداث تغيير بهذه الانتخابات، فاكتشفوا أنهم عاجزون حتى عن اختيار ممثليهم.

ما تقييمك للانتخابات التشريعية الأخيرة؟
ـ كانت مزيجا من الغباء السياسى والتزوير الكامل خوفا من تكرار نتيجة 2005، فى غياب الإشراف القضائى الذى هو الضمانة الوحيدة للديمقراطية، فلا يمكن الاعتماد على رؤساء لجان فرعية من الموظفين لمراقبة انتخابات نزيهة، كما أن المواطن عندما يعلم بأن القاضى هو رئيس اللجنة يتحمس أكثر للإدلاء بصوته ويشعر بأن صوته له قيمة وسيذهب لمن يستحقه.

وما رأيك فى سياسة إهدار أحكام القضاء فى العهد السابق؟
ـ كان هذا أيضا من أسباب ثورة 25 يناير.. فمن المصرى الذى يقبل استمرار تصدير الغاز لإسرائيل وغزة محاصرة وقرى مصرية بدون إنارة؟ ومن يقبل بتشكيل لجنة لبحث تنفيذ حكم نهائى مثل حكم بطلان عقد «مدينتى» بهدف الالتفاف على الحكم وادعاء تنفيذه أمام الرأى العام؟ ولا أحد يوافق على عدم تنفيذ أى حكم ببطلان الانتخابات.

ما رؤيتك لثورة 25 يناير كحدث مفصلى فى تاريخ مصر؟
ـ أوجه التحية لشهداء الوطن الذين سيبقون فى ذاكرتنا إلى الأبد عنوانا للتضحية، وأحيى الشباب الذين نجحوا فيما عجزت أجيالنا عنه، وعندما أنظر إلى المظاهرات أشعر بالفخر وبأنها المرة الأولى التى تجد فيها هذا التنوع الكبير بين المتظاهرين من مسلمين ومسيحيين وأغنياء وفقراء ورجال ونساء.. الكل اجتمع على فساد النظام.

ما تحليلك للوضع الدستورى القائم؟
ـ الشعب طالب بسقوط النظام ككل وليس بسقوط الرئيس فقط، وبقيام الثورة يسقط الرئيس والدستور والمجالس النيابية والحكومة والمجالس المحلية، لذلك كنت أرجو تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد لمصر يجعل الأمة مصدرا للسلطات ويحد من تغول السلطة التنفيذية ويضمن استقلالا كاملا للسلطة القضائية، ويتبنى النظام الجمهورى البرلمانى بدلا من الجمهورى الرئاسى والجمهورى المختلط، بحيث يكون رئيس الوزراء هو الرئيس الفعلى والمسئول أمام البرلمان ورئيس الجمهورية مجرد رمز.

وما رأيك فيما انتهت إليه لجنة تعديل الدستور المشكلة بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟
ـ قدمت اللجنة تعديلات تلبى رغبات الشعب بصورة كبيرة خاصة إعادة الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات وإلزام السلطة القادمة بإعداد دستور جديد خلال فترة معينة.

ما رؤيتك القانونية لخطاب تخلى الرئيس مبارك عن السلطة؟
ـ هذا الخطاب الذى أدلى به اللواء عمر سليمان ليست له أى قيمة قانونية، فكان يجب على الرئيس إصدار آخر قرار جمهورى له كرئيس للجمهورية بالتنحى وأن ينشر فى الوقائع الرسمية.
وأؤكد أن القوات المسلحة لم تكتسب شرعيتها بقرار تخلى مبارك عن الحكم وتفويضه لها، بل من الثورة والمادة 180 من الدستور التى تنص على أن الجيش ملك للشعب يحمى البلاد وسلامة أراضيها وأمنها.

ما الإجراءات التى يلزم اتخاذها الآن لإنجاح الثورة؟
ـ يجب حل جميع المجالس الشعبية المحلية لأنها بؤر فساد وجميع عناصرها من الحزب الوطنى الذى أصبح عدوا للنظام الجديد، والإبقاء على هذه المجالس فى أقاليم مصر وقراها يعنى إتاحة الفرصة للثورة المضادة التى بدأت تطفو على السطح وتظهر على هامشها أحداث غريبة مثل قتل رئيس مجلس إدارة شركة فى كفرالدوار وحرق ملفات خاصة وسرية بوزارة الداخلية.

كما يجب إعداد حركة جديدة للمحافظين لأنهم حاليا بدون شرعية لسقوط الرئيس الذى عينهم وهم يتبعونه وجودا وعدما بحكم القانون.

كما يجب محاسبة المسئولين عن قتل شهداء الثورة كما يجرى الآن التحقيق فى قضايا الفساد سواء بسواء.

ما رأيك فى الاحتجاجات الفئوية والمظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة؟
ـ الفئات المطالبة بتحسين أوضاعها صبرت 360 شهرا فلماذا لا تصبر 6 أشهر إضافية حتى تخاطب رئيسا وحكومة منتخبين؟ أما مظاهرات إسقاط الحكومة فأنا مع استمرارها لأن هذه الحكومة تظل تابعة للحزب الوطنى مهما غيروا فيها وطعموها بأسماء جديدة، لكنى أرى أن تستمر المظاهرات أيام الجمعة فقط حتى لا تتأثر عجلة الإنتاج بالسلب.

كيف تتحسن أوضاع القضاء بعد الثورة؟
ـ لم يتمكن الفساد من القضاء فى السنوات الماضية بالمقارنة بالسلطات الأخرى، والآن تتاح لنا فرصة ذهبية لتعديل قانون السلطة القضائية ونقل التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى بدلا من وزارة العدل، مع تخصيص موازنة حقيقية للمجلس، وإتاحة الفرصة أمام القضاة لانتخاب رؤساء المحاكم الابتدائية بالجمعيات العمومية وكذلك انتخاب النائب العام بنظام معين، وإلغاء سلطة وزير العدل على القضاة

محمد بصل - الشروق

تجميد أصول ليبية بقيمة 30 مليار دولار


واشنطن (رويترز) - قال مسؤول بوزارة الخزانة الامريكية يوم الاثنين ان الوزارة منعت

الزعيم الليبي معمر القذافي وأسرته من التصرف في أصول ليبية قيمتها نحو ثلاثون

مليار دولار في الولايات المتحدة.

وأضاف ديفيد كوهين وكيل وزارة الخزانة بالانابة لشؤون الارهاب والمعلومات المالية ان هذا

المبلغ هو أكبر مبلغ يتم تجميده على الاطلاق.

ووقع الرئيس الامريكي باراك أوباما أمرا تنفيذيا يجمد الاصول يوم الجمعة ردا على أعمال

القمع الدامية التي تنفذها حكومة القذافي ضد الانتفاضة على حكمه المستمر منذ 41 عاما.


تبرعات مكتبة الإسكندرية كانت تحول لوالده مبارك

كشف بلاغ جديد تم تقديمه اليوم للنائب العام عن جزء من الحسابات السرية الخاصة بنجلي الرئيس السابق محمد حسني مبارك جمال وعلاء وزوجته سوزان مبارك ووالدته ,وكشف البلاغ عن أرقام حسابات عائلة الرئيس السباق بالبنك الأهلي فرع مصر الجديدة وتخطت قيمة أموال عائلة مبارك ملايين الدولارات وكشف عن مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت في أن التبرعات الأجنبية التي كانت تقدم لحساب مكتبة الإسكندرية كانت تحول علي حساب بإسم والدة الرئيس السابق وكانت زوجته سوزان مبارك تمتلك توكيلا بالتصرف في أرصدة الحساب
البلاغ يحمل رقم 55 27تقدم به الكاتب الصحفي مصطفى بكرى وطالب فيه بالتحفظ على الحسابات السرية لأسرة الرئيس السابق التى نتجت عن عمليات السمسرة والابتزاز

اشار البلاغ إلي وجود حساب سرى لنجل الرئيس الأكبر علاء محمد حسنى السيد مبارك بالبنك الأهلى فرع مصر الجديدة قيمته تتعدي 100 مليون جنيه و يمتلك السيد علاء مبارك عشرة حسابات بالبنك بالجنيه المصرى والدولار واليورو من بينها: حساب رقم 50010813073وبه 70 مليون جنية و حساب رقم 5000113070و حساباته بالدولار تزيد علي نصف مليون دولار.
واشار البلاغ الي حسابات السيدة سوزان ثابت "حرم رئيس الجمهورية السابق" وهي كالآتي
2.559.26 مليون دولار على حساب رقم 50002658814و284.777 ألف دولار على حساب رق 100234917و175.000 دولار على حساب رقم 50000058812و 2954.42 ألف دولار على حساب رقم 1102349178 و 297.675 ألف دولار وغيرها.

أما حساب مكتبه الإسكندرية وهو حساب بإسم والدة الرئيس السابق و بتوكيل السيدة حرمة للتصرف فى أمواله فهي علي النحو التالي:
- 92.960 مليون دولار.
- 44.864 مليون دولار.
- 5.452 مليون دولار.

واشار البلاغ الي أن كافة أرصدة حسابات مكتبة الاسكندرية تأتي من المنح الأجنبية وتحول لحساب والدة الرئيس السابق وتتحكم فيه زوجته

المصدر: ahmed LASHEEN



ليبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة



BBC

أوهام السلبية والطائفية وانهيار الطبقة الوسطى وقوة النظام

فى الميدان الأكبر بالعاصمة المصرية، هتف الآلاف من الشباب المصرى «الشعب يريد إسقاط النظام»، هتافاً واحداً، منغماً، باللغة العربية الفصحى، أسقط عدداً من الأساطير التى طالما ظلت على الحياة السياسية المصرية، وعبّروا به - كـ«شباب الفيسبوك» كما يحلو للبعض أن يصفهم - عن أنفسهم، كجيل رفض الاستسلام لأساطير «سلبية المصريين» و«قوة النظام» و«طائفية المجتمع» و«انهيار الطبقة الوسطى» و«عدم وطنية الشباب».

فى البداية «الشعب»، ففى ميدان التحرير، تواجد الشعب، «شعب يريد» أول كلمتين فى الهتاف كسر بهما شباب مصر الأسطورة الأولى التى كتب عنها علماء الاجتماع والسياسة، «شعب يريد» ويتحرك ويتظاهر، ولسان حاله يقول «لست سلبياً»، وأمام ثورة وحماس الشباب، «بدت» (الكردونات) الأمنية هشة، ضعيفة، لا يوازيها فى هشاشتها سوى ردود فعل قيادات الحزب الوطنى، ورموز النظام -حسب عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى- التى بدأت تظهر عبر وسائل الإعلام، ولخصها بيان الحزب الوطنى الرسمى الذى قال «نتفهم مطالب المصريين» يوم ٢٥ يناير.. بذرة ثورة تشكلت أطلقها شباب انتمى إلى الطبقة الوسطى، محطما ثالث الأساطير الخاصة بانهيار الطبقة الوسطى، وتمر الأيام ليقدم الشباب أكثر من ٣٠٠ شهيد فى سبيل وطن، طالما اتهموا بأنهم غير منتمين إليه، لتقام الصلوات وتدق أجراس الكنائس، ويصلى المسلمون صلاة الغائب، ويرددون «آمين» وراء أحد القساوسة الذى اعتلى خشبة أحد مسارح الميدان، ليدعو للشهداء، فى مشهد كسر خامس الأساطير «طائفية المجتمع».

قوة النظام.. الإعلام التقليدى والذراع الأمنية فى مواجهة الإعلام الافتراضى

يوم ٢٦ يناير، وبعد يوم واحد من انطلاق الثورة المصرية، راهنت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية على «قوة نظام مبارك» وكتبت فى افتتاحيتها «نظام مبارك القوى غير قابل للسقوط على غرار ما حدث مؤخراً من سقوط نظام حكم الرئيس زين العابدين بن على فى تونس، بسبب قوة سيطرته على مجريات الأمور وتغلغله فى المجتمع»، لكن أمام ثورة وحماس شباب، «بدت (الكردونات) الأمنية هشة، ضعيفة، لا يوازيها فى هشاشتها سوى، ردود فعل قيادات الحزب الوطنى، ورموز النظام»، -حسب عمار على حسن-الذى قال إن النظام القوى المعروف فى الثمانينيات والتسعينيات، والذى يملك ذراعين إعلامية وأمنية قويتين، لم يتغير بتغير الأوضاع، والأسوأ أنه لم يستطع رصد هذا التغيير، فالنظام الذى اعتمد على الإعلام التقليدى، لم يستطع مجاراة الإعلام الشعبى غير التقليدى، الذى بدأ يكتسب مصداقيته بتوثيق كل ما يجرى بالصوت والصورة، ومنحنى التغيير بدأ مع الحملة على التعذيب فى الأقسام التى بدأها مدونون، واستطاعت أن تهزم الإعلام التقليدى الحكومى، وعلى جانب آخر،

وعندما كانت الذراع الأمنية للحكومة ممثلة فى جهاز مباحث أمن الدولة، مهتمة بالكيانات السياسية الطبيعية، سواء الرسمية أو غير الرسمية مثل الإخوان المسلمين، كان الشباب المصرى يتكتل فى كيانات موازية افتراضية على الشبكة العنكوبتية، مثل «جروب خالد سعيد»، أو «جروب دعم البرادعى رئيساً للجمهورية»، وبذلك استطاع الشباب هزيمة الدولة القوية، التى لم تفلح حتى بطرقها القديمة فى التأثير عليهم بعد انطلاق الثورة، بالدعاية المضادة التى استخدمت أسلوباً قديماً، مثل اتهامات العمالة ووجبات «كنتاكى»، حيث كان ميدان التحرير عبر الإعلام الشعبى، موجوداً داخل كل منزل به جهاز كمبيوتر ووصلة إنترنت، بفضل مقاطع الفيديو التى رفعها شباب الميدان.

غياب الانتماء.. شباب الجيل الجديد يعودون «للجد تانى»

فى مواجهة اتهامات متواصلة بعدم الانتماء، وغياب الوطنية، قدم شباب مصر، صك براءة من اتهام ظالم فى الميدان، فهناك وقف ملايين الشباب يردون على اتهامات مثل الـ«لامبالاة» و«السطحية» و«عدم الاكتراث»، التى وقد دشنتها عدد من الدراسات، منها دراسة الباحثة الدكتورة عبير فريد، الأستاذة فى جامعة عين شمس، والتى أعلنت أن الوازع الدينى والانتماء لدى الشباب مزيف، وأن «الوعى للوطن مفقود»، وأن «غياب الانتماء مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفقر والبطالة».

وبينما كانت الاتهامات تتزايد جاءت الثورة على أيدى الشباب لتهدم وهم «غياب الانتماء» كما كتب سليمان عبدالمنعم فى مقال نشر فى «المصرى اليوم» يقول: «كان القلق قد استبد بنا ونحن نردد أن شبابنا غارق فى اللامبالاة والسطحية وعدم الاكتراث، كان الألم يعتصرنا ونحن نتوهم أن العولمة قد استلبت شبابنا من وطنهم فإذا بهؤلاء يفاجئوننا وهم يوظفون بشكل مدهش أدوات العولمة وتقنياتها الحديثة فى تبنى قضايا وطنهم على موقعى «فيس بوك» و«تويتر»، لم يعد شبابنا هم أبناء العولمة الغامضة الماكرة بل بقوا أبناء الوطن، وفوق ذلك أظهروا روحاً إنسانية دفعت العالم كله إلى احترامهم والإعجاب بهم، وبفضلهم عشنا اللحظة التى يقول فيها رئيس أمريكى إن شباب مصر قد ألهمنا، من حقنا اليوم أن نفرح بعودة الوعى لشبابنا، وأن نغنى وراء أحمد فؤاد نجم «يا عم حمزة.. رجعوا التلامذة.. للجد تانى».

طائفية المصريين ..فزاعة استخدمها النظام تطبيقا لمبدأ «فرق تسد»

قبل الثورة كتب الدكتور عمرو الشوبكى، الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مقارنة بين الأوضاع فى مصر وتونس يقول: «من احتجوا فى المدن التونسية لا يركبون وسائل مواصلات مثل التى يركبها المواطن المصرى، ولا يقدم لهم طعاماً وشراباً مثل الذى يقدم لكثير منا، ولا يعيشون فى أحياء لا علاقة لها بالسكن الآدمى، ولا عرفوا لوثة دينية غيبت العقل، وأخرى كروية قضت على ما تبقى منه مثلما جرى فى المحروسة، ومع ذلك خرج الناس فى احتجاجات واسعة ضد الغلاء وسوء الأحوال المعيشية (ولو النسبى) والبطالة».

استخدم الشوبكى مصطلح «لوثة دينية» قبل الثورة بحوالى ٢٠ يوما، وقتها كانت «فزاعة» المجتمع الطائفى حسب الكاتب الصحفى صلاح عيسى، تسيطر على الحياة الاجتماعية فى مصر، لأن قبل الثورة بأيام قليلة وقع حادث كنيسة «القديسين» فى الإسكندرية، وهو ما جعل البعض يتخوف من مستقبل مظلم للبلاد، لكن عيسى يرى أن الحادث كان نقطة تحول بقوله: «ماحدث فى المجتمع فى الأيام التالية للانفجار، من تلاحم إنسانى رفيع بين المسلمين والمسيحيين كان بداية لما رأيناه فى أيام الثورة».

فى الثورة، وأمام رصاصات الأمن المركزى، وقف المسلمون والمسيحيون سوياً، وبعد صدامات الأيام الأولى، ظلوا واقفين، يتلون صلواتهم كل على حدة، وأحيانا سويا كما حدث فى «أحد الشهداء» الذى شهد فيه ميدان التحرير قداساً مسيحياً شارك فيه آلاف المسلمين الذين وقفوا سوياً يرددون الدعوات وراء أحد القساوسة لكل الشهداء، وهو المشهد الذى وصفه الشاعر فاروق جويدة بقوله: «وقتها تأكدت الدنيا كلها أنه لا يوجد فى مصر شىء اسمه الفتنة الطائفية.

سلبية المصريين.. «فيس بوك» و«تويتر» والمدونات حوّلت المواطن من خانة المتلقى إلى المرسل

فى كتابه «شخصية مصر» يقول المفكر الراحل جمال حمدان: «سلبية المواطن الفرد إزاء الحكم جعلت الحكومة هى كل شىء فى مصر، والمواطن نفسه لا شىء، فكانت مصر دائما هى حاكمها، وهذا أس وأصل الطغيان الفرعونى والاستبداد الشرقى المزمن حتى اليوم أكثر مما هو نتيجة له، فهو بفرط الاعتدال مواطن سلس ذلول، بل رعية ومطية لينة، لا يحسن إلا الرضوخ للحكم والحاكم، ولا يجيد سوى نفاق السلطة والعبودية للقوة، وما أسهل حينئذ أن يتحول من مواطن ذلول إلى عبد ذليل».

ويقول الكاتب الصحفى، صلاح عيسى، إن استخلاص «سلبية المصريين» لم يكن صحيحا ١٠٠%، وأن المواطن المصرى لم يكن دائماً سلبياً، ويضيف: فى تقديرى هذا يرتبط بما يسمى «الاستبداد النهرى الشرقى» الذى ترتبط فيه السلطة التنفيذية بالقوة والتسلط، حيث يحتاج إليها المجتمع بشكل دائم، وهو ما أدى فى تقديرى إلى أن يتحول المواطن إلى مواطن مسكون بـ«رغبة الاستقرار»، وصبور وصبره قد يطول، وعندما يثور بأخذ شكل من أشكال الحدة، حيث إن غضبه شبيه بغضب الجمل، لكنه ليس سلبياً.

ويرى الدكتور طلال فيصل، الطبيب النفسى، أن جزءاً من إيجابية المواطن بدأت بتحرر الإعلام، وظهور الـ «نيوميديا»، مثل موقعى «فيس بوك» و«تويتر»، والمدونات، والتى جعلت شخصية المستخدم تتحول إلى فاعل بدلا من مستقبل، وبدأ الشباب فى الكتابة بدلا من قراءة المقالات، وبدأوا فى عزف الموسيقى بدلا من الاستماع فقط، وتسجيل الأفلام بالهواتف المحمولة.

انهيار الطبقة الوسطى.. أشعلوا شرارة الثورة وقالوا «نحن هنا»

فى الأيام الأولى كانوا هناك، أشعلوا شرارة الثورة ونزلوا بالملايين، ليهدموا وهم «انهيار الطبقة الوسطى» ويعيدوا إلى أساتذة علم الاجتماع السياسى نظرياتهم، ويطالبوهم بإعادة صياغتها، أو تصحيحها، كما يطالب الباحث معتز عبدالفتاح الذى يرى أن الحديث «الأسف» عن تآكل الطبقة الوسطى وانهيارها، يدل على وجود «خطأ يصل إلى حد الخلل فى المرجعيات الفكرية لهذه الكتابات».

الطبقة الوسطى التى أطلقت شرارة التغيير فى ميدان التحرير، -حسب عبدالفتاح- هى النقيض التاريخى للطبقة الوسطى التى تنهار فى مصر حسب الكتابات القديمة

أحمد رجب

المصرى اليوم

خطوات الدم والشرف فى ليلة موقعة الجمل

هادئاً ومبتسماً على الدوام، هكذا هبط الصيدلى الشاعر أحمد كامل، من سلم الطائرة القادمة من الرياض، مسرعاً نحو المنزل فى منطقة النعام بالمطرية، ليرى للمرة الأولى طفلته «مارياً» التى ولدت فى ٢٢ يناير. كان أحمد واحداً من ملايين المصريين، الذين أجبروا على «الغربة»، وهناك فى المملكة العربية السعودية كان يبحث عن «حلم» ما، يئس من تحققه «الواحد زمان كان بيسافر عشان يجيب شقة وعربية ويتجوز.. دلوقتى بيدفع تمن الغربة عشان يشطب شقة متوسطة فى أطراف القاهرة».

سافر أحمد فى أواخر ٢٠٠٧، كان خفيفاً و«عازباً» حتى صادف حب حياته «كاميليا حسين».

تزوج «كامل» كما يناديه أصدقاؤه، وسافر مع زوجته إلى السعودية، ليواصل عمله كمندوب دعاية طبية لإحدى أكبر شركات الأدوية العالمية «أنا مش زعلان من شغلى.. أنا زعلان على البلد اللى طردتنى بسبب الفساد والمحسوبية والاستبداد». عاد أحمد قبل انطلاق «ثورة الغضب» بساعات فقط، ابتسم فى وجه طفلته ماريا.. قبّل جبينها الأبيض، وقرأ الدعوة على «فيس بوك». وابتسم ثانية وقرر مع شقيقه أن «ساعة الوطن» قد دقت ما كنش ينفع أقعد.. نزلت عشان خاطر ماريا وكاميليا وأمى.

من ثلاثاء الغضب وحتى الجمعة ٢٨ يناير كان «أبوماريا» يحلم بوطن مختلف، وبعد ساعات من انسحاب قوات الشرطة المفاجئ، وفتح السجون لـ«تأديب الشعب»، كان أحمد مصمماً على البقاء فى «ميدان الحرية» يحاول إسعاف من يستطيع بخبرته فى الصيدلة، وكان هاتفه المحمول يدوى كل لحظة، مرة والدته تبكى «بيقولوا المساجين جايين علينا»، ومرة زوجته تحتضن ماريا وتحاول أن تطمئن «خلى بالك من نفسك يا أحمد بنتك عايزاك»، ومرة حماته تتصل صارخة «رصاص تحت البيت يا أحمد.. رصاص».

عاد أحمد إلى المنزل، ورجعت تانى بعد ما رتبت مع أخويا، ورديات واحد يروح للميدان والتانى يشارك فى حماية المنطقة مع اللجان الشعبية». ظل أحمد فى «نوبة حراسة الوطن» فى ميدان التحرير، حتى «موقعة الجمل» التى تلت خطاب مبارك الثانى. غابت أخبار «أبوماريا» عن الأسرة، ووقف مع نحو ٢٠ ألف شاب يواجهون الموت برصاص القناصة مدافعين عن شرف الميدان. شاهدت- كما غيرى- على قناة الجزيرة دخول الخيول المتهجمة على المتظاهرين، الفكرة التى أحاطت بى حينها هى الشرف، لم تخذلنى روحى وارتديت ملابسى مسرعاً لأنال شيئا من هذا الشرف.

يتابع أحمد وصلت عند الميدان من جهة عمر مكرم كان الجنون يسيطر على التحرير، «سيوف» و«سنج» و«سافوريا» و«بلطجية» و«قناصة» يحاصرون «مصر الحية»، يدخل أحمد إلى المستشفى الميدانى خلف «هارديز»، ويسلم الإسعافات الأولية للأطباء هناك، ليجد عدداً من المتظاهرين يمسكون ببلطجى، ويدخلونه دورة مياه المسجد، حاول أحمد المساعدة فى إنقاذ الأرواح، لكنه تراجع بعد قليل «سيطرت علىّ الفكرة مرة أخرى: الأكثر شرفاً هم المتواجدون فى قلب الميدان، وليس المختبئين فى المسجد.. أخرج.. أنضم إلى الأعداد القليلة نسبياً فى الميدان.. تحتلنى الفكرة مرة أخرى: الأكثر شرفاً هم المتواجدون على الخطوط الأولى جهة المتحف، أذهب إليهم، وفى الطريق يصرخ أحدهم أن البلطجية يحاولون اقتحام الميدان من جهة شارع شامبليون، ألتفت لأرى شخصاً يركض داخل الميدان، وفى يده «سافوريا» ضربه أحدنا على رأسه، فاستدار ليركض، لأجده فجأة أمامى تماماً، لم أشعر بالقطعة الحديدية فى يدى، وهى ترتفع لتضرب فكه بعنف، كل ما سمعته هو صوت طقطقة فكه، والدماء تملأ وجهه، وهو يسقط أمامى.. أكمل باتجاه شارع شامبليون، بنات على أول الشارع يكسرن بلاط الأرصفة ويعبئنه فى أكياس للصف الأمامى تجاه المتحف المصرى، بنت تدك بقدمها الجدران المعدنية الخاصة بأحد المشاريع لتخلعه من أجل صنع متاريس تحمى الميدان، ألتفت على صوت متظاهرة تطلب منى أن أساعدها فى تعبئة الكيس بالطوب، تنهرنى حين تجدنى أضع قطعاً كبيرة من الأحجار وتصرخ: «إحنا مش عاوزينهم يموتوا حرام عليك».

ينتقل أحمد لقلب الميدان مرة أخرى، ويقود مع زملائه حملة هجوم مضاد يدفع البلطجية للخلف «كنا نتحرك متراً متراً.. ندفع سيارة محترقة.. ونزيحهم بإصرار أسطورى على أن نصمد ولو على دمنا، ونتجه مرة أخرى إلى المتحف، زجاجات مليئة بالبنزين يرفض المتظاهرون إلقاءها الآن بعدما أبلغهم البعض فى الموبايل ونقلاً عن قناة الجزيرة إن البلطجية يعدون لهجمة شرسة قرب الفجر، يثبت الجار جاره ويشجع الأخ أخاه، صرخات «يا رب» تغذى قلوبنا بالأمل، تتجدد المواجهات قبيل الصبح، وأُصابْ فى ساقى، لكنى حين ألتفت وجدت شاباً محمولاً على الأكتاف وسط صراخ المتظاهرين وصوت طلقات نارية.. أصمت عن إصابتى، وأبكى مع دماء الشهيد المار بجوارى.. المتظاهرون يصرخون «حرام يا كفرة» تتواصل الطلقات ونسمع عن القناصة فوق أسطح المبانى.. الصمود يتزايد.. قسم غير معلن بيننا جميعاً أن يكون ميدان التحرير قبرنا أو حريتنا، ومع كل شهيد أستعيد الفكرة مصححاً: الأكثر شرفاً منا دوماً هم الشهداء

أحمد محجوب

المصرى اليوم

نار الثورة تطهر الشرطة من خطاياها

قهر المواطن وغياب الحكمة فى التعامل معه، وتجاهل طموحات الشباب، وسلوك الإهانة والاحتجاز دون وجه حق بالإضافة إلى فقدان شعور المواطن بأنه آمن على حياته وممتلكاته، كانت هى الاستراتيجية الفعلية التى تطبقها أجهزة الشرطة، بالإضافة إلى تفشى الرشوة والمحسوبية وسلبيات أخرى، أوجدت حالة من «التار البايت» بين هذا الجهاز الحيوى والمواطن المصرى قبل الثورة.

وبعد انتصار إرادة الشعب وتخلصه من كل مخاوفه بدأت الصورة تتغير إلى الأفضل، أعادت «الداخلية» شعار «الشرطة فى خدمة الشعب» ووضعت استراتيجية جديدة ترتكز على المصالحة مع النفس والوطن، بدأت بإعادة ترتيب الصفوف من الداخل وتغيير فلسفة التعامل مع المواطن وامتداداً إلى خطة فى نهايتها تغيير زى رجل الشرطة.. ماذا حدث قبل وبعد؟.. الإجابة فى التفاصيل القادمة.

«كل الدراسات ووجهات نظر أصحاب الخبرة الأمنية كانت تؤكد أن جهاز الشرطة حتماً سينهار، إلا العاملين فى هذا الجهاز أنفسهم، ومواطن سكنه خوف ورعب سنوات قهر طويلة» بهذه العبارات بدأ أحد خبراء الأمن تفسيره لما سبق الثورة وأضاف أن الفساد تغلغل فى جسم هذه المنظومة وامتد إلى كل شىء فيها حتى صارت محاولات الإصلاح أشبه بـ«الشىء الغريب»، ودلل على ذلك بما كان يحدث فى داخل مؤسسة الشرطة نفسها حيث انتشرت «الشللية» وقلة من أصحاب الحظوة تحصل على كل شىء، وآخرون محرومون من كل شىء، ظهرت مواقع وإدارات بعينها، أطلقوا عليها «الخليج» لما يدره العمل فيها من مكاسب مادية وسلطوية وبقية الجهات بعيدة عن الحوافز والبدلات، فلم يجد العاملون فيها سوى المواطن يحصلون منه- قهراً- على ما يعوضهم عن بعض الفوارق ويفرغون فى التعامل معه ما يلاقونه من كبت واستهتار وتجاهل.

يوضح خبير أمنى التفاصيل فيما كان يحدث من رأس النظام نفسه الذى كان متمثلاً فى الوزير السابق حبيب العادلى وقيادات الوزارة، وقال إن هناك جهات أشبه بالدجاجة التى تبيض ذهباً كل يوم وتدر دخلاً لا يوجه إلى التطوير والبناء أو حتى يتم تقسيمه بصورة عادلة، واستأثرت به مجموعة من المنتفعين فمثلاً- والكلام للخبير الأمنى- شركات «الفتح والمستقبل» و«اللوحات المعدنية» التى تعمل الأولى والثانية فى مجال المقاولات وتنتج الثالثة اللوحات المعدنية للسيارات ومصنع الجلود كان دخلها يقسم يومياً على قيادات الوزارة، الأمر الذى كان يرفع دخل البعض إلى ما يزيد على خمسة ملايين جنيه كل شهر، واستطاعوا أن يكونوا ثروات وصلت إلى مجزر آلى فى ٦ أكتوبر و٣ قصور فى الشيخ زايد ومثلها فى العين السخنة.

وفى شؤون الأفراد يحدث ما هو أقرب إلى الخيال فهناك من يحصل على ٣٠ يوماً فى اليوم الواحد من عائد لجان التعيين والطبى والترقية وغيرها، وما يقرب من نصف مليون جنيه تدخل هذه الإدارة يومياً ما يرفع دخل القيادات الكبرى إلى مبالغ تتراوح بين ٢٥٠ و٣٠٠ ألف جنيه فيما يحصل- مثلاً- رائد على ٤٦ ألف جنيه وأفراد وموظفون على مبالغ تترواح بين ٢٠ و٥٠ ألفا، واستمارات الصرف تتم بصورة شبه يومية ويتم إعدامها فى الحال، وتتميز جهات بعينها فى رواتبها وساعات الخدمة مثل شرطة الكهرباء والضرائب والأموال العامة والتموين والإسكان والاتصالات والنقل والمواصلات ناهيك عن العمل فى جهاز أمن الدولة، وتتولى إدارة الشؤون المالية سداد حسابات كبار قيادات الشرطة فى الفنادق والمناسبات وغيرها.

فى المقابل يحصل الضابط برتبة عقيد فى الجهات الأخرى كالأمن العام مثلاً على راتب لا يتخطى ٢٥٠٠ جنيه شهرياً وأمين الشرطة «ممتاز» ٦٩٠ جنيهاً والملازم أول ١٢٠٠ جنيه شهرياً، هذه الحالة أوجدت حالة من عدم الرضا والشعور بالدونية، ويأتى بعد ذلك عدد ساعات العمل، التى تتواصل بالأيام دون أن يحصل رجل الشرطة فى إدارة ما على راحة، ما يؤدى إلى خلل بسبب ساعات التشغيل ويدفع إلى التعذيب واستخدام أساليب العنف والتلفيق والإكراه على الاعتراف.

وقال اللواء محمود بركات أحد القيادات السابقة بجهاز الأمن العام إن إرباك رجل الشرطة بالعديد من المهام فى وقت واحد مثل الخدمات والتشريفات يفقده جزءاً كبيراً من مجهوده فى تحقيق الأمن للمواطن- الذى هو رسالته الأساسية- مما أعطى فرصة أكبر لانتشار الجريمة الجنائية وأفرغ الشرطة من مهمتها، أضف إلى ذلك حشد جميع القوات فى التصدى لأشكال الاحتجاج على النظام والسياسات الفاسدة، وأصبحت التوجيهات بقمع هذه الاحتجاجات بأى صورة تحدث كل يوم اتساعاً جديداً فى الشرخ بين المواطن والشرطة، حتى صار الأمر عداء و«تار بايت».

وقال اللواء بركات إن هناك محاولات- وصفها بالقليلة- لمد جسور الثقة المفقودة مع المواطن، كلها ذهبت أدراج الرياح بسبب السياسات السابقة، التى أصبح فيها ضرب المواطن شيئاً عادياً ما دفع مدير أمن الدقهلية إلى التنبيه على الضباط بضرورة النزول إلى المواطن وعدم التعالى عليه.

واعتبر المواطنان أحمد محمد السوهاجى ومحمد عبدالحميد أن الالتحاق بكلية الشرطة أصبح حكراً لأصحاب النفوذ أو القادرين على الدفع فقط، أما أبناء عامة الشعب فهم محرومون من الالتحاق بهذا الجهاز.

وتحدى عبدالحميد أن يكشف المسؤولون فى وزارة الداخلية عن أشخاص التحقوا بكلية الشرطة دون أن يكونوا من أبناء أصحاب السلطة أو المال- مثلها كأى جهاز مهم- لا يناله إلا من يملك أن يدفع المهر، سواء كان ذلك بالحسب أو المال.

أما الذهاب إلى قسم الشرطة حتى لو كان لاستخراج بطاقة رقم قومى فكان شيئاً مخيفاً محفوفاً بالمخاطر، وصار المواطن يرتعد إذا شاهد رجل الشرطة، فما بالك إذا تعرض لأى نوع من أنواع الاشتباه.. ضرب وتعذيب وممارسة ضغوط تصل إلى بهدلة الزوجات والشقيقات والأمهات، وليس أدل على ذلك من قضية مذبحة بنى مزار التى لا نعلم من ارتكبها حتى الآن، وما تعرض له الشاب الذى تم الزج به ليصبح كبش فداء، وشاءت عدالة السماء أن تظهر براءته لكن هناك كثيرين دفعوا ثمن جرائم لا علاقة لهم بها.

يقول مساعد الشرطة السابق حسن على أحمد أن أسلوب الإعاشة والتدريب فى معسكرات- بعيد تماماً عن الآدمية، لا يمكن أبداً أن يتخرج فيها من يحمل رسالة تأمين الوطن أما ما يحدث فى أكمنة المرور وما يتم من تغيير للقوانين فهو نوع من الجباية وإهانة المواطن، كيف تطلب من قائد مركبة أن يلتزم بقوانين تمت صياغتها فى المكاتب المكيفة، فى طرق غير صالحة وزحام مركبات لا مثيل له فى كل دول العالم، أضف إلى ذلك غياب الثقافة الأمنية والأخلاقية عند السواد الأعظم من الأفراد- الذين هم عصب الحياة الأمنية- كيف ألقى بهذا الشخص إلى الشارع والقهر والمهانة تحيط به من كل الجهات؟ بالتأكيد سوف يفرغ كل ذلك فى ضحيته من المواطنين سواء كان ذلك فى خدمة مرورية أو جمع تحريات أو حتى فى تأمين منشأة مهمة.

وقالت والدة الشهيد أحمد العربى إن رجال الشرطة يتصرفون مع البشر على أنهم كلاب ضالة، أطلقوا الرصاص الحى على شباب مصر، وبينهم ابنها لأنهم خرجوا يدافعون عن مستقبلهم وشبابهم الذى تتم سرقته أمام أعينهم «هؤلاء الشهداء قتلوا الخوف من رجل الشرطة- الذى هرب- فى أول مواجهة حقيقية»، وقالت إنها لن تسكت هى وأبناؤها عن ظلم بعد اليوم، سوف تصرخ وتقاوم وتقدم الشكاوى إذا تكرر ما كان يحدث، لن تسكت على مرشد يستغل علاقته بضابط ويفرض سطوته أو يبيع المخدرات محتمياً بمن يعمل معه.

وعن لحظة الانهيار واختفاء الشرطة يوم «جمعة الغضب» يقول أحد شهود العيان من كبار الضباط الذين كانوا فى غرفة القيادة إن اجتماعاً ضم عدداً قليلاً من قيادات الأمن فى الليلة التى سبقت صباح الجمعة وبدأ كل ضابط كبير يعرض تقريره وقام ممثل أمن الدولة فقال «انتوا خايفين من إيه؟ دول شوية عيال بنجرى وراهم بقالنا كذا يوم.. دول شوية فراخ تقولوا لهم هش يهشوا على طول.. تشجعوا وشجعوا ضباطكم وبكره آخر النهار كل حاجة هتخلص ويروحوا بيوتهم تانى» ولم يستطع أحد الرد عليه وتم إنهاء التلقين والتحدث فى خطة الصد والمواجهة فقط «لم يخطر ببال واحد منهم أن يضع ولو لمجرد الصدفة خطة للانسحاب وجاءت جمعة الغضب بعد أيام من المطاردات والمواجهات وقتلت جموع الشباب- الأعزل- وحش الخوف فى صدورهم، فلم ترهبه طلقات الغاز ولا هراوات الجنود ولا أشد من ذلك، واجهوا الموت بصدورهم واندفعوا بكل قوتهم وحدث هرج كبير، اختفت بعده الشرطة.

قيادة أمنية هرولت على أقدامها واحتمت فى وزارة الداخلية وظلت تصرخ طالبة للنجدة بينما لم يجد آخر سوى سيارة فى الشارع رقد تحتها واحتمى غيره فى عدد من الضباط الصغار الذين تحملوا عنه غضبة الثوار حتى أوصلوه إلى مكتبه، وجاءت صرخات الضباط من كل مكان وحدث الإختفاء بعد حرق أقسام الشرطة.

ثم حدثت الهجمة على السجون. شاهد العيان رفض أن تكون هناك تعليمات أو خطة لإثارة الفزع، لكنه أكد أن كل شخص شغلته حياته وكيف ينجو بها من الموت، ودلل على ذلك بسلوك أحد قيادات أمن القاهرة الذى أمر بإظلام مبنى المديرية وبذل كل جهد لإنقاذه من التخريب وظل كذلك حتى وصلت قوات الجيش وبقى فى مكتبه أياماً طويلة.

وماذا بعد «الخراب»؟ هذا السؤال يحاول اللواء محمود وجدى وزير الداخلية وقيادات الوزارة الإجابة عنه عمليا حيث أصدر الوزير قراراً بإعادة شعار «الشرطة فى خدمة الشعب» ثم راح يتنقل بين قطاعات الوزارة وإداراتها، يلتقى قوات الأمن المركزى ويرسم استراتيجية إعادة البناء من الداخل بتعديل الرواتب ومراجعة أسلوب التدريب والإعاشة وإعادة التأهيل والتدريب، بالإضافة إلى إصلاح السجون والإفراج عن معتقلى الثورة والرأى والنشاط السياسى وتطبيق الإفراج الشرطى، ورسم صورة أفضل للمستقبل، ووضع خطة من أجل تغيير زى الشرطة وإعادة هيكلة دور جهاز أمن الدولة والتوجيه إلى وقف طرق الجباية فى تحصيل مخالفات المرور وتفعيل دور غرف العمليات ولم يغب عن الوزير الحالة النفسية السيئة التى أصبح عليها رجل الشرطة فلم يتردد فى بث الروح فيهم وتذكيرهم بأهمية الدور الذى يؤدونه ورسالتهم السامية فى إطار صحيح.

وأجرى أكثر من حركة تنقلات وإنهاء خدمة شملت عدداً من قيادات الوزارة بالإضافة إلى التشديد على ضرورة إجراء تحقيقات إدارية مع من ارتكبوا جرماً فى حق الثورة وشبابها، عقب انتهاء تحقيقات النيابة العامة معهم. ولم ينس وجدى، الالتقاء بالغاضبين من أبناء الجهاز، سواء كانوا من الأفراد أو صغار الضباط، وأصدر قرارات بتحسين رواتبهم ويجرى الآن التقريب بين رواتب الإدارات المختلفة.

عمر حسانين - المصرى اليوم
وقائع القتل بعد خطاب عاطفى

ما لم ينقله أحد هو ما حدث فى ميدان عبدالمنعم رياض الأربعاء ٢ فبراير بعد خطاب مبارك. فوجئنا ببعض السيارات تقل مجموعات من البلطجية نزلوا أمام ميدان عبدالمنعم رياض وبدأوا فى ضرب المتظاهرين بالأسلحة البيضاء والحجارة وقنابل المولوتوف، وعندما رد عليهم المتظاهرون بالحجارة بدأوا فى إطلاق الرصاص الحى. كانت تأتيهم بعض الإمدادات من بناية أمام المتحف المصرى فتوجهت مجموعة من المتظاهرين إلى البناية وسيطروا عليها وألقوا القبض على الموجودين بها، اتضح أن بعضهم تابعين لوزارة الداخلية فتم تسليمهم إلى الجيش.

استمرت المعارك وقبل الفجر بقليل شاهدت مجموعة من المتظاهرين يحملون شاباً أصيب بطلق نارى فى صدره فى منطقة القلب يلفظ أنفاسه الأخيرة. حاولنا تلقينه الشهادة فما كان منه إلا ردد: «تحيا مصر» حتى فاضت روحه. لاتزال صورته عالقة فى ذهنى تمنعنى من الفرحة، لا فرحة إلا عندما يقدم إلى العدالة كل من شارك فى قتلهم

أحمد السويسى

المصرى اليوم

الحرية تولد يوم الجمعة

أيام لا تشبهها أيام، على رأس كل أسبوع، وعلى مدار شهر تقريباً، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين، وتحول يوم «الجمعة» إلى ساعة الصفر، ليعلن أن قلب الثورة مازال ينبض، وأن المصريين على استعداد لدفع المزيد من الدم من أجل الحرية.

باتت أيام «الجمعة» رمزاً للغضب الشعبى والتحدى والصمود على الموقف، الذى لم يتزحزح قيد أنملة عن رحيل النظام بكل أعوانه، الذين سفكوا الدم ونهبوا الثروات وكادوا أن يجعلوا المواطنين يكفرون بالوطن، ومحاسبتهم عن كل ما اقترفوه، فى هذه الأيام بدأت التنازلات، واتخذت القرارات الحاسمة، انسحبت الشرطة، ونزل الجيش، وتنحى الرئيس، وسقط الشهداء، وتهاوى «الوطنى» تحت وطأة غضب الثوار، وتحرر الشعب من عقدة الخوف، فى أيام «الجمعة» هذه، سٌطر التاريخ، وولد الوطن، وعادت مصر حرة.

١- جمعة الغضب ٢٨ يناير

عدد المتظاهرين : مليون فى التحرير

الشعار : الجيش والشعب إيد واحدة

إغلاق محطات المترو والطرق المؤدية إلى وسط البلد والجيزة.

قطع خدمات الإنترنت بشكل شبه كامل عن مصر، والمحمول عن القاهرة وعدد من المحافظات.

مسيرات حاشدة من الجامع الأزهر والأمن يستخدم القنابل المسيلة للدموع والطلقات الصوتية لتفريق المتظاهرين.

العادلى يشدد فى اجتماع مغلق على تفريق المتظاهرين بجميع الطرق.

فرض الإقامة الجبرية على الدكتور محمد البرادعى.

اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمواطنين فى عدد من المحافظات، والشرطة تلجأ إلى الرصاص المطاطى والحى.

أعمال تخريب وإحراق عدد من أقسام الشرطة ومبانى المحافظات ومقار الحزب الوطنى فى القاهرة والمحافظات.

المتظاهرون يستولون على عدد من عربات الأمن المركزى والإطفاء.

انسحاب الشرطة بشكل مفاجئ من جميع مراكزها.

قوات الجيش تنزل إلى الشوارع.

الرئيس حسنى مبارك، بصفته الحاكم العسكرى، يفرض حظر التجول فى محافظات القاهرة والإسكندرية والسويس ابتداء من الساعة السادسة مساء حتى السابعة صباحاً.

تشكيل لجان شعبية لحماية المتحف المصرى والبنوك والمنشآت العامة والخاصة.

٢- جمعة الرحيل ٤ فبراير

عدد المتظاهرين : ٢مليون فى التحرير

الشعار : الشعب يريد إسقاط الرئيس

المشير طنطاوى يزور ميدان التحرير ويصافح الجنود ويشد من أزرهم ويتحدث مع المتظاهرين.

ميدان التحرير شهد صلاة جمعة حاشدة وتأدية صلاة الغائب على أرواح الشهداء، وتحولت المظاهرات إلى كرنفال ضم جميع أطياف الشعب المصرى.

أحداث ساخنة ومظاهرات حاشدة شهدتها محافظات الإسكندرية، السويس، بورسعيد، الدقهلية، البحيرة، المنيا، أسيوط، الأقصر، أسوان.

النائب العام يصدر قراراً بمنع رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة من السفر، وكان قد صدر فى اليوم السابق قرار بمنع حبيب العادلى وزهير جرانة وأحمد المغربى وأحمد عز.

احتكاكات مع البلطجية والمساجين الهاربين.

أبرز الحضور:

عمرو موسى يزور الميدان ويلقى كلمة يحض فيها على التهدئة والحوار، وعمار الشريعى وخالد يوسف وشريهان وأحمد كمال أبوالمجد والشيخ حافظ سلامة، أحد رموز المقاومة الشعبية فى السويس.

٣- جمعة التحدى ١١ فبراير

عدد المتظاهرين : ١٠ملايين فى كل المحافظات

الشعار : مش هانمشى..هو يمشى

المظاهرات تنتقل إلى قصر العروبة.

الدكتور حسام بدراوى، أمين عام الحزب الوطنى، أمين السياسات، يعلن استقالته من منصبه.

المشير طنطاوى يقوم بجولة فى سيارته أمام قصر الرئاسة ويتبادل التحية مع الجماهير التى كانت تحتفل برحيل مبارك.

النائب عمر سليمان يعلن تنحى الرئيس مبارك، ونقل إدارة البلاد للقوات المسلحة.

المتحدث باسم المجلس العسكرى يؤدى التحية العسكرية لأرواح شهداء الثورة أثناء إلقائه البيان رقم ٣.

الحكومة السويسرية تعلن التجميد الفورى لأى حسابات محتملة يملكها الرئيس السابق والمقربون منه.

وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى يخرج من ماسبيرو عبر الأبواب الخلفية فى حماية الجيش.

احتفالات عارمة فى كل أنحاء مصر ابتهاجاً بتنحى مبارك

٤- جمعة النصر ١٨ فبراير

عدد المتظاهرين : ٣ملايين فى التحرير

الشعار : الشعب يريد تطهير البلاد

فرقة الموسيقى العسكرية تشارك فى الاحتفال بعزف مجموعة من الأغانى الوطنية.

إنشاء نصب تذكارى للشهداء، والقوات المسلحة توزع أعلاماً على المتظاهرين تأييدا لمطالبهم الشرعية.

الشيخ يوسف القرضاوى يؤم المصلين، والملايين يؤدون صلاة الغائب على الشهداء.

٣ ملايين احتشدوا فى ميدان التحرير من جميع محافظات مصر احتفالاً بانتصار الثورة.

النيابة تحقق لمدة ٧ ساعات مع حبيب العادلى وأحمد المغربى وزهير جرانة بعد ساعات من ايداعهم السجن بتهم غسل الأموال واستغلال النفوذ.

المجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤسس صفحة على «فيس بوك» ويهديها لـ «شباب الثورة وشهدائها

هشام علام

المصرى اليوم

حكاية مظاهرة الشباب التى أصبحت ثورة «العائلة المصرية

هنا.. فى ساقية مكى، وفى أحد أرقى أبراجها مقارنة بالمنطقة، التفت الأسرة حول مائدة طعام يوم ١٣ فبراير، فهى المرة الأولى التى يجتمعون فيها على مائدة منذ أكثر من ١٩ يوما، قضوها متفرقين فى ميدان واحد، هو ميدان التحرير، الذى كان قبلتهم ليلا ونهارا، بل مرقدهم أيضا فى آخر الليل، باعتباره وقتها الأكثر أمنا فى مصر.

لم يكن محمد راغب الشحات عبدالعاطى أصغر أفراد أسرته، فهو فى ترتيب الأبناء الأوسط بحق، أكمل عامه الـ٢٢، ويسبقه اثنان من الأبناء ويتبعه اثنان آخران، لكنه استطاع أن يقود هذا الجمع من الإخوة، ويزيد عليهم أم وأب تجاوزا الخمسين عاما بسنوات، قادهم- حسب وصفه- بإرادته التى حركت وغيرها إرادات الملايين ليحدث التغيير.

فى منزلهم ترى معنى الأسرة المتوسطة، فالأب «راغب الشحات عبدالعاطى» الذى لم يكمل دراسته الثانوية، تفرغ للعمل كصائغ، لكنه بمنطقهم «صحيح صايغ بس على أد حاله» والأم «فاتن» الحاصلة على دبلوم أتمت ٩ أشهر كموظفة، لكنها استقالت وتزوجت قبل نحو ٢٨ عاماً، وتفرغت للبيت والأبناء، قبل أن تأخذ قرارها بارتداء النقاب، منذ ١٣ عاماً والذى أخذت تؤكد أنه قرار ليس مبنيا على توجه دينى، وبررته: «عانيت طوال حياتى من التصنيف، مش معنى إنى لابسة النقاب أبقى إخوان أو سلفيين، ممكن أبقى ست عادية شايفة فى النقاب راحتها، ممكن يكون بيرحمنى من بصة، وأنا شايفة حياتى أحسن بيه».. بين هذين، الأبوين نشأ ٥ أبناء، لم يزد سن أكبرهم على ٢٧ عاما، وأصغرهم ١٢ عاما، وإن كانت الشريحة الأكبر من الأبناء تقع فى مرحلة الشباب.

فى هذه الأسرة نشأ الأشقاء الخمسة، كريم وولاء ومحمد وغادة ونوران، على قيم زرعها فيهم الأب محاولاً أن يتفادى كل ما عاناه، لكنه- وحسب وصفه- وجد معهم معاناة أكثر، ففى اللحظة التى قرر أن يترك فيها التعليم ويتفرغ للعمل الحر، لم يجد من يمنعه، لكنه وجد أجواء تساعده، واستطاع أن يبنى نفسه، لكن الأبناء عندما فكروا فى ترك التعليم تدخل هو بوصفه الأب لمنعهم، وعندما تخرج بعضهم، لم تفلح الشهادة التى حصل عليها فى توفير عمل للولد، أو زيجة للبنت.

من هنا بدأت الثورة، قرر الأب أن يترك لأبنائه حرية التعبير، وحسب منطقه: «يعنى لا شغل ولا جواز ولا حتى يعبروا عن نفسهم..ده يبقى حرام» لذا لم يرفض طلب ابنه الأوسط محمد الاشتراك فى المظاهرات، ولم يمانع فى أن يكون محمد وكريم من أعضاء الـ«فيس بوك»، ومن المشتركين فى صفحة «كلنا خالد سعيد» بل من الداعين للاشتراك فى أول مظاهرة تخرج يوم ٢٥ يناير تنادى بالرحيل وبتوفير «عيش وحرية وعدالة اجتماعية».

عدم رفض الأب لم يعن موافقته الكاملة، بل كان والأم يشتركان فى شعور واحد: هما يعنى هيعملوا إيه.. آخرهم يهتفوا شوية ويرجعوا على البيت» ولم تتصور الأم أن تلك المظاهرات التى رفضتها فى البداية وحاربت من أجل منع أبنائها عنها، ستحدث كل هذا التغيير، لذا تراوحت مشاعرها تجاه المظاهرات بين الرفض للفكرة والخوف من تبعاتها.

لم يعبأ محمد كثيراً بهذا الرفض، إذ كان بالفعل بدأ التحرك من خلال «فيس بوك» بل كان متابعا جيدا لما يحدث فى تونس، واستطاع من خلال أصدقائه التونسيين نشر فكرة «طالما حصل فى تونس.. ليه ما يحصلش عندنا»، لم يكن فى البداية مهتما بالأمر، ويرويه: سمعت عن بوعزيزى لكنى لم أهتم، وسمعت عن الثورة وأيضا لم أهتم، بعدها سمعت عن هروب الرئيس وقتها شعرت بأننا نستطيع أن نفعل ما فعلوه، وبدأت التواصل مع أصدقائى التوانسة، واشتركت مع كثيرين فى جروب كلنا خالد سعيد، ووصل عددنا لأكثر من ٤٠ ألفا، وتمت الدعوة لمظاهرة ٢٥ يناير، وتوقعنا أن ينزل إلى الميدان نصف هذا العدد فقط، لحنت أغنية بصوتى اسمها «اهزم صمتك» ووضعتها على اليوتيوب والفيس بوك، ودعوت من خلالها كل أصحابى لأن يشاركوا، وبعدها أرّخت لكل أحداث الثورة بأغنياتى التى تعاونت فيها مع عدد كبير من أصدقائى، كتبوا الكلمات وتوليت أنا اللحن والتوزيع والغناء.

محمد يدرس نهارا فى أكاديمية طيبة فى معهد نظم معلومات، ويعمل مساء فى محل فضة يمتلكه وأصدقاؤه، ويمارس هوايته بين كل هذا فى استوديو صغير يؤجره على نفقته الخاصة ليسجل فيه أغنياته، كان اتفاقه الأول مع أصدقائه عبر الفيس بوك ينص على الالتقاء فى ميدان مصطفى محمود ورفع لافتات تطالب بتوفير العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وقال: الأمن هو الذى وجهنا دون أن يقصد إلى التحرير، فقد أغلق كل المنافذ والمداخل المؤدية لميدان مصطفى محمود، فاتصل بى أصدقائى وغيرنا المكان إلى دار القضاء، لكن الوضع تكرر، فالتقينا فى التحرير، وحتى نصل مارسنا كل الخدع وتحايلنا للهروب من كردونات الأمن، لأنهم كانوا بيضربوا أى مجموعة ماشيين مع بعض، لذا كنا نتخفى ونتحايل ونهرب من خلال الشوارع الخلفية، وأضاف: الأمن كان صعب جدا فى أول أيام المظاهرات، لأننا أساسا كنا خايفين، ومعندناش خبرة مواجهة القنابل المسيلة للدموع، وفى الأيام التالية زادت جرأتنا على المواجهة مع زيادة أعدادنا، ومع خبرتنا فى مواجهة الأسلحة، كنا بننزل الميدان معانا العدة «بيبسى وخل وبصل وكمامة».

محمد أكد أن الضرب كان يشتد وعزيمتهم أيضا، وحسب وصفه: كل ما يضربونا نقف جنب بعض أكتر ونحمى بعض أكتر، وكنا نغادر الميدان ونعود إليه، ورغم رفض الأسرة، لم أكن أتخيل أننى سأتخلى عن أصدقائى فى الميدان الذين تعرفت عليهم من الفيس بوك.. وقال: كنا نغادر الميدان لنلتقى على الفيس بوك، لكننا فوجئنا بقطع الإنترنت فى اليوم التالى، وهو أغبى قرار يمكن أن يتخذه مسؤول، لأنه شجعنا أكثر على التواجد فى التحرير، بعد أن فقدنا الاتصال ببعضنا، بالعكس شجع مئات آخرين على التوجه للميدان ليعرفوا ما الذى يحدث هناك.. محمد أكد أن أحداث يوم ٢٥ يناير كانت الأصعب، أكثر من ٢٨ يناير، وبرر: أصل العدد يوم ٢٨ كان كبير جداً والأمن بدأ يخاف، ده غير أننا كنا يومها مدربين على التعامل مع القنابل والرصاص المطاطى عكس أول يوم فى المظاهرة، ده غير أن الأحداث ولعت فى السويس والإسكندرية وده اللى كان بيخلى إصرارنا يزيد.

بابتسامة تضحك فاتن والدة محمد وهى تتذكر هذه الأيام: محمد فنان من يومه، كنت فرحانة أنه بيشارك بغنوة أو بهتاف، لكن كنت خايفة جدا عليه، كل يوم كنت بناقشه فى القرارات اللى بتطلع، وبعد أول خطاب للرئيس السابق قلت له كفاية كده الراجل عمل اللى عليه وشال الحكومة، لكنه استهان بى، وقتها شعرت أن البلد هتضيع لو العيال دول ما حدش عقلهم، لكنى اكتشفت أن العيال دول أرجل من رجالة كتير، وأنهم قدروا يغيروا اللى ما عرفناش نغيره طول عمرنا.

فاتن تروى: بعد الخطاب المؤثر للرئيس مبارك، قعدت مع محمد وقلت له كفاية كده، ده راجل كبير ومحترم حرام عليكم وبكيت بحرقة على الزعيم واللى حصله، لكن بعد ما شفت الجمال والخيول بتدهس الولاد فى التحرير، ما حستش بنفسى غير وانا بادعى على الرئيس واللى عمله فى البلد، وتانى يوم على طول بدأت آخد بناتى وننزل مع أبوهم التحرير، ناخد معانا أكل وشرب للولاد المعتصمين ونقضى معاهم ساعات طويلة ونرجع بعدها نبات فى بيتنا.

محمد يقاطع والدته: وقتها كنا بنعرف بالصدفة أنهم نزلوا التحرير، وساعات كنا بنقابلهم هناك، ولا أنكر فرحتى بوجودهم، لأنه يعنى أنهم اقتنعوا بمطالبنا وشرعيتها، وأن ثورة الشباب أصبحت ثورة مجتمع كامل، وبصراحة لولا وجود كل الأعمار والطوائف والفئات لما نجحت الثورة، فقد بدأت شبابية وتحولت فيما بعد إلى ثورة الأسرة المصرية.

هنا تدخل الأب، إذ طلب من «المصرى اليوم» أن ترسل رسالة باسم الثوار إلى الحكومة وجهاز الشرطة وقبلهما الرئيس مبارك، تقول لهم فيها «نشكركم على حسن تعاونكم معنا» مؤكدا أنه لولا غباء الحكومة فى التعامل مع الثوار، وتأخر الرئيس السابق وعناده، وفشل الشرطة فى احتواء الغضب، لما نجحت هذه الثورة.

وبقدر سعادته بنجاح الثورة، بقدر حزنه على أنها لم تبدأ منذ فترة، إذ أكد أنه كان من الأولى بجيله أو حتى الجيل الذى جاء بعده أن يتحركا لإنقاذ مصر، ورغم ذلك لم يخف فخره بأن أبناءه وغيرهم صنعوا مستقبلا أفضل لمصر، لذا أعلن أنه سيشارك فى كل مظاهرة يتم الإعلان عنها من الآن فصاعدا، ومنطقه: هانزل بس عشان أكمل العدد ونوصل للمليون ونحقق مطالبنا، فالثورة لن تنجح إلا إذا غيرت على أرض الواقع، والمظاهرات الآن هدفها الأساسى إثبات أن الثورة حية لم تمت، وحتى ننتقل من مرحلة معرفة الفساد والكشف عنه إلى مرحلة التخلص من الفساد ذاته.

رغم كونه الابن الأكبر، الذى تخرج فى كلية الحقوق، وعمل لفترة محللا ماليا فى البورصة، فإنها أشياء لم تمنعه من أن يحمس شقيقه الأصغر على المواصلة والصمود، حيث استبدل شعار الحزب الوطنى «عشان تطمن على مستقبل ولادك» بشعار آخر أكثر واقعية «عشان يبقى ليك مستقبل من الأساس».

وخرج كريم وشقيقه محمد فى المظاهرات التى بدأت يوم ٢٥ يناير.. خرجا اثنين فى البداية ويوما بعد آخر كان ينضم إليهما أحد أفراد الأسرة، بمن فيهم نوران الطفلة التى لم تتجاوز عامها الـ١٢، ليعود الجميع بعد بيان القوات المسلحة الذى طالبت فيه بإخلاء الميدان، عادوا حسب تأكيده بعد أن اطمأنوا على نجاح المرحلة الأولى من ثورتهم، مؤكدا أن المراحل المقبلة أصعب وتحتاج إلى مزيد من التركيز والعمل.

الأسرة التى لم تكن تجتمع إلا على طعام أو مناسبة، اجتمعت منذ ٢٥ يناير أكثر من مرة، كلها لمناقشة ما يحدث فى مصر، وآلية الخروج منه، وهنا يرتفع صوت الأم: عمرى ما اهتميت بالسياسة ولا فكرت فيها، لكن ولادنا رجعونا تانى نحب البلد ونخاف عليها، وبقى ميدان التحرير بالنسبة لنا هو البيت الكبير.. ويقاطع الأب: مش مهم عندى اسم الوزير، الأهم بالنسبة لى سياسته اللى هيحطها، واللى لازم تبقى نابعة من مبادئ الثورة وجاية تحققها.. وهو ما دفع الصغيرة نوران إلى مقاطعة والدها: حاسة يا بابا إن أنا فرحانة، حاسة أنى عملت حاجة كبيرة قوى، أكبر من سنى، فضحك محمد: مش هانسى أول يوم نزلت وشميت فيه القنابل المسيلة للدموع، حسيت أنى هاموت يومها، وعرفت إزاى أن الروح ممكن تهون على الواحد طالما أن الهدف أكبر، أول مرة يبقى لى لازمة أنا وجيلى، أول مرة نتكلم فى السياسة، أول مرة أحس إن اللى كانوا بيحكمونا عصابة ده بعد ما أعلنوا عن الثروات المنهوبة والفساد اللى فى البلد، أول مرة أحس أنى غيرّت فى أهلى وبعد ما كانوا سلبيين ويتجاهلون مطالبي، أصبحوا إيجابيين بعض الشىء ورفضوا أفكارى، وفى النهاية وبعد موقعة الجمل قابلتهم صدفة فى ميدان التحرير.

غادة «مقاطعة»: كل معلوماتنا عن البلد والحكومة جبناها من وسط الميدان، فى الأول كنا خايفين نتوه من بعضنا، بعدها حسيت بالأمان وأنا جوه الميدان، كل الشباب كان نفسهم يهربوا من البلد، دلوقتى هدفنا اننا نعمرها ونطورها.

يختنق صوت الأم وهى تتذكر خطابات الرئيس السابق مبارك: كان فى كل خطاب يقول يهمنى رجل الشارع البسيط، نفسى أعرف عمل إيه لرجل الشارع ده غير انه زوِّده فقر على فقره؟.

وتبكى الأم وهى تتذكر خوفها، وتحتضن صغيرتها نوران، وعلى وجه كريم ابتسامة، فيما يرسم وجه الأب علامات الارتياح، يجتمعون حول محمد وهو يعزف على جيتاره ويغنى «اهزم صمتك».

ويقول فيها:

صوتنا هيبنى ومش هيدمر.. صوتنا أكيد لازم هيغير

أوعى تقول دا مافيش تأثير.. صوتك هيجيب التغيير

نفض نومك من على عينك.. قوم واصرخ وبأعلى الصوت

اهزم خوفك بينى وبينك.. اللى بيصرخ مش هيموت

شيماء البردينى

المصرى اليوم

كلنا خالد سعيد».. الدم الذى صار وقود الثورة

لم يكن المواطن خالد محمد سعيد صبحى قاسم (٢٨ سنة) يعرف أن دماءه ستكون وقود «ثورة الغضب». لقى خالد سعيد ربه بجمجمة مهشمة وبدن ممزق، بعد «علقة موت» فى ٦ يونيو ٢٠١٠، كانت عقاباً له على فيديو نشره عبر الإنترنت يكشف «إعادة تدوير» مضبوطات المخدرات بقسم سيدى جابر.

وكما كانت «جريمة» خالد سعيد «انترنتية» بحتة، كان الإنترنت هو أكبر وسائل الدعوة لـ«القصاص» من «القتلة». على موقع «فيس بوك» دوى اسم خالد، باعتباره «شهيد الطوارئ»، كان النشطاء والمستخدمون العاديون يتعرفون على ملامح شاب سكندرى وسيم، حاول كشف جريمة نظام، فكان عقابه الموت ضرباً، وتشويه السمعة فى «إعلام النظام»، إلا أن نشطاء «فيس بوك» قرروا أن يجعلوا جثمان الشهيد نقطة، ربما، توضع فى آخر سطر التعذيب فى مصر.

بدأت مجموعات عدة على «فيس بوك» تدعو للقصاص من «القتلة»، وتواصل النشطاء مع والدة الشهيد، التى كانت العمود الفقرى لصمود الحملة رغم «تهديدات الداخلية».

وسط زحام الأحداث وتتابعها، كانت صفحة «كلنا خالد سعيد» تضم أعداداً متزايدة على موقع «فيس بوك»، وحسب موسوعة «ويكيبديا» انضم لـ«كلنا خالد سعيد»، ٤٠٠٠ مشترك بعد أقل من ساعة على تأسيسها، ليصل عدد المشتركين إلى أكثر من ١٨٤ ألف مشترك بعد ١٠ أيام من إنشاء الصفحة.

لم يكن خالد سعيد، شهيد تعذيب عاديا، فالشاب السكندرى، تحول إلى «رمز» لجيل رفض أن يموت فى أقسام الشرطة، وقرر أن يذهب لأبعد مدى فى احتجاجه على «التوحش الأمنى»، وبعد ٤ أشهر تقريباً من إنشاء الجروب، كان عدد المشاركين فيه قد تجاوز حاجز ٣٠٠ ألف مشترك، مع تزايد أعداد المشاركين فى «كلنا خالد سعيد» تحولت الصفحة لمنتدى سياسى معظم أعضائه من الشباب.

«مستنى إيه.. سيب الصفحة وانزل»، كانت هذه هى «الصيحة» الرئيسية التى رددها مشرف- وربما مشرفو- صفحة «كلنا خالد سعيد»، مع اللحظات الأولى لبدء «ثورة الغضب» فى ٢٥ يناير.

كانت ثورة الغضب حدثاً استثنائياً ليس فقط لمن راقبها، لكن لمن أطلقوها أيضاً، فعبر كلمات قصيرة على «status» كانت صفحة «كلنا خالد سعيد» تنقل كل شىء، أماكن المظاهرات، خط سير الاحتجاجات، الخطط البديلة، وحتى وسائل «مكافحة القمع» كما كتب مشرف المجموعة.

من «فيس بوك» انطلقت الثورة، التى حشدت وراءها الملايين فى القاهرة والمحافظات، وعلى صفحة «كلنا خالد سعيد» ظهرت نكتة تلخص «الحدوتة المصرية». تقول النكتة: بعد أن توفى الرئيس مبارك، صعد للسماء فقابل عبدالناصر والسادات، وسألاه: «إيه الأخبار.. سم ولا منصة؟» فأجابهم بحسرة: «فيس بوك».

أحمد محجوب

المصرى اليوم

٨ حركات سياسية أطلقت الشرارة الأولى للثورة

خرج مئات الآلاف من شباب مصر إلى الشوارع والميادين فى ثورة «٢٥ يناير» مدفوعين برغبة ملحة فى التغيير واستعادة الحقوق المسلوبة وضمان مستقبل أفضل للوطن، وإن كانت أيام الثورة الـ«١٨» شهدت خروج المصريين إلى الشوارع والميادين بالملايين، للهدف نفسه، فلا شك أن هناك مقدمات مهدت الأرض لهذه الثورة الكبيرة، ومن ضمن المقدمات الدعوة التى أطلقتها بعض الحركات الاحتجاجية للتغيير، التى كانت حاضرة فى قلب ميدان التحرير كل أيام الثورة.

وفيما يلى سيرة الحركات التى شاركت فى انتفاضة التغيير.

«شباب ٦ أبريل»

المنسق العام: أحمد ماهر

تاريخ نشأتها: ٦ أبريل ٢٠٠٨

سبب ظهورها: تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأهم مطالبها: التحول الديمقراطى وتحقيق العدالة والتنمية

موقفها من الثورة: أولى الحركات الداعية لها فى ديسمبر ٢٠١٠

مطالبها بعد الثورة: تنفيذ شعارات الثورة، تطهير البلاد وإقالة الحكومة الحالية وتشكيل مجلس رئاسى

الاتجاه السياسى: ليبرالى

«شباب من أجل العدالة والحرية»

المنسق العام: محمد عواد

تاريخ نشأتها: أبريل ٢٠١٠

سبب ظهورها: موجة الاحتجاج الشعبى والسياسى بعد مقتل خالد سعيد

أهم مطالبها: إسقاط النظام بالكامل

عدد الأعضاء: المئات

موقفها من الثورة: من الحركات الداعية لاحتجاجات ٢٥ يناير ووجهت الدعوة فى أول يناير الماضى

مطالبها بعد الثورة: الحرية والعدالة والدولة المدنية

الاتجاه السياسى: تتبنى الأفكار اليسارية المتشددة

«الجبهة الحرة للتغيير السلمى»

المنسق العام: عصام الشريف

تاريخ نشأتها: ١٠ سبتمبر ٢٠١٠

سبب ظهورها: الاحتقان السياسى والطائفى وتردى الأوضاع الاقتصادية

أهم مطالبها: تداول السلطة وضرورة التغيير السلمى

عدد الأعضاء: ٥ آلاف

موقفها من الثورة: أصدرت بياناً فى ٥ يناير بعنوان «التغيير أو الرحيل»

مطالبها بعد الثورة: إقالة حكومة شفيق

الاتجاه السياسى: ليبرالى

«حملة دعم البرادعى»

المنسق العام: مصطفى النجار

تاريخ نشأتها: ١٨ فبراير ٢٠١٠

سبب ظهورها: عودة محمد البرادعى المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مصر، ودعم ترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية

أهم مطالبها: تغيير النظام وتطهير البلاد

عدد الأعضاء: ٢٧٨ ألفاً

موقفها من الثورة: أصدرت بياناً فى ١٣ يناير دعت فيه إلى الاحتجاج

مطالبها بعد الثورة: رحيل بقايا نظام الرئيس السابق وإجراء انتخابات نزيهة

الاتجاه السياسى: ليبرالى

«حملة دعم حمدين صباحى»

المنسق العام: حسام مؤنس

تاريخ نشأتها: منذ عام

سبب ظهورها: الدعوة لانتخاب حمدين صباحى رئيساً للجمهورية

أهم مطالبها: الكرامة والحرية والعدالة ومدنية الدولة

عدد الأعضاء: ١٠ آلاف

موقفها من الثورة: دعت إلى الاحتجاجات وشاركت فيها بقوة

مطالبها بعد الثورة: العدالة الاجتماعية واستعادة دور مصر القومى

الاتجاه السياسى: ناصرى

«كلنا خالد سعيد»

المنسق العام: عبدالرحمن منصور

تاريخ نشأتها: يونيو ٢٠١٠

سبب ظهورها: مقتل خالد سعيد

أهم مطالبها: وقف التعذيب فى أقسام الشرطة وتحقيق العدالة والمساواة

عدد الأعضاء: ٧٥٠ ألفاً

موقفها من الثورة: أولى الحركات الداعية للاحتجاجات

مطالبها بعد الثورة: تطهير البلاد من نظام الرئيس السابق

الاتجاه السياسى: توجهات مختلفة

«كفاية»

المنسق العام: مجدى حسين

تاريخ نشأتها: ٢٠٠٤

سبب ظهورها: المطالبة برحيل نظام مبارك وحزبه الحاكم وإجراء تغيير سلمى للسلطة

أهم مطالبها: الحرية والعدالة ونزاهة الانتخابات وعدم احتكار السلطة

عدد الأعضاء: غير محدد

موقفها من الثورة: رحبت بالدعوة ودعت لاستمرار الاحتجاج والعصيان المدنى العام

مطالبها بعد الثورة: تطبيق مبدأ المواطنة

الاتجاه السياسى: توجهات مختلفة

«شباب حزب الجبهة»

المنسق العام: شهاب عبدالمجيد

تاريخ نشأتها: منتصف عام ٢٠٠٦

سبب ظهورها: المطالبة بالحرية والعدالة ومدنية الدولة

أهم مطالبها: حرية إنشاء الأحزاب وإطلاق الصحف

موقفها من الثورة: شاركت بقوة من خلال غرفة عمليات بإشراف رئيس الحزب أسامة الغزالى حرب

مطالبها بعد الثورة: إقالة أحمد شفيق ووزير الخارجية

الاتجاه السياسى: ليبرالى

محسن سميكة

المصرى اليوم