Tuesday, June 14, 2011

الروائى والأديب العالمى فى حوار ساخن لـ«المصرى اليوم» (١ - ٢) بهاء طاهر: مصر غير قابلة للتحول إلى دولة دينية إطلاقاً.. لأننا نفكر بمنطق «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»


كما قال «جورج كليمنصو»، رئيس وزراء فرنسا، خلال الحرب العالمية الأولى، «الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات وحدهم».. أيضا السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم .. فلابد من دور للمثقفين والمبدعين، لأنهم، على حد قول الروائى الكبير بهاء طاهر، هم ضمير الأمة، والأمة التى لا تستعين بمثقفيها أمة بلا ضمير ينبهها ويستوقفها إذا ما أخطأت، ويراجعها إذا ما وقعت فى المحظور.

المبدع بهاء طاهر إحدى القمم الروائية فى مصر والعالم العربى، حاصل على عدد من الجوائز الكبيرة، منها جائزة البوكر العالمية عن روايته «واحة الغروب»، وجائزة أفضل رواية مترجمة فى إيطاليا عن روايته «خالتى صفية والدير» وجائزة أفضل رواية عام ٩٥ عن روايته «الحب فى المنفى».. فهو روائى ومترجم وقاص.. ويؤكد طاهر أن القائمين على الحكم قبل الثورة تعاملوا مع المبدعين على أنهم لا قيمة لآرائهم، وبعد الثورة يتعاملون بنفس منطق مبارك «خليهم يتسلوا» فلم يُدع المبدعون إلى لقاءات الحوار، ولم يؤخذ بأى من اقتراحاتهم.. وفى هذا الحوار حاولنا تكثيف الجهود للوقوف على رأى واحد من أهم ضمائر الأمة وإحدى القمم المبدعة التى تركت بصمة فى تاريخ مصر.. وإلى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء، دعنى أبدأ من نقطة الجدال الدائر فى الأوساط السياسية الآن، وهى إشكالية المطالبة بوضع الدستور أولا انتخابات برلمانية ثم دستور ثم رئيس؟

- أنا لست فقيهاً دستورياً لكنى أستمع وأقرأ جيدا للخبراء فى هذا المجال، ومنهم الدكتور محمد نور فرحات، الذى يوضح أن الخطوات المقبلة المحددة بهذا الترتيب الذى يريدونه- أى الانتخابات البرلمانية ثم الدستور ثم الرئاسة- تنطوى على خلل دستورى فظيع، وهناك عوار دستورى يترتب على هذه الخطوات، ومن يعلمون يقولون إن هذا خطأ، وإنه يخل بآليات العمل السياسى، وسيؤدى إلى مشكلات فى المستقبل، فإذا كان أهل العلم والخبرة يقولون ذلك، فما الذى يمنع من الأخذ برأيهم، إلا إذا كان هناك رأى أقوى منه قانونياً ودستوريا، فليقولوا لنا ما هو.

■ ما الذى يجعل المجلس العسكرى يصر على هذا الترتيب؟

- هذا السؤال يوجه إلى المجلس العسكرى نفسه، لأنه حساس جداً للنقد ولا يريد الاستماع إلى كلام أحد، اسأليهم.

وأرى أن الدستور الجديد قضية شديدة الحساسية ولا تستدعى أن يخوّن أحد الآخر، ولا أن يفرض أحد رأيه على الآخر، فليجتمع الفقهاء الدستوريون من أنصار هذا الرأى وذاك ويحاولوا التوافق فيما بينهم، لأنهم أهل الخبرة وعليهم مسؤولية حسم هذا الوضع.

■ هذا الترتيب يمنع ائتلاف شباب الثورة، على سبيل المثال، من المشاركة فى الانتخابات المقبلة لعدم وجود الوقت الكافى للاستعداد ولطرح البرامج.. فما رأيك.. وهل هذا الأمر مقصود؟

- هناك قوة كبيرة جدا بحكم المال تسمى الحزب الوطنى، وأخرى كبيرة أيضا بحكم المال تسمى الإخوان المسلمين، وقد استمعت من قبل إلى يوسف ندا، المسؤول المالى للتنظيم الدولى للإخوان، الذى تحدث عن أن التنظيم الدولى يمتلك مبالغ هائلة تنفق على نشاط الجماعة، فكيف لشباب لا يجدون المليون جنيه المطلوب لعمل الإعلان عن الحزب فى الصحف والمنصوص عليه فى القانون أن ينافسوا من لديهم أموال طائلة ولديهم مشروعات هنا وهناك ويكدسون أموالا؟! وأضاف مبتسما وأقصد بـ«الحلال طبعا» كيف تطلبين من النملة أن تصارع الفيل ،ثم يقولون لنا تكافؤ الفرص.. أى تكافؤ هذا؟!

■ وهل الأموال وحدها هى التى تلعب الدور الأكبر؟ وهل يمكن لحزب على رأسه رجل أعمال مهم مثل ساويرس أن يخوض المعركة بقوة وعلى قدم المساواة؟

- لا.. ليس المال وحده هو الحاكم فى الأمر إنما التاريخ يلعب دوراً كبيراً، فالإخوان يعملون منذ ٨٠ سنة، بينما شباب الثورة مازالوا مبتدئين.

■ بمنطق التاريخ، ما موقع حزبى الوفد والتجمع وغيرهما التى تعمل منذ سنوات طويلة؟

- الأحزاب القديمة التى كانت موجودة فى عهد مبارك «كرتونية» لا ثقل ولا وجود لها، رغم أن حزب الوفد عندما أراه على حاله الآن «قلبى بيوجعنى»، لأننا تربينا على حزب الوفد وخرجنا فى المظاهرات نهتف «يحيا الوفد ولو فيها رفد» وكان هذا الحزب نموذجاً للوطنية المصرية لكن الآن أنا حزين جدا على ما آل اليه حاله، وأتمنى أن يعود حزبا يعبر عن الوطنية المصرية، وعلى وحدة جناحى الأمة المسلمين والمسيحيين وحريصاً على مصالح كل طبقات المجتمع كما كان فى الماضى، فلم يكن حزب الوفد هو حزب الإقطاعيين، وإنما كان حزب الكل الإقطاعيين والغلابة فى الحقيقة، أما الآن فليس له هوية.

■ تقصد وضعه قبل وبعد ثورة يناير؟

- نعم.. والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وما أيسر أن يسترد وضعه السابق بالعودة إلى سياساته السابقة، التى تؤلف بين طوائف الشعب وجناحى الأمة - المسلمين والمسيحيين- والتى تؤلف بين الأغنياء والفقراء، فهو كان حزبا يعتبر جبهة وطنية جامعة لطبقات وفئات الشعب كلها، كان بداخله من هم فى أقصى اليمين ومن هم فى أقصى اليسار، وكان ذلك فى تآلف يعكس الطبيعة المصرية تماما كما أن قيادة النحاس باشا له كانت قيادة أبوية، مهما اختلفنا معه فى الرأى، وكان حزبا يعد نموذجا مصريا ومع الأسف لم يعد كذلك .

■ إذن.. الإخوان والحزب الوطنى يسيطران، والأحزاب القديمة كرتونية، وشباب الثورة مبتدئون.. المشهد السياسى القادم سيديره الإخوان والوطنى؟

- الخلاصة أن الاستمرار فى هذا الوضع الذى ينتهجه القائمون على الحكم معناه تسليم مفتاح البلد للإخوان والحزب الوطنى. وإذا كان القائمون على الحكم فى مصر يريدون ذلك فليستمروا فيما يفعلون.

■ وأيهما ترجح كفته فى النهاية «الإخوان» أم «الوطنى»؟ أيهما له السطوة الكبرى؟ وأيهما سيحصل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان فى توقعاتك؟

- إيه رأيك لو كان تحالفاً من الاثنين؟! فقد أثبت التاريخ أن الطرفين يعملان بمنطق «اللى تغلب به العب به» ولو ثبت أن التحالف فى دوائر معينة سيعود بالنفع عليهما سيفعلان ذلك دون أى غضاضة، فالإخوان الأقرب والأكسب لهم هو التحالف مع الحزب الوطنى والعصبيات المحلية.

■ هل بهذا المنطق ستتحول مصر إلى دولة دينية؟

- تصورى أن مصر غير قابلة إطلاقا لأن تتحول إلى دولة دينية، فالشعب المصرى غير ذلك تماما، فهو معتدل، ومن الأشياء الجميلة التى كانت موجودة فى ميدان التحرير يوم جمعة الثورة الثانية، كما أطلق عليها البعض هو وجود الطرق الصوفية الذين قالوا إنهم سيحضرون الجمع التالية بأعداد أكبر، هذا إلى جانب مختلف طوائف الشعب بانتماءاتهم المختلفة، وعلى الجانب الآخر أنا شخصيا أعتقد أن أى مصرى يفكر فى أن يمس ضريح سيدنا الحسين أو السيدة زينب ستشل يده، هذه هى مصر الحقيقية.. الكل منسجم فيها ولا مجال للتشدد ولا للتطرف.

■ لكن نحن شعب تتحكم فيه العاطفة الدينية.. حتى السارق يقول توكلت على الله قبل أن يسرق ويدعو الله بالستر حتى يتم مهمته.. شعب بهذه التركيبة أليس من السهل التأثير عليه بالرسائل والشعارات الدينية؟

- لا تنسى أنه هو نفس الشعب الذى يقول فى بعض الأحيان «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع». لطالما كنا شعباً عاطفياً دينيا، وهذا لم ينل من اعتدالنا ومن تحكيمنا للمنطق والحكم على مصالحنا بالعقل.

■ تقول بصعوبة تحول مصر إلى دولة دينية لكن أحد السيناريوهات المطروحة، وهى أن مجلس الشعب المقبل إذا ما حصل الإخوان على أغلبية المقاعد به سيكون الأشرس فى التاريخ الحديث وسنشهد مساءلات للوزراء وإسقاط الحكومات، وسيكون رئيس الجمهورية القادم هو الأضعف، ومن هنا يقول البعض باحتمال مغازلة كل من الحكومة والرئيس القادمين لمجلس الشعب، بإصدار قرارات على هواه، حتى ولو كانت ضد مدنية الدولة؟

- هذا السيناريو يفترض أن الأمور ستكون أمام الإخوان بلا عقبات، الشعب سيقاوم ولن يستسلم، والتيار الليبرالى سيشتد يوما بعد الآخر، فكلنا لدينا عاطفة دينية، لكن طول عمرنا رغم وجود هذه العاطفة الدينية نأخذ قراراتنا السياسية على أساس مصالحنا، وقد نشهد الآن مغازلة للتيار الدينى تظهر فى شكل قرارات سياسية، وقد بدأت من الآن، كأن يصدر قرار بمنع القبلات والأحضان فى الأفلام رغم وجود أمور كثيرة أكثر أهمية تحتاج إلى إصلاح فى التليفزيون المصرى، لكن لا تنسى أننا كنا نشهد نفاقاً ومغازلة للحزب الوطنى فى السابق يفوق ما يحدث الآن مع التيارات الدينية، ولم ينفع النفاق فى النهاية، وأضاف «طاهر» ساخرا «وإن شاء الله هذه التيارات متقعدش ٣٠ سنة زى الحزب الوطنى».. عموما حتى ولو كان هناك انتصار للإخوان فى المرحلة المقبلة فهذا الانتصار سيخلق مقاومة شديدة لدى الناس.

■ لو عدنا قليلا إلى «جمعة الغضب الثانية» وما تضمنته من دلالات سياسية مهمة أولا فما تقييمك لمظاهرة هذا اليوم؟

- كل مرة كنت أشارك فيها فى المظاهرات كنت أعلم تماما أنه من الممكن أن يتحرش أو يحتك بى أحد، وحدث ذلك من قبل ومع ذلك لم أكن خائفا ولا متوجسا لكن هذه المرة كنت شديد التوجس، لم أكن خائفا على ذاتى، إنما كنت خائفا على البلد، لأنه كانت هناك حملة دعائية كبيرة تبث رسائل رعب وتقول إنها جمعة الخطر وإنه قد تسيل فيها الدماء، وقد تتحول إلى حرائق تشتعل فى وسط المدينة إلى آخره وكتب ذلك نصاً، لذا نزلت إلى المظاهرات وأنا مرعوب على البلد، وزاد هذا الرعب بمجرد نزولى إلى الشارع عندما وجدت القاهرة التى تضج بالازدحام أصبحت مدينة أشباح، بسبب خوف الناس من النزول إلى الشارع وأغلقت المحال أبوابها، ولم تكن هناك إشارة مرور واحدة مغلقة، لذا كنت فى غاية التوجس إلى أن وصلت إلى الميدان وتجاوزت لجان التفتيش التى أعدها الشباب للحفاظ على سلامة الجميع، ودخلت الميدان فوجدت القاهرة الحقيقية ومصر الحلوة هناك، ولم يحدث إطلاقا أى شغب وكانت مظاهرة على أعلى مستوى من التحضر، فارتفعت معنوياتى بعد أن كانت فى الحضيض.

وهناك وجدت نفس الشباب الذين كنت أراهم من قبل فى الجمعات السابقة، شباب برىء ليس لديه أطماع سياسية، مؤمن بأهداف الثورة رغبة فى استكمال هذه الأهداف والمبادىء، وهذا اليوم رد لى ثقتى فى هذا الشباب، فقد ثبت أن المصريين أفضل كثيرا من فكرتهم عن أنفسهم، وأن بداخلنا إمكانيات وطاقات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.

■ هل كانت دعاية الترهيب من النزول يوم جمعة الغضب الثانية مقصودة؟

- طبعا بكل تأكيد.. ولا أستطيع أن أضع يدى على الفاعل، لأن الأمر يحتاج إلى بحث، لكن على الأقل الإخوان المسلمون قالوا ما كاد يكون معناه أن النزول إلى المظاهرة نوع من الكفر وتبعهم فى نفس الموقف السلفيون، وتبعهم حزب الوسط ذو المرجعية الاسلامية، وتبعهم الوفد وبعض التيارات الأخرى.

■ لماذا تلاقت المصالح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار.. أى لماذا اتخذ الوفد نفس موقف الإخوان المسلمين؟

- لا أعرف.. ولا أود أن أقول بنظرية المؤامرة، وأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ويقومون بثورة مضادة.. لكن ربما خشيت الأحزاب أن تنقلب المظاهرة إلى عمليات تخريب، مع العلم أن ما قالوه من عدم المشاركة وترويع الناس من النزول هو الذى يؤدى إلى التخريب.

■ ربما لم يكن هناك لا مؤامرة ولا خوف.. ماذا لو أن كل طرف يغازل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويقدم نفسه على أنه التيار الذى يجب الاعتماد عليه، ظنا أنه فى المستقبل سيكون لهم جزء من الكعكة، خاصة أنه تردد أن هذه الجمعة ستكون ضد قرارات المجلس العسكرى؟

- لم يكن هناك ما يشير الى أن المظاهرة كانت ضد المجلس العسكرى، بل العكس كانت هناك مظاهرة عند النصب التذكارى فى مدينة نصر لتأييد المجلس العسكرى وهذه هى الديمقراطية الحقيقية.

■ ربما خافت بعض الأحزاب أن يفسر نزولهم أنه ضد المجلس العسكرى؟

- لو كان الأمر كذلك لكان خطأ كبيراً جدا، يجب أن يكون فهم هذه التيارات والأحزاب مثل فهمى، وفهم كل الناس أن المجلس العسكرى قابل للحوار مع الناس وقابل للنقد عند الضرورة. وأن يعتبر المجلس العسكرى نفسه سلطة حاكمة لكن ليست محتكرة للحقيقة الكاملة، يجب أن يستمع إلى الآراء المختلفة عن رأيه. ولم يحدث فى الميدان قط أن ارتفع صوت ضد المجلس العسكرى ولم تحدث أى وقيعة كما قالوا إنها ستكون جمعة الوقيعة، حتى عندما قال المجلس العسكرى إنه سيبتعد عن الميدان وإنه واثق من تأمين الشباب للميدان تبين أن ثقته فى محلها.

■ البعض قال إن هذا الموقف تخلى به المجلس العسكرى عن مسؤولياته التأمينية لمتظاهرى التحرير «لاختلافهم معه فى الرأى ورفضهم بعض قراراته»؟

- أفضل التفسير الذى قلته عن أى تفسير آخر.. وأضاف ضاحكا «إنتى عايزانا نروح النيابة العسكرية سوا ولا إيه؟!

■ عدم وصول العدد إلى مليون فى جمعة الغضب الثانية، جعل البعض يؤكد على قوة وتأثير الإخوان وتقريبا أشار بعض الإخوان أنفسهم إلى هذا بأن عدم نزولهم إلى الميدان جعله خاويا؟

- أولا لم يكن الميدان خاويا، ولا أريد الدخول فى لعبة الأعداد لأنها لعبة سخيفة، لكن كان هناك عشرات الآلاف يتوافدون على الميدان حتى الساعة السادسة مساء موعد فض المظاهرة، بناء على قرار المنظمين من الشباب والذى التزم به الجميع، وأؤكد أنه وبعد جو الترويع والرعب الذى انتشر على مدى ٤٨ ساعة فى هذا البلد وتحولها إلى مدينة أشباح، لو أن الميدان كان فيه ٥٠٠ فقط كأنهم مليون، ومع ذلك بعض القنوات الفضائية عرضت صوراً للميدان وهو ممتلئ، من ميدان عبدالمنعم رياض إلى مجمع التحرير، ولا أعرف بحسابات الأرقام كم عددهم، المهم أنهم كانوا أعداداً كبيرة وكانوا متحضرين وسلميين.

■ ومن يقف خلف دعوات الترهيب؟

- قبل المظاهرة بيوم انتشرت رسائل على الإنترنت من نوعية «روحوا بكرة علشان تعرفوا حجمكم الحقيقى»، «انتوا من غير الإخوان ماتسووش»، ومن الواضح أن هذه الرسائل من شباب تابع للإخوان وإن لم يكن لدى دليل على ذلك، وهنا أرد عليهم أننى كنت آمل أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى، ويتأكدوا أن الشعب قوة حقيقية بدون الإخوان. فالشخص الواحد فى هذا الميدان يعادل ألفا لأنه نزل متحديا جواً من الترويع لم يحدث فى التاريخ على الإطلاق.. كما أنه يعادل ألفاً من الأغلبية الصامته أو كما يقولون عنهم حزب الكنبة، الذين يجلسون يشاهدون الأحداث دون أن يكون لهم دور فعال، ويكتفون بترديد الشائعات والنميمة.

■ الأغلبية الصامتة كان لها مبررها قبل الثورة فبماذا تبررها بعد الثورة؟

- أثبت التاريخ فى كل دول العالم أن من يصنع التاريخ هم الأقلية الفاعلة وليس الأغلبية الصامتة والتى أدينها فى كل كتاباتى.

■ قلت إنك كنت تتمنى أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى فهل تقلل من قوتهم وتأثيرهم؟

- لا على الإطلاق.. الإخوان قوة ولهم كل الاحترام لكن يجب ألا يعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة، ويجب ألا يخونوا غيرهم، ويقللوا من شأنهم، ويكفروا كل من يخالفهم، فمثلا أنا فكريا ضد الإخوان ومع ذلك كنت أوقع على بيانات الرفض لمحاكماتهم أمام محاكم عسكرية، وليس معنى أننى فكريا ضدهم أن أكون على المستوى الإنسانى ضدهم، وعليهم التعامل بنفس المنطق مع الجميع، يجب ألا يخوننا الآخر ويجب ألا يكفروا الآخر، فهم مثلا يروجون أن العلمانيين كفرة، وأنا مسلم وآمل أن أكون مسلماً جيداً إن شاء الله ومع ذلك علمانى، فالعلمانية ليست كفرا كما يصورون.. العلمانية لا تناقض التدين فى شىء، أنا مسلم علمانى بمعنى أننى أرى أن الدين له احترامه ومجاله، والحياة المدنية لها مجالها ولا يجب الخلط بين الدين وتسيير شؤون الحياة العملية، وهذا يتفق مع الإسلام الذى ألغى أى سلطة كهنوتية لأى جهة، واعتبر العلاقة بين الفرد وربه علاقه مباشرة دون أى وسطاء.

■ الحوار الوطنى والوفاق الوطنى .. ما رأيك فى هذه اللقاءات؟

- أنا لا أعرف الفرق بين الاثنين، ولا أعرف ما هى مهام هذا ولا أهداف ذلك حتى أجيبك، لكن الحوارات الوطنية لا تقام من قبل السلطة الحاكمة إنما تقام من خلال إرادة شعبية، إذا كانت هناك تيارات وأحزاب تريد أن تتوافق برضاها على خطوات وطنية فليجلسوا ويفعلوا ذلك لكن لا يأتى الأمر من أعلى كما كان يحدث فى عهد «مبارك».

■ وكيف للمجلس العسكرى أن يتواصل إذن مع النخبة.. هو يريد موقفاً موحداً يتم التوافق عليه ليتبناه سواء فى القانون أو الاقتصاد وغيرهما لذا يجد فى توصيات مؤتمرات الحوار حلا للخلاف وللتواصل؟

- إذا كان المجلس العسكرى يريد التواصل معنا أقول لهم كيف، أبسط شىء ألا يكون الاتصال بالناس عن طريق الفيس بوك. أنا واحد من الناس لا أعرف كيف أستخدم الفيس بوك ولا التويتر، عليهم إقامة مؤتمرات صحفية دورية على الأقل كل أسبوع ويكون هناك ممثلون للصحافة ويسألون بكل صراحة، على أن يجيب ممثلو «المجلس» بصراحة. هذه هى طريقة التواصل التى يجب أن تكون.. ولقد اتفق النخب والقانونيون العظام وفقهاء القانون الدستورى على أهمية وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية.. ماذا كان رد فعل المجلس العسكرى؟!..الكل يعرف.

■ القائمون على الحكم يقولون بكثرة ائتلافات الثورة فمع من نتحدث؟

- لقد وصلوا للنتائج التى يريدون الوصول إليها.. وهذا ما يردده من هم ضد الثورة.

■ لكن النخب مختلفة فيما بينها، الأحزاب ليست على موقف واحد؟

- هذا ليس وضعاً جديداً على مصر لطالما كانت مصر هكذا بل وكل دول العالم، فجميع الدول لديها أحزاب مختلفة وتيارات متجاذبة وأخرى متنافرة، الدول الديمقراطية تتيح فرصة لكل التيارات للحوار، وليس الحوار على شاكلة وضع الناس فى «أوضة يقولوا عليها أوضة الحوار» أنا أقصد مجتمعاً يتحاور، أن تجتمع تيارات سياسية مختلفة ومتباينة، وأن يكون هذا الحوار مجتمعيا على صفحات الصحف وعلى شاشات التليفزيون، وفى النقابات، هذا هو الحوار المجتمعى الذى أفهمه.

■ فى حوار أجريته مع الدكتور جلال أمين مؤخرا قال لى نفهم الديمقراطية بشكل ساذج وليس كل شىء يحتاج إلى حوار وشورى وإنما نحتاج إلى الحسم بدلا من إضاعة الوقت فى الحوار فهل تتفق أم تختلف معه؟

- أتفق مع الأستاذ جلال فى كل ما قاله ألفاً فى المائة، هناك فعلا أمور تحتاج إلى قرارات حاسمة، فمثلا هل يعقل أن يقطع بعض الناس السكة الحديد فى أكثر من محافظة لعدة أيام ويعطلوا السير ومصالح الناس دون أن يواجه هذا الأمر بالحسم لإثبات هيبة الدولة والاكتفاء ببعض المشايخ للحوار مع الأهالى، هناك أمور لا تحتمل الحوار إنما تحتاج إلى تطبيق القانون.

■ هل دعيت إلى أى من مؤتمرات الحوار هذه؟

- لا.. الحمد لله.

■ لماذا؟ هل مازال يتم التعامل معك «كمعارض عتيد» كما كان الوضع قبل الثورة؟

- أظن أن الموضوع هذه المرة مختلف، المسألة لا علاقة لها بكونى معارضاً بقدر كونى أديباً أو مبدعاً فهم لا يعتبرون المبدعين أناساً مهمين وليس لآرائهم قيمة والدليل هل سمعت أنهم وجهوا الدعوة إلى إبراهيم أصلان أو صنع الله ابراهيم أو أى من الروائيين والمبدعين لمثل هذه الحوارات؟!.. هم يتعاملون معنا على طريقة مبارك «خليهم يتسلوا بعيد عننا»، وأرجو ألا يكون السبب هو كونى معارضاً.

■ لكن الإعلامى حسين عبدالغنى قال لى فى حوار معه إن أحد أعضاء المجلس العسكرى اعترض على ترشيحه لرئاسة قناة الأخبار ونقل له أنه قال إن «حسين» من ثوار التحرير؟

الله.. بدلا من أن يكون الأمر نقطة فى صالحه تحسب ضده.. أنا فعلا مندهش، عموما حتى ولو لم تتم دعوتى إلى هذه الحوارات لكونى معارضاً فأنا لا أعبأ بمثل هذه الأمور، فالعقاب الشديد لى هو أن أمنع من الكتابة، ما عدا ذلك لا ألقى بالا لشىء، فأنا منعت من الكتابة ما بين ٧٥ و٨٣، وكنت كلما رشحت لمنصب يسألون أمن الدولة عنى فيقولون لهم «دا بتاع حركة كفاية» فيبقى كفاية- قالها ضاحكا - لذا آمل بعد الثورة أن يكون عدم دعوتى لأى حوار هو استمرار لمنطق عدم الاعتراف بالمبدعين وليس شيئاً آخر. عموما المثقفون والمبدعون هم ضمير الأمة وطالما لا نستمع لهم فنحن لا نستمع إلى صوت الضمير، وخوف النظام منهم طيلة عشرات السنوات دليل على فاعليتهم وأن رسائلهم كانت تصل إلى الناس.

أجرت الحوار رانيـا بـدوى
المصرى اليوم

No comments: