Thursday, May 29, 2008

هيكل في ندوة «القضاة»: مصر بعد تمديد «الطوارئ» مقبلة علي مرحلة لم تشهدها طوال تاريخها

استضاف نادي قضاة مصر مساء أمس الأول في صالون الإمام محمد عبده الثقافي، الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل للمشاركة في ندوة خاصة بناء علي طلب القضاة أنفسهم، واستجاب هيكل للطلب الذي وصفه بأنه لا يرد، قائلا «عندما سألني الدكتور يحيي الجمل عن رأيي في طلب القضاة بدعوتي إلي ناديهم، قلت له إن القضاة يطلبون فقط».
وأشار هيكل إلي أن تحديده لموعد الندوة كان بسبب سفره إلي خارج مصر لمدة ستة أسابيع سيقضي فترة منها في الولايات المتحدة لمتابعة تطورات الانتخابات الأمريكية، قائلا «تلك الانتخابات غير مسبوقة، ورغم أن الرئيس المقبل من وجهة نظري لن يكون أفضل من بوش، بل أعتقد أنه سيكون أسوأ منه في تقديري، فإن متابعتها مهمة، رغم أنني لن أنشرها لأي صحيفة لكن يموت الزمار وإيديه بتلعب».
واستعرض الكاتب الكبير بذكائه المعهود وقدرته الخاصة علي الربط والتحليل، مشاكل الأمة العربية وقضايا المنطقة، حتي أنه بعد أن انتهي من رصد الأوضاع المتردية في كل من السودان ولبنان والعراق وسوريا وفلسطين، قال «هذه هي أوضاعنا مع الأسف فاضل إيه في العالم العربي».
وقال هيكل في بداية محاضرته: «شرف لي أن أحضر ضيفا علي نادي القضاة، وفي الحقيقة قاومت لأسباب عديدة، وجاءت الدعوة الكريمة، لكن الظروف وضعتني في موقف صعب فأصبحت أشبه بشخص يركب لغما في حقل ألغام، والمستشار رئيس النادي مشكورا أعفاني من الحديث عن مناطق ألغام وأنا أشكره،
والسؤال الذي يواجهني دائما إحنا رايحين علي فين؟ وأقول هناك إجابة مختصرة حملها بيت شعر لحافظ إبراهيم بأننا «رايحين في داهية» وهو شعر كان قد أبدعه عن فترة شبابه وانتقاله للعيش مع زوج أمه بعد وفاة أبيه».
وأضاف هيكل «أما الإجابة الأطول فالوضع الراهن يذكرني بتجربة الدولة العربية في الأندلس وملوك وأمراء الطوائف، والتي يجب أن تكون درسا لنا» وعقد الكاتب الكبير مقارنة بين الدول العربية حاليا والدولة العربية في الأندلس للتدليل علي كلامه، وقال «إن هناك تشابها في التقاتل علي الغنائم والانبهار بالأجنبي والغفلة عن حقائق الواقع والضياع في قضايا ومتاهات فرعية والأنانية الشديدة»، مضيفا أن الأمراء استعانوا بجيوش أجنبية ومرتزقة للحرب معهم وهو ما يحدث الآن، وتابع «كلما أري الوضع الحالي أخشي علي المنطقة العربية من تكرار ما حدث في الأندلس».
وأشار هيكل إلي أن السودان مقبل علي عملية جراحية مؤلمة، وقال «يؤسفني قول ذلك لكن الأزمة في السودان معقدة والحكومة هناك اعتقدت أن المشاكل العرقية والقومية والانقسامات يمكن أن تحسمها أو تحلها القوة العسكرية، وهذا غير صحيح لأنها أهملت لعقود طويلة».
وأضاف «مع الأسف السودان غير قابل للبقاء كما هو حاليا، خصوصا أن هذا البلد أنشئ دون رابط يربطه ولم يحدث دمج فيه مثلما قد ينجح في دول أخري»، مؤكدا أن مقولة وحدة وادي النيل غير صحيحة.
وأوضح هيكل أن لبنان أفلت من أزمة خطيرة كان يمكن أن تعصف بهذا البلد، «الذي لا أري أنه واحة للديمقراطية في المنطقة كما يشاع»، وقال: «أعتقد أن الأزمة الأخيرة غير واضحة المعالم وتفاصيلها غامضة أيضا»، مضيفا أن لبنان تركيبة صعبة وبعض الدول العربية تلعب هناك بهدف إحراج سوريا، والسوريون أيضا ارتكبوا أخطاء في لبنان.
ولفت هيكل إلي أن «حسن نصر الله» نظلمه عندما نقول إنه رجل أو عميل إيران في لبنان، رغم أنه تصرف كلبناني ودخل حربا مشرفة غيرت مفاهيم المقاومة مع إسرائيل التي تعلمت علي أيديهم درسا في منطق المقاومة، كما أن هناك ثلاثة أجهزة مخابرات عربية، متواطئة في عملية اغتيال عماد مغنية، الرجل الحديدي، مسؤول العمل الميداني بالحزب.. وهذه ضربة قاصمة لحزب الله.
وتوقع هيكل تصفية القضية الفلسطينية خلال ١٠ سنوات، وقال: «يجري حاليا تصفية أنبل قضية في التاريخ وبقسوة، وما يتبقي منها هو مجموعة من الجيوب والشراذم وبقايا القضية وهذه ستموت، وأنا دائما متفائل لكن الأمل في أن تحيا القضية في أي مرحلة أخري»، وتحدث هيكل عن برودة العلاقات بين مصر وإيران، قائلا: «لا أفهم ولا أجد سببا أو لمصلحة من تظل هذه العلاقة مجمدة وتظل مصر في حالة عداء وقلق مع إيران»، مضيفا أن إيران كدولة وكأمة مهمة لنا، وهي دولة محورية وكبيرة مثلنا تماما، ورفض هيكل التحجج بمسألة التخوف المصري من السلاح النووي لإيران متسائلا: «كيف نخاف من قنبلة نووية ستصنعها إيران في أقل تقدير خلال ما بين ٨ و١٠ سنوات ولا نخاف من ١٥٠ قنبلة نووية موجودة علي حدودنا في إسرائيل؟!».
وأعقبت محاضرة هيكل مناقشة مفتوحة مع القضاة، وعدد من الكتاب والصحفيين حول قضايا ومشاكل المنطقة وما تواجهه الدول العربية من تحديات ومنعطفات، كما تطرقت المناقشات إلي الأوضاع الداخلية في مصر، وقضية استقلال القضاء ومدي التأثير الواقع علي القضاء وعلاقته بالسلطة التنفيذية.
كان واضحا أن هيكل السياسي يقاوم هيكل الصحفي، فلقد كان الأستاذ يجاهد نفسه في الحديث، ويقاوم الكلام في أكثر من مرة وبطرق مختلفة، سواء بعدم الخوض في تفاصيل معينة أو عند طرح أسئلة حول قضايا مطروحة للنقاش حاليا.
وفي رده علي سؤال للدكتور محمد نور فرحات، حول حركات الاحتجاج والصحافة المستقلة قال: أنا متفائل بالصحافة المستقلة وبالمدونات وبروح الشباب عموما، لكن لست متفائلا علي المستوي القريب، لأني أعتقد أن هذه الفترة ستطول، وما يقلقني بشدة أن الاحتجاج يقابله عناد من الأنظمة، والوسائل التكنولوجية الحديثة للنقد والاحتجاج تقابلها وسائل تكنولوجية أشد قمعا وفتكا»، وأوضح بقوله: «لا يوجد تليفون غير مراقب، والانترنت تحت الرقابة، والنقد في الصحف لا يتم سماعه أصلا»، وأضاف: «لقد انتهي عهد سقوط الحكومات بالمظاهرات، والحكومة تسقط حاليا بسبب تضارب المصالح».
وقبل نهاية المناقشة، طلب المستشار ناجي دربالة نائب رئيس محكمة النقض، من هيكل التحدث باستفاضة عن أزمة القضاة مع الدولة واستقلال القضاء، وقال دربالة: «بمناسبة وجود الكاتب الكبير معنا في نادي القضاة وبهذه المناسبة، فمن الطبيعي والضروري أن نتحدث عن استقلال القضاء وأزمة القضاة وناديهم مع الدولة، خصوصا الأزمة التي تفجرت قبل عامين»، غير أن هيكل أطرق للحظات قبل أن يقول: «أنا متابع جيد لما حدث ولايزال يحدث، ولكن لا أريد أن أتسبب في أي مشاكل أو منغصات لكم» ـ يقصد القضاة ـ فقال دربالة: «نحن نرفع عنك الحرج، ونريد منكم أن تتحدث وتحلل بنظرتك المعهودة عن أزمة القضاء»،
لكن هيكل قال: «ما دمنا في نادي القضاة فأهل مكة أدري بشعابها وأنتم أعلم بأموركم، وأنا لا أريد أن أتحدث فيما أعرف، وما لا أعرف»، وعقب دربالة بقوله: «نحن لا نتراجع عن مطالبنا المشروعة، وهي مطالب عادلة أيضا ولن نتهاون في المطالبة بها»، فرد هيكل: «أنا مسلم بهذه المطالب، وأعرفها جيدا»، ثم وجه الكاتب الكبير كلامه إلي الصحفيين الموجودين وخصوصا مجدي الجلاد رئيس تحرير «المصري اليوم» قائلا: «بلاش تحريض يا مجدي يا جلاد»،
وأضاف: «أنا دائما ما أتعرض لأزمات ومشاكل ولا يهمني، ولكن لا أريد هنا أن تحدث لكم مشاكل»، وتدخل الجلاد بقوله: «أحب أن ألفت النظر هنا إلي أن الأستاذ هيكل لا يخاف أو يتراجع، وهناك تجربة هي أنه عندما أردنا نشر مقالاته التاريخية المعنونة برسائل إلي الرئيس مبارك، طلب هيكل التمهل في نشرها قائلا: (أنا متعود علي المشاكل، لكن إذا كانت ستتسبب لكم في مشاكل فلا تنشروها)،
ووجه الجلاد سؤالا إلي هيكل: «هل سنتعرض لردة عن الإصلاح في حرية الرأي والتعبير خلال الفترة المقبلة»، فأجاب هيكل بقوله: «أخالفك الرأي، فما سيحدث هو شدة وليست ردة، ومصر مقبلة خلال الفترة المقبلة علي ما لم تشهده من قبل في تاريخها»،
وأضاف: «مصادفة أن أحضر إلي نادي القضاة في نفس التوقيت الذي يصدر فيه قرار بمد الطوارئ لمدة عامين، ونادي القضاة له أراء واضحة وأعلمها عن الطوارئ، لكن مطلوب من جميع الأطراف المعنية أن تتدبر مواقفها وخطواتها جيدا لمعرفة كيف يمكن أن تواجه هذه الأزمة»، وقال: «هذان العامان - يقصد فترة مد الطوارئ - سيحكيان لنا عما سيحدث»، واستدار لمجدي الجلاد قائلا: «هتشوفوا اللي عمركم ما شفتوه قبل كده». وسط تصفيق من الحضور.
كتب طارق أمين ٢٩/٥/٢٠٠٨
المصرى اليوم

تقرير منظمة العفو الدولية عن مصر لعام 2008

مثلت التعديلات الدستورية التي عُجل بإقرارها من خلال مجلس الشعب (البرلمان) أخطر انتكاسة لحقوق الإنسان منذ إعادة فرض حالة الطوارئ في عام 1981. وقد عززت التعديلات السلطات الواسعة التي تتمتع بها الشرطة وأدرجت في صلب القانون الدائم سلطات الطوارئ التي استُخدمت بشكل دؤوب لانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز لفترات طويلة بدون تهمة، والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، والقيود على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، فضلاً عن المحاكمات التي تتسم بالجور الفادح أمام المحاكم العسكرية ومحاكم الطوارئ الخاصة.
وظل في السجون في ظروف مهينة وغير إنسانية ما يقرب من 18 ألف معتقل إداري بدون محاكمة ، وهم الأشخاص الذين يُحتجزون بموجب أوامر من وزارة الداخلية. وبعض هؤلاء محتجزون منذ أكثر من 10 سنوات، وبينهم كثيرون حصلوا على عدة قرارات من المحاكم بالإفراج عنهم. كما ظل في السجون بعض المواطنين المصريين المشتبه في صلتهم بالإرهاب، وقد سبق أن نقلتهم حكومات أخرى بشكل غير قانوني إلى مصر. وما برحت المحاكم تصدر أحكاماً بالإعدام، وأُعدم شخص واحد على الأقل.
ومع اتساع أكبر موجة من الإضرابات على مدى عقود إلى مختلف أنحاء البلاد، وهي إضرابات شارك فيها عاملون في القطاعين العام والخاص، أغلقت السلطات مركزاً مستقلاً يدافع عن حقوق العمال. وقد تفجرت الإضرابات بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتنامي الفقر وغير ذلك من المظالم، وتزامنت هذه الإضرابات مع احتجاجات سياسية نظمتها جماعة "الإخوان المسلمون"، كبرى قوى المعارضة، وجماعات علمانية معارضة مطالبة بإصلاحات ديمقراطية. وقد سُجن عدد من النشطاء السياسيين والصحفيين وأصحاب المدونات على شبكة الإنترنت بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم.
وأفادت الأنباء بتعرض المرأة لمستويات متزايدة من العنف. واتخذت الحكومة مزيداً من الإجراءات للقضاء على ممارسة عادة ختان الإناث (تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية)، والتي ما زالت تُمارس على معظم الفتيات.

التطورات القانونية والدستورية
التعديلات الدستورية
في 19 مارس/آذار، أقر مجلس الشعب تعديل 34 مادة من الدستور. وكان من شأن التعديلات الهائلة التي أُدخلت على المادة 179 أن تعزز الصلاحيات الواسعة للشرطة في القبض على الأشخاص، وأن تمنح صلاحيات واسعة لسلطات الدولة في التنصت على الاتصالات الخاصة، وأن تخوِّل رئيس الجمهورية سلطة تجاوز المحاكم العادية، وأن تمهد الطريق لإصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب من المتوقع أن يؤدي إلى مزيد من تآكل الضمانات الخاصة بحماية حقوق الإنسان. وكانت التعديلات الأخرى ذات دوافع سياسية على ما يبدو، إذ نص أحدها على الحد من دور القضاة في الإشراف على الانتخابات والاستفتاءات، كما نص تعديل آخر على حظر إقامة أحزاب سياسية على أساس ديني، وهو الأمر الذي يبدو أنه جاء رداً على النجاح الذي حققته جماعة "الإخوان المسلمون" في انتخابات عام 2005. وقد أُقرت التعديلات بعد أسبوع في استفتاء عام قاطعته قوى المعارضة الأساسية.

تعديلات قانون الأحكام العسكرية
في إبريل/نيسان، عُدل قانون الأحكام العسكرية (قانون رقم 25 لسنة 1966)، الذي ينظم إقامة محاكم عسكرية، ولكن التعديلات لم تتناول ما يتضمنه من مثالب جوهرية فيما يتعلق بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. ونصت التعديلات على منح حق الاستئناف بشكل محدود عن طريق تقديم طعن أمام المحكمة العليا للطعون العسكرية، وبموجبه يمكن للمحكمة أن تنظر في المسائل الإجرائية التي تمت خلال المحاكمة دون أن تتطرق إلى الأساس الموضوعي للاتهامات أو الأدلة التي أدت إلى صدور الحكم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع القضاة في المحكمة العليا للطعون العسكرية من الضباط العسكريين العاملين، ويلزم لنفاذ أحكام المحكمة أن يصدق عليها رئيس الجمهورية أو من ينيبه، ويجوز له تخفيض الحكم أو تعديله أو وقف تنفيذه.

مشروع "قانون مكافحة الإرهاب"
أعلنت الحكومة، في ديسمبر/كانون الأول، أنها انتهت من صياغة مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يضم 58 مادة، وأن لجنة من الخبراء سوف تراجع المشروع قبل عرضه على مجلس الوزراء ثم على مجلس الشعب و تم تمديد العمل بقانون الطوارىء امدة عامين.

"الحرب على الإرهاب"
استمر احتجاز عدد غير معروف من المواطنين المصريين المشتبه في صلتهم بالإرهاب ممن أعادتهم قسراً حكومة الولايات المتحدة وحكومات أخرى دون أية إجراءات قانونية خلال السنوات السابقة، ثم احتجزتهم قوات الأمن المصرية لدى وصولهم وقامت بتعذيبهم.
فقد استمر احتجاز محمد عبد العزيز الجمال؛ وسيد إمام عبد العزيز الشريف (أبو الفضل)؛ وعصام شعيب محمد؛ وخليفة سيد بدوي؛ وعثمان السمان؛ وعلي عبد الرحيم، بدون توجيه تهم إليهم، وبدون أن يلوح في الأفق إمكان إعادة محاكمتهم، وبدون السماح لهم بالاستعانة بمحامين أو الحصول على العلاج الطبي أو الاتصال بذويهم. وكان هؤلاء قد أُعيدوا بصورة غير قانونية من اليمن إلى مصر في فبراير/شباط 2002، وكانوا جميعهم ضحايا إخفاء قسري بعد عودتهم إلى مصر. وفي مارس/آذار، ورد أن سيد إمام (أبو الفضل) ومحمد الجمال، اللذين صدر ضدهما حكم بالإعدام من محكمة عسكرية في عام 1999، قد نُقلا من مكان الاعتقال السري إلى سجن طره، جنوب القاهرة. وفي يوليو/تموز، أعلن أبو الفضل، وهو من مؤسسي جماعة "الجهاد الإسلامي"، التراجع عن أسلوب العنف السياسي وإدانته، وذلك عشية الإفراج عن نحو 330 من أعضاء "جماعة الجهاد الإسلامي" المسجونين.
وفي إبريل/نيسان، أُطلق سراح أسامة مصطفى حسن نصر (المعروف باسم "أبو عمر") على نحو غير متوقع دون توجيه تهمة له، وكان قد اختُطف من إيطاليا ونُقل إلى مصر بصورة غير قانونية في عام 2003. وقد سبق أن تجاهلت السلطات ما لا يقل عن 16 أمراً قضائياً بالإفراج عنه. ويُذكر أن مصيره ومكان وجوده ظلا في طي المجهول لمدة 14 شهراً بعد إعادته إلى مصر، ثم أُفرج عنه في إبريل/نيسان 2004، ولكن أُعيد القبض عليه بعد 23 يوماً لأنه أخبر بعض أقاربه أنه تعرض للتعذيب أثناء احتجازه. وبعد الإفراج عنه في عام 2007، التقى مع مندوبي منظمة العفو الدولية ووصف تفاصيل اختطافه في إيطاليا وسجنه في مصر، وقال إنه تعرض للتعذيب خلال فترة الأربعة عشر شهراً التي أمضاها محتجزاً في مقر المخابرات العامة ومقر مباحث أمن الدولة، ومن بين صنوف التعذيب الصعق بالصدمات الكهربائية على أماكن حساسة من الجسم، والصلب على باب معدني وعلى جهاز خشبي، والضرب بالأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه، والجلد بالسياط.

النظام القضائي
المحاكم العسكرية والمحاكم الخاصة
استمر تطبيق نظام قضائي مواز بموجب قانون الطوارئ، يشمل تشكيل محاكم طوارئ خاصة ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. وكان من المعتاد في ظل هذا النظام أن تُنتهك ضمانات المحاكمة العادلة، مثل المساواة أمام القانون، والاتصال بمحام على وجه السرعة، وحظر استخدام الأدلة المنتزعة عن طريق التعذيب.
ففي إبريل/نيسان، بدأت محاكمة 40 من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" (وبينهم سبعة يُحاكمون غيابياً) بتهم الإرهاب وغسيل الأموال أمام إحدى المحاكم العسكرية، بالرغم من أن المتهمين مدنيون. ويواجه المتهمون تهماً ُعاقب عليها بالإعدام، ومن بينهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان "المسلمون"، الذي قُبض عليه في ديسمبر/كانون الأول 2006 مع 16 من الأعضاء البارزين في الجماعة. وفي يناير/كانون الأول، قضت محكمة جنائية عادية ببراءة جميع المتهمين السبعة عشر، ولكن أُعيد القبض عليهم فوراً. وفي فبراير/شباط، أمر الرئيس مبارك بإحالة هؤلاء المتهمين، و23 آخرين ممن زُعم أنهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمون"، إلى المحكمة العسكرية العليا في الهايكستب بالقاهرة. وفي مايو/أيار، قضت المحكمة الإدارية في القاهرة ببطلان أمر الإحالة الصادر من رئيس الجمهورية، ولكن بعد أيام قلائل ألغت المحكمة الإدارية العليا ذلك الحكم بعد أن تقدمت الحكومة باستئناف للطعن فيه. وكانت المحاكمة لا تزال مستمرة بحلول نهاية العام، ولكن مراسلي وسائل الإعلام والمراقبين المحليين والدوليين، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، مُنعوا من حضور الجلسات.

الاعتقال الإداري
بالرغم من الإفراج عن نحو 530 من المعتقلين الإسلاميين في عام 2007، استمر احتجاز حوالي 18 ألف شخص بدون تهمة أو محاكمة بموجب أوامر من وزير الداخلية استناداً إلى قانون الطوارئ. وقد احتُجز معظمهم في ظروف تُعد من قبيل المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكان مئات منهم يعانون من السل ومن أمراض جلدية وأمراض أخرى، حسبما ورد. واستمر احتجاز كثيرين منهم بالرغم من صدور أحكام ببراءتهم من المحاكم، وبالرغم من صدور أوامر قضائية عدة بالإفراج عنهم.
وظل رهن الاعتقال الإداري في سجن ليمان طره محمد عبد الرحيم الشرقاوي، البالغ من العمر 57 عاماً، وهو باكستاني من أصل مصري. وكان قد رُحل من باكستان إلى مصر في عام 1995، واحتُجز بمعزل عن العالم الخارجي وتعرض للتعذيب، حسبما زُعم. وفيما بعد، قضت إحدى محاكم الطوارئ ببراءته، كما صدر ما لا يقل عن 15 أمراً من المحاكم بالإفراج عنه، ومن بينها أمر صدر في إبريل/نيسان 2007. وقد ساءت حالته الصحية من جراء التعذيب خلال التسعينات، فضلاً عن الأوضاع القاسية في السجون والافتقار إلى الرعاية الطبية الكافية. وفي فبراير/شباط، طلبت إدارة السجن إحالته للفحص الطبي، ولكن مباحث أمن الدولة رفضت الطلب.

التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة
استمر تفشي التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة على نطاق واسع وبشكل دؤوب، وكان سبباً رئيسياً أو عنصراً مساعداً في وفاة ما لا يقل عن 20 شخصاً خلال عام 2007، حسبما ورد. ونشر عدد من أصحاب المدونات المصريين على الإنترنت مشاهد بالفيديو تصور حالات تعذيب على أيدي الشرطة.
وكان من بين أساليب التعذيب التي شاع ورود أنباء عنها الصعق بالصدمات الكهربائية، والضرب، والتعليق في أوضاع مؤلمة، والحبس الانفرادي، والاغتصاب والتهديد بالقتل، والإيذاء الجنسي والاعتداءات على الأقارب. ونادراً ما أُجريت تحقيقات في ادعاءات التعذيب. وكانت المحاكمات القليلة لمن زُعم أنهم مارسوا التعذيب لا تتعلق على الإطلاق بقضايا سياسية، وعادةً ما كانت تأتي في أعقاب حالات تُوفي فيها الضحايا.
ففي أغسطس/آب، تُوفي محمد ممدوح عبد الرحمن، وهو صبي يبلغ من العمر 13 عاماً من مدينة المنصورة في الدلتا، في أعقاب التعذيب على أيدي الشرطة، حسبما ورد. وكان الصبي قد فقد الوعي بعد احتجازه ستة أيام للاشتباه في أنه سرق بعض عبوات الشاي، ونقلته السلطات إلى المستشفى حيث تُوفي. وقد دُفن بدون إبلاغ أهله. وقال شقيق محمد، الذي احتُجز في نفس الفترة، إن أفراد الشرطة حرقوا جسد محمد بفحم محمى، واعتدوا عليه بالضرب وصعقوه بصدمات كهربائية. كما قال إنه عندما أُصيب محمد بتشنجات، ركله أحد ضباط الشرطة في صدره. وقد أظهر شريط فيديو لمحمد في المستشفى أثاراً تشبه الحروق على ظهره وخصيتيه. وقالت الشرطة إن الوفاة ترجع لأسباب طبيعية تفاقمت من جراء نقص العلاج الطبي، وأن الحروق كانت غير مقصودة. وقد تقدمت الأسرة بشكوى. وفي سبتمبر/أيلول، خلصت لجنة من خبراء الطب الشرعي عينتها الحكومة إلى أن الشرطة لم ترتكب أية أخطاء.
وفي واحدة من المحاكمات النادرة الناجحة لمن زُعم أنهم مارسوا التعذيب، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني حكم بالسجن لمدة عامين على ضابطي شرطة في مركز شرطة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، لإدانتهما باحتجاز عماد محمد علي محمد (عماد الكبير)، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 21 عاماً، دون وجه حق وتعذيبه واغتصابه. وكان قد قُبض على عماد الكبير في يناير/كانون الثاني 2006 بعد أن حاول وقف مشادة بين ابن عمه وبعض ضباط الشرطة. وقال عماد إن الضباط كبلوا يديه وساقيه وانهالوا عليه بالسياط وأمروه بأن ينادي نفسه بأسماء مهينة، ثم خلعوا سرواله واغتصبوه بعصا، وسجلوا واقعة الاغتصاب على شريط فيديو ووزعوه في المنطقة التي يسكن فيها عماد لإذلاله وفضحه ولترهيب الآخرين. وقد نُشرت مشاهد الفيديو على الإنترنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2006. ومن ناحية أخرى، حُكم على عماد الكبير، في يناير/كانون الثاني 2007، بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة "مقاومة السلطات" و"الاعتداء على رجل أمن".

العنف ضد المرأة
أدى العنف ضد المرأة إلى وفاة 247 امرأة وفتاة خلال النصف الأول من العام، حسبما ذكرت إحدى المنظمات المصرية غير الحكومية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني، أفاد "المركز المصري لحقوق المرأة" بأن حالات المضايقات الجنسية في ارتفاع، وأن كل ساعة تشهد اغتصاب امرأتين في مصر. وقال المركز إنه لم يتقدم بشكاوى إلى الشرطة سوى 12 بالمئة من بين 2500 امرأة وفتاة أبلغن المركز بتعرضهن للمضايقة الجنسية. كما أكد "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية"، وهو جهة رسمية، أن ثمة ارتفاعاً في الجرائم الجنسية، ولكنه لم يقدم أرقاماً.
وفي أعقاب جلسة في نوفمبر/تشرين الثاني، قالت "اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" إنها سوف تنظر في مايو/أيار 2008 بلاغاً قدمته 33 من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ضد الحكومة المصرية لتقاعسها عن منع الاعتداءات الجنسية التي استهدفت بعض الصحفيات والمتظاهرات خلال مظاهرة في مايو/أيار 2005، وكذلك التقاعس عن محاكمة مرتكبيها.
ختان الإناث (تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية)
أشارت تقديرات "صندوق رعاية الطفولة" التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف) إلى أن ثلاثة أرباع الفتيات المسلمات والمسيحيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عاماً قد تعرضن لعادة ختان الإناث، وأن ثلثي الفتيات اللائي تقل أعمارهن حالياً عن ثلاث سنوات من المتوقع أن يتعرضن للختان قبل أن يبلغن سن الثامنة عشرة. وتشير الإحصائيات المصرية الرسمية إلى أن 97 بالمئة من الإناث اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 عاماً و49 عاماً قد تعرضن للختان.
وقد حُظر ختان الإناث في مصر في عام 1997 في جميع الحالات فيما عدا "حالات استثنائية"، وفُرضت عقوبة السجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات على من يمارسه. وفي غضون عام 2007، استمر التقدم نحو استئصال عادة ختان الإناث. ففي يونيو/حزيران، أعلن مفتي الجمهورية أن ختان الإناث محرم في الإسلام، وجاء ذلك في أعقاب وفاة فتاة تبلغ من العمر 11 عاماً، وتُدعى بدور أحمد شاكر، من مركز مغاغة، بمحافظة المنيا، عقب إجراء عملية الختان لها. وفي الشهر نفسه، أصدر وزير الصحة قراراً يحظر على العاملين في المهن الطبية إجراء عمليات ختان الإناث. وفي سبتمبر/أيلول، حُوكم أربعة أطباء وإحدى القابلات في محافظة المنيا جنوب مصر بتهمة إجراء عمليات ختان الإناث، وأُغلقت عياداتهم، حسبما ورد. وذكرت الأنباء أن وزارة الصحة تعد مشروع قانون لتشديد العقوبة على من يمارس مثل هذه العمليات.

المدافعون عن حقوق الإنسان
كانت الإضرابات التي اندلعت في مختلف أنحاء البلاد "غير قانونية" بموجب القانون المصري، لأنها لم تحصل على تصريح من "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" الذي تشرف عليه الحكومة. وقد تصدت لها السلطات بمزيد من قمع النقابيين ونشطاء المنظمات غير الحكومية.
ففي مارس/آذار و إبريل/نيسان، أغلقت السلطات ثلاثة مقار للمجموعة المستقلة الرئيسية التي تدافع عن حقوق العمال في مصر، وهي "دار الخدمات النقابية والعمالية"، في كل من نجع حمادي والمحلة الكبرى وحلوان. وكان "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" ووزير القوى العاملة قد حمَّلا "دار الخدمات النقابية والعمالية" مسؤولية موجة الإضرابات. وواصلت السلطات رفض الطلبات التي تقدمت بها الدار لإعادة تسجيلها كجمعية أهلية.
وفي سبتمبر/أيلول، أغلقت السلطات "جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان"، وقالت إن الجمعية خالفت القانون رقم 84 لعام 2002 والذي يحظر على الجمعيات الأهلية تلقي أموال من الخارج بدون إذن من السلطات.

حرية التعبير
تعرض بعض الصحفيين وأصحاب المدونات على شبكة الإنترنت للمضايقة والمحاكمة، وللسجن في بعض الحالات، بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم أو بسبب قيامهم بعملهم كصحفيين.
ففي فبراير/شباط، أصبح كريم عامر أول من يُسجن من أصحاب المدونات في مصر بسبب تعبيره السلمي عن آرائه السياسية. وفي مارس/آذار، تأيد الحكم الصادر ضده بالسجن أربع سنوات عند نظر الاستئناف، وهو يُعد من سجناء الرأي. وكان من بين التهم الموجهة إليه "إذاعة بيانات وشائعات مغرضة من شأنها تكدير الأمن العام وتشويه سمعة مصر"، و"التحريض على كراهية الإسلام" و"إهانة رئيس الجمهورية".
وفي سبتمبر/أيلول، صدرت أحكام بالسجن والغرامة على أربعة من رؤساء تحرير الصحف والمجلات بتهمة "نشر معلومات من شأنها تكدير الأمن العام". وقد أُفرج عنهم جميعاً بكفالة لحين البت في الاستئناف.

التمييز- الأقليات الدينية
ظل الشرط القانوني المتمثل في ضرورة ذكر الديانة في وثائق إثبات الشخصية، على أن تكون من الأديان التي تعترف بها الدولة فقط، ينطوي على نتائج خطيرة بالنسبة لبعض الأقليات. فليس بوسع البهائيين، الذين لا تعترف الدولة بعقيدتهم، الحصول على وثائق لإثبات الشخصية إلا إذا سجلوا أنفسهم كمسلمين أو مسيحيين أو يهود. وبدون هذه الوثائق، لا يمكنهم إلحاق أبنائهم بالمدارس، أو استخراج رخصة قيادة، أو فتح حساب مصرفي، كما أن عدم وجود مثل هذه الوثائق يجعلهم عرضةً للخطر خلال حملات التفتيش التي تشنها الشرطة. كما يواجه المتحولون عن ديانتهم، ولاسيما من تحولوا من الإسلام إلى المسيحية، مشاكل في تغيير الوثائق الخاصة بهم.
وما زال المسيحيون، الذين يشكلون نسبة تتراوح ما بين ثمانية و10 بالمئة من سكان مصر، يواجهون التمييز في كثير من مجالات الحياة.
وفي يوليو/تموز، وافقت المحكمة الإدارية العليا على نظر الدعوى التي رفعها عدد من المسيحيين الذين تحولوا إلى الإسلام طالبين فيها الإقرار قانوناً بعودتهم مرة أخرى إلى المسيحية. وكانت الحكومة قد حاولت رفض الدعوى.
وفي أغسطس/آب، بدأ محمد حجازي، الذي تحول من الإسلام إلى المسيحية في عام 2003، مباشرة إجراءات دعوى قانونية من أجل تسجيل تحوله رسمياً في وثائق إثبات الشخصية الخاصة به، حتى يتسنى له تسجيل ابنه الذي لم يُولد بعد كمسيحي. وقد رفضت وزارة الداخلية طلب محمد حجازي بإثبات تحوله. واضطُر محمد حجازي للاختباء بعدما تلقى تهديدات بالقتل في أعقاب تقارير إعلامية عن حالته. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قُبل نظر الدعوى، ومن المقرر أن تُعقد الجلسة القادمة في يناير/كانون الثاني 2008.

عقوبة الإعدام
استمر فرض أحكام بالإعدام، وأُعدم شخص واحد على الأقل. وفي أكتوبر/تشرين الأول، عقد "المجلس القومي لحقوق الإنسان" طاولة مستديرة للنقاش حول عقوبة الإعدام، ولكن بعض الوزراء قالوا إن إلغاء العقوبة لم يُطرح على جدول الأعمال.
وفي نهاية عامة 2006 ومطلع عام 2007، نظم محمد جايز صبَّاح وأسامة عبد الغني النخلاوي ويونس محمد أبو جرير إضراباً عن الطعام احتجاجاً على حكم الإعدام الذي صدر ضدهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 عقب محاكمة جائرة. وفي مايو/أيار، أعلنت "اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" قبول النظر في حالة هؤلاء الأشخاص، بعد أن دعت السلطات المصرية في ديسمبر/كانون الأول 2006 إلى وقف تنفيذ حكم الإعدام. وفي الجلسة التي عقدتها اللجنة في نوفمبر/تشرين الثاني، تقرر تأجيل نظر الحالة إلى مايو/أيار 2008 بعدما قالت الحكومة إنها سوف تتقدم بوثائق إضافية.

اللاجئون والمهاجرون
أفادت "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة بأن عدداً يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، ومعظمهم من السودان، كانوا يعيشون في مصر في عام 2007. وقد استخدمت قوات حرس الحدود المصرية القوة المفرطة ضد كثير من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين حاولوا العبور من مصر إلى إسرائيل، وخاصة منذ يوليو/تموز وما بعده، حسبما ورد. وذكرت الأنباء أن ما لا يقل عن أربعة رجال وامرأتين قد قُتلوا بالرصاص. وأدت الحملات التي شنتها قوات حرس الحدود المصرية في منطقة الحدود في يوليو/تموز وحده إلى القبض على أكثر من 220 شخصاً، معظمهم من المهاجرين السودانيين. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعادت السلطات المصرية إلى السودان خمسة على الأقل من بين 48 من طالبي اللجوء الذين كانوا قد أُعيدوا قسراً من إسرائيل إلى مصر، في أغسطس/آب.
وفي مايو/أيار، أصدرت "اللجنة المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم" التابعة للأمم المتحدة تقريراً دعت فيه الحكومة المصرية إلى "عقد دورات تدريبية لجميع الموظفين العاملين في مجال الهجرة، وبخاصة أفراد الشرطة وموظفي الحدود

الاعتداء على إحدى المدافعات عن حقوق الإنسان

اعتبرت منظمة العفو الدولية أن الاعتداء الذي وقع منذ يومين في مصر على د. ماجدة عدلي ، وهي طبيبة ومن المدافعين عن حقوق الإنسان ممن يعملون على التصدي للتعذيب، يُعد تطوراً يبعث على القلق في وقت تدعي فيه السلطات المصرية أنها تكافح التعذيب.
وكانت د. ماجدة عدلي، مديرة "مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف"، قد تعرضت للدفع على الأرض وسرقة حقيبة اليد الخاصة بها على أيدي رجل، يوم 30 إبريل/نيسان، داخل مبنى محكمة كفر الدوار، حيث كانت تنتظر، مع عدد من المحامين المعنيين بحقوق الإنسان، حضور جلسة استئناف قرار الحبس الاحتياطي الصادر ضد ثلاثة من ضحايا التعذيب من عائلة صبحي محمد حسين. ونتيجة للاعتداء، أُصيبت د. ماجدة عدلي بجرح قطعي في الحاجب الأيسر، وبكسور في الكتف، بالإضافة إلى كدمات في الساق اليسرى، وفقاً لما أثبتته التقارير الطبية.
وقال الجاني، الذي أمسك به بعض الأهالي المتواجدين في قاعة المحكمة، إنه نفذ الاعتداء بأمر من رئيس المباحث في قسم شرطة كفر الدوار.

ومقابل إسقاط بلاغ ضده؛ قالت عائلة الجاني لأعضاء من "مركز النديم" أمس إن ابنهم استُدعي إلى مركز شرطة كفر الدوار في اليوم السابق على الاعتداء، وأُمر بضرب د. ماجدة عدلي وسرقة حقيبتها، وهُدد بتوجيه تهم جنائية ضده إذا رفض تنفيذ هذه الأوامر. وأفادت الأنباء أن الجاني وشقيقته، اللذين وافقا على الشهادة بتلك الوقائع أمام النيابة، قد احتُجزا في مركز شرطة كفر الدوار ولا يزالان رهن الاحتجاز حتى الآن.
وجاء الاعتداء على د. ماجدة عدلي بعد ساعات قليلة من صدور بيان عن "مركز النديم" يدعو للتحقيق في الادعاءات القائلة بتعرض أفراد من عائلة صبحي محمد حسين للتعذيب وسوء المعاملة، عقب زيارة قام بها وفد من "مركز النديم" و"مركز هشام مبارك للقانون" إلى العائلة.
وكان قد قُبض على صبحي محمد حسين، البالغ من العمر 67 عاماً، وابنيه أحمد ومحمد يوم 22 إبريل/نيسان، حيث احتُجزوا في مركز شرطة كفر الدوار، وذلك على ما يبدو بسبب سعيهم لتقديم بلاغ بخصوص قيام بعض ضباط الشرطة بمداهمة منزلهم في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم. واتُهم الثلاثة بمقاومة السلطات. وتعرض الأب للحرق بلفافات التبغ على صدره وفخذيه، حسبما زُعم. وأُصيب ابنه أحمد، البالغ من العمر 36 عاماً، بكدمات في جميع أجزاء جسمه بالإضافة إلى نزيف داخلي في عينه اليسرى. أما الابن الآخر محمد، البالغ من العمر 38 عاماً، فأُصيب بكسور في عظام يده اليمنى. وقد تعرض أحمد للضرب بعصي خشبية ومعدنية أثناء القبض عليه، وجرَّه أفراد الشرطة إلى مركز شرطة كفر الدوار القريب، حسبما ورد.
وقُبض على محمد وهو يحاول تقديم بلاغ إلى النيابة العامة بخصوص القبض على شقيقه، ذكر فيه أن أحد ضباط الشرطة أطلق سبع طلقات أمام منزل العائلة. أما الأب، فقُبض عليه بعد أن تلقى مكالمة هاتفية من مركز الشرطة، حيث طُلب منه الحضور للمصالحة والإفراج عن ابنيه. ولا يزال الثلاثة رهن الاحتجاز لحين النظر في تجديد حبسهم.
وتُعد المعاملة التي زُعم أن أفراد عائلة صبحي محمد حسين قد تعرضوا لها، وكذلك الاعتداء على د. ماجدة عدلي، جزءاً من نمط من الانتهاكات والإفلات من العقاب. فكثيراً ما قام ضباط الشرطة بتهديد ضحايا التعذيب بإعادة القبض عليهم أو بالقبض على أقاربهم بغرض منعهم من تقديم شكاوى. وقد تعرض عدد من الصحفيين وأعضاء منظمات حقوق الإنسان والمحامين، الذين يتولون الدفاع عن ضحايا التعذيب أو يسعون لفضح الانتهاكات، لصنوف من المضايقة من جانب السلطات، بما في ذلك اتخاذ إجراءات قضائية ضدهم.
هذا، وتهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات المصرية أن تبادر بإجراء تحقيق في واقعة الاعتداء على د. ماجدة عدلي، وفي الادعاءات المتعلقة بما تعرض له أفراد عائلة صبحي محمد حسين من تعذيب ومعاملة سيئة. ويتعين على الحكومة المصرية أن تكفل إجراء تحقيقات وافية ونزيهة على وجه السرعة في جميع ادعاءات التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، وأن تضمن تقديم المتهمين بارتكاب هذه الانتهاكات، أو إصدار الأوامر بارتكابها، أو إجازتها، إلى ساحة العدالة، إذ إن السماح بأن تمر هذه الانتهاكات دون عقاب يعني أن السلطات المصرية تمنح قوات الأمن من الناحية الفعلية ترخيصاً بممارسة التعذيب وهي بمنأى عن العقاب والمساءلة


منظمة العفو الدولية

Thursday, May 15, 2008

نهاية تجربة حزب الله

لم يتوقف كثيرون أمام مفارقة دخول حزب الله في معركة مفتوحة ضد إسرائيل، منذ ما يقرب من عامين، سقط فيها ما يقرب من ألف شهيد، ودمر كثير من الممتلكات العامة والخاصة، رغم أنه البلد العربي الوحيد غير المحتلة أرضه، بل نال شرف تحريرها بالمقاومة، في الوقت الذي مازالت هناك نظم عربية أخري لا تطلق رصاصة واحدة علي إسرائيل، رغم أنها تحتل أرضها منذ ما يزيد علي أربعة عقود.
والواضح أن الحرب التي دخلها حزب الله في يوليو ٢٠٠٦ لم تكن بريئة تماماً، أو لوجه الله والوطن (يمكن مراجعة ما كتبناه في هذا الإطار في «المصري اليوم»، وفي صحيفة «لوبوان» الفرنسية بتاريخ ٢٧ يوليو ٢٠٠٦) وأنه كان من أهدافها الرئيسية تغيير ميزان القوي الداخلي، وفتح الباب أمام حزب الله للهيمنة علي النظام السياسي اللبناني، مستغلا صموده أمام آلة الحرب الإسرائيلية، وعدم توقعه - كما قال زعيمه - عنف الرد الإسرائيلي.
والمؤكد أن تجربة حزب الله «ما بعد المقاومة» لا تختلف كثيرا عن تجارب نظم وتنظيمات سياسية وعقائدية كان لديها، في فترة من الفترات، حلم ونقاء ثوري، وبعضها ناضل ضد نظم مستبدة، والبعض الآخر ناضل ضد احتلال أجنبي، وبعد وصولهم إلي السلطة تحولوا إلي نظم استبدادية بامتياز، ولنا في تجربة حزب البعث نموذج صارخ لهذا التحول، وكثير أيضا من تجارب التنظيمات الإسلامية والماركسية وغيرها.
صحيح أن حزب الله لم يصل إلي السلطة إنما شارك فيها، لأن لبنان لا توجد فيه سلطة بالمعني الذي نشهده في باقي البلدان العربية، فالدولة ضعيفة وهشّة، والطوائف والمذاهب أقوي من الأحزاب، ومؤسسات الدولة، ولكنه بالتأكيد مارس ما فعلته هذه النظم الثورية في الشارع ،وفي مواجهة الخصوم السياسيين. فهناك مرحلة المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وهناك مرحلة عقاب الشعب اللبناني بوقف عقارب الساعة عند مرحلة المقاومة، وتجاهل التحديات الجديدة بصلف واستعلاء.
فحين يطالب مواطن عربي أو لبناني، أحب حزب الله، بالديمقراطية والسلم الأهلي، يقال له: اصمت لأننا نقاوم العدو الصهيوني، وحين يرغب آخر أن يعيش اللبنانيون مثل باقي شعوب الأرض بسلام يقال له: اخرس أنت عميل لأمريكا وإسرائيل. تماما مثلما فعلت نظم الاستبداد العربي حين لم تسمح لأحد بأن يتنفس، علي اعتبار أنها نظم صامدة تخوض معارك تحرير وهمية بالشعارات وليس في الواقع.
والمؤكد أن حزب الله كان حزبا عقائديا جادا، ناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونجح بمشاركة قوي من كل الطوائف والتيارات السياسية في دحر الاحتلال في عام ٢٠٠٠، ثم توقفت عقارب الساعة عند هذا التاريخ، ووصل غرور قادة الحزب إلي حد الصلف، لأن لديه أقوي ميليشيا في لبنان، وليس لأنه قاوم الاحتلال منذ عقد من الزمان، لأن المقاوم الحقيقي لا يتحدث بتلك اللغة.
لقد تناسي حزب الله أن مقاومة إسرائيل الحقيقية ستأتي حين يصبح لبنان نموذجاً للتعايش المذهبي والازدهار الاقتصادي والديمقراطية السياسية، ويصبح بالتالي، أو النتيجة، هو الطرف الذي يجب أن يكون الأكثر إصرارا علي خلق هذا النموذج، وأن يقدم أكبر تنازل ممكن تجاه الأطراف الأخري، لأنه هو الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد التحرير، ولكنه فعل العكس تماما، وتجاهل أن قبول معظم اللبنانيين استثناءه كان راجعاً لوجود دولة عدوانية مجاورة، اسمها إسرائيل تمثل، استثناء آخر من كل القوانين والأعراف الدولية، وليس من أجل قتل خصومه السياسيين والاعتداء علي ممتلكاتهم كما، جري طوال هذا الأسبوع.
لقد قامت ميليشيا حزب الله والعناصر الحليفة لها بممارسات شديدة الهمجية والعنف بحق أهالي بيروت، وحرقت مؤسسات إعلامية ليس بها سلاح، ووصل التبجح بإحدي مذيعات قناة «المنار» أن أعلنت: «الآن سكت صوت قناة...»، وكالت لها الشتائم والاتهامات في مشهد مخز في التعامل مع الإعلام والخصوم السياسيين مهما كان الرأي فيهم، ومهما كان الاتفاق والاختلاف معهم.
لقد أخرج حزب الله طاقة من الكراهية والتعصب تجاه كل الطوائف اللبنانية، وتحوّل سلاحه - كما جري مع نظم عربية كثيرة - إلي سلاح ضد الشعب، وعلي كل من يتوهم أن حزب الله قادر، بعد ماجري في بيروت، علي أن يطلق طلقة واحدة علي إسرائيل أن يراجع حساباته، فقد تحول إلي نموذج مكرر لكل نظم الصمود والتصدي التي عرفناها في العالم العربي علي مدار العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، واجتهدت جميعها في محاربة بعضها البعض، رغم أن هدفها كان محاربة إسرائيل، ولم تطلق عليها طلقة واحدة.
صحيح أن حزب الله حارب إسرائيل، وصحيح أيضا أنه أكثر جدية من هذه النظم، ولكنه اختار أن يتمسك بنفس منطقها وليس بالضرورة كل طريقتها، وتناسي كيف قام النظام السوري بهدم مدن بكاملها علي رؤوس من فيها، لأن هناك تنظيماً مسلحاً خرج عن طوع الدولة، ومع ذلك حرص معظم اللبنانيين علي أن يحتفظ حزب الله بسلاحه، اعترافا بدوره التاريخي، قبل أن يحوله إلي صدورهم، ويختطف بالإكراه طائفة بأكملها خلف خطابه ومقولاته في مشهد لا نجد له مثيلاً مع باقي الطوائف الأخري،
فالسنة في لبنان منقسمون سياسيا ًرغم أن جانباً كبيراً منهم خلف تيار المستقبل، والمسيحيون جانب منهم في الحكم وآخر في المعارضة، والدروز كذلك، إلا الشيعة الذين اختطفهم حزب الله، مستخدما أساليب أخري غير الإقناع الفكري والسياسي، لأنه أمر ضد الطبيعة الإنسانية نفسها أن يصبح هناك حزبان طائفيان (حزب الله وحركة أمل ) يحتكران تمثيل شيعة لبنان.
من المؤكد أن تجربة حزب الله في المقاومة كانت تجربة مشرقة، وأنه كان يمكن لحزب الله أن يبتكر أساليب أخري لتجديد خطاب المقاومة وممارساتها، ولكنه لم يفعل، لأن له أجندة أخري في الداخل والخارج ليس لها علاقة بنقاء مشروع المقاومة.
وقد يري الكثيرون أن حزب الله مازال أفضل من آخرين في لبنان، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن التحول الذي حدث بعد غزو بيروت، وبعد هذا الخطاب الاستعلائي والمستفز لحسن نصر الله، جعله طرفا مثل الباقين (بصرف النظر عن الأفضلية النسبية) سقط عنه تماما تطهر المقاومة ونقاؤها، وأصبح هذا الماضي المشرق مجرد ورقة دعائية تستخدم في قهر الخصوم من أبناء الشعب اللبناني
بقلم د.عمرو الشوبكى ١٥/٥/٢٠٠٨
elshobaki@ahram.org.eg
المصرى اليوم

Friday, May 09, 2008

مسامير جاسم المطير 1467
قالت أنباء بيروت يوم أمس أنه في الدقائق التالية لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قام "مسلحون ملثمون " من حركة الأمل الشيعية بإطلاق النار على مكاتب ومؤسسات تابعة للحكومة اللبنانية في وقت لم يكن فيه الجيش اللبناني منتشرا بشكل كاف في شوارع المدينة خلال ساعات الليلة الماضية لكن آلياته المدرعة كانت تسير بين المناطق التي تقطنها الطائفتين السنية والشيعية وتتلقى النيران من الجانبين بينما الفاشيون الملثمون وضعوا خططهم لاجتياح بيروت صباح التاسع من أيار 2008 ..!
كانت هذه الخطوة مثيرة لقلق الرأي العام الحر في كل مكان من العالم الحريص على إبقاء لبنان مشعلا من مشاعل الديمقراطية في الشرق الأوسط لقد كان خطاب نصر الله خطابا فاشيا تحريضيا لممارسة القتل والعدوان و " قطع الأيادي " مما أثار قلق الشعب اللبناني والشعوب العربية وجميع محبي الحرية والديمقراطية والمدافعين عنها .. إن ما جرى في بيروت فجر اليوم جاء تأكيدا واضحا لمن يقول أن حزب الله ليس سوى مجموعة فاشية من العصابات المسلحة تدفعها أموال وأسحله الفاشية الإيرانية ــ السورية لتنفيذ أبشع الاعتداءات على المواطنين اللبنانيين وسلامتهم وعلى مقرات الصحف الوطنية والقنوات التلفزيونية الحرة وحرقها بحجة " مقاومة " السياسة الأمريكية والإسرائيلية في محاولة للبدء بوأد الحياة الديمقراطية ليس في لبنان حسب بل في منطقة الشرق الأوسط كلها خصوصا بعد أن حققت حكومة العراق انتصارات متتابعة في مدن البصرة وبغداد والكوت والموصل للقضاء على العصابات الفاشية الحليفة لحزب الله اللبناني والمتدربة في معسكراته و المسنودة من حكومتي إيران وسوريا . يا للمصادفة الغريبة .. ما جرى في لبنان هذا اليوم يذكر أحرار العالم بما جرى في شوارع برلين قبل 75 عاما ، أي في صباح التاسع من أيار عام 1933 حين نزل المسلحون الملثمون النازيون إلى شوارع المدينة واستولوا على ساحاتها ومناطقها الرئيسية وراحوا يعبثون بممتلكات الدولة والعدوان على مقرات الأحزاب الديمقراطية وعلى منجزاتها الفكرية والأدبية حيث احرقوا 20 ألف كتاب من مؤلفات عباقرة الفكر الإنساني كارل ماركس وكافكا وبريشت وتوخولسكي وفريدريك انجلز وجميع كتب رواد الثقافة الإنسانية الحرة وحولوا الساحة المركزية المقابلة لمبنى الأوبرا إلى حريق فاشستي أنذر العالم كله بصعود الفاشية عدوة الحرية والإنسانية في كل مكان .ما يفعله الفاشيون في لبنان هو إنذار جديد للديمقراطيين العرب جميعا ولجميع دعاة ومناصري الديمقراطية في العراق خصوصا ، إذ سوف يصعـّد الفاشيون في العراق ، بدعم مباشر من إيران ، فعالياتهم الإجرامية خلال الأيام القادمة بقصد توسيع الحرائق الفاشية في المنطقة كلها .أيها الديمقراطيون في كل مكان تحركوا لنصرة الشعب اللبناني الحر ..ويا حكومة العراق تيقظي
جاسم المطير
j.almutair@kpnplanet.nl
الحوار المتمدن - العدد: 2277 - 2008 / 5 / 10

غزوة بيروت

غزوة بيروت

..بدأ أحمدي نجاد غزوته المباركة ليخضع بيروت الفاسقة لولاية الفقيه المقدسة.
هي مسالة وقت قبل أن ترتفع صور الولي الفقيه و بطل الصمود و التصدي السوري على عمارات الوسط التجاري لتؤدب الشعب الذي تجرأ على حضرة بطل القومية العربية العلية ووكيل الإسلام السياسي في 14 آذار قبل ثلاث سنوات.
وهي مسألة وقت، وربما بعد فوات الأوان، قبل أن يكتشف العماد عون والرئيس بري من لف لفهما بأن قيمة بقاء لبنان المتحضر الغني بأهله وحضارته وثقافته أبقى من قيمة كرسي رئاسة يديره علي خامنئي لحساب المهدي المنتظر
.لم يكن توقيت أحمدي نجاد مفاجئا لمن يفهم كيف تفكر كراسي طهران ليفتح جبهاته الثلاث فيما يعتبره حرب الإسلام المقدسة ضد ما يدعوه بالاستكبار العالمي، وليجعل من إيران عاصمة العالم التي تديرها يد الإمام الغائب الخفية كما صرح قبل أيام، مستبقا الضربة الأميركية المفترضة. فالولايات المتحدة في موسمها الانتخابي و إسرائيل بلا رئيس حكومة، وأوروبا بلا حول ولا قوة، وتركيا تغرق في صراع الهوية.
ولم يكن مفاجئا أن يتحدث كل من حسن نصر الله ومقتدى الصدر وعبد الملك الحوثي في توقيت واحد عن سلاح المقاومة والحروب المفتوحة وقطع الأيدي وعدم شرعية الدولة وأن يعيدوا شن حروبهم المقدسة،
كما ليس من المستغرب أن تكون دولة قطر وأداتها الجزيرة حاضرة بالوكالة بدرجات مختلفة في الحالات الثلاث
.تحدثت سابقا وتحدث غيري عن تكتيك الدولة داخل الدولة، بدعة السياسة الخارجية الايرانية الجديدة في حروبها الإلهية،
فها هو مقتدى كما نصرالله يجلس في برلمان بلاده ويحمل "سلاح المقاومة" في ذات الوقت و ينشأ دولته على مستوى الشارع تمهيدا للقفز إلى الكراسي. كانت دولة حسن نصرالله السرية هي النموذج، وكانت العراق واليمن ساحات تجارب. رفع "المجاهدون" رايات حزب الله علنا ووجهوا سلاح المقاومة المفترض إلى الداخل مستخدمين ثقوب الأنظمة القائمة وأخطائها وفسادها وغفلتها، وسحر كلمة "المقاومة" الرومانسية التي تجتذب جموع المحبطين من الشباب و المثقفين على حد سواء.
نشأ الثلاثة في كنف الأنظمة القائمة وبدعمها لدواع سياسية محلية، وانقلبوا عليها عندما حانت الساعة الكبرى. لبنان ربما هي الخاصرة الأضعف كما يرى الولي الفقيه، نظرا لتركيبته السياسية المعقدة و جيرانه غير الودودين، فسوريا حاضرة دوما للثأر لكرامتها المهدورة بعد ضياع الضيعة التي تبيض ذهبا، ليس لشعبها بالطبع، وإنما لعشرات ضباط المخابرات والجيش والأمن والحزب الذين كانوا يعتبرون لبنان حديقة متعة خلفية وساحة للحروب بالنيابة، و إسرائيل وذريعة التحرير قائمة أيضا حتى لو كانت مزارع شبعا سورية، فلا يزال هنالك تحرير فلسطين وربما سبتة ومليلة أيضا.هي حروب و صدامات دموية قادمة لا مفر منها، قد تأتي على الأخضر و اليابس. فالإسلام السياسي يعتقد بأنها اللحظة التاريخية الحاسمة، وهاهم الأخوان المسلمون و مشتقاتهم من قاعدة وغيرها يقوضون مصر و الشق السني عموما طمعا في عودة دولة الخلافة، حلم حسن البنا التاريخي، وها هي إيران ترى نفسها حاضنة للجميع وليس للشق الشيعي فحسب، تبدد ملايين نفط شعبها على الجميع من المحيط إلى الخليج لإعادة المجد الإمبراطوري بعباءة المهدي المنتظر، وبينما يقتل الليبراليون في الشوارع بدعوى العمالة، وينعم الماركسيون بإجازة مفتوحة، ويهيم القوميون في وهم العودة الصوفية إلى كرسي سلموه طائعين فاشلين، تستعد شعوبنا لمراحل أخرى من القتل المجاني
.كل ما نسمعه اليوم عن ضرورة تدخل "حكماء لبنان" وطاولة الحوار وما إلى ذلك حقن من المورفين لا غير، فجميع الأطراف تدرك تماما بأن الصدام قادم وإن تأجل، ذلك أن الكثير من الأطراف لا تملك قرارها، الذي لم يعد لبنانيا حتى إشعار آخر. ولن يدافع أحد من العرب عن لبنان، فالأنظمة بدرجات مختلفة في زواج متعة دائم مع أمثال القاعدة وحزب الله وما يتفرع عنهما، فالدين بضاعة رائجة لا يمكن للسلطة التخلي عنها، فتراها تضع قدما في الجنة وأخرى في النار، تحاربها وترفع عقيرتها بالصراخ نهارا، وتستضيف قتلتها وتوفر لهم الحماية والرعاية ليلا، تخرجهم من السجون، وترسلهم إلى العراق ولبنان ومصر وفلسطين وأفغانستان، هم إرهابيون إن رفعوا السلاح في وجه السلطة، ومقاومون ومجاهدون إن مارسوا ذلك الطقس في أي مكان آخر. القاعدة وحزب الله وجيش المهدي وفتح الإسلام وما شئت مسميات لحالة واحدة من اللاوعي السياسي والإنساني، ونتيجة طبيعية لعهود طويلة من التجهيل والإفقار
.تلك وساخة السياسة، وتلك هزيمة الثقافة والحرية والجمال في مجتمعات تجعل من قطاع الطرق والقتلة أبطالا، وتقيم سرادقات العزاء لمن قتل أكثر.
ففي أوطاننا يكفي أن ترمي حجرا باتجاه إسرائيل لتصبح بطلا قوميا، أما هموم البسطاء ورفاهيتهم وتنميتهم، فهو هراء استعماري، ومادامت لنا الجنة، فلتذهب الحياة الدنيا إلى الجحيم. وما ننتظر في مجتمعات تصفق لتفخيخ المعاقين وتفجيرهم بدعوى المقاومة، وفصل رؤوس الأطفال عن أجسادهم بدعوى الاختلاف في المذهب؟
ولكنها أخيرا هزيمة وقتية في حرب طويلة بين العقل والخرافة، وبين التحضر والبداوة، فما لا يمكن أن يدركه الملتحون من ساسة اليوم بأنه إذا احترق الأخضر و اليابس ، فإن الأخضر لا بد وأن يزهر ثانية لأنه يمتلك قوة الحياة، أما اليابس فلا عودة له بعد أن تذره الرياح

سعد صلاح خالص
skhalis@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2277 - 2008 / 5 / 10

Thursday, May 08, 2008

لبنان يشتعل
مسلحو ميليشيا حزب الله و حركة أمل الشيعية يسيطرون على بيروت الغربية و مقار الحكومة و قصر الحريرى ووسائل الاعلام التابعة لحركة 14 مارس المؤيدة للحكومة و الجيش يتفرج و حسن نصرالله يتوعد
لك الله يا لبنان الحبيب

Saturday, May 03, 2008

وجيه عزيز

بيني وبين الفنان الجميل وجيه عزيز رباط أعرف من أين بدأ، وأعرف أنه لن ينتهي طالما بقي وجيه ساكنًا في حلمه، وباقيا علي عهده بتقديم أغنيه حالمة جميلة.
عرفت وجيه منذ ما يقرب من ٢٠ عامًا، وعلي سطح دارنا في قرية كوم الآطرون - طوخ - قليوبية، سهرنا ليالي مرتديا جلبابي، وشربنا أنا وأصدقائي من صوته الشجي الجميل إحساسًا مازلت أتحصن بجماله، وجيه هو ابن جيلي الذي وجد نفسه في لحظة تقود إلي شيخوخة مبكرة،
فهو الجيل الذي غادره مبكرًا أساطين الكلمة الصادقة، والنغمة الحالمة، فوجد نفسه مضطرًا لأن ينحت الصخر بقدراته الذاتية حتي يخلق عالمه، جيل حاصرته صلابة الأيديولوجيا،
وتناقض الواقع معها، وحاصرته أطنان من نبوءات المستقبل، وحكايات الماضي، وبينهما لم يعرف أين المصير الذي سننتهي إليه، جيل واصل البكاء علي ضياع فلسطين مثلما بكت أجيال قبله،
وأخيرًا لا يعرف من أين يأتي بالدموع عليها، بعد أن تاهت خريطتها بين الجميع، ومن قلب هذه المآسي يرقص القلب فرحًا كلما أنبت هذا الجيل موهبة تعبر عنه، وتعلن في تحد للظروف أن الصبح له يوم سيجيء، ومن بين هذه المواهب يقف وجيه عزيز شامخًا بكبريائه الفني والإنساني، ويغوص في بحر الكلمة حتي يلتقط جواهرها ويحولها إلي ألحان شجية حالمة، ويعطيها نضارتها بصوته القادر الجميل.
من بني سويف، جاء وجيه عزيز إلي القاهرة، جاء إلي قلب العاصمة القاسية التي لا تهدأ النداهة فيها من خطف أبناء الأقاليم لتعطي لها أسرار حيويتها، جاء وجيه بحماية التكوين الشخصي لأبناء الصعيد المهاجرين إلي أي مكان، وبحماية وجدانية من أشعار فؤاد حداد المدهشة فسكن هذه الأشعار،
وجعلها بيته الفني الأول، وفي بحورها أخذ يغوص ليلتقط منها كلمات تعبر عني وعنك، وفور سماعها منه تتأكد أنك كنت في سباحة نفسية ووجدانية تتمني ألا تنقطع أبدًا، وجيه يري في شعر فؤاد حداد ما يعينه علي الحياة،
وحين سألته ذات مرة عن سر توحده معها، أجاب بتلقائية صادقة: «لا أعرف»، لكنه أضاف: «في كل أشعار فؤاد حداد أجد ما أحلم به، هو العالم بالنسبة لي، هو طاقة النور التي لا ينتهي شعاعها، أسأل نفسي كثيرًا، بدون شعر فؤاد حداد ماذا كنت سأفعل؟»
ظل شعر فؤاد حداد الحصن الآمن لوجيه، وإحدي وسائله الصادقة لخطف قلب كل من يسمعه، ولم تتسلل إليه يومًا معاييرالسوق، والذوق العام، والرغبة في الانتشار الجماهيري «الكاسح»، وما يتطلبه ذلك من أساليب ملتوية، ومناورات، وعلاقات تحتية، وبالرغم من أن وجيه يملك طلة جميلة بالإضافة إلي مؤهلاته الفنية الأخري،
تؤدي إلي تسهيل المهمة لصناع النجوم، فإنه لا يلتفت لكل ذلك، مستعينًا ومتمسكًا بشروط الفن الصحيح، وقد يري البعض أن هذا التوحد لا يتناسب مع مقتضيات العصر بكل توحشه، لكن الرد علي ذلك يأتي من تجارب سابقة. فحين بدأت مصر البحث عن طريق خلاصها في القرن الماضي جاء سيد درويش ليكتب ريادته لموسيقي مصر في عصرها الحديث،
وذلك دون الانتماء لمؤسسة رسمية أو حزب سياسي، وإنما بالانتماء إلي شعبه وواقعه، وفي نهاية الستينيات بدأ الشيخ إمام بصوته وأحمد فؤاد نجم بأشعاره الطريق إلي تجربة كتبت حروفها بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، ووجدت طريقها إلي الجماهير عبر الكاسيت، واللقاءات الشعبية.
وفي لبنان، خرج مارسيل خليفة بتجربته من إطار المحلية إلي العالمية لتوغله في تجربة موسيقية خاصة أدت إلي التوسع في جماهيريتها يومًا بعد يوم، ولم يكن الأمر يسيرًا علي كل هذه التجارب،
فمن ساحات القضاء إلي مطاردات الأجهزة الأمنية سارت في دروبها، لكنها لم تستسلم، ونالت حصتها من الاحترام والتقدير، والبقاء مرفوعة الرأس بين كل التجارب الموسيقية المحترمة.
وفي قراءة متأنية لتجربة وجيه عزيز، سنجد فيها طيقًا من تجارب درويش، وإمام، ومارسيل وغيرهم، لكن يبقي لها نكهتها الخاصة، المستمدة من عمق مصري أصيل، وحضور شخصي مدموغ بصوته، الجميل،
وألحانه العذبة، وحبه الصادق للبسطاء، وقبل ما يقرب من عامين أجرت معه الإعلامية مني الشاذلي حوارًا أذيع في حلقة كاملة من برنامجها «العاشرة مساء» واسع الانتشار، وأعيد إذاعته تلبية لرغبة المشاهدين،
وكان هذا استفتاء علي مدي حب الجماهير له، وعلي أن المصداقية لا تضيع أبدًا، وأنها أسهل الطرق للوصول إلي القلوب، ومنذ أيام قليلة قدمت قناة الجزيرة حلقة خاصة عنه في تأكيد آخر علي تفرد تجربته،
وكان التجاوب الجماهيري معها شعلة أخري مضيئة ليس لوجيه فقط، وإنما لكل الذين يختارون الطريق الصعب، ويتمسكون به رغم قسوة الظروف، وأكثر ما يؤلم في كل ذلك أن تلك الالتفاتات تأتي من خارج الإعلام الرسمي الذي يشغله أكثر أخبار سعد الصغير، وبعرور،
وقصص حب وطلاق وغرام أنصاف النجوم الذين لا تلهيهم بضاعتهم الفنية المضروبة.
وجيه الذي أثري تجربته بألحان قدمها للرائع محمد منير بالإضافة إلي ثلاثة ألبومات خاصة، هو عنوان رائع لجيلي، وعنوان أكثر روعة لكل المتحصنين بالعمل علي الارتقاء بالذوق العام حتي لو كانت الأشواك في طريقهم
بقلم سعيد الشحات ٣/٥/٢٠٠٨
المصرى اليوم

شعب مصر لايزال حياً

كثيرة هي المقولات والشائعات، التي تتهم شعب مصر بأنه مسالم ضعيف لا يقوي علي الحركة، ولا يستطيع تحمل مسؤولية ثورة شعبية، مثل بقية شعوب العالم المتحضر، أو حتي غير المتحضر التي تثور لكرامتها وعزتها وكبريائها، أو الأزمات التي تلحق بها جراء ظلم الحكام وطغيانهم،
ونسي هؤلاء ثورة عرابي وثورة ١٩١٩ ضد الظلم والطغيان، نحمد الله علي أن الأيام القريبة الماضية، والأيام القادمة إن شاء الله، ستثبت عكس هذه المقولات والشائعات التي تنال من هذا الشعب المكافح الصبور ولكن لصبره حدود، من كان يمكن أن يظن أن هذه الدعوة إلي الإضراب،
التي بدت وكأنها مجهولة المصدر حديثة الإطلاق، يمكن أن تجمع حولها هذه الآلاف من شعب مصر بهذه السرعة، رغم تقاعس الكثير من فئاته التي كان ينتظر منها المساهمة فيه، والسرعة إلي تلبيتها،
لأنها إنما أطلقت من أجل هذا الشعب الجائع المقهور؟.. من كان يظن أن عمال مصر الأحرار تكون لهم هذه الاستجابة السريعة لهذا الموقف الوطني المشرف، لما يتعرض له شعب مصر هذه الأيام من قهر وذل وجوع؟! من كان يظن أن يري في المحلة الكبري هذه التظاهرة السلمية بهذا العدد الكبير الذي لم يسبق له مثيل منذ الانتفاضة، التي أطلق عليها رجال السلطة «انتفاضة الحرامية»، وإن لم تكن كذلك؟.
هذه التظاهرة التي تعامل معها الأمن بغباء شديد زاد الأمر حدة وبدلاً من أن تكون مظاهرة سلمية تعبر عما يجيش في صدور الناس من غضب وألم مما يعانونه في حياتهم اليومية، يحولها الأمن إلي مظاهرة يسقط فيها الجرحي من الطرفين، وتدمر الممتلكات العامة والخاصة، وهذا ما لا يرجوه أحد ولا يتمناه، لأن هذه الممتلكات العامة والخاصة هي ملك للشعب،
وليست ملكاً للحكومة، ولذلك نطلب من الشعب، الحفاظ علي ممتلكاته وعدم إتلافها أو التعدي عليها، لأن ذلك في النهاية خسارة لأنه هو صاحبها الذي سدد ثمنها من عرقه وكده.
الشعب أقوي من الحكومة، والشعوب لا تقهر أبداً إذا أرادت، ونزعت من قلوبها الخوف، وعلمت أن من يحرص علي الموت توهب له الحياة، وأن الدنيا تؤخذ غلابا،
وأن التفاوض مع الحكومة من أجل المصلحة العامة لابد أن يأتي من مركز قوة تشعر فيه الحكومة بأنها إن لم تستجب لمطلب الشعب فإنه قادر علي الإطاحة بها وعزلها ووضعها في السجن، إذا اقتضي الأمر ذلك.. الشعب أقوي من الحكومة إذا اتحدت قوته،
وتجمعت، وأصر علي الحصول علي حقه في العيش الكريم والحرية والديمقراطية التي يختارها هو ولا تفرض عليه، أما التفاوض من مركز ضعف فإنه لا يأتي إلا بالفتات، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
مسؤولو الأمن عندنا تغيب عنهم حقيقة كان يجب أن تكون تحت بصرهم، بحكم خبرتهم في رعاية الأمن العام، وهي أن منظر الدم ورؤية القتلي والجرحي في المظاهرات يثير أعصاب الناس
ويدفعهم إلي الدفاع عن أنفسهم، والتعدي علي رجال الشرطة والممتلكات العامة والخاصة في غمرة الغضب، بعكس ما يتصور رجال الشرطة من أنه يخيف الناس ويدفعهم إلي فض المظاهرات، والانصراف،
وحتي إذا دفعهم إلي ذلك مؤقتاً فإنه يدفعهم إلي العودة من جديد تحدياً وانتقاماً ويحول رجل الشرطة إلي عدو، بدلاً من صديق يأمن إليه الشعب ويرتاح في وجوده.
هل يتصور رجال الأمن أنه باستعمال العنف الشديد مع المتظاهرين يخيفون الناس ويجعلونهم يقلعون عن التظاهر، إن تجارب العالم كله تقول غير ذلك، وهو أن العنف يولد العنف،
ولذلك أتوقع أن تكون مدينة المحلة، التي شهدت العنف الأخير، أشد البلاد في الأيام القادمة حدة في التظاهر، وأن تتبعها بلاد أخري لأن المشاكل العامة طالت الجميع، وأعتقد أيضاً أن من فاته شرف المشاركة في هذه التظاهرة من الأحزاب سيحرص علي المشاركة مستقبلاً، وأن ما حدث قابل للتكرار مرات ومرات،
لأن أسبابه باقية بل هي في ازدياد، ولأن قضية الخبز والماء والسكن هي أعراض، أما الأسباب الحقيقية لهذه الأعراض فهي غياب الحرية والديمقراطية وتزوير إرادة الشعب في اختيار حكامه بما يأتي بحكام لا يعملون لصالح الشعب، لأنهم يعلمون أنه لا إرادة له في صعودهم إلي الحكم، ولا قوة له في خلعهم، ولذلك فلا يعنيهم شأنه ولا ما يعانيه من مشاكل،
وكل ما يعنيهم رضاء صاحب القرار في بقائهم، وهو رئيس الدولة الذي لا حرية للشعب في اختياره هو أيضاً، إنما هو يأتي بإرادته المنفردة ويبقي إلي المدة التي يريدها هو، بل يختار من يأتي بعده.
الحكام عندنا لا تشغلهم مصالح وهموم الشعب وكل ما يشغلهم هو البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة، معتمدين في ذلك علي قوي خارجية تدعمهم وتقويهم لأنهم يعملون لحسابها.
شعب مصر لا يزال حياً لم يمت ولن يموت
لأن الشعوب بطبيعة تكوينها لا يمكن أن تموت، يمكن أن تسكن فترة قصيرة أو طويلة لإجهاد أصابها أو عدم وجود من يوقظها، أو لأسباب قد تكون خافية علينا، ولكن يمكن أن تهبَّ من رقدتها في أي وقت، وتحطم أغلالها، وتضحي في سبيل حريتها.
هل كان أحد يتصور أن شعب العراق، الذي صبر علي حكم صدام حسين هذه المدة الطويلة، لم يصبر علي غزو الأمريكان بضعة شهور، سالت بعدها ينابيع دماء الشعب والمعتدي الأمريكي أنهاراً ولاتزال تسيل.
يا حكام مصر، أفيقوا من غفوتكم قبل فوات الأوان، ولا تتصوروا أن الأمور قد دانت لكم، ويا رئيس الدولة، أبعد بطانة السوء عنك، وأقدم علي إصلاح أحوال البلد، وأولها الإصلاح السياسي
وفي مقدمتها إصلاح نظام الانتخابات قبل فوات الأوان، ولا يغرنك ما تقوله أجهزة الأمن من أن الأمور تحت السيطرة، لأنهم يتعاملون بهراواتهم وعصيهم والرصاص الحي إذا لزم الأمر، وهو ما يؤدي إلي تفاقم الأوضاع وضياع فرصة الإصلاح.
ياشعب مصر الحبيب، لقد نجحت التجربة وهي بداية تتلوها مرات أخري أشد وأقوي إن لم يفق المسؤولون وينتبهوا إلي خطورة ما يحدث وما هو قادم، وإذا كانت الشرطة تقوي علي قمع مظاهرة بها الآلاف فإنها لا تقوي علي صد مظاهرة قوامها مئات الآلاف أو حتي عشرات الآلاف.
يتساءل البعض عن مشروعية الإضراب، والحقيقة أن هذا التساؤل غريب ولا مجال له، وإذا رأيت إنساناً يتساءل عن مشروعية وقانونية الإضراب فلتعلم أنه متردد وخائف لا ينوي الإقدام عليه، لأن من ينوي الإضراب أو التظاهر، إذا فكر كثيراً في هذا الأمر فسينتهي به التفكير في الغالب الأعم إلي الإحجام، وإني لأسأل بدوري من يتساءل عن قانونية ومشروعية الإضراب: لماذا تضرب الشعوب؟
وهل الإضراب أمر يقوم به الناس لقضاء الوقت أو الترفيه عن النفس أم للدفاع عن الحرية والديمقراطية ولقمة العيش والحياة الكريمة؟ وهل لا يستحق كل ذلك في حالة الحرمان منه الإضراب من أجله؟
وهل فكرت الحكومة وهي تقوم بتزوير إرادة الشعب والإهمال والتقاعس عن توفير ضروريات الحياة للشعب في عواقب ذلك، أم أنها قامت به وهي غير عابئة بكل ما يمكن أن يحدث من جرائم، ولم تفكر إلا في مصلحتها الشخصية البحتة، وهي البقاء في الحكم وإرضاء صاحب السلطة؟
وإذا كانت الحكومة لم تفكر وهي تقوم بما قامت به من فساد وظلم وطغيان وتزوير، فهل نفكر نحن في مشروعية الدفاع عن أنفسنا ضد كل هذا؟، إن ما نقوم به من إضراب وعصيان مدني ومظاهرات سلمية إنما هو من أجل الدفاع عن أنفسنا وأموالنا وأهلينا،
ووطننا الذي بدونه لا نساوي شيئاً، وإذا كان للمسؤولين أوطان أخري يمكن أن يقيموا فيها بما سلبوه منا من أموال فإننا الشعب المقهور ليس لنا إلا وطن واحد، وبدونه الضياع والتشرد.
وأخيراً تحية لكل من ساهم في هذا الإضراب، وتحية وتقديراً لكل من يسعي لتكرار التجربة الناجحة، ودعوات من القلب بالتوفيق لمن لم يسعده حظه في الدفاع عن حريته ومستقبل وطنه وأمنه، وآمل أن يكون حظه في المرات القادمة أوفر حتي يتحقق لهذا الشعب ما يصبو إليه من حرية وديمقراطية وتقدم ورخاء
بقلم محمود الخضيري ٣/٥/٢٠٠٨
المصرى اليوم