النظام نجح في القمع والتضليل وفشل في كل شئ
الثورة تضع الزعيم وليس العكس
الفهم السلفي للإسلام جعل الشعب يستكين
النظام يتاجر بالدين مع الغرب لتحقيق مآربه
كل الأشياء فى عيادة د. علاء الأسوانى، تدل على أنه مبدع، بأكثر ما تدل على أنه طبيب. المقاعد المرصوصة فى صالة الاستقبال، الديكور البسيط، المطعم برسوم كاريكاتيرية ذات دلالات. الموسيقى الهادئة التى تلف المكان صعوداً وهبوطاً. كل شىء حتى ابتسامة مدير العيادة المرحبة بالزبائن أو إن شئت الدقة بالضيوف.
ذهبت اليه لاجراء هذا الحوار فى حى جاردن سيتى الهادئ، ودلفت الى حجرة الكشف الخاصة به، وفى ذهنى أسئلة كثيرة سياسية وأدبية واجتماعية. وليس من بينها أى سؤال طبى. أى اننى بدلاً من أن أسأله ـ وهو طبيب الأسنان ـ عن »وجع« الضرس الذي يأتي »لما الواحد ياكل حاجة ساقعة« ـ علي حد وصف راقية ابراهيم في فيلم الوردة البيضاء وجدت نفسي أسأله عن »وجع« البلد الذي جعل حياتها جحيماً. وبدلاً من سؤاله عن »السوس« الذي ينخر الأسنان. وجدتني أسأله عن »سوس« الفساد الذي ينخر عظام المجتمع، حتي وصلنا ـ بتعبير الشاعر احمد عبد المعطي حجازي ـ الي القاع.
طرحت عليه أسئلتي، فجاءت ردوده قوية وحاسمة حيث انه بحسب فهمي له ـ لا يهوي كثيراً خطوط البين بين، لأنه يعشق الخط المستقيم.لحظة بعد أخري، ودقيقة بعد دقيقة، بدأت أشعر بحجرته الفسيحة التي نجلس فيها، تضيق علينا بسبب سحابات الدخان التي ملأت المكان. إذ إنه يدخن ـ الي حد ما ـ كثيراً، بل انه كلما جاء ذكر النظام »وسنينه« يشعل سيجارة جديدة ويطفئ الأخري قبل ان تنتهي. لينفث من خلالها غضبه الذي رأيته، وكأنه عواصف رعدية.
أول جملة قالها ـ في الجزء الأول من الحوار الذي ينشر اليوم ـ كانت »الموضوع تجاوز الرد«. وآخر جملة كانت »البلد تنتظر تغييراً كبيراً« وما بين تجاوز النظام، والتغيير المنتظر.. يدور الحوار التالي:
* النظام دائماً ـ كلما ثارت قضية لا يرد ولا يوضح أي شيء للرأي العام؟
ـ لأن الموضوع تجاوز مساحة الرد. أنت تطلب رداً من نظام عندما يكون ديمقراطياً، لكن ما لم يكن ذلك، فلا تنتظر منه شيئاً، فالنظام الديمقراطي يعرف ان القرار يؤثر ويتأثر بالرأي العام. لكن نحن لدينا مشكلة. وهي أن القرارات في الأنظمة الاستبدادية لا تتأثر بالرأي العام. وهذه من عيوب الاستبداد، فالقرار فيها لا يتأثر بالرأي العام.
* ولماذا يتم تجاهل الرأي العام؟
لأن القرار يتخذه شخص في أعلي السلطة، وبعد ذلك يتم تنفيذه. أما الرأي العام فيتم التعامل معه بالقمع. وانظر الي تعامله مع قضايا بيع الأصول والبنوك، تجد ان الكلام عنها ـ من الرأي العام ـ بالنسبة للسلطة »لا بيودي ولا بيجيب« رغم حملة الوفد التي جاءت فيها بعقول البلد من كافة التيارات السياسية والفكرية والاقتصادية، ورغم ذلك الدائرة تدور، والبيع يتم علي قدم وساق. بل والأسوأ من ذلك ان البيع يتم بدون شفافية.
* تشويه حالة من حالات الفساد؟
ـ حالة واحدة، بل قل حالات، انه لا توجد به أي شفافية، رغم ان فيه مليارات ذهبت ولا نعرف عنها أي شيء، وهناك ارقام مسجلة عن مصانع وشركات تم بيعها بـ»ربع« الثمن. وقضية عمر افندي تشهد علي ذلك. وما حدث فيها يكفي لاسقاط حكومة بأكملها، وليس وزيراً فقط.
* لكن الذي حدث أن الوزارة لم تسقط والوزير مازال علي مقعده؟
ـ هذا لأنك لست في نظام ديمقراطي. ان هذا الرجل ذهب الي اللجنة وضغط علي الأعضاء فيها لمصلحة المشتري، حسبما فهمت من الرجل الشريف المهندس يحيي حسين. وهذه الواقعة كفيلة بان تنهي حياته السياسية.
* تقصد وزير الاستثمار د. محمود محيي الدين؟
ـ آه طبعاً.. لقذ ذهب ليضغط عليهم، باستثناء المهندس يحيي حسين، الذي فشل معه، فيما نجح مع الآخرين، وقال لهم ذلك صراحة »احنا عايزين نراعي المشتري اكثر من كده«.
* رغم انه من المفروض ان يحرص علي مصلحة البائع الذي هو الشعب؟
ـ بالضبط.. لكن العكس هو الذي حدث، وبدلاً من الحرص علي مصلحة الشعب الذي يريد ويبيع أملاكه دون حتي مشورته أو استئذانه، نجده يقف بجوار المشتري، ويسهل له الصفقة.
* وبماذا تفسر ذلك؟
ـ تفسيري ان الموضوع تجاوز الخلاف في وجهات النظر، فالبلد تم بيعه بانتظام بطريقة منظمة ودقيقة، وان كانت مريبة.
* لكن الشعب امام ذلك نشعر وكأنه غير موجود؟
ـ الشعب لا يملك شيئاً.. فهذا النظام لا يترك للرأي العام أي مشاركة في القرار: فالقرار ـ بعد اتخاذه ـ يتم تنفيذه. وبعد هذا يأتي دور أمن الدولة والأمن المركزي للتعامل مع من يعترض.
* وعلي أي الأسانيد يستند النظام في بطشه بالرأي العام؟
ـ الموضوع يعيدك الي طريقة تولي السلطة.. فطريقة تولي السلطة تحدد وعيك، وعلاقتك بالمواطن ورأيه. فلو انت منتخب، فالمؤكد ان شغلك الشاغل سيكون الحرص علي الرأي العام، لأنه هو الذي ينتخبك، ومثلما جاء بك يستطيع أن يذهب بك. ولفترات كان يحدث هذا في مصر زمان. لكن هذا لا يحدث في الفكر الاستبدادي.
* إذن تعتمد الأنظمة الاستبدادية علي القمع؟
ـ بدون كلام هذا ما يحدث للرأي العام اليوم. فالمستبد جاء بالقوة، وهو يستمد قوته بالقمع. وكذلك سلطته وحوله العشرات الذين يقنعونه، بأنه الشخص الملهم، وان كل ما يقوله إلهام
.* وعلي هذا الأساس يعيش مطمئناً؟
ـ نعم.. ولذلك لا يمكن ان يحترم الرأي العام. لأنه يعلم انه في أي لحظة يستطيع قمعك، وهذا مضاد لفكرة الاحترام المتبادل مابين السلطة والشعب. والنظام يعيش علي نظرية »قمع الرأي العام«، هي الحل. وهو بذلك في ـ رأيي ـ يشبه الرجل المقامر.
* بمعني؟
ـ كما تعلم فالرجل المقامر، كل يوم »يستلف« من هذا وذاك. لكن في لحظة ما، سيأتي موعد تسديد الفواتير التي استدان بها والنظام منذ سنتين او اكثر في مرحلة دفع الفواتير.
* أي فواتير تقصد؟
ـ فواتير الاهمال والفساد. لقد ظلوا يرددون ويتغنون بالبنية الأساسية، حتي انهم كتبوا لها الأغاني والملحمات، ثم نكتشف ان في البلد »9« محافظات بدون مياه شرب. فأين البنية الأساسية التي »فلقوا« عقولنا بها طيلة هذا العهد السعيد. لذلك فهذا النظام عاجز عن حل هذه المشاكل المتراكمة بسبب الفساد، الذي هو مسئوليته. لذلك هو يدعم ادوات القمع عن طريق معاداة القضاة والعمال ـ والصحفيين وحتي الفلاحين واخيراً الموظفين. وهذه منطقة خطيرة.
* خطيرة علي من بالضبط؟
ـ علي النظام.
* لماذا؟
ـ لأنه في لحظة ما لن يستطيع ان يواصل هذا القمع. ولقد حدث هذا من قبل في تاريخ مصر. سوف تخزله ادوات قمعه، لانها لن تستطيع الاستمرار أمام من يخرج ليقطع الطرق السريعة كما حدث مؤخراً. وما يحدث في مصر اليوم يشبه تماماً ماحدث فيها في الفترة من »46« الي »52«. فالصورة مكررة، والمشاهد تكاد تكون هي.
* وما وجه الشبه بينهما؟
ـ في الفترة من 1946 الي 1952 اضرب رجال البوليس، وتم فتح الكوبري علي الطلبة، وكان هناك احساس بان القديم لم يعد صالحاً، والجديد لم يتضح بعد. والفساد منتشر وهناك اجماع من كافة المؤسسات علي أنه سيحدث تغيير كبير وحتمي.ولم يعد هناك جدال في أن هؤلاء »زمان واليوم« غير صالحين والتغيير قادم قادم. لكن متي وأين وكيف؟ هذه أسئلة لم تتضح بعد الاجابة عنها. ولا أحد يستطيع الاجابة عنها.
* هل يعني ذلك اننا علي اعتاب فوران سياسي؟
ـ بالتأكيد.. وقراءة تاريخ مصر علمتني ألا تكون لديك توقعات معينة في توقيتات معينة. لأنه من الصعب التنبؤ برد فعل الشعب المصري. فهذا الشعب ذكي جداً، شعب تعود علي الاستبداد والاحتلال لسنوات طويلة، وهذا الذي جعله شعب الحلول الوسط.
* هل هذا مدح أم قدح؟
ـ انت عندما تطلب حاجة، ولا تجدها، فانك ـ كمصري ـ عبقريتك تجعلك تختار حاجة ثانية خالص، تكون في المنتصف ما بين هذا أو ذاك. ولو كان الشعب المصري لم يفعل ذلك ما استمر حتي اليوم علي ظهر الأرض. لأن مصر بسبب موقعها الاستراتيجي كانت بلاء عليهم. ومن اول الاسكندر الأكبر وحتي بوش الأصغر وكل من يسيطر علي العالم لابد ان يسيطر علي مصر.
* والشعب المصري حتي يعيش أوجد الحل الوسط؟
ـ الحل الوسط هو واجهتك الأخيرة، لكن هناك لحظة من اللحظات يتأكد للمصري أن الحلول الوسط لم تعد تفيد. ونحن اليوم امام تلك اللحظة. وفي هذه اللحظة انت لا تستطيع توقع ردود الفعل والمثال علي ذلك ثورة 1919.
* ألم يكن متوقع حدوثها؟
ـ نهائياً.. فالتقارير التي قرأتها والصادرة عن السفارة البريطانية بعد نفي سعد باشا قالت »لن تحدث ثورة« فالشوارع هادئة والمصريون يجلسون في الحانات وعلي المقاهي. لكن في نفس الوقت كان هناك مجموعة من الطلبة »طلبة الحقوق« ذهبوا الي بيت الأمة لمقابلة الباشوات. وقالوا لهم »الطلبة« نحن مستعدون لعمل أي حاجة في الكلية مظاهرة مثلاً تضامناً مع الزعيم. لكن الباشوات قالوا لهم »كفاية اللي حصل للرجل« ونحن نسعي بطرق اخري مع الإنجليز. والموضوع سوف يحل قريباً.
* وعاد الطلبة بخفي حنين؟
ـ بالعكس من هنا بدأت الثورة.. عاد الطلبة الي الجامعة ومن شارع القصر العيني وحتي الجامعة كانت الثورة قد اشتعلت، وقامت من الاسكندرية الي أسوان وهذا حدث في التاريخ المصري كثيراً.. وهذا يدل علي اننا يجب الا نتوقع ردود فعل الشعب المصري بطريقة محددة، لأنه دائماً عنده مفاجآت
.* وهل تتوقع منه مفاجأة؟
ـ قراءة التاريخ تؤكد علي ذلك. ومن منا كان يتوقع أو يتصور أن يخرج »27« ألف عامل باضراب كما حدث في اضرابات المحلة الأخيرة. وأنا ـ قبل 5 سنوات ـ ما كنت اتصور ان تخرج مجموعة من الشباب وينزلون الي قلب القاهرة ويهتفون بسقوط النظام. المؤكد بالنسبة لي أن فيه حاجة في البلد بتتغير وتتبلور، وفي تقديري اننا قريبون من تغيير كبير جداً.
* إذا ما حدثت مفاجأة كالتي يتوقعها البعض.. فما هي القوي التي تقود الجماهير والساحة خالية إلا من الاخوان؟؟
** أنا أعتقد أن الموضوع معكوس، بمعني أن الثورة هي التي تصنع الزعيم وليس العكس.
* اعتقادك هذا علي غير ما يعتقد البعض من أن الزعيم هو الذي يصنع الثورة؟
** ليس في كل الحالات.. ومصر علي سبيل المثال كان فيها الثورة الشعبية هي التي صنعت الزعيم »الثورة كانت 19 والزعيم كان سعد باشا زغلول« سعد زغلول قبل الثورة كان رجلاً عادياً. نعم كان لديه مواهب، وتطلعات، ومشاركات وطنية. لكن هذه مواصفات قد يشترك فيها الكثير. انما الثورة عندما قامت صنعت زعامته.
*إذن الكادر الثوري يخرج من رحم الثورة نفسها؟
** انظر علي سبيل المثال إلي قادة العمال في اضرابات المحلة الأخيرة. واسأل نفسك من هؤلاء؟ وعلي أي قدر من الوعي؟ لقد كانت ادارتهم واعية جداً، رغم انهم لا علاقة لهم باللجان النقابية، وفيهم نساء، وقالوا نحن لا شأن لنا بالسياسة. وعندما حدثت محاولة للالتقاء عليهم، وقفوا في مواجهتها. من هؤلاء؟ هم ناس عادية جداً، لكن الحالة صنعتهم، علماً بان الفرد فيهم لوحده قد يخاف من ضابط شرطة لو التقاه بمفرده.
* لكنه في الأحداث واجه كتائب أمن مركزي بأكملها؟
** وكان من الممكن أن يواجه ضعفها. لأن الحالة بداخله، فرضت نفسها، فصنعت منه حالة ثورية. ومن هنا أقول: إن الحالة الثورية تصنع الزعماء.. وبالتالي لا نستطيع أن نأتي بمسطرة و نقيس علي واقع متغير.
* لكن البعض يخاف من »الفوضي« في ظل عدم وجود أي فصيل آمن للقيادة؟
** الطبيعي ألا يكون هناك أحد. فالحكومة قامت ـ ومازالت تقوم بتفصيل الأحزاب علي مقاسها. وذات مرة كتبت الجارديان البريطانية أن الحكومة المصرية هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تختار المعارضة المناسبة لها.
* هذا لأن النظام يرفض المعارضة الحقيقية التي تودي لتبادل السلطة.
** نعم.. لأنه كما قلت يريد معارضة علي هواه. وأنا منذ أيام تبين لي ـ رغم انني أزعم متابعتي الجيدة للحياة السياسية في مصر ـ إن في مصر حزباً اسمه حزب المحافظين، علي طريقة حزب المحافظين في بريطانيا. وجاءت معرفتي به بعد ما وجدت اسمه ضمن ثلاثة أحزاب مصرية تتهم د. سعد الدين إبراهيم بالعمالة.
* إذن أنت تتوقع أن يكون في البلد اتجاهات أخري سياسية أو غير سياسياة غير معلنة قد تظهر في لحظة ما؟
** هذا توقعي.. في البلد حالة حقيقية، وسوف تنجب رجالها أو انجبتهم ونحن لا نعرف بعد. والمثال الدال علي ذلك تجده في القضاة. قبل موقفهم الأخير الذين يدافعون فيه عن مصر كلها حاضرها ومستقبلها، كانوا مستشارين عاديين. لكن فجأة وجدتهم يقودون القضاة في معركة مقدسة ومحترمة لحماية الشعب المصري. إذن هناك شئ حدث وكان نتيجته أحمد مكي والبسطويسي ومحمود مكي ، وزكريا عبدالعزيز والخضيري وغيرهم، وهؤلاء قادة بالفعل حقيقيون.
* هذا يعني أن أبواب الأمل في الشعب مازالت مفتوحة؟
** طبعاً.. كان قبل 10 سنوات من الممكان أن تسأل عن الشعب المصري وتقول »هو فين«؟ لكن اليوم الشعب المصري موجود وفاعل ومؤثر. ورغم ذلك نحن لا ننكر أن لدينا معوقات في الوعي المصري.
* معوقات سياسية أم اجتماعية؟
** معوقات في فهم الدين نفسه، ومن ثمة تنعكس هذه المعوقات علي الوعي السياسي والاجتماعي. لقد وقعنا في قبضة فهم للدين غير صحيح. وهذا هو الفهم الذي بشرنا به الفهم الوهابي أو السلفي. وهذا الفهم في النهاية لا يخدم الشعوب ولا الحرية ولا الديمقراطية بقدر خدمته للأنظمة الاستبدادية.
* بمعني؟
** وجهة النظر السلفية يكاد يكون فيها شبه اجماع علي أنه لا يجوز الخروج علي الحاكم المسلم
.* حتي لو كان مستبداً؟
** حتي لو كان أي شيء.. وهذه وجهة نظر تصنع أرضية كبيرة للاستبداد، بل وتساعده في أن يقر وجوده. وفي المقابل يستكين الشعب.* لكن علي فترات نري مظاهرات يقوم بها أفراد الشعب منها ما نراه في الأزهر؟** لن تجد فيها احتجاجاً أو مظاهرة أو رفضاً لفساد أو استبداداً أو غلاء أو تزوير انتخابات. لكنك ستجدها تخرج مثلاً ضد رسوم في الدنمارك وأنا ضد هذه الرسوم بالطبع ـ علما بان علاقتي بالدنمارك لاتزيد عن الجبنة. والنظام يستغل ذلك ويشعل فيه الزيت ليرتفع لهيبها أكثر وأكثر؟
* وما هدفه من ذلك؟
** فرصة لطيفة يجمل بها وجهه. فالدنمارك ليست أمريكا ولا إسرائيل، وبالتالي لا بأس من »شوية« مظاهرات علي »قد المقاس« المطلوب. لكن يخرج الشعب في مظاهرة ضد هتك أعراض بناته لم يحدث؟ يخرج ضد تزوير فاضح للانتخابات لم يحدث؟ ضد القمع والفساد أيضاً. لم يحدث
.* ولماذا يحتج ويتظاهر علي ما يحدث هناك ولا يفعل ذلك علي ما يحدث له هنا؟
** لأن الكتاب الذي يوزع عليه، هو كتاب مرجعيته الفهم السفلي للدين. وللأسف في الكتاب لا توجد حقوق سياسية لك كمواطن. بل يقول لك هذا الفكر لا يجوز الخروج علي الحاكم المسلم، طالما ينطق بالشهادتين، ويؤدي الفروض. وطبعاً الحكام المستبدون في الوطن العربي يؤدون الفروض كلها علي أكمل وهل هناك ماهو أكثر من ذلك؟ وجه. بل إن بعض الفقهاء زادوا علي ذلك؟** طبعاً.. قال بعض الفقهاء ـ زيادة في الاستكانة للشعوب ـ لا تخرج عليه وإن جلد ظهرك وسرق مالك. وفيه بعضهم قال وإن فسق أو زنا.
* وبذلك أغلقت كل الأبواب؟
** بالضبط كده.. بل وزيادة في الأمر.. لو خرج الحاكم وقال يا جماعة معلهش أنا كفرت ـ وهذا مستبعد حدوثه ـ لكن علي فرض. في هذه الحالة بعضهم قال: حتي لو أعلن كفره وأصبح كفره واضحا، فعليك أن تقيس. لو أنت خرجت عليه. فهل خروجك سيكون ناجحاً؟ أما إذا لم يكن كذلك فعليك »برضه« أن تلزم الطاعة، حتي يبدله الله.
* لكن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم؟
** الذي تقوله هذا هو الفهم الصحيح للاسلام. لكن الذي أتحدث عنه هو فقه السلاطين، وهو ليس له علاقة بالاسلام اطلاقاً. وهذا ليس فهمي للإسلام، لكنه فهم سلفي متأخر للإسلام. وهذا الفهم انتشر في مصر وسواء جاء عن طريق السعودية أو عن ان 25% من الشعب المصري سافر الي الخليج، إلا أن النتيجة واحدة.
* وهل لهذا الفكر أو الفهم تأثيره علي الوعي السياسي ؟
** بالتأكيد كان سبباً في تأخر ونضج الوعي السياسي للشعب المصري». لأن هذا الفهم يجعلك تفصل العام عن الخاص. ولو أنك مثلا لا تجد وظيفة. فهذا معناه، إما أن الحكومة لا توفر فرص العمل لك؟ وإما أنك لا تصلي وبالتالي ربنا غير راض عنك.
* والمؤكد أن النظام استفاد من هذه الحالة؟
** لم يستفد فقط، بل دعمها، وفتح المنافذ لمشايخها. حتي يظل المواطن منغلقا علي ذاته، ويفصل بين الظرف الخاص والظرف العام. وحتي يجعلك دائماً هكذا في حالة من الاستكانة. لو غرقت في عبارة تقول.. ربنا عايز كده وان احترقت في قصر ثقافة تقول »نصيبي« ولو نقلوا لك دما ملوثا تقول »محدش بياخد أكثر من نصيبه« وان زوروا الانتخابات وسرطنوا الأكل ولوثوا المياه تقول »منهم لربنا«. لكنني مازالت أكرر أن هذا الفكر السلفي ليس له علاقة بالاسلام الحقيقي، فالاسلام كان ثورة.
* الإسلام ثورة؟
** بالطبع.. و ثورة حقيقية.. لأن الاسلام قبل الثورة الفرنسية مثلاً كان فيه العدل والمساواة والرخاء. أما الفكر السلفي فهو يخدم النظم المستبدة
.* حتي الدين يستغله النظام في تحقيق مآربه؟
** بدون شك.. وعد معي بالذاكرة الي واقعة فاروق حسني وزير الثقافة عن الحجاب، والتصريحات التي أطلقها بشأنه وأثارت الرأي العام الداخلي. هذه التصريحات يستخدمها النظام لصالحه أمام الغرب، فهو يطلقها من أجل الترجمة، حتي يعلن من خلالها مواقف له.
* وما أهدافه؟
** الهدف أن يقول للغرب ـ بعدما ينقلب الرأي العام في مصر وتحدث ضجة كبيرة ـ هو أن يقول لهم اننا الحائط الأخير أمام الاخوان المسلمين. وبالتالي يساند الغرب النظام ويقف بجواره.
* لكن أعضاء الحزب الوطني أنفسهم كانوا يهاجمون الوزير في البرلمان؟
** هذه أدوار يتم توزيعها.. وكذلك أطلق أحمد نظيف من قبل تصريحا قال فيه »مصر دولة علمانية« هذه وغيرها تصريحات للخارج. نعم لقد هاجم أعضاء الحزب الوطني الوزير بل أن كمال الشاذلي نفسه قام بالهجوم. وأنا متفق مع الشاذلي في دفاعه عن الحجاب. لكن لم يقل لنا الشاذلي هل تزوير الانتخابات والفساد والاستبداد والقمع في حاجة مثل الحجاب للدفاع والهجوم عليهما أم لا؟
* ونتيجة الي كل ذلك الي أين وصلنا؟
** أصبحنا »بلدين« في بلد واحدة. وأنا لظروف معينة أعايش البلدين.. وأري الفرق ما بين مصر الصغيرة التي لا يتعدي عددها 20% وهي في غني فاحش وبين مصر الأخري 80% في فقر قاتل
.* علي ضوء ذلك ما تقييمك للحكومة؟
** فشلت في كل شئ. فالنظام لم ينجح الا في القمع والتضليل. القمع يقول عنه انه أمن والتضليل يقول عنه إعلام.
* لكن البعض يري أن النظام أعطانا حرية و ديمقراطية غير مسبوقة
** أعطانا حرية الكلام وليس حرية التعبير.*
وما الفرق بينهما؟
** الفرق شاسع.. حرية التعبير تبدأ بالكلام وتنتهي بسيادة القانون. لكن حرية الكلام لا تؤدي الي شئ فقط تكلم كما تشاء ونحن سنفعل ما نشاء. وهذا ماهو موجود في البلد اليوم
الوفد - 29/10/2007
حوار أجراه: خيرى حسن
No comments:
Post a Comment