Tuesday, December 25, 2007

70 عاما على بي بي سي العربية

"هنا لندن.. سيداتي سادتي.. نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية للمرة الأولى في التاريخ...." بهذه الكلمات بدأ أول بث اذاعي من القسم العربي في بي بي سي الى منطقة الشرق الأدنى.
التاريخ كان الثالث من يناير كانون الثاني عام ثمانية وثلاثين. هذه اللحظة كانت بداية لسبعين عاما من بث القسم العربي بي بي سي بافتتاحيته الشهيرة "هنا لندن".
كانت بريطانيا آنذاك تحتل عددا من الدول العربية مثل مصر وفلسطين كما كان لها نفوذ واسع في عدد من الدول العربية الأخرى. وقد رأت الحكومة البريطانية ضرورة لبدء البث باللغة العربية الى تلك المنطقة لمواجهة الاذاعات الموجهة لدول مثل المانيا وايطاليا والتي كان لديها اذاعات تبث باللغة العربية في ذلك الوقت.
لكن ادارة بي بي سي لم تكن متحمسة لذلك وتقول وثيقة من وثائق الهيئة التي تعود لذلك الوقت ان مدير عام الهيئة اللورد ريث قال "ان ادخال لغات اجنبية الى الاذاعة سيؤدي لا محالة الى الاضرار بها".
في النهاية وافقت بي بي سي على بث اذاعة عربية شريطة أن تتمتع بالاستقلال عن وزارة الخارجية البريطانية شأنها في ذلك شأن باقي أقسام بي بي سي التي كانت موجودة في تلك الفترة
وفي أول بث اذاعي لها للعالم العربي جاء الخبر الثالث في نشرة الأخبار الأولى للقسم العربي من بي بي سي كما يلي: "فلسطين.. نفذ حكم الاعدام شنقا في عربي آخر من عرب فلسطين...."
الخارجية البريطانية أعربت عن استيائها من ذلك الخبر وكتب أحد كبار المسؤولين فيها قائلا: هل يجب على بي بي سي ان تذيع خبر اعدام كل عربي في فلسطين؟ كما شكا آخر من أن التوجه العام لمسؤولي الاذاعة يتناقض مع افكار وزارة الخارجية."
الا ان رئيس هيئة الاذاعة البريطانية في ذلك الوقت جيه بي كلارك برر طريقة تغطية بي بي سي العربية للاخبار قائلا إن "عدم التطرق الى الحقائق الاخبارية غير المرحب بها وما يتبعها من اخفاء للحقيقية يعارض سياسة الهيئة".
وبهذه الجملة ثبتت بي بي سي العربية أقدامها منذ اللحظة الأولى لولادتها كإذاعة تتمتع بالمصداقية والدقة والحيادية والاستقلالية وهو ما ظلت تحافظ عليه بعد سبعين عاما على مرور تلك اللحظة
على الرغم من ذلك لم تكن الثقة من جانب المستمع العربي وليدة اللحظة الأولى، نظرا لأن الاذاعة العربية كانت تبث من دولة محتلة. لكن الخبير الاعلامي حسن المصري يقول انه بعد مرور فترة قصيرة اتضح لدى المستمع العربي، ولدى مقارنته لباقي الاذاعات التي كانت موجودة آنذاك ان هذه المصداقية حقيقية ومنها بدأت علاقة الثقة المتبادلة بين بي بي سي العربية ومستمعيها.
ويضيف: "ان قدرة المستمع العربي على المقارنة بين اكثر من مصدر اذاعي مثل اذاعة المانيا العربية واذاعة فرنسا العربية وما تبثه بي بي سي العربية وما تبثه بعض المحطات الأخرى، مكنت المستمع العربي من الحكم على ما تبثه هيئة الاذاعة البريطانية وما توفره من شفافية ومصداقية."
تطورت مسيرة البث الاذاعي لبي بي سي على مدى سبعين عاما. ففي بداية بثها كانت برامج بي بي سي تستمر لمدة ساعة واحدة يتم فيها اذاعة "مقطوعات موسيقية واحاديث مشوقة" بحسب أول مذيع في القسم العربي ثم موجز لاخبار العالم اليومية.
ثم زادت ساعات البث على مدار السنوات التالية حتى وصلت الى تسع ساعات
عندما بدأت حرب الخليج الأولى عام تسعين/ واحد وتسعين اتخذ القرار بزيادة عدد ساعات البث لتصل الى ثمانية عشر ساعة، ثم وأصبحت حرب الخليج الثانية عام الفين وثلاثة علامة أخرى مميزة وفارقة في تاريخ الاذاعة العربية في بي بي سي عندما زادت ساعات البث مرة أخرى لتصل الى اربع وعشرين ساعة يوميا.
وبطبيعة الحال فقد اتسع مضمون المواد التي تبثها بي بي سي لتتتناول الى جوار الاخبار البرامج السياسية التحليلية والبرامج الثقافية والعلمية والترفيهية الى جانب المسرحيات العالمية والبرامج التفاعلية مع المستمعين مثل السياسة بين السائل والمجيب وبرنامج رأي المستمع، حديث الساعة ونقطة حوار.
وكان أحدث البرامج التفاعلية الاجتماعية التي انضمت الى اسرة الاذاعة العربية في بي بي سي برنامج بي بي سي اكسترا المسموع على نطاق واسع في انحاء العالم العربي.
وقد ارتبطت بي بي سي العربية أيضا في اذهان المستمعين بتعلم اللغة الانجليزية. حيث دأبت الاذاعة على تقديم برامج تعليم اللغة الانجليزية سواء عبر الاثير أو في وقت لاحق على موقعها على الانترنت.
ومثلما كان البث اللغة العربية هو الأول في الاذاعات الأجنبية في هيئة الاذاعة البريطانية، كان ايضا القرار باطلاق قناة عربية من بي بي سي.
في يوليو/ تموز من عام 1994 بدأت بي بي سي في بث تلفزيونها الناطق باللغة العربية، والذي كانت تأمل في الحصول على تمويله من وزارة الخارجية البريطانية.
لكن الحكومة رفضت تمويل المشروع ومن ثم لجأت الهيئة الى شركة أوربت للاتصالات وهي شركة سعودية ذات صلة بالاسرة الحاكمة في السعودية لتمويلها
وتعهدت أوربيت لبي بي سي بمنحها الاستقلالية التحريرية، تماشيا مع السياسة السائدة في بي بي سي العربية منذ انشائها عام ثمانية وثلاثين، الا أنه وبعد اذاعة تلفزيون بي بي سي العربي تقريرا عن وضع حقوق الانسان في السعودية عام ستة وتسعين قررت شركة أوربيت قطع البث عن التلفزيون العربي للهيئة.
الا ان هذه العقبة لم تقف في طريق تقدم القسم العربي اذ قام في عام ثمانية وتسعين باطلاق موقع اخباري على شبكة الانترنت وهو بي بي سي أرابيك دوت كوم، والذي أصبح أول موقع عربي اخباري تتجدد اخباره على مدار أربع وعشرين ساعة يوميا، الأمر الذي جعله يحصل على الكثير من الجوائر.
ومنذ انطلاقه، احتل موقع BBCArabic.com مكان الصدارة بين المواقع الإخبارية العربية على الإنترنت. وتمكن الموقع من اجتذاب اعداد كبيرة من الشباب الذين يعتبرون الاستماع للراديو قبس من الماضي.
يقدم موقع BBCArabic.com متابعة شاملة للأخبار بالنص والصوت وتقارير الفيديو المصورة، على مدى 24 ساعة إضافة إلى تمكين زوار الموقع من المشاركة في مناقشات عن قضايا الساعة والتواصل الفوري مع الاحداث في المنطقة وحول العالم، فضلا عن توفير بث مباشر لبرامج إذاعة بي بي سي العربية. و قد فاز BBCArabic.com عام 2000 بجائزة أفضل موقع إخباري في الشرق الأوسط على الإنترنت وعام 2001 بجائزة أفضل موقع اللغة العربية من حيث المحتوى الإخباري.
ومع احتفالها بعيدها السبعين تستعد بي بي سي العربية لاطلاق قناة تلفزيونية اخبارية جديدة لتصبح بي بي سي الاولى والوحيدة التي تبث محتواها الاعلامي للعالم العربي ولباقي انحاء العالم على ثلاث وسائط الراديو والانترنت والتلفزيون
أروى عاصم
بي بي سي - لندن

No comments: