Tuesday, December 25, 2007

قتلوها.. لأنها عصرية وليبرالية وجريئة

حاول أن تتخيل فتاة باكستانية جالسة في غرفة الأخبار بجامعة هارفارد خلال أوائل السبعينات من القرن الماضي وتنقل قصصا حول الفرق الرياضية الجامعية بطريقة عاطفية. هذا هو أول ملمح لبي نظير بوتو تمكن بعضنا أن يعرفه عنها.
ولم تكن لدينا أية فكرة عن أنها من أسرة سياسية باكستانية بارزة. كانت شديدة الانشغال في القفز صوب مستقبلها إلى حد أنها لم تقدم عرضا يتعلق بماضيها.
أنا شاهدت هذه المرأة الانفعالية مرات كثيرة خلال السنوات اللاحقة ولم أفقد تصوري عنها كشخص متهور يتبنى ما هو جديد بالنسبة لها ولوطنها. أتذكر أنني التقيت بها حينما كانت طالبة في جامعة اوكسفورد وهي تهز اتحاد طلبة اوكسفورد المحافظ في أثناء جلسة نقاش.
كانت ترتدي قميصا «تي شيرت» رسم فوقه لسان متحد خارج منه، وأتذكر أن قناعة تشكلت في نفسي من أن السياسة في باكستان لن تكون هي نفسها حالما تعود هذه الفتاة إلى بلدها.
وخلال السنوات اللاحقة كنت ألتقي بها خلال زياراتها لواشنطن بعد أن ورثت الزعامة السياسية عن أبيها وأصبحت رئيسة وزراء في عام 1988
في سن الخامسة والثلاثين.
وغيرت من شكلها الخارجي، إذ راحت ترتدي غطاء للرأس مع ملابس تقليدية ونضجت لكن في عاطفتها المتوقدة داخليا لتحقيق التغيير.
لم تكن بوتو تعرف الخوف من أيام دراستها الجامعية في أميركا إلى يوم اغتيالها اول من أمس؛ فهي ظلت تتمتع بإيمان عميق بأن على باكستان أن تبهر العالم الحديث بنفس الثقة والشجاعة اللتين كانت تمتلكهما في السابق. وظلت مؤمنة بالديمقراطية والحرية والانفتاح لا كشعارات بل كطريقة عيش.
ولم تكن مثالية؛ فتهم الفساد التي وجهت ضدها خلال فترة حكمها الثانية صحيحة كلها. لكنها ظلت أكثر الأصوات الباكستانية المؤثرة التي تعبر عن الليبرالية والتسامح والتغيير.
لو كانت شخصا أقل عزيمة مما هي عليه، لتراجعت بعد محاولة الاسلاميين المحافظين قتلها حال وصولها إلى باكستان في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. لكن بوتو عبرت الجسر منذ فترة طويلة؛ فهي شخص بما ورثته تتصرف بجرأة كبيرة في الحياة. فوالدها وأخواها قتلا بسبب رؤيتهما لبلد تحقق فيه التعايش ما بين الإسلام والعالم الحديث. وكان خوفها الوحيد، حسب ظني، هو احتمال فشلها في أداء مهمتها.
وكان اغتيالها كما قال الرئيس بوش «عملا جبانا». كان قتلا سياسيا، ظاهرة نراها من لبنان الى العراق الى باكستان. وإذا ما نسينا، بمرور الزمن، وجه التطرف الاسلامي المسؤول عن الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، فإليكم تذكيرا: قتلة بوتو استهدفوها لأنها عصرية وليبرالية وجريئة.
وفي أعقاب مصرع بوتو شعر الكثير من الناس بالغضب الغريزي على خصمها السياسي الرئيس برويز مشرف. وسيتعين علينا أن ننتظر الحقائق، ولكن رد فعلي الأول هو ان إلقاء اللوم على مشرف خطأ. فهو يقاتل المتطرفين الاسلاميين انفسهم الذين يبدون أنهم قتلوا بوتو. وقد واجه، هو نفسه، تسع محاولات اغتيال. وقد أغضب بوتو وأنصارها جزئيا انه جادل بأن الوضع السياسي الباكستاني كان ما يزال عنيفا ومتقلبا بحيث انه تعين على الجيش فرض حالة الطوارئ.
ويعتبر اغتيال بوتو تجليا وحشيا لصعوبة فهم الاجانب لبلد مثل باكستان. وحاولت ادارة بوش شيئا من الهندسة السياسية عندما حاولت التوسط لإقامة تحالف بين مشرف وبوتو وسعت الى وضعها في موضع رئيسة الوزراء المقبلة للبلاد. غير أنه في أماكن مثل باكستان حيث لا يمكننا ان نكون واثقين من وجهة الأحداث، فان السبيل الأكثر حكمة للولايات المتحدة هو السبيل الحذر لمحاولة تحديد وحماية المصالح الأميركية. وسيقرر الباكستانيون كيف ومتى سيتوافق بلدهم مع العالم الحديث.
اعتقد أن بوتو كانت على حق في ما يتعلق بالمستقبل، وان الطريق الى باكستان اكثر استقرارا يتطلب على وجه التحديد الاصلاحات الديمقراطية التي أيدتها. وحاول مشرف والجيش ان يحكما من خلال قاعدة ضيقة وغير مستقرة تماما. وتلك غلطتهما ونقطة ضعفهما. ولكن اغتيال هذه المرأة الشجاعة تحذير من أن الطريق الى باكستان الحديثة التي حلمت بإقامتها لن يكون سهلا.
ان أفضل تكريم لبوتو، والتحول السليم لهذا البلد المضطرب، هو المضي قدما في الانتخابات المقررة اوائل يناير(كانون الثاني).
لم تكن بوتو خائفة من عملية التغيير تلك المضطربة والقاتلة أحيانا، ولا يتعين على غيرها ان يكون خائفا
ديفيد إغناتيوس
الشرق الأوسط 29/12/2007

No comments: