طوى حزب الله ( أو تظاهر بأنه طوى ) صفحة مشروع الدولة الإسلامية ، في أوائل تسعينيات القرن الماضي ، يوم شارك في السلطة مشاركة جزئية ، راضيا أن يكون جزءا من السلطة التشريعية ورافضا أن يكون شريكا في السلطة التنفيذية ، حتى لا يتلوث بفسادها ، على ما كان يعلن في خطابه السياسي . يومذاك رسم بوضوح حدود مشروعه السياسي وحصرها بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ، ورأى أن الاكتفاء بذلك قوة للمقاومة وإبعاد لها عن منزلقات السياسة اليومية .إذن صار حزب الله يقاتل من غير مشروع سياسي داخلي . ذلك أن التحرير وحده هو برنامج نضالي يستهدف عدوا خارجيا ، في حين ينبغي أن ينطوي أي مشروع داخلي على مواجهة معيقات التطور البنيوية ، أي مواجهة التخلف بكل وجوهه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وهو ما لم يكترث حزب الله إليه بتاتا .لم يكن ذلك الأمر نقيصة حزب الله وحده ، بل نقيصة كل حزب يدعي الانتماء إلى قوى التغيير السياسي . ذلك أن من بديهيات العمل السياسي أن الحزب الذي يبني كل مشروعه على أساس العداء للخارج فحسب ، إنما يؤسس للاستقالة من مهمة التغيير الداخلي ، ويؤسس ، فضلا عن ذلك ، لبناء وعي شوفيني عصبوي ضد الآخر ، الأخر الغريب ،أو المحتل أو الأجنبي أو المستعمر أو المستكبر، أو الأخر المختلف ، أو الآخر"العميل" لأي واحد من هؤلاء . هذا هو الوعي الدائري الذي يطوق نفسه بسياج من الإيديولوجية المغلقة على نفسها ، المشابهة لكل الإيديولوجيات العنصرية ، التي يتحول الآخر بموجبها إلى عدو ، لأنه آخر ،أي لأنه مختلف بالرأي أو بالزي أو بالطقوس . تلك هي التعبئة الكتائبية التي شحنت نفوس اللبنانيين قبيل الحرب الأهلية على الفلسطيني لكونه " غريبا " ؛ الغريب ذاته في التعبئة الكسروانية لدى المارونية السياسية عموما . وهي التعبئة ذاتها لدى شيوعيي الفكر الميكانيكي الأصولي الذي يعادي الرأسمالي لأنه رأسمالي ، والصحيح أن الشيوعية كحضارة أو كنظام متخيل هي نقيض للنظام الرأسمالي وحضارته ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر القومي ضد الشيوعية باعتبارها فكرا مستوردا ، أي غريبا ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر الديني ضد فروع متحدرة من أصول الفكر الديني ذاته وضد سواها أيضا ، مما يعتبر في نظره منتميا إلى الآخر ، السنة ضد الشيعة والشيعة ضد السنة كما يحصل اليوم في العراق ، أو المرجئة ضد الخوارج مثلا ، أو حال التكفيريين ضد بعضهم بعضا ، الخ .في ظل هذا الوضع ، الذي يحصر العداء بالغريب الخارجي و بعميله الداخلي ، يتعاظم الخوف من الداخل ، ويتحول جزء كبير من النضال إلى تحصين النظام في الدولة أو في الحزب ضد أي اختراق ، فيتعزز دور الأمن وأجهزته وتتسع مسؤولياته ، لتطغى مع الوقت على كل المسؤوليات ، ويغدو النظام محكوما بالخوف من جمهوره لا بالثقة به ، فيتحصن منه بدل أن يحصنه ضد أمراض العصر التي تسمى التخلف . دليلنا على هذا التوصيف متوفر في تجارب الشعوب والدول ، لا سيما المحيطة بلبنان ، وخصوصا في التجربة اللبنانية بالذات . النظام الأصولي في أفغانستان لم يجد ما يفعله في الداخل سوى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو ظلام العصور الوسطى ، لأن وعيه السياسي لم يكن يتسع إلا للعدو الخارجي ، ولم ينتبه إلى حفاة الأقدام من أبناء شعبه ممن يعضهم الجوع بنابه . صدام حسين انهار نظامه القوي لأنه بناه على العداء للاخر ، الصهيونية والاستعمار والفرس ، والشيوعيين ، وكل بعثي معارض . كل واحد من هؤلاء كان يمثل الآخر الغريب ، الآخر العدو ، بل لأن العداء للآخر شكل الجزء الأساسي من برنامجه الداخلي ؛ حركة 14 آذار العارمة سقطت في امتحان الحكم في لبنان لأن معيارها خارجي أساسا ، وهي لم تنتبه أبدا إلى إعادة بناء الدولة ، بينما بدت كأنها متفرغة فحسب للدفاع عن نفسها ضد المخططات السورية والإيرانية ، حسب تعبير خطابها السياسي ، أو للتخطيط لقلب النظام السوري حسب لغة الخصوم ( من أين لهم أن يفعلوا ذلك ، وإن كانوا يتمنون حصوله )؛ أما حركة 8 آذار فاستنادها إلى المعيار الخارجي أكثر وضوحا ، ذلك أنها لم تنتظر مرور شهر على اغتيال الحريري حتى انتظمت في مظاهرة شكر لسوريا ، في وقت لم يكن دم الحريري قد جف بعد ، ولا جفت دموع الذين يبكونه ويتهمون سوريا ( وعملاءها طبعا ، حسب اللغة الدارجة ) بإهدار دمه ؛ اليسار كله ، يسارنا ، كان يسميه خصومه اليسار الدولي ، لأنهم اعتبروه وكيلا ليسار خارجي ، أي غريب ، وكان هو ، من جهته ، يقيم الاعتبار ، بالأولوية ، للتناقض الخارجي ؛ هكذا فعلت الأحزاب الشيوعية العربية في موقفها من تقسيم فلسطين ، حين تبنت موقف الاتحاد السوفياتي في مواجهة سائر المواقف العربية ، ( ليت العرب جميعهم تبنوا هذا الموقف يومذاك !)، وكذلك فعل الحزب الشيوعي الجزائري حين تبنى موقف الرفاق الفرنسيين وأهمل موقف الشعب الجزائري من الاحتلال الفرنسي ، وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني ، يوم وقف إلى جانب ترشيح الرئيس فرنجية لولاية جديدة بصفته " قوميا عربيا " معاديا للإمبريالية والصهيونية والاستعمار ، حسب تعبير بيان المكتب السياسي في حينه ( عام 1988 على ما نذكر ) ، إلى آخر لائحة طويلة من الأمثلة على تغليب العامل الخارجي واعتباره معيارا أول في رسم الخطة السياسية .في ظل غياب البرنامج الداخلي يتحول هم السلطة ، في النظام أو الحزب ، إلى مجرد الحفاظ على نفسها ، أي أن السلطة تصبح هدفا بذاته . هذا ما ظهر في سلوك الأنظمة السياسية العربية التي كانت ترى الأوطان بخير إن هي كانت بخير ، وهو ما اقتدى به حزب الله بعد حرب تموز 2006 ، إذ سبقه النظام السوري إلى إعلان مثل ذاك النصر في إعقاب حرب تشرين ، وصار يحتفل كل عام بالمناسبة ، مع أن نتائج المعركة يومذاك انجلت عن احتلال إسرائيل لمناطق واسعة من الأراضي السورية .في مثل هذه الحالة لن يجد "المنتصر" سبيلا إلى إقناع الجمهور بنصر غير مقنع إلا استخدام أساليب ترهيبية كالتخوين مثلا الذي يمكن أن يرمى به كل معترض . لقد تناولت أقلام كثيرة هذا الجانب من الموضوع وأشبعته بحثا ، مفندة الحجج الانتصارية ، داخضة مزاعمها ، مستخدمة من الأدلة ما هو مقنع بالمنطق الصوري والمنطق العملي بأن الخسارة السياسية من هذه الحرب كانت أكبر بكثير من كل البطولات الفعلية ، وهي بطولات لا يرقى إليها الشك ، في مواجهة العدو الصهيوني . لذلك لا يعنينا هنا معاودة تفنيد مزاعم الانتصار ، بمقدار ما يعنينا أن نبين كيف دفعت المزاعم بحزب الله نحو المأزق .
مأزق الخواء السياسي
نقصد بالخواء السياسي غياب برنامج سياسي واضح يناضل حزب الله تحت رايته ، نقول ذلك من غير أن نغفل أهمية الدور الشخصي لعدد من العلماء والسياسيين والمعممين في قيادات الحزب العليا والوسيطة ، غير أن دور الأفراد لم يكن أبدا ، في التاريخ ، بديلا عن البرنامج السياسي .لقد تورط حزب الله حين قرر سلفا أنه سينتصر في المعركة مع إسرائيل ، وهو ما وعد به أمينه العام اللبنانيين عموما والمحازبين خصوصا ؛ ذلك أن المبررات والحجج والبراهين التي تستخدم في الوعد لا يمكن أن تكون هي ذاتها بعد المعركة . في الوعد يمكن أن تستخدم كل وسائل التعبئة والنخوة والاستنهاض بكل أنواعها، الوطنية والقومية والإيديولوجية ( ومنها الدينية ، وخصوصا الفكرة المهدوية لدى الشيعة الإثني عشرية ) ، أما بعد انجلاء غبار المعارك فمن المنطقي أن يكون العلم هوالأساس في الحسابات الدقيقة للربح والخسارة .في خضم المعركة يعتبر الإيمان ، الإيمان بالقضية ، عاملا أساسيا في بناء الثقة والصمود والمواجهة ، ويدان كل نهج يشكك أو يضعف المعنويات أو يزرع الإحباط أو يبعثر الجهود أو يخون الوطن، الخ ، الخ . أما عند نهاية المعركة فكل حساب يستند إلى الإيمان والاستنهاض والنخوة والعواطف فحسب ، الخ . هو بالضرورة حساب مغلوط .في حالة الانتصار يأخذ المنتصر من المهزوم . حزب الله لم يستطع أن يأخذ من إسرائيل شيئا،على غرار ما حصل غداة حرب نيسان 1996 ، لذلك ارتد إلى الداخل اللبناني ، وراح يطالب الأطراف الداخلية بثمن الانتصار . ذلك كان باب الدخول في المأزق . لقد كان ممكنا أن تتصرف قيادة حزب الله، على غرار القادة الكبار في التاريخ، بما يفتح الباب أمام نقاش علمي لما جرى ، فتستقيل القيادة وتدعو إلى مؤتمر عام للحزب يجري فيه نقاش كل شيء ، لكنها أصرت على محاسبة الشعب اللبناني بدل أن تحاسب نفسها ، وعلى دفع الاحتقان المذهبي إلى ذروته ، وعلى تصعيد الصراع السياسي على السلطة ، ودائما من غير برنامج إلا السعي إلى السيطرة على السلطة ، ما شكل تورطا في تعميق المأزق .حزب الله فضح مأزقه عندما استقال من الحكومة ، ذلك أنها المرة الثالثة التي يستنفر ضدها . المرة الأولى عندما رفض مشاركتها استنكار التهجم على رئيسها (يوم وصف الرئيس السوري رئيس الوزراء اللبناني بالعبد المأمور لعبد مأمور) ، والثانية حين رفض الموافقة على مطالبتها المبدئية بمحكمة دولية (يوم اغتيال النائب جبران تويني ) والثالثة اعتراضا على الموافقة الرسمية على مشروع المحكمة الدولية . في المرات الثلاث حرص على التمايز عنها دفاعا عن سوريا لا دفاعا عن لبنان من عدوان إسرائيلي .كان سبق هذه الرغبة بالتمايز ، على أساس شعارات وطنية ، إعلانه الصريح والواضح تضامنه مع سوريا في مواجهة اللبنانيين المتألمين على اغتيال قياداتهم (بصرف النظر عن صحة الاتهام أو عدمه ) ، في مظاهرة الوفاء لسوريا في ساحة رياض الصلح ، وفي التجمع الحاشد في الجنوب الذي نظم خصيصا لترفع فيه شعارات التخوين الصريحة وصور التقبيح الشنيعة . ثم تلا ذلك شهر عسل مع " الخونة " الذين صاروا من الرموز الوطنية الكبرى ! كل ذلك في غضون أشهر تقلبت فيها معايير الوطنية والخيانة وانقلبت رأسا على عقب ، أكثر من مرة . تقلب المعايير هو الدليل بعينه على هذا المأزق .فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية بين أن يكون عون في خطاب حزب الله " حالة إسرائيلية " ( بالإمكان العودة إلى أرشيف الصحف للتأكد من ذلك ) ، وأن يصير دخوله الحكومة تجسيدا أصيلا للوحدة الوطنية ، مفارقة تخالف كل منطق .ولئن كنا لا نوافق على أي من طرفي المفارقة ، فنرى بأنها ناجمة عن فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية . الوحدة الوطنية هي الانتماء إلى وطن واحد وشعب واحد . إلى وطن سيد حر مستقل . ولا يمكن أن تتجسد الوحدة الوطنية بتجمع أطراف يرشقون بعضهم بعضا بتهمة الخيانة الوطنية والعمالة للخارج ، سيان إن اجتمعوا في حكومة أو مجلس نيابي أو احتفال ؛ هذا فضلا عن أن حزب الله كان قد وافق على المشاركة في الحكومة من غير أن ينتقص غياب العماد من وحدتها أو من وطنية بيانها الوزاري . المدخل إلى الوحدة الوطنية إذن يبدأ بالكف عن هذا السجال التخويني المجنون ، وبالعودة إلى لغة الحوار العاقل الهادىء ، والمسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق حزب الله قبل سواه ، وعلى عاتق كل المشاركين في جوقة التخوين المقيتة التي لم تترك سترا إلا وهتكته أو شرفا إلا ودنسته ، خلافا لكل الأعراف الوطنية والاجتماعية وحتى الأخلاقية . تعالوا نناقش كيف يمكن أن يمارس كل منا حقه في بناء تحالفاته الخارجية ، مع سوريا وإيران أو مع أميركا ، من موقع الانتماء الراسخ إلى الوحدة الوطنية ، وإلى لبنان السيد الحر المستقل ، من دون أن يرمى بتهمة التكفير والخيانة .الوحدة الوطنية تبدأ ببناء الدولة ، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص ، دولة الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية ، دولة الفصل بين السلطات والتناوب على السلطة، الخ .والمدخل إلى مثل تلك الدولة قانون انتخاب يعتمد النسبية ولبنان كله دائرة انتخابية واحدة . إذذاك لا يعود لأحد الحق في أن يحتكر تمثيل طائفة أومذهب أو منطقة ، ولا يعود بمستطاع أحد جر طائفته ، على غرار ما فعلته الكتائب بالمسيحيين في بداية الأزمة ، وعلى غرار ما يتهدد مستقبل الشيعة اليوم ، إلى مغامرات الحروب الأهلية المجربة على امتداد عقود ، والمتكررة على امتداد قرون ، والتي يخسر الجميع فيها ولا ينتصر أحد ، حتى لو كان هذا "الأحد " سوريا أو إسرائيل أو أي طرف محتمل نظريا في الشرق أو في الغرب .
ماذا لو احتل حزب الله لبنان ؟!
حزب الله في تصريحاته حريص على الوحدة الوطنية ، وعلى الديمقراطية ، وعلى نبذ الحرب الأهلية . غير أن جمهورا كبيرا من اللبنانيين تنتابه الخشية على مصير الوطن ويعيش في حالة من القلق الدائم على مصيره العائلي والمالي ، من هنا يبدو الإقبال كثيفا على الهجرة . بمعزل عمن يملك الحقيقة من بين أطراف الصراع في لبنان ، يبدو من الملح أن تبحث جميع القوى السياسية عن مخرج من أزمة الشحن المذهبي المدمر ، وعلى عاتق حزب الله أكثر مما على عاتق سواه تقع مسؤولية ذلك ، لأنه الوحيد ، نظريا على الأقل ، الذي يملك ترسانة من الأسلحة والوحيد الذي تجعله تلك الترسانة مهيأ ، نظريا أيضا ، لمغامرة الحرب الأهلية ، أو متهما ، على الأقل بذلك .ليس ذلك من قبيل الافتئات على حزب الله ، بالرغم من تقديرنا بأن اللبنانيين لم يتخلوا فعليا عن السلاح الذي ربما يكفيهم فحسب للمباشرة بالحرب الأهلية ، وبعد ذلك الله هو المدبر . أما ما جرى تسليمه من السلاح للسلطة اللبنانية بعد الطائف فلم يكن إلا تعبيرا سياسيا ، أي رمزيا ،عن الموافقة على اتفاق الطائف . لكن لنفترض أن حزب الله يملك القدرة أكثر من سواه على الحرب وعلى جني انتصار عسكري منها ؛ لنفترض أنه قادر بترسانته ،التي يتباهى بها ،على احتلال لبنان ، فماذا بإمكانه أن يفعل بهذا الانتصار ؟ بإمكانه أن يستلم السلطة مباشرة أو عبر أحد حلفائه ( العماد عون مثلا ) ، لكنه سيجد نفسه أمام مهمة وحيدة ممكنة ، هي إدارة الأزمة اللبنانية بدل حلها ، هذا إذا كان يعتمد في منطق تحليله على أن العوامل الخارجية هي الأساس في رسم إطار الحل للأزمة اللبنانية . وهذا يشكل ، في نظرنا ، وجها آخر من وجوه المأزق ، لأنه في مثل هذه الحالة سيجسد ، بالملموس، ارتباط تضحياته بقضايا خارجية وبقوى خارجية ، أكثر منه بمصلحة الشعب اللبناني .إن حزب الله ، على ما يقول في تصريحاته ، يملك قوة عسكرية بشرية تفوق الحاجة إلى عمليات مقاومة ضد الاحتلال ( لا هو ولا سواه احتاج إلى أكثر من مئات المقاومين لتحرير الأرض المحتلة) ويملك عدة عسكرية تفوق الحاجة إلى مقاومة الاحتلال ( من بينها آلاف الصواريخ على ما يصرح قادته ) . إذن ما هي حاجته إلى هذا الفائض العسكري ؟ طرح هذا السؤال أمر منطقي ، عند من يعرف أن تنامي أية قوة عسكرية هو بحد ذاته مشروع حرب أو بحث عن مشروع حرب ، وتزداد خطورته إذا هو لم يقترن بمشروع سياسي واضح . بسبب هذا ( لا بسبب الخيانة ) قيل في السر وفي العلن أن حزب الله هو الذي هيأ للحرب مع إسرائيل ، لأن من الطبيعي أن يتساءل اللبنانيون عن الغاية من الأنفاق والتحضيرات العسكرية الواسعة النطاق ، بما فيها إدخال الصواريخ بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000 ، ولن يكون السؤال منطقيا لو كان ذلك قد حصل قبل ذلك .ومن الطبيعي أيضا أن يتساءل اللبنانيون عما إذا كان حزب الله يهيء اليوم شمال منطقة الليطاني ، وصولا إلى عكار ، إلى ما سبق وهيأه لجنوبها ؟ إن حزب الله الذي يحتكر القرار بشأن السلاح والحرب والسلم ، بعيدا عن أي تشاور ، يصر من ناحية أخرى ، على أن ينتزع من الأكثرية حقها في ممارسة السلطة . تلك مفارقة لا يمكن لأي خطاب ، مهما يكن بليغا ، أن يحولها إلى معادلة منطقية . إذ كيف يكون حزب الله مع المشاركة الكاملة في شأن ومع احتكار القرار في شأن آخر ؟ إن ما لا يبنى على المنطق والإقناع العقلي ليس سوى ضرب من "التشبيح " السياسي ، يشبه كل صنوف التشبيح التي مارستها ميليشيات الحرب على أموال الناس وأعراضها وأفكارها ، من خارج القانون . بسبب هذا النوع من التشبيح ، خلافا للقانون، يمكن أن تتهم المقاومة بأنها ميليشيا ، مع أنها، في سلوكها الأخلاقي والمالي ، تجل عن هذه التسمية . إنه تشبيح القهر ، وإرغام الناس على الاقتناع قسرا بما لا يقتنعون به عقلا ، والتهويل على الرأي المخالف بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وأدناها التخوين ، وادعاء تمثيل مصالح من لا يقبلون بأن تمثل مصالحهم بالشحن الطائفي والمذهبي، وادعاء احتكار المعرفة في العلم وفي أمور الدنيا وتحويلها إلى معرفة غيبية محاطة بالقداسة فيما أمور الدنيا والسياسة ، ومنها تلك التي يدافع عنها حزب الله ، مدنسة بالمصالح المادية وبعيدة عن أية قداسة .... الحل في حوار حول بناء الدولة والوطن
No comments:
Post a Comment