Monday, May 30, 2011

هويدا طه تكتب: الإخوان والمجلس والطريق إلى يوليو 2011

جمعة الغضب الثانية يوم 27 مايو كانت نقطة فاصلة بين مرحلتين في مسار ثورة 25 يناير، فقبلها كانت هناك "مسلمات".. تنتقل بالتواتر وليس بقياس علمي دقيق، وبعدها وُضعت تلك المسلمات في حيز التساؤل والاختبار.. إذن لم تعد "مسلمات"بل (مسائل)،على رأسها: سلطة المجلس العسكري، ونفوذ جماعة الإخوان المسلمين

أولا: المجلس العسكري

في رسالته يوم الخميس رفع المجلس يده عن (حماية المتظاهرين) بانسحابه من ميدان التحرير وميادين المدن الأخرى، الرسالة حملت- بصراحة- تهديدا للمتظاهرين وتفويضا للمجرمين! لكن الثوار الرائعين الذين واجهوا جبروت مبارك والعادلي يوم 25 يناير ردوا عليه في صفحته الرسمية برسالة على شاكلة رسالته قالوا فيها بخفة ظل وثقة وتحد ووعي (الحامي ربنا يارجالة)! وقد كان!..

** نظم شبابنا الصغار سناً الكبار همةً يومهم.. قد لا يدركون الآن حجم الخدمة الجليلة التي قدموها لمصر بهذا اليوم.. فقد كشفوا العديد من أقنعة الزيف في مصر، أولها بطرح سؤال واضح وبسيط: لماذا يناقض المجلس العسكري نفسه؟ ألم يعلن منذ انضمامه للشعب في ثورته أنه ملتزم (بواجبه في حماية حق المصريين المشروع في التعبير عن رأيهم)؟ لماذا الآن يقول لهم (مليش دعوة؟!) أي مصريين كان يقصد ياترى بهذا الوعد؟! لماذا هدد المجلس شبابنا بل الشعب كله بأنه سيلقي بهم (فريسة) لهجوم (توهمه أو أوحى به) تخويفا وترهيبا؟ ففي الأيام السابقة مباشرة ليوم الجمعة ظلت الأخبار تتوالى بعضها من المجلس مباشرة وبعضها تخديما على رسالته (غير المقبولة).. عن هجوم محتمل لآلاف البلطجية على الميدان.. وعشرات من سيارات الإسعاف تستعد.. وتركيز لحماية المنشآت.. وغيرها من (إيحاءات) بمجزرة وفوضى عارمة ستحدث إن.. إن ماذا؟ إن (تمردتم) على (انفراد) المجلس بالحكم والقرار! هل يفهم من هذا التكثيف ضد شباب جمعة الغضب الثانية غير هذا؟ حسنا.. جاء اليوم بأشد ما تكون الأيام تحضرا ورقيا ونظاما.. أو بتعبير الكاتب الجميل وائل قنديل (غاب الإخوان والعسكر وحضر ضمير مصر).. لم ينفع إذن تهديد المجلس للشباب ومن خلفه الشعب.. فكانت نقطة تقدم للشباب ونقطة تراجع للمجلس.. الذي يصر على الانفراد بالقرار واستبدال وعده (تنفيذ مطالب الشعب) بفعل آخر هو (الوصاية على الشعب)،

** هذه الوصاية من المجلس عبر عنها اللواء ممدوح شاهين في مكالمته الشهيرة لتليفزيون (أون تي في) حين غضب من وصف المظاهرة بكلمة (حاشدة) وقال إن الاستفتاء كان استفتاءً على شرعية المجلس! وقال نحن لا نستجيب للضغط! إذن على الشعب أن يفهم من رسالة سيادة اللواء أن المجلس بعدم استجابته للضغط سوف (ينفذ اللي في دماغه)! فماذا يا ترى في دماغ المجلس؟!

** لا قراءة للنوايا هنا إنما قراءة للظاهر من السلوك.. أولا: المجلس رأى أن من حقه الالتفاف على نتيجة الاستفتاء فأسقطه واستبدله بإعلان دستوري لم يستفت عليه..ثم أنكر على أي قوة أخرى الحق في أن ترفض هذا الالتفاف وتطالب بإعادة النظر! إعادة النظر إما في الاستفتاء نفسه وقد شابه ما شابه من نواقص أو إعادة النظر في التفاف المجلس ومناصريه على الاستفتاء المعيب! المطلوب هو الخرس التام إذن وليفعل المجلس (الوصي على العرش) ما يشاء! هذه ليست إلا.. وصاية!

ثانيا: المجلس يصر على إصدار قوانين تصب كلها في غير صالح (عموم الشعب) ولا يستفيد منها إلا فئة وحيدة لا تعبر عن كل الشعب ولا عن مصر التي عرفها التاريخ.. من تلك القوانين التي لم يؤخذ فيها رأي أي قوة سياسية في البلاد ولم تعرض لنقاش مجتمعي بشأنها.. قوانين مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات وتصويت المصريين في الخارج وتجريم الاعتصام والتظاهر وقانون مصالحة رجال الأعمال (أو تدليلهم) وغيرها كثير من قوانين يؤسفنا حقا أنها كلها- وهذا باد للعيان- ضد عموم الشعب! ومع هذا يغضب المجلس عندما يعبر أحد عن استنكاره لهذا الإهمال المتعمد لمطالب الشعب.. بل ويحاكم بعض المنتقدين عسكريا ويلقي بهم في السجون.. بينما هو- المجلس- وكذلك الجميع يعرف بداهة أن انتقاد سلوك المجلس لا يعني انتقادا للجيش الذي يحبه المصريون ويحترمونه! الخلط المتعسف بين الجيش والمجلس هو بصراحة إرهاب لمن ينتقد المجلس، وتلك وصاية.. غير مقبولة!

** ولعل غضب المجلس من جمعة الغضب الثانية جاء لسبب آخر كذلك إضافة إلى استنكاره أن (يتمرد) الشباب على سلوكه المنفرد بالقرار، غضب المجلس بسبب(فشل توقعاته) وتوقعات أعوانه! فقد توقعوا أن إرهابهم للشعب بالحديث عن مجازر سوف تقع في الميدان أو عن كفار سوف يتظاهرون بالميدان.. سوف يقلل حجم المظاهرات إلى الدرجة التي تقر لهم إلى غير رجعة (الانفراد) بتخطيط المستقبل.. فإذا بحشود الشعب في معظم المدن تفاجئهم.. وتفاجئ أعوانهم! فغضبوا!

** أصبحت تلك الحشود إذن قوة ذات وزن تواجه المجلس بأهم تساؤل بينه وبينهم: لماذا كل تلك الحماية للمخلوع وأسرته ورجاله؟ لماذا كل هذا التباطؤ المستفز؟ لماذا يتعالى المجلس على الرد على اتهامات من هنا وهناك تقول- وأحيانا بمستندات كما ذكر بلال فضل في أحد مقالاته-إن تجميد أموال مبارك وعائلته لم يتم على خلاف ما أعلن، بل وفي الميدان تساءلت الناس هل مبارك فعلا موجود في مصر؟! هل العادلي وجمال وعلاء محبوسون فعلا؟ وكيف نتأكد؟.. نحن لم نر ولا صورة واحدة لأي منهم في محبس أو في قفص! لماذا لا يسمحون بتصوير هؤلاء الناس في المحاكم؟ هل مازال هناك درجة ما من الولاء لهم؟ إذا كان هناك درجة من الولاء أو الحماية لهم فهذا ببساطة.. خطر على الشعب وحقوقه!

** ثم هذا التآلف والود الواضح بين المجلس وفئة واحدة من الشعب هي جماعة "الإخوان المسلمون".. لماذا يأتي دائما على حساب (عموم الشعب المصري)؟!.. بل ما نوع ذلك (التوافق) بينهما؟ يحق للمصريين السؤال ويجب على المجلس بحكم وجود السلطة بين يديه أن يجيب.. المجلس ليس أعلى من الشعب.. بل الشعب هو من وضع المجلس هناك.. مجرد تذكير.. ذكر لعل الذكرى تنفع!

** السؤال الأكثر الحاحا الآن.. هل استمع المجلس لهذه التساؤلات؟ هل وصلته؟ إذا وصلته ولم يهتم ولم يبادر ليثبت العكس فهو إذن مازال محل تساؤل.. وإذا لم تصله.. فالحشود التي أغضبته يوم جمعة الغضب الثانية سوف تتضاعف في المرات القادمة! والأيام بيننا!

ثانيا: الإخوان المسلمون

** الحديث عن الجماعة هنا هو حديث باعتبارها قوة سياسية، أما دورها الثقافي فمجاله مقال آخر، أبرز ما يلاحظ عن علاقة الجماعة بالمجلس العسكري هو ذلك التحالف ضد رغبات (عموم الشعب المصري)! تحالف يستدعي في ذاكرة المصريين العودة إلى الوراء تسع وخمسين سنة! إلى عام 1952 حين قام تنظيم الضباط الأحرار بانقلاب عسكري.. وكان ضمن الضباط الأحرار بعض الإخوان المسلمين إلى جانب آخرين شيوعيين وليبراليين وغيرهم من تيارات سياسية في ذلك الزمان، بدأت العلاقة حميمة بين الإخوان و(مجلس) قيادة الثورة! ثم جاء حادث المنشية الذي انقلب فيه الإخوان على المجلس فقلب المجلس عليهم طاولة الحكم وبدأ العداء المبين بين الإخوان وثورة يوليو والذي استمر حتى 24 يناير! نعود الآن إلى الحاضر..

** في رأي الكثيرين لا يريد الإخوان قلب الطاولة عليهم ولا يريد المجلس حادث منشية جديدا! وكلاهما على الأقل كما استشعر كثير من المصريين يريد (تطويع الثورة) لصالحه.. لكن كل منهما لا يستطيع ذلك منفردا ويريد معينا على ذلك.. أمام شعب قام بثورة ثبت منها بما لا يدع مجالا للشك أنه في عمومه شعب واعٍ يصعب على قوة منفردة.. خداعه! المجلس اعتقد منذ اللحظة الأولى أن الجماعة (تمتلك ناصية الشارع) وهذا هو الوهم الذي (عاشت عليه) الجماعة سنينا! حتى صدقها خصومها وصدقها كذلك.. المجلس! والجماعة اعتقدت أنها لن تلدغ من ذات الجحر مرتين وبالتالي لن تعادي المجلس حتى تجني كل ما تستطيعه من مكاسب! فبدأ (الغزل) بينهما على عينك ياتاجر وعلى مرأى من الشعب وسمعه! أول مظاهر (الغزل) بين المجلس والإخوان كانت لجنة التعديلات الدستورية! التي كانت سلطة اختيارها بيد المجلس فاختار لجنة جاءت إخوانية بامتياز! تلك كانت البينة الأولى! ثم صمت الإخوان على التفاف المجلس على نتيجة الاستفتاء عندما اسقطه فعليا بإصداره إعلانا دستوريا لا يمت بصلة للاستفتاء! ثم سموا الأشياء بنقيضها وإياكم والاعتراض.. فسموا (تجاهلهم) لإرادة الشعب (خضوعا) لإرادة الشعب! ويستمر التحالف بينهما.. فيصدر المجلس قوانين لا يستفيد منها إلا الإخوان أو الأثرياء! فيروج لها الإخوان.. الأثرياء! بينما هي قوانين لا تقابل ولو في منتصف الطريق المطالب الاجتماعية لشعب قام بثورة من أجل العدالة الاجتماعيةوليس من أجل تحسين وضع جماعة الإخوان! قوانين تمهد الطريق لتقاسم السلطة بينهماإلا إذا.. إلا إذا طمع أحدهما في أكثر مما يعنيه منطق التقاسم! وحينها لا قدر الله ربما نشهد نسخة 2011 من.. حادث المنشية!

** جاءت جمعة الغضب الثانية فاصلة بحق حيث عبرت عن (حرب إثبات القوة في الشارع) بين الإخوان الذين ظلوا يتحدثون عقودا وبغطرسة متناهية عن (ملكيتهم التامة للشارع).. وبين القوى السياسية الليبرالية واليسارية الأخرى التي كانت حتى دعوتها الشجاعة لذلك اليوم خائفة من وهم ملكية الجماعة للشارع.. قامرت تلك القوى وقاطرتها شباب يرفض (الدخول في بيت طاعة المرشد واللواء) وحشدت ليوم الجمعة، وأذكركم أنه حتى منتصف الليل يوم الخميس كانت قيادات الإخوان تظهر في القنوات المختلفة مبدية سخرية من الشباب بل وأحدهم قال (لنرى من سيؤازركم)! ووزعت الجماعة بيانا بعنوان (جمعة الوقيعة) ظهر فيه النفاق للمجلس بأقصى ما يكون النفاق! وحذرت وتوعدت بتكفير وتخوين من يشارك في تلك الجمعة.. كانوا جميعا على يقين حتى ذلك اليوم أن الشعب المصري هو (قطيع) عصا قيادته في أيديهم! ثم جاءت الجمعة الفاصلة، وفي الإسكندرية(معقل الإخوان!) كانت الناس تردد في هدير بالغ هتاف:"لا سلفية ولا إخوان ثورتنا ثورة إنسان"، كم كانوا بلغاء في هتافهم هؤلاء الشباب! وبعد ذلك اليوم الذي أعاد الثقة بالنفس إلى شباب رفض أن يكون قطيعا يسوقه المرشد واللواء.. حتما ستكون هناك إعادة تقسيم للقوى.. لكن المدهش حقا كان موقف الإخوان الغاضب إلى درجة الهيجان من نجاح الشباب بدون قوتهم المزعومة.. كان يشبه تماما موقف الحزب الوطني المقبور وذيوله! إنكارٌ فإنكارٌ فإنكار!

** ولم يكن يوم الجمعة الفاصلة تلك كاشفا فقط لقوة الإخوان السياسية في الشارع.. بل كشف أمام المجتمع المصري مدى فاشية تلك الجماعة.. والحق يقال أنهم هم بأنفسهم قدموا لمصر خدمة جليلة بالعمل على كشف عنجهيتهم وعقليتهم المستبدة الإقصائية.. فجندوا خير من يمثلهم (ويمثل بهم!) في ذلك المجال.. الأستاذ صبحي صالح! فمهما حاول المناوئون للجماعة كشف سلبيات تلك الجماعة أمام المجتمع لم يكن لينجح أحدهم بمثلما نجح ممثلهم العظيم في هذا! فهذا الرجل تطاول على فتيات مصر ونساءها (غير الأخوانيات أو الأخوات) ووصفهن بأنهن في (مرتبة أدنى) من الإخوانيات اللاتي رباهن سيادته في حظيرة الجماعة! ثم حاول التخفيف فاعتذر، ثم حاول التراجع عن الاعتذار فقال إنه كان (بيهزر!) ثم توج فعلته في برنامج العاشرة مساء حين وصف فتيات ونساء مصر غير الإخوانيات بأنهن.. بنات رصيف! هذا الرجل كان ضمن من اختارهم المجلس للجنة التعديلات الدستورية! وهو ما جعل البعض بعد ان استمع إليه يقول ضاحكا (يافضيحتك يا مجلس!)، وغير تلك الحادثة أظهر نفاق الجماعة للمجلس العسكري (عمال على بطال) أمام عموم الناس- حتى من كانوا يتعاطفون معهم أيام (ذريعة الاضطهاد)- كم هم منافقون وانتهازيون يخططون للاستحواذ على مصر عن بكرة أبيها!

** لكن المجتمع المصري ليس غبيا! هل سمع أحدكم عن قيام الإخوان بتنظيم إضراب عمالي واحد مثلا على مدار ثمانين عاما هي عمر الجماعة؟! هل سمع أحدكم أياً من قادة الإخوان الأثرياء يتحدث عن (عدالة اجتماعية) أو (إنصاف الفقراء) أو حقوق المرأة أو حقوق الإنسان أيا كان؟! لطالما كان هؤلاء الناس يتحدثون عن جماعتهم وحقوق جماعتهم واضطهاد جماعتهم وكأنهم دولة داخل الدولة.. كذلك لا يُعرف الكثير عن مصادر تمويل هذه الجماعة التي تنفق الملايين، إنهم لا يختلفون عن الحزب الوطني المقبور في شيء سوى أنهم أشد بأسا وقسوة على الفقراء في برنامجهم ورؤيتهم للدولة القادمة! الفقير حقه عندهم (الإحسان من الأغنياء) وليس (تعديل ميزان الثروة) بين المواطنين! قد يثور سؤال إذن لماذا يتبعهم آلاف المصريين ويتعاطفون معهم وخاصة الفقراء؟! ذلك أنهم أيها السادة يشهرون سيف الدين في وجه كل مُطالب بدولة للجميع! ذلك أنهم أيها السادة يتسلحون بأداة استحلاب العواطف الدينية لدى الناس! ذلك أنهم كانوا يتاجرون باضطهاد خصمهم القديم لهم الذي كانوا يصارعونه على السلطة! ولعلكم شاهدتم الأستاذ صبحي صالح وهو يصرخ محمر الوجه منتفخ الأوداج في مؤتمر العباسية الشهير قائلا:"لن نسمح لأي قوة أن تحرمنا من (ثمرة الثورة) نحن الذين اضطهدنا لن نسمح لن نسمح"! لكن هل يستمر تعاطف المصريين معهم بعد أن (تكالبوا) على الثورة والمجلس بهذا الشكل المكشوف؟ أحد الشباب علق على افتتاحهم لمقرهم الفخم في المقطم قائلا: هذا المبنى سيحرقه المصريون في ثورتهم القادمة! المصريون إن آجلا أو عاجلا وأظنه قريبا سوف ينحازون لمن يطالب لهم بالعدالة والكرامة والإنصاف والنصيب العادل في ثروات البلاد في الدنيا.. وإلا لماذا احتشدوا يوم جمعة الغضب الثانية رغم ضغط الإخوان في اتجاه تكفير كل من يشارك فيها؟!

** تذكروا أن ثورة 25 يناير عندما نودي إليها فإن الإخوان لم يكتفوا بإعلان رفضهم المشاركة فيها بل عرضوا على نظام مبارك المساعدة حتى لا تقوم الثورة! وهذا كله موثق والإخوان وُدهم لو أخفوا تلك الوثائق الآن لكن أنى لهم أن يستطيعوا ذلك! وعندما بدأت تباشير النجاح للثورة قفز عليها الإخوان قفزا وصوليا إلى أقصى درجة.. حتى أن الدكتور عصام العريان وفي استخفاف بعقول الناس قال إن الإخوان كانوا يجهزون للثورة منذ عام 2004! مع أنه هو نفسه صاحب التصريح الشهير يوم 24 يناير بقرارهم عدم المشاركة! وبالطبع كل قادة الإخوان الذين فتحت لهم كل أبواق الإعلام المنافق بدوره كذلك راحوا يشهرون على الملأ ملكيتهم للثورة وهم على يقين مغرور بأن ذلك لن يستفز أحدا وأن (الوضع مستتب لهم)! لكن ورغم رفض موقف الجماعة وقادتها لا ينبغي أن ننكر دور شباب الإخوان في تلك الثورة.. فهم شباب مصريون وطنيون ورائعون رفضوا الانصياع لأوامر المرشد واجبة الطاعة في عرفهم.. وشاركوا في الثورة بأحلامهم لمستقبل أفضل وشاركوا مع الآخرين بالدم حتى تنجح تلك الثورة، هؤلاء الشباب من حقهم أن يكونوا متدينينوهذا جق بديهي ولكن من حقهم ايضا الحلم (بتطهير الجماعة) من قادة لا يهمهم الوطن بقدر ما يهمهم دولة الجماعة! نفس هؤلاء الشباب حينما استجابوا لنداء الوطن وشاركوا في جمعة الغضب الثانية.. رغم أنف قادة الجماعة الذين حذروهم بل حذروا الشعب كله من المشاركة ورفعوا في وجهه سيف التكفير.. هؤلاء الشباب حنق عليهم القادة ففصلوا بعضهم من جنة الجماعة وأعلنوا أن الجماعة ليس لها ممثلون في الائتلاف الذي نظم تلك الجمعة! بدا ذلك (عينة) مما يمكن أن يفعلوه مع (المواطن) إذا كانت سلطة حكم البلاد في أيديهم! فتلك الجماعة كما أن مصطلح العدالة الإجتماعية (مكروه) في قاموسهم كذلك مصطلح الثورة لا يروقهم! لأن الثورة تعني أن هناك مطالب تطالب بها (جموع الشعب) وهم لا يريدون تحقيق مطالب تلك الجموع إنما يريدون تحقيق مطالبهم هم مطالب الجماعة ولو على حساب تلك الجموع!

** ما الخلاصة إذن من هذا الاستعراض لجزء من مسلسل (انكشاف الجماعة) وسقوط قناع تقواها أمام المجتمع؟ الخلاصة أن هناك الآن قوتين تسلبان حق الشعب المصري في التعبير عن رأيه وحقه في الاختيار وحقه في العدالة.. إحداهما قوة انتهازية كما هو معلوم من تاريخها ولا رجاء فيها هي قوة جماعة الإخوان والأخرى هي قوة المجلس العسكري.. وتلك الأخيرة قوة فيها الكثير من الرجاء رغم كل ما بدر منها! فإذا التمسنا للمجلس العذر في تخبطه في المرحلة الأولى فإننا وبعد جمعة الغضب الثانية.. نأمل منه أن يدرك أن هناك داخل حدود مصر شعب كامل عريق يعيش هنا وليس جماعة! وأنه مازال بيده استثمار حب الشعب للجيش من أجل صالح (عموم الشعب) والتراجع عن ميله الذي لا تخطئه عين لجماعة لا تمثل عموم الشعب المصري.. ونقترح عليه إعادة النظر في كل ما اتخذ من تدابير سابقة والاستماع إلى صوت الشعب.. صوت الشعب يا مجلس مازال يقول (الجيش والشعب إيد واحدة) وليس المجلس والجماعة إيد واحدة! أما تهديد الجماعة بأنها (لن تسمح بحرمانها من ثمرة الثورة) فهو تهديد نمر من ورق! الشعب ببساطة سيقف وراء من يحمي مصالحه وليس وراء من يحمي مصالح جماعته! والشعب يريد العدالة! يريد مساندتك يا مجلس ضد خصومه من الانتهازيين ومصاصي الدماء وليس تحالفك معهم!

** نقترح على المجلس إذن ومن واقع ما نسمع من (عموم الشعب) فك هذا الارتباط! والتعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها إحدى القوى السياسية الموجودة في الشارع المصري، والإعلان عن تكوين جمعية تضم (كافة) القوى السياسية الصغيرة منها والكبيرة لوضع دستور جديد للبلاد.. تضم الجمعية ممثلين ليس عن القوى السياسية فقط ولكن عن النقابات والهيئات والاتحاداتوالأدباء والمثقفين والإعلاميين والمهنيين وحتى الأزهر والكنيسة.. ويرأسها كبار فقهاء الدستور الذين تشرف بهم بلادنا.. ويوضع دستور جديد أو تناقش الدساتير التي وضعت أصلا ولم يعرها النظام السابق أي اهتمام.. تناقش كل مادة فيه على حدة أمام الشعب وفي جميع وسائل الإعلام، ثم يطرح الدستور الجديد لاستفتاء عام بعد أن يهضمه جيدا الرأي العام بمختلف مستوياته الثقافية، تليه انتخابات برلمانية ثم رئاسية حسب القواعد التي أقرها الدستور الجديد.. وليس عيبا أن يتراجع المجلس فهذا هو الخضوع الحقيقي لإرادة الشعب.. إن كان هناك أصلا ثمة اكتراث بها..

الجماعة

** بهذا يستجيب المجلس لرغبات عموم الشعب بدون إقصاء لأي من قواه بما فيها الإخوان وغيرهم من التيارات الدينية والسياسية.. وتتحقق العدالة لهذا الشعب الذي مازال يتطلع بأمل إلى مجلسه الأعلى حتى وهو يكظم غيظه من استعلاءه المستفز..وكتمهيد لهذا التغيير في أسلوب المجلس عليه أن يتودد إلى الشعب بالسماح بتصوير جلسات المحاكمة لكل مجرمي النظام السابق بمن فيهم ال

مخلوع وأسرته.. مبارك ليس أغلى من الشعب المصري.. هذا فقط للتذكير..

** أما إذا استمر المجلس لا يرى إلا تلك على حساب الشعب المصري فإن المستقبل لا يبشر بخير.. فإما الشعب ينفذ صبره ويغضب غضبا أشد في الأيام المقبلة بسبب هذا الغياب العمدي للعدالة.. وإما توغل الجماعة في غيها وتطمع في المزيد فيفيق المجلس على عدم قدرته مسايرة اطماعها فتجد مصر نفسها أمام سيناريو قديم يتجدد ببلاهة! مع الفارق.. كان في يوليو 1954 رجل مثل عبد الناصر! وفي جميع الأحوال ستدفع مصر الثمن غاليا! فلماذا يا مجلس نعرض مصر وشبابها الرائع لهذا المصير؟ لديك مازال الوقت.. فاسمع للشعب.. وتذكر هتاف الشباب في ساحات المدن المصرية.. فهو رسالة إليك بأكثر منه هتاف في مظاهرة.. "لاسلفية ولا إخوان.. ثورتنا ثورة إنسان

الدستور الأصلى

Thursday, May 26, 2011


بيان الائتلاف بخصوص جمعة القضاء على الفساد

السياسي


لقد قام شعبنا العظيم بثورة الـ 25 من يناير ودفع ثمناً غالياً لها من دمائه وأرواحه

التي لولاها لم يكن ليطاح بنظام مبارك وعائلته.إن الشعب الذي قطع من أوصاله

واقتطع من قوته وموارده واقتصاده ليحيا حراً كريماً يحكم نفسه بنفسه ويشارك

في صناعة قرارته، لن يقبل أن تفرض عليه قوانين لم يناقش فيها، ولن يصبر على

أذيال النظام السابق التي تلعب بمقدرات البلاد و أقوات العباد، ولن يقبل بالتخويف

من إدعاءات انهيار الاقتصاد والتباطؤ في استعادة الأمن رغبة في ايقاف الثورة عند

هذا الحد وتمهيدا لخروج فلول النظام السابق من جحورها واستعادتها لممارساتها

القديمة.إن ما يربو عن الألف بيت في مصر لم تزل متشحة بالسواد حداداً على

شهداء الوطن لن تجد عزائها الا في اكفان قاتليهم اللذين لم يدانو بعد.ثورتنا لم

تكتمل بعد ..... فلم يزل الآلاف من ثوار 25 يناير ممن حكمت عليهم المحاكم

العسكرية قبل وبعد التنحي خلف القضبان أو بحكم بايقاف التنفيذ يلطخ صحائفهم

الجنائية!!ثورتنا لم تكتمل بعد.... حتى تحتاج الى ثورة غضب ثانية!!ثورتنا لم تكتمل

بعد.... لذا سنطالب باستكمال مطالبها.ثورتنا لم تكتمل بعد ..... ومازالت مطالب

"جمعة القضاء على الفساد السياسي" معبرة عن مطالب شريحة عريضة من

الشارع.- ائتلافنا لن يخون ثائر، أو يحجر على حقه في التعبير عن رأيه حتى لو

اختلف معه، وهو أو غيره لا يمتلك هذا الحق من الاساس، فكلنا راشدون وكلنا

يتحمل مسئولية قراره.- ائتلافنا لم ولن يدع ِ أنه يعبر عن جموع الشعب المصري بل

يعبر عن أعضاءه ومجموعاته ومن توافق معه من الجماهير على هذا الرأي حتى لو

زعم أي طرف غير ذلك ولكنه في نفس الوقت يرحب بالنقد .- ائتلافنا مطالبه

وغرضه واضح في دعوته للتظاهر في "جمعة القضاء على الفساد السياسي"،

واختلاف أهداف الجهات الداعية للتظاهر لا ينفي اتفاقها على استكمال مطالب

الثورة.- ائتلافنا دعوته لجمعة القضاء على الفساد السياسي واضحة ومحددة:-

ائتلافنا يؤكد على حق الجميع في توجيه النقد للمجلس العسكري فيما يصدره من

قرارات ولإدارته المنفردة للفترة الانتقالية ولكن في نفس الوقت يرفض وجود صدام

مع أفراد الجيش .يدعوكم ائتلاف شباب الثورة الى تظاهرة جماهيرية حاشدة

بميدان التحرير بالقاهرة، وبالميادين الرئيسية في المحافظات يوم الجمعة 27 مايو

2011 " جمعة القضاء علي الفساد السياسي"، وذلك لتحقيق المطالب التالية:1.

تسريع وتيرة محاكمات رموز النظام السابق والفاسدين بطريقة أكثر فعالية،

وتسريع عملية جمع التحريات والأدلة عنهم. 2. علنية محاكمات رموز النظام السابق

والفاسدين، وفرض سيادة القانون على الجميع، ومنع محاكمة المدنيين أمام

المحاكم العسكرية. 3. وضع قانون للفساد السياسي يسمح بمحاكمة أفراد الحزب

الوطني ممن افسدوا الحياة السياسية في الفترة السابقة، ومنعهم من الترشح

في الانتخابات لخمس سنوات مقبلة. 4. اعادة النظر في حركة المحافظين، واقالة

رؤساء الجامعات والوزراء غير الفاعلين في الحكومة، وحل المجالس المحلية. 5.

استعادة الأمن في الشارع، وتطهير جهاز الشرطة من القيادات الفاسدة، ووقف

أعمال البلطجة في اطار من سيادة القانون واحترام حقوق الانسان، وتحديد مهام

الامن الوطنى وسحب الضبطية القضائية منه. 6. وضع حد اقصى للاجور في

القطاع الحكومي، وتقليص المصروفات غير الضرورية في الموازنة العامة للدولة،

واعادة ترتيب اولويات الانفاق بما يسمح بتحقيق العدالة الاجتماعية، وحل أزمة

السولار وأنابيب الغاز،وتنشيط الحياة الاقتصادية.7. استكمال تطهير كل مؤسسات

الدولة، وخصوصا المؤسسات الاعلامية والقضائية منها. علما بأن التظاهرة ستبدأ

بصلاة الجمعة في ميدان التحرير و ستنتهي في السادسة مساء. مطالبنا واضحة

من أول يوم فإما أن تتحقق...واما أن يرسم من خلفنا علم الوطن باللونين الأبيض

والأحمر، لون الأكفان ولون دماء الشهداء على طريق الحرية


.- تنويه:* المتحدثون

الاعلاميون للائتلاف: زياد العليمي - محمد القصاص - مصطفى شوقي.
إيران ومحنة المثقف العربى

بقلم عماد سيد أحمد ٢٦/ ٥/ ٢٠١١

«أتيح لى أن أقوم بزيارة سريعة إلى طهران بصحبة الأستاذ فهمى هويدى، تلبيةً لدعوة تلقيناها من معهد الدراسات الدولية هناك، للمشاركة فى ندوة بعنوان (الثورات العربية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية)، التى نظمها المعهد التابع لوزارة الخارجية الإيرانية فى ذكرى (النكبة). وعقدنا لقاءات خاصة مع على لاريجانى، رئيس مجلس الشورى، وآخر مع سعيد جاليلى، مستشار الأمن القومى، وثالثاً مع السيد على أكبر صالحى وزير الخارجية، ورابعاً مع السيد رضا شيبانى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط»..

هذا ليس كلامى، ولكن نص ما ذكر أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة، حيث زار هو والكاتب المعروف فهمى هويدى العاصمة الإيرانية خلال الأيام الماضية. وهما من المثقفين المصريين المؤثرين. سواء اتفقت معهما أو اختلفت. وحسب فهمى (فهمى أنا وليس فهمى هويدى) وتقديرى، فهما من أنصار الديمقراطية، وهما من الذين نادوا بالثورة المصرية، ومن المؤمنين بحرية الشعوب.. المفترض ذلك.

ومن هذا المنطلق أجدنى غير قادر على استيعاب مقابلاتهما مع كبار المسؤولين الإيرانيين، ولقاءاتهما مع من يعدون من أركان النظام السياسى القمعى فى طهران، التى انطلقت فيها الثورة قبل تونس وقبل مصر بشهور عديدة، لكنها أخفقت لأن النظام الإيرانى قمعها بشدة وواجه حركات الشباب الإيرانى بالحديد والنار، وقابل الاحتجاجات التى عمت البلاد، آنذاك، بطرق وحشية وبلا رحمة أو هوادة.

كنت أفهم لو أن نافعة وهويدى قابلا عددا من المثقفين الإيرانيين الذين يتعرضون للسجن والملاحقة من قبل الحرس الثورى الإيرانى، الذى هو أشرس وأعنف من السافاجك فى عهد الشاه. وإذا مددنا الخط على استقامته، طبقا للقناعات التى ينطلق منها الرجلان، فمن المفترض أن النظام الإيرانى عدو لكل من يؤمن بالديمقراطية وبحق الشعوب فى العيش الكريم، لأنه نظام قمعى متخلف يقع فى أسوأ خانة وهى الديكتاتورية الدينية.

ليس هذا فحسب، بل إن طهران أظهرت انتهازية شديدة عندما تريد تفصيل الثورات العربية على مقاسها، فترحب بالثورة فى تونس وتصفق لها فى مصر وتنتقدها فى سوريا، وتدفع بها وتدعمها إذا ظهر لها لسان فى البحرين.

وأرجو من الأستاذين هويدى ونافعة أن يشرحا لنا ما قاله السفير الإيرانى فى لبنان: «لا ثورة شعبية فى سوريا ولا إثبات على ذلك كى تقف إيران وتدعمها على غرار ما فعلت فى تونس ومصر». وهل هناك رئيس دولة يقول كلاما مبهما وغامضا ويتحدث بكلام غير مفهوم عندما يسأل عن الثورة السورية غير أحمدى نجاد، الذى لا أرى فرقا بينه وبين القذافى إلا كونه جورباً مقلوباً؟!.. لا أحد يفهم كيف لا يرى الرجلان الحقيقة الساطعة كالشمس، وهى أننا أمام نظام بلغ درجة من القسوة جعلته يقرر إعدام بعض المشاركين فى المظاهرات المناهضة له، حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر، أملا فى وقف الاحتجاجات التى انطلقت شرارتها الأولى فى المنطقة كلها هناك،وحصدنا نحن ثمارها فى تونس والقاهرة. والسؤال: ما الذى يمكن أن يطلبه مثقف عربى من نظام قمعى، تعيش بلاده ربيع الحرية؟ ولماذا نفتش عن حسين سالم فى تل أبيب ولا نفتش عن أنصار الديكتاتورية فى القاهرة؟ أيهما أجدى وأهم؟!

صحيح أن هناك كثيرين فى عالمينا العربى والإسلامى يبررون ديكتاتورية طهران بتحديها بجرأة للغرب والولايات المتحدة، لكن لا شىء يبرر الظلم والتعسف ومعاندة المواطنين. فما فائدة كل هذا، إذا كان الذل والهوان والمعتقلات فى انتظار من تسول له نفسه المجاهرة بالاعتراض.. وكيف يسوغ نظام موصوف بالإسلامى تعذيب المعتقلين بوسائل غير آدمية؟!

لا أرى زيارة هويدى ونافعة أبعد من كونها جزءاً أساسياً من محنة المثقف العربى الذى يقع ضحية لفكرة المؤامرة وللتناقض والازدواجية، ولغيرها من المشاكل التى نعانيها منذ الستينيات، فالنظام الإيرانى لم يكن لديه شىء ليقدمه لأحد، بل هو فى حاجة لمن يقدم له أى شىء، إلا إذا كان الأستاذ هويدى يسعى للحصول على توكيل الدولة الدينية من طهران

المصرى اليوم


مصر بين خطرين

تعتبر المرحلة الانتقالية هى الأصعب فى تاريخ أى بلد ينتقل من الاستبداد إلى الديمقراطية، وهى المرحلة التى يعنى الفشل فيها العودة لنظام شبيه بالنظام الاستبدادى السابق بصورة أفضل قليلا أو أسوأ، فى حين أن النجاح سيعنى الانتقال نحو نظام ديمقراطى يلبى احتياجات المواطنين وطموحاتهم.

والحقيقة أن الثورة المصرية وضعت نفسها على أول طريق النجاح حين أسقطت النظام وحافظت على الدولة، وبدا الحديث عن أنها ثورة ناقصة لأنها لم تهدم الدولة وتحل الجيش والقضاء وباقى المؤسسات خارج أى سياق نجاح، لأنه يضع مصر مع تجارب استثنائية هدمت الدولة ولم تجلب الديمقراطية لشعوبها (نماذج الثورات الفرنسية والشيوعية والإيرانية) فى حين أن كل تجارب التغيير التى شهدها العالم فى أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والبرتغال وإسبانيا وتركيا لم تفكك الدولة إنما أصلحتها وطهرتها من العناصر الفاسدة.

والحقيقة أن مصر اختارت الطريق الصحيح بأن أسقطت النظام ولم تسقط الدولة، ولكنها وقفت فى منتصف الطريق ولم تقم بأى إصلاحات تذكر على أداء مؤسساتها العامة، ولم تقدم الحكومة ولا المجلس الأعلى أى رؤية متماسكة تساعد على عبور المرحلة الانتقالية، ودخلت البلاد فى خطرين من الصعب على حراس المرحلة الانتقالية تحملهما ما لم يتم طرح مشروع سياسى محدد المعالم لتطهير الأمن وأجهزة الإدارة وإعادة بنائها على أسس جديدة.

إن الخطر الأول هو الضغوط غير المحسوبة التى يقوم بها بعض شباب الثورة ضد أداء المجلس العسكرى، معتمدين على تيار واسع فى الشارع وضع سقفاً مرتفعاً لتوقعاته بعد الثورة ولم ير أى تغير يذكر فى معيشته، بل وجد أن بعض رموز النظام السابق مازالوا جزءاً من «الحوار الوطنى»، وبعض ضباط الشرطة المتورطين تطوعاً فى قتل المتظاهرين وتعذيب الناس يُكرّمون فى الإسكندرية، ومازال رؤساء الجامعات الذين أدخلوا البلطجية إلى حرم الجامعة يُدْعون فى الحوارات السياسية فى حين أن المطلوب محاسبتهم على جرائم جنائية وليس فقط سياسية.

والحقيقة أن الضغوط الشعبية من أجل محاسبة رموز النظام السابق ليست خطرا على الثورة فى حد ذاتها بل على العكس يمكن أن تكون فى صالحها فى حال إذا كانت جزءًا من مشروع سياسى قادر على تقديم رؤية لبناء مصر الجديدة وترجمتها إلى واقع يشعر به الناس.

إن المسار الاحتجاجى فى مصر لعب دوراً تاريخياً فى صناعة الثورة لأن مصر كانت تعيش فى ظل نظام استبدادى، أما الآن فإن التعامل مع الاحتجاج وكأننا ما زلنا محكومين بنفس النظام المستبد السابق أمر فى غاية الخطورة لأننا فى الحقيقة نعيش فى ظل «لا نظام» وحالة فراغ سلطة، ونعانى من غياب الرؤية والتخبط والعشوائية.

ومن هنا يصبح الضغط على المجلس الأعلى والحكومة أمراً مشروعاً، بل توجيه رسائل مليونية إلى فلول النظام السابق بأن الشعب مازال مستيقظاً وقادراً على حماية ثورته أمراً أيضا مطلوباً، ولكن الخطر الأكبر هو الضغط بغرض هدم ما هو «ملصم»، وهنا ستكون الكارثة الكبرى لأن الهدم هنا لن يطال نظاماً كما جرى فى السابق، إنما هو هدم ما تبقى من الدولة لصالح الفراغ الكامل والفوضى العارمة، وهذه كارثة حقيقية.

هل يعقل أن يطالب البعض على الـ«فيس بوك» بانتخاب قادة الفرق والكتائب فى الجيش المصرى كدليل على الديمقراطية، وهو أمر لم يحدث فى أى جيش فى العالم من السوفيتى إلى الأمريكى ومن البوروندى إلى الصومالى؟ وهى دعوة هدفها تفكيك العمود الأخير الباقى فى الدولة المصرية التى خرّبها مبارك.

إن التظاهر غدا يجب أن يكون بغرض الضغط على النظام الانتقالى لا إسقاطه، لأن البديل هو الفراغ والفوضى، خاصة أننا لم نمتلك تنظيماً ثورياً أو زعيماً ملهماً على الطريقة الإيرانية أو كوادر مدربة قادرة على أن تحل مكان من فى أيديهم القرار الآن.

إن ضغوط بعض الثوار بغرض هدم ما تبقى من الدولة سيفتح الباب واسعا أمام الخطر الثانى، وهو ضغوط بقايا النظام السابق من أجل الانقضاض على الثورة مدعومين من تيار الاستقرار الذى يشعر بأن ظروفه المعيشية لم تتحسن، ومعظمهم جزء من ٣٠ مليون مواطن بقوا فى بيوتهم أثناء الثورة، خاصة فى الريف وفى كثير من مدن الصعيد، دون أن يعنى ذلك أنهم متخاذلون أو جزء من النظام السابق إنما مثلهم مثل كل تجارب التغيير فى العالم التى كانت الأغلبية الصامتة تنتظر ولا تشارك.

إن قيم «تيار الاستقرار» وطموحاته البسيطة لا تلبيها بالضرورة مطالب شباب الثورة، فبعضهم لا يرتاح إلى انتقال الثورة من التحرير إلى التليفزيون، والبعض الآخر لا يتقبل أن يقود البلاد شباب فى عمر أبنائه، وآخرون يشعرون بأنهم متهمون من قِبَل الشعب بسبب الثوار، خاصة شرفاء الشرطة.

إن الخطر على مصر ليس فى تظاهرات الناس التى هى حق لا يجب التنازل عنه، ولا فى وجود تيار الاستقرار الممتد داخل مؤسسات الدولة وخارجها، إنما فى إحساس كل طرف أن نشاط الطرف الآخر ينتقص من حقوقه ومطالبه، فالثوار ينظرون بريبة لأداء مؤسسات الدولة، ويتظاهرون ضد بطء الإصلاحات، فى حين أن التيار الآخر يرى فى التظاهر تعطيلاً لمصالح البلد، حتى أصبح هناك انقسام فى تعامل الشعب المصرى مع «مليونيات التحرير».

لابد أن نعود إلى قيم الثورة التى يجب ألا يحتكرها أحد، ويجب أن تقدم رسالة طمأنة لكل مواطن مصرى بأن هدف الثورة إصلاح أحوال البلاد والعباد، وعدم الانتقام من أحد، إنما محاكمة صارمة لكل رموز الفساد والاستبداد، والحفاظ على الدولة فى مواجهه الفراغ والفوضى، ورفض تفصيل نظام ديمقراطى على مقاس أى تيار سياسى، فيجب عدم تأجيل الانتخابات عاماً (على الأكثر شهراً أو شهرين) ولابد من وجود مرجعية دستورية تحكم عمل اللجنة التى سينتخبها البرلمان المقبل، وهى خطوة كان يجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة القيام بها بديلا عن الاستفتاء والإعلان الدستورى، وبما أنها لم تحدث فيجب عدم التراجع عن الآلية التى اختارها الشعب إنما دعمها بمجموعة من المواد فوق الدستورية التى تضمن عدم احتكار أى من القوى السياسية لمواد الدستور المقبل.

إن كل تجارب التحول قامت فيها القوى السياسية أولا بالتوافق على إطار قانونى ودستورى تجرى على ضوئه الانتخابات، على عكس مصر التى أنيط لمتنافسين فى انتخابات تشريعية أن يصنعوا هذا التوافق وهى مخاطرة غير مضمونة العواقب، وكان يمكن التوافق على الدستور أولا بضمانة من الجيش بدلا من تعميق الاستقطاب فى المجتمع المصرى بصورة وضعتنا أمام خطرين حقيقيين: أولهما هو الفوضى والفراغ، والثانى هو مرشح الأمن والأمان الذى لا نراه.

لا بديل إذن عن مواجهه كلا الخطرين.

د. عمرو الشوبكى - المصرى اليوم

amr.elshobaki@gmail.com

Wednesday, May 18, 2011

أم كلثوم والجماعة


لحظة الإفراج عن المهندس خيرت الشاطر كانت لحظة خاصة جدا عندى، ولقد جلست أمام التليفزيون فى حالة وجدانية شفيفة وأنا أتابع خطوات الإفراج عن محمد حتى وصوله إلى بيته وأولاده، فهو بالنسبة لى محمد، محمد خيرت سعد الشاطر، زميل مدرسة الناصرية الثانوية خلال السنتين اللتين قضيتهما فيها. ومحمد ظل فى ذاكرتى شابا فى السابعة عشرة، نحيفا رقيقا يوشك أن يكون شفافا، مهندما مجتهدا وعضوا ملتزما فى منظمة الشباب، وله ضحكة مميزة ونبرة صوت بها صهلة لطيفة.


برغم أننى كنت مختلفا عنه تماما من حيث المشاغبة الفكرية وغير الفكرية والاهتمام بالرياضة التى كنت بطلا فيها، كان محمد يحمل لى ودَّا فيما أتذكر، ففى فسحة اليوم الدراسى التى كنت أستغلها فى التمرين، كان محمد يقترب منى باسما ويشير لى بيديه اللتين يديرهما حول بعضهما، فقد كان يروق له أن يرانى أؤدى «لفة فى الهوا» (باك ثمرثولت) التى أطير فيها فى الهواء وأدور حول نفسى ثم أهبط واقفا على الأرض. كنت أتذكر ذلك كله، وأبحث عن محمد فى الرجل الشهير الضخم الذى خرج لتوه من السجن، متعبا، يسعل، وتحوط عينيه هالتان داكنتان من تعب السنين وأرق السجن السياسى الذى ذقت بعضه.برغم تغير هيئة محمد كثيرا، لم يكن صعبا علىَّ أن أتعرف عليه حتى لو لم أكن أعرف أنه هو، صهلة الصوت العابرة، حركة اليد، لحظ العين، والإحساس بشخص يمثل جزءا من صباك، ومع حضوره ينهمر على روحك مطر من ذكريات عذبة عذوبة ذلك العمر العزيز، عمر الصبا. كان كل ذلك يشتملنى وأنا أتابع خطوات محمد الحرة إلى بيته، وكان مؤثرا جدا رؤية بناته وهن يلُذن بدفء حضور الأب فيه، لكن شيئا كان يخدش صفاء اللحظة، ولم يكن هذا الشىء إلا ركاكة «الأناشيد» التى كان بعض الإخوان يستقبلون بها محمد ويزفونه عريسا للحرية التى هى أسمى قيمة إنسانية فطر الله الناس عليها. كانت أناشيد مسطحة الصياغة، رتيبة اللحن، فقيرة الإيقاع، بأصوات مزنوقة بشكل ما. ولم تكن هذه أول مرة تزعج سمعى فيها مثل هذه الأناشيد، فقد حدث ذلك من قبل، وفى المنصورة التى ينتمى إليها كلانا..كانت نقابة أطباء الدقهلية فى العيد القومى للمحافظة قد دعتنى لتكريم شملنى مع كوكبة من أطباء المنصورة وبعض البارزين فى مجال الخدمة العامة والإعلام، ولم أتردد فى قبول الدعوة برغم عدم تواؤمى مع الاحتفاءات والاحتفالات عموما، لكننى رحبت بالدعوة فقد كان نقيب أطباء الدقهلية هو الدكتور عبدالمنعم عيد، وهو رجل فاضل وخيِّر وبشوش وكان إخصائيا فى جراحة الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى المنصورة العام عندما كنت نائبا للأمراض النفسية فى المستشفى نفسه، ثم إن الدكتور عماد شمس الذى وجه لى الدعوة عبر الهاتف، لمست فيه تسامحا جميلا وتقديرا وفهما عميقين للثقافة. حضرت الاحتفال ومضيت وكتبت من واقع اليومين اللذين قضيتهما فى المنصورة آنذاك، ولم آت على ذكر حفل النقابة، وقد لاحظ ذلك الدكتور عماد الذى عاتبنى بلطف، فأكدت له أنه لو عرف لماذا لم أكتب عن حفل النقابة، لتيقن أننى أكنُّ له وللدكتور عبدالمنعم مودَّة كبيرة منعتنى من ذكر ما نغص علىَّ اعتزازى بهذا التكريم حتى لا أجرح مشاعرهما بما لا يُسألان عنه، فقد لاحظت أن اللافتات التى تزين جدران النقابة أحادية النبرة بشكل صارخ يكاد يعلن أن هذه نقابة أطباء الإخوان لا نقابة كل أطباء الدقهلية بأطيافهم المتعددة والغنية، ثم توقفت أمام لوحة باسم «أعلام الدقهلية» رُسِمت فيها بفنية مضعضعة وجوه عشرات هؤلاء الأعلام والمشاهير، ولم أعثر فى هذه اللوحة عن أثر لأم كلثوم ورياض السنباطى، فاستغربت ودخلت مستغربا قاعة الاحتفال، لأشعر بالانقباض، ويخدش سمعى ذلك الفن الركيك لنوع من «الأناشيد» بأصوات مزنوقة، وعلى إيقاع دفوف رتيبة، وكأن تراث الفن المصرى كان خاليا من ألحان عظيمة ورصينة تليق بالتسامى فى حفل للأطباء فى محافظة شيدت تاريخها العريق بسعة الأفق وجمال التسامح وقبول التعددية وتخريج موجات تلو موجات من رموز السياسة والفكر والأدب والفن الذى حلَّقت فى ذُراه بنت المنصورة، معجزة الهبة الربانية التى استودعها الله فى حنجرتها ورهافة حسها، سيدة الغناء العربى، أم كلثوم.أم كلثوم التى لم يرها بعض الإخوان جديرة بأن تكون علما من أعلام محافظتها، فغيبوا وجهها وذِكرها، وأضافوا للغياب وجه الموسيقار العبقرى الدقهلاوى رياض السنباطى. كنت متيقنا من أن الدكتور عيد والدكتور شمس لم يكونا مسئولين عن هذا التغييب، لكنها القاعدة الفائزة بالانتخابات والتى حولت النقابة إلى نقابة فصيل له ذوق مغلق فى الفن لا نقابة مهنة تضم أطيافا عديدة بأذواق عديدة، وهذه ليست مصادفة بدليل فرض اختيار تلك الأناشيد ركيكة اللحن والكلمات ومزنوقة أصوات الجوقة والتى كانت بمثابة «دى جيه إخوانجى» عجيب تقصف به مكبرات صوت عملاقة الضجيج والنشاز فى قاعة الاحتفال بنادى الأطباء على نيل المنصورة الجميل!هذا الإقصاء المُتعمَّد لأم كلثوم ومن يماثلها فى مفهوم الفن الإخوانى، شىء لا يطمئن مثلى وملايين غيرى، من عموم الناس العاديين الذين يعبدون ربهم بلا إعلان ولا استثمار سياسى، ويسبحون بحمده فى كل النعم التى حباهم بها فى هذا الوجود، ومنها نعمة الفن الراقى والجميل الذى يروِّح عن النفوس ويُرهف الأحاسيس والمشاعر، والغناء الطيب الجميل بأصوات عذبة وموهوبة هو قلب هذا الفن الإنسانى، وأم كلثوم علامة عليه ونجمة متألقة فى سمائه.أم كلثوم هذه لم نسمع قطبا إخوانيا ممن يقودون مسيرة الزحف الإقصائى الآن يوليها ولو لمحة تدل على إنسانيته لا إنسانيتها فهى ليست فى حاجة لمثل هذا الإدلال، وعلى العكس منهم كان الصادق المحترم ورحيب الأفق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى أخرجوه من مكتب الإرشاد ربما لإصراره أن يطور نفسه، ويستفتى قلبه ويكون إنسانا لا حجرا أصمَّ فى قلعة تنظيم أو جماعة، وهو أى الدكتور أبوالفتوح، ما عبَّر مرَّة عن خلجة انفتاح وتسامح إلا وأنكروها عليه، من زيارته الحضارية لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ، حتى حديثه عن حقوق المواطنة. بل إنه لم ينجُ من وعيد زميل مدرستى ونسمة الصبا البعيد، محمد الشاطر نفسه، الذى تبدَّى بُعيد أيام من الإفراج عنه مجرد قائد حديدى غايته قوة جماعته وطموحه «سيادة العالم»، فكان هينا عليه تهديد أبو الفتوح رفيق رحلته بالحرمان من رحمة الجماعة إن هو أصر على ترشيح نفسه للرئاسة برغم تحمس كثيرين من شباب الإخوان وغير الإخوان له! لقد طرت فرحا يوم الإفراج عن محمد عندما سمعته فى أول تصريحاته يتكلم عن النهضة وضرورة البدء فى مشروع النهضة المصرى، وقلت بزهو داخلى: ها هو ابن مدرستى وذكرى صبانا العزيز. لكن مشروع النهضة لم يصمد كثيرا أمام تكتيكات الجماعة لقطف ثمرة السلطة التى بدت دانية، وتحول جل الحديث الإخوانى إلى تلويح بالقوة والنفوذ، ومن لا يعجبه حديث هذا القطب الإخوانى أو ذاك فليُرشق بما هو قريب من التكفير على اعتبار أن لديه مشكلة لا مع منهج إخوانى، بل مع كتاب الله نفسه، وهو ما أفلت من تصريحات «الخبير الدستورى» الممتلئ بالزهو والاغترار بما لديه وغير المتواضع أبدا، صبحى صالح، صاحب حديث قطع الأيادى، والذى لا أعرف من أين أتى بشهادات «الفقيه» و«الخبير» الدستورى هذه! ربما من لجنة التعديلات الدستورية التى تجاهلت خبراء دستوريين مصريين عظاما واختارته دونهم بينما هو محام مثل آلاف المحامين فى بلادنا.أما فى دائرة الدنيا فيقول المرشد الحالى: «إن بستان الإخوان أخرج حزب الحرية والعدالة وقناة 25 يناير، وفى طريقه لإقامة الأندية الرياضية، متعهدا بالمنافسة على الدورى والكأس المصريين، وإقامة فرق مسرحية وأغنيات وأناشيد بعيدة عن الإسفاف».كلام يبدو مشروعا، لكنه لا يؤسس إلا لبستان استئصالى، بستان للإخوان وحدهم، وأندية إخوانية، ومسرحيات وأغنيات وأناشيد إخوانية، وكأن مصر لم تعش آلاف الأعوام، وتُراكِم طبقات من الأدب والفن الإنسانيين الراقيين! وبدون هذه اللمسة الإنسانية التى يَسعَد بها عموم البشر، والتى تُعَدُّ مؤشر انفتاح إنسانى وتسامح حميد مع الطبيعة البشرية الحميدة، لا أعتقد أن الإخوان إن حكموا سينجزون نهضة علمية واقتصادية وسياسية كنهضة حزب العدالة التركى التى لاحت لى ممكنة فى أول تصريحات محمد خيرت فور خروجه من السجن. ويا محمد. يا محمد خيرت سعد الشاطر، تذكر أن من فك أسرك وأخرجك من سجن ظالميك، بعد إرادة الله، لم يكن هو الإخوان وحدهم، بل شباب هذه الأمة بكل أطيافها الذين شاء الله أن يكونوا سببا فى انتصار ثورة يناير وإسقاط ظالميك وظالمى أمتنا، وهؤلاء الشباب يحبون غناء وموسيقى ومسرحا ورياضة غير ما يمكن أن يثمرها بستان الإخوان المغلق على ذاته، وبغير هؤلاء جميعا لا أصدق قدرة الجماعة على قيادة أى نهضة حقيقية فى مصر، لا جماعة الإخوان، ولا أى جماعة تستغنى بنفسها، وتستعلى وتستقوى على كل أطياف الأمة لمجرد أن لاحت لها ثمرة السلطة أو التسلط دانية!لقد شاء رب العالمين أن يكون ثقل مصر السكانى الذى هو مأزقها التاريخى، سببا لنجاتها فى أضخم عملية لإزاحة نظام إجرامى متشعب ومتغلغل وجسيم، وفى وقت قياسى عالمى قدره ثمانية عشر يوما فقط، ولسبب بسيط فى رأيى، هو أن هذه الكتلة السكانية المحبوسة فى حيز الوادى الضيق، كانت قادرة على الدفع بملايين لا قبل لأى سلطة قمعية مدججة بالسلاح أن تهزمها، حتى وهذه الملايين عزلاء ومجردة الأيادى وعارية الصدور. وهذه الكثرة السلمية الغنية بالتعددية والتى هزمت الفظاعة القمعية المسلحة للعصابة التى كانت حاكمة، ينبغى أن تكون درسا لأى فصيل يتصور أنه وحده قادر على حكم مصر والتحكم فيها وفرض نماذجه الخاصة عليها، سواء فى أمور الدين أو الدنيا. وأنا أزعم أن الكثرة من هذه الملايين التى صنعت الثورة، وبينها شباب فى الإخوان، تحب أم كلثوم وأناشيد وابتهالات وألحان غير تلك التى يعتمدها القسم الفنى فى الجماعة ويبشرنا بها «المرشد العام»، فنجزع من زمن ستُفرَض علينا فيه تلك الأناشيد الركيكة، ويُغيَّب عن أسماعنا شدو أم كلثوم!


د. محمد المخزنجى - الشروق

العفو الدولية: مصر أمامها عقبات كبيرة لمحاكمة قتلة الثوار


قالت منظمة العفو الدولية إن مصر ماتزال أمامها ''جبلاً لتتسلقه'' في كفاحها لتحقيق العدالة لمئات القتلى في أحداث ثورة 25 ينايرالتي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك.

ونقل تقرير للمنظمة الدولية يوم الأربعاء عن إحدى منظمات الحقوقية المدنية قولها إن الحكومة السابقة استجابت للحشود المناوئة لمبارك، بـ ''تجاهل صارخ للحياة''، في إشارة إلى إطلاق الرصاص على رؤوس المتظاهرين ورؤسهم، في الوقت الذي كانوا فيه لا يشكلون تهديداً.

وبحسب إحصاءات وزارة الصحة، سقط على 840 قتيلاً على الأقل خلال أحداث الثورة، إضافة إلى اكثر من 6 آلاف جريح.

ويقول التقرير إنه ''لم يكن هناك تدقيقاً في أعمال العنف ولا تسليط للضوء على مزاعم الاعتقال القسري والتعذيب على ايدي قوات الجيش المصري، الذي يحكم قياداته البلاد في الوقت الحالي''.

وأشارت مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، كايت آلان إلى أن ''الناس تريد تغيير حقيقي، عدل وحقوق إنسان، محذرة أن استمرار المحاكمات العسكرية يزيد من تساءلات حول مدي التزام الجيش بحكم القانون بعد مبارك.

وزادت ''عندما كنت في مصر الشهر الماضي، قال لي الناس إننا وبعد كل المعاناة التضحيات التي بذلناها خلال الاحداث لا يمكن أن نعود للوراء مرة أخرى''. موضحة أن ''هذا التقرير الشامل أوضح بجلاء أنه مايزال هناك قمة تتسلقها، لانجاز العدل للمحتجين الشجعان خلال أحداث الثورة''.

وقال مسؤول في لجنة تقصي الحقائق، والتي شكلت من الحكومة للتحقيق في أحداث 25 يناير، والتي قال تقريرها الصادر الشهر الماضي، إنه وزير الداخلية السابق حبيب العادلي هو من كان مسؤولاً عن موت المتظاهرين.

وجاء التقرير بعد أن أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنكر بشدة عزم الرئيس السابق حسني مبارك توجه خطاب اعتذار للشعب المصري والتنازل عن أرصدته الخارجي والداخلية، وإستصدار عفو صحي عنه وعن أسرته

مصراوى

منظمة العفو الدولية تطالب بتحقيق مستفيض في قمع المتظاهرين بمصر


القاهرة (رويترز) - قالت منظمة العفو الدولية يوم الخميس إن على الحكومة المصرية كشف الحقيقة بشأن الهجمات التي استهدفت المتظاهرين خلال انتفاضة شعبية ضد الرئيس السابق حسني مبارك وتعويض الضحايا وتقديم الجناة للعدالة.

وفي تقرير مطول عن القمع الذي كانت تنتهجه الدولة خلال الاحتجاجات قالت منظمة العفو ان 840 شخصا على الاقل قتلوا وأصيب أكثر من ستة الاف لكن لجنة تشكلت للتحقيق في أعمال العنف لم تعلن بعد عن أسماء القتلى أو الطريقة التي قتلوا بها.

وخلصت اللجنة الى أن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي مسؤول عن قتل المحتجين. وحكم على العادلي الذي لم يكن يحظى بأي شعبية بسبب وحشية قوات الشرطة خلال عهده والذي اعتبر يوما غير قابل للمحاسبة بالسجن 12 عاما هذا الشهر بتهمتي التربح وغسل الاموال.

وقالت منظمة العفو ان مهمة اللجنة كانت محدودة للغاية وان نشر التفاصيل كاملة بخصوص القتلى "ضرورة لاسر الضحايا والمجتمع بصفة عامة للتعامل مع تداعيات ما حدث."

وأضافت أن اللجنة لم تحقق باستفاضة في تقارير فردية عن الاحتجاز التعسفي أو التعذيب أو غيرها من أشكال التجاوزات. وقالت المنظمة ان الكثير من الضحايا تحدثوا عن انتهاك حقوقهم على أيدي أفراد من أجهزة الامن.

ونقلت المنظمة عن شاهد يدعى فؤاد قوله "عندما أدخلونا المكان المخصص لنا اجبرونا على النوم على بطوننا في الفناء وضربنا... الجنود. ضربونا مرة اخرى بالكابلات والعصي واستخدموا قضبانا صاعقة."

وحوكم محتجزون خلال الاحتجاجات في يناير كانون الثاني وفبراير شباط أمام محاكم عسكرية رغم كونهم مدنيين.

وقالت منظمة العفو "محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية انتهاك للمتطلبات الاساسية لسلامة العملية القانونية والمحاكمات العادلة والاستمرار في اللجوء لها يثير تساؤلات بشأن مدى التزام الجيش المصري بارساء سيادة القانون في مصر."

ودعت المنظمة لاجراء المزيد من التحقيقات في مقتل 189 سجينا على الاقل خلال اضطرابات في سجون.

وعرض رئيس الوزراء المصري عصام شرف تعويض أقارب ضحايا تجاوزات الاجهزة الامنية. وقالت منظمة العفو ان المصابين بجروح بالغة يجب أن يلقوا الرعاية الطبية على نفقة الدولة.

ونقلت عن منسق في المستشفى الميداني الذي أقامه متطوعون في ميدان التحرير مركز الاحتجاجات قوله انه تعامل مع نحو 300 حالة اصابة بطلق ناري في العين.

وتابعت المنظمة "ما زال مئات الاشخاص الذين تعرضوا لتجاوزات بالغة خلال هذه الفترة ينتظرون تحقيق العدالة بعد ما حدث لهم."

Photo

Thursday, May 12, 2011

أوتيماى تشوداى إيتا شيماس


كان أيسر لى أن أصل إلى مكان ذلك الحفل الصباحى يوم 19 أبريل الفائت عبر جسر الجامعة إلى المنيل فشارع القصر العينى مباشرة، لكننى فضلت أن أتوجه لهدفى عبر كوبرى قصر النيل مرورا بميدان التحرير، فقد تحول هذا المسار إلى جرعة إنعاش روحى تقول لى ولغيرى من ملايين المصريين: «نعم نستطيع. نعم نستطيع» بعد أن نجحت ثورة 25 يناير بكل قواها الوطنية المتسامية الباسلة المتحضرة فى إزاحة طاغوت مُركَّب من عصابة حكم الاستبداد والفساد الساقط وحزبهم المنحل.

بعد أن أخذت مكانى فى قاعة الحفل، تناولت قطعة الحلوى الصغيرة على الورقة الصغيرة الأنيقة الموضوعة أمامى قبل أن تأتى بفنجان الشاى صبية يابانية فى عمر أولادى، نضرة جميلة فى كيمونو بديع بألوان ربيعية مشرقة. انحنت خفيفا تحيينى على الطريقة اليابانية اللطيفة ثم وضعت أمامى الفنجان برِقَّة وقلت لها ما يتوجب علىَّ أن أقوله بعد أن بادلتها انحناءة التحية: «أوتيماى تشوداى إيتا شيماس»!

«سأشرب الشاى الذى قدمتِه لى»، كان هذا معنى الجملة اليابانية التى حفظتها لأندمج فى طقوس شرب الشاى على الطريقة اليابانية، فحملت الفنجان على يدى اليسرى وسندته بيدى اليمنى وانحنيت شاكرا الصغيرة الجميلة قبل أن تمضى كهبة عطر خفيف لطيف. وقبل أن أحتسى أول رشفة من الفنجان كان علىَّ أن أديره على راحتى اليسرى براحتى اليمنى مرتين حتى تصير رسمة الفنجان فى الجانب الآخر فلا تلامسها الشفاة عند الاحتساء، فالرسمة هى لمسة جمالية ينبغى الحفاظ على نقائها بالتأمل لإضافة متعة الإحساس بالجمال إلى متعة تذوِّق الشاى، فبدون هذا التأمل للجمال تكون طقوس شرب الشاى على الطريقة اليابانية منقوصة!

كان هذا أكثر ما لفت نظرى فى هذه الطقوس، ووهَّج دهشتى، وأعادنى 12700 سنة إلى الوراء، ففى هذا التاريخ السحيق الذى أعقب العصر الجليدى حدث متغيران كانا سببا فى طفرة الأمة اليابانية، أولهما انهمار مطرى غامر أدى إلى وفرة من ثمار أشجار الجوز والكستناء قدَّمت لإنسان الأرخبيل اليابانى الذى كان صيادا وجامعا للثمار رصيدا غذائيا كبيرا، ثم جاء المتغير الثانى مُعزِّزا للمتغير الأول ومتمثلا فى اختراع اليابانيين لصناعة الأوانى الفخارية قبل كل شعوب الدنيا، ولعل هذا يفسر تطور وتفوق ودقة ورقة وجمال الخزف اليابانى حتى الآن.

لقد ظهر الفخار فى أكثر من حضارة بشرية لكن الفخار اليابانى وتبعا لقياسات بالأشعة الكربونية التى لا تكذب لبعض آثار هذا الفخار تمت عام 1960 أثبتت أن الفخار اليابانى عمره يفوق أقدم فخار فى الهلال الخصيب بعدة آلاف من السنين، وحتى الآن لم يتم كسر الرقم العالمى الذى سجله الفخار اليابانى فى أى حضارة أخرى. ولقد ارتبط هذا الفخار منذ مولده بلمسات تزيينية جمالية عديدة ومبتكرة بدحرجة الآنية وهى بعد طرية على خيط تنطبع صورته وتثبت بعد تسوية الفخار فى النار، ولأن كلمة «التعليم بالخيط» فى اللغة اليابانية هى «جومون» (بتعطيش الجيم) فإن الفخار فى اليابان لايزال يتسمى بهذه الكلمة.

اكتشاف أو اختراع الفخار والعناية بصناعته لدى اليابانيين فى العصر الحجرى كان نقلة نوعية قفزت بسكان هذا الأرخبيل خطوات واسعة إلى الأمام، فلأول مرة فى التجربة البشرية أصبح لدى الإنسان أوعية تحتفظ بالماء وهى قابلة للاستخدام بأشكال متعددة، فاستُخدمت فى سلق الطعام وتسخينه مما زاد من استثمار مواد غذائية كان من الصعب شويها دون أن تحترق مثل الخضراوات الورقية والأسماك الصدفية التى صار فتحها سهلا بعد غليها، كما أن ثمارا كانت سامة أو مرة لم تعد كذلك بعد نقعها واستبعاد السم أو المرارة منها كثمار البلوط وكستناء الخيل، وأصبح بالإمكان إطعام الأطفال طعاما مسلوقا طريا مما شدَّ من أعوادهم فى أعمار مبكرة، كما أن المسنين الذين كانوا بمثابة مستودعات الحكمة والخبرة والمعرفة قبل عصور التدوين بآلاف السنين، صار ممكنا الحفاظ على حيويتهم بطعام مطبوخ فى الماء يناسب أفواههم التى تساقطت أسنانها. وبفضل الأوانى الفخارية قفز عدد سكان اليابان من بضعة آلاف إلى ربع مليون فى تلك العصور السحيقة.

تذكرت كل ذلك وأنا أحتسى الشاى فى فنجان الخزف ذى الرسمة الجميلة من جانب واحد مخصص لتأمل الجمال الفنى فى حفل الشاى الذى دعتنى إليه مؤسسة اليابان فى القاهرة، وقد بدأ الحفل فى قاعة أخرى لم تكن مخصصة لشرب الشاى، بل كانت بمثابة بهو استقبال وتعريف بطقوس إعداد وشرب الشاى على الطريقة اليابانية فى فيلم تسجيلى، كما أن جدران البهو كانت مغطاة بصور فاجعة الزلزال والتسونامى وكارثة محطة فوكوشيما الكهرونووية، اللتين كانتا كفيلتين بهدِّ قوى أى أمة أخرى وجعلها تنسى أو تتناسى أى مناسبة لأى احتفال، فلماذا أصر اليابانيون فى القاهرة كما فى غيرها على إقامة هذا الحفل؟!

لقد سألت، وكانت الإجابة هى أن الأمة اليابانية بعد أن ضربها الزلزال والتسونامى والكارثة الإشعاعية، عادوا إلى أفضل ما فى موروثهم الإنسانى، فكان الصبر، والهدوء، وإنكار الذات، والتضحية، والنظام، والعقلانية، وعلى السؤال الشامل الذى صعدته الأمة المكلومة: «والآن ماذا نفعل؟»، كانت الإجابة الشاملة التى أظهرتها وسائل الإعلام والاستطلاعات ومدونات ومواقع الإنترنت اليابانية هى: «لا شىء، سنعمل!».
قالوها وهم يعملون بالفعل، بل يعملون أكثر من الأوقات العادية، وأصروا أن تكون ساعات العمل الزائدة دون مقابل، وخاطر كثيرون منهم بالعمل فى ظروف مهددة للحياة كالعمال والفنيين الخمسين الذين بذلوا جهدا فدائيا فى محاولة تبريد قلب مفاعل فوكوشيما النووى المنفلت. وكانت الشفافية نبراسا هاديا لليقين فى غمار هذا العمل، فلم يكذب مسئول وهو يوالى تقديم التقارير لحظة بلحظة عن تطورات الأحداث وفعاليات مواجهتها، وفى موضوع هذا المفاعل النووى المنكوب الذى كنت أتابع أخباره، لم يُهوِّن أى عالم أو مسئول نووى من حجم الكارثة، ولم يتواروا خلف الكذب المهنى عندما تعيَّن عليهم إعلان وصول أخطار الكارثة إلى المستوى السابع المماثل لكارثة تشيرنوبل.

غادرت حفل الشاى الذى أقامه العاملون فى مؤسسة اليابان وضيوفهم بالجهود الذاتية حتى لايحمِّلوا الميزانية اليابانية يِنَّا واحدا، فقد صارت كل جهود ومقدرات ومدخرات اليابان موجهة للنهوض بالمقاطعات الثمانى المتضررة بعد ضربات الفاجعة والكارثة، ولم يعد لدى شك فى أن هذا البلد الصبور وشعبه المتحضر سيخرجان من المحنة أقوى وأفضل وأجمل، تماما كما خرجوا من محنة الحرب العالمية الثانية التى كانوا ضحايا قنبلتيها النوويتين الأمريكيتين المدمرتين، بل يحملنى يقينى أن الكارثة النووية الأخيرة فى مفاعلات فوكوشيما ستضيف إلى قوى الخير العالمى المناهض لمقامرات المحطات النووية دَفعة كبرى من العبقرية اليابانية التى ستتوجه بجديتها ودقتها ودأبها لتطوير تقنيات باهرة وفاعلة فى مجال استخلاص الطاقة النظيفة الآمنة المتجددة من الشمس والرياح والموج وحرارة قلب الأرض والدفء البشرى، وتسيير مركبات وتشغيل مصانع وميكنة مزارع بهذه الطاقات النبيلة بما يجعل شمس نهضة تقنية أخلاقية جديدة تسطع على العالم.

وعلى ذكر النهضة واليابان، تحضرنى لمحة تاريخية لافتة حدثت عام 1862 عندما قررت اليابان أن ترسل إلى مصر «بعثة الساموراى» التى كانت تطوف ببلدان العالم الناهضة للتعرف على تجارب نهضة هذه البلدان والتأسِّى بها، وكان أن انبهر أعضاء البعثة اليابانية مما شاهدوه فى مصر من تقدم علمى وصناعى وزراعى ومدنى، فقد عرفت مصر آنذاك التلغراف والقطار والحمامات العامة والميادين الشاسعة المنظمة، وقد سجل اليابانيون كل هذا ليستفيد شعبهم والبلاط الإمبراطورى مما كانت تتمتع به مصر ويضعها فى طليعة الأمم الناهضة آنذاك.

قبل رجوعى فى ذلك الصباح متخذا الاتجاه العكسى من ميدان التحرير عبر كوبرى قصر النيل جلست على مقعد أمام مبنى المُجمَّع مُيمِّما وجهى شطر الميدان، وكانت بهجتى الصباحية يشوبها قلق راعش، فتجارب النهضة المصرية المعاصرة الأشهر تكرر إخفاقها لأسباب كان يمكن تحاشيها، وأهمها فيما أتصور كان غياب أو تغييب القاعدة الاجتماعية الواعية القادرة على حماية جنين النهضة وتطوير نمائه، وهو ما يلوح لى مهددا بالتكرار الآن لا قدَّر الله، فبعد الإنجاز الحضارى الباهر لثورة 25 يناير، برزت ملامح للفظاظة والهمجية باتت تتكاثر وتهدد المشروع الديموقراطى النهضوى المأمول قبل أن يبدأ، وبنوع من «الهوجة» اللاعقلانية واللاأخلاقية واللاوطنية فى الحساب النهائى.

هوجة تهتبل فضاء الحرية الذى لا إطار له نتيجة ارتباك الدولة وهشاشة الوضع الأمنى وتغييب العقل النقدى الحر لدى قطاع كبير من أبناء الأمة، فتهدد ليس فقط مشروع النهضة المأمول والواجب والمنقذ من المهالك القريبة والبعيدة، بل تهدد روح الحضارة التى اتسمت بها هذه الثورة بانقلاب مجتمعى همجى شعبوى إما يقود إلى الفوضى أو إلى استبداد جديد بقناع مختلف يذكرنى بمقولة موجزة بليغة مؤداها أن «العنف استبداد»، والعنف ليس ماديا فقط، بل هو معنوى أيضا، وفى مصر ما بعد ثورة 25 يناير يروج منه الآن الكثير بأقنعة شتى تختفى وراءها التعصبات الطائفية والتنظيمية والنرجسية الفردية أيضا.

«ليحفظ الله بلادى» رددتها وأنا أنهض مُسرِّحا بصرى فى رحابة ميدان التحرير، ثم أغمضت عينى لأستعيد صور الاستشهاد والبسالة والنبالة والجمال الوطنى فى مليونيات توافق وائتلاف وتضافر شباب الثورة البديع لأعزى روحى وأقويها، وإذا بطيف شفيف يبزغ فى قلب هذه الصورة المصرية، إنها الصبية اليابانية الجميلة التى فى عمر أولادى وهى تنحنى محيية تقدم لى فنجان الشاى، فأتناوله على راحتى اليسرى مُسندا إياه باليمنى وأنا أبادلها التحية ثم استقيم متطلعا إلى إشراقة وجهها الصبوح مُردِّدا «أوتيماى تشوداى إيتا شيماس». وأفتح عينىَّ فأفاجأ بأن هناك مِن المارة مَن توقف بقربى مستغربا إغماضى وضمة يدىّ أمام صدرى وتكرار انحنائى وترديدى للكلمات الغريبة! فأبتسِم مرتبكا وأسرع فى اتجاه قصر النيل.


بقلم:محمد المخزنجي - الشروق