Tuesday, March 29, 2011

انطباعات مُستَفَزّة


لم أستغرب أبداً انحياز الدكتور حسام كامل، رئيس جامعة القاهرة، لعميد كلية الإعلام «المذكور» سامى عبدالعزيز، ولم أندهش من إصراره على تحدى إرادة طلبة وأساتذة كلية الإعلام والرأى العام الذى تعاطف مع موقفهم بضرورة رحيل عميد كان مستشاراً إعلامياً لملك الفساد أحمد عز، ومساهماً أصيلاً فى غرفة عمليات خداع ونهب الشعب، المسماة زوراً بالحزب الوطني، وهو ما لا يجعله جديراً بالبقاء على رأس كلية تنتظر منها مصر تخريج جيل إعلامي يليق بثورة يناير وتضحيات شهدائها. إذا كنتم قد استغربتم موقف الدكتور حسام فلا تنسوا أنه مشارك بقوة فى مشروع الإفساد السياسى لجامعة القاهرة العريقة، والذى كان من أردأ حلقاته وأكثرها بشاعة منحه الدكتوراة الفخرية للسيدة سوزان مبارك، وقيامه بتعطيل الدراسة يوما كاملا فى الجامعة لكى يتمكن الأمن من تحويل الجامعة إلى ثكنة أمنية من أجل خاطر عيون الهانم، أفخر بأننى نشرت فى ذلك اليوم الكئيب نص البيان الذى أصدره نخبة من شرفاء أساتذة الجامعات المصرية سيسجل لهم التاريخ موقفهم المشرف ذلك، كما سيسجل لطلاب جامعة القاهرة أنهم لن يقبلوا برحيل الدكتور سامى عبدالعزيز قبل أن يأخذ فى يده الدكتور حسام كامل، لكى يتولى رئاسة جامعة القاهرة رجل يعيد لها شرفها واستقلاليتها ويمنع استغلال مقامها الرفيع من أجل إدخال السرور على قلوب الهوانم القادمات، كما حدث مع الهانمين السابقتين.

بما أننا كما يقولون سنُحرم قريبا من الطلة البهية للأخوين الحلوين خيرى رمضان وتامر أمين، أقترح على المجلس العسكرى أن يقوم بالإفراج الفوري عن الوزير المعكوش أنس الفقى وتحديد إقامته مدى الحياة فى ديكور برنامج «مصر النهارده» بصحبة كل من خيرى وتامر، وهذه أقل عقوبة يستحقها الفقى.

أعجبتنى جدا حكاية مبادرة جماعة الإخوان المسلمين بفتح حوار مع شباب الأقباط، وأتمنى أن يشجعها ذلك على فتح حوار لاحق مع شباب الإخوان. شاهدت عددا من شباب الإخوان فى أكثر من برنامج تليفزيونى وهم يتحدثون عن مؤتمرهم الذى عقدوه قبل أيام وقاطعه قادة الإخوان فى موقف متعنت واستعلائى، آلمنى أن أرى أولئك الشباب مجبرين على التمترس فى موقع الدفاع عن أنفسهم مستخدمين تعبيرات من نوعية الالتفاف حول القيادة وعدم شق صف الجماعة، وكأنهم ارتكبوا جريمة بممارستهم حق الاختلاف والنأى عن عقلية القطيع. كنت أظن أن الإخوان تعلموا شيئاً من مشاركتهم الفعالة فى ثورة يناير، وأنهم بعد أن سقطت عنهم عصا القمع الغليظة يمكن أن يفكروا فى أن جماعة الإخوان كانت وسيلة وليست غاية، وأنها ليست ثابتا معلوما من الدين بالضرورة، وأن حضن الوطن أبرك بكثير من حضن التنظيم، وأنه ربما كانت مصلحة مصر تقتضى الآن أن يُخرج الإخوان جماعتهم من العمل السياسى لتلعب دورا اجتماعيا وتثقيفيا وروحيا وتنمويا، على أن يتركوا الراغبين فى العمل السياسى من بينهم لينشئوا حزبا أو عدة أحزاب تستلهم المرجعية الإسلامية دون أن تقوم بتصديرها للعامة لتقحم الدين الحنيف فى صراعات سياسية تعرضه للاختبار فى امتحانات دنيوية معقدة تصيب وتخيب. للأسف إذا كان الإخوان يجعلون شبابهم يتلقى مكالمات تليفونية غاضبة من أعضاء الجماعة تنهال عليهم بهراوات السمع والطاعة، فليس عندى أدنى أمل أن يستجيب الإخوان لمناقشة أفكار كهذه تأتى من خارجهم، فهم مازالوا مهووسين على ما يبدو بأفكار السمع والطاعة والتنظيم الحديدى وتعويض ما فات فى السجون والمعتقلات التى دخلوها عدواناً فأكسبتهم شرعية المظلومين، ومع ذلك فهم يغضون الطرف عن مبادئ ليست فى صالحهم الآن، فبينما كان بعض المثقفين المعارضين للإخوان وأنا منهم مثلا يعلنون رفضهم للمحاكمات العسكرية التى أقيمت لهم، لم نسمع قيادياً إخوانياً واحداً يدين المحاكمات العسكرية التى تقام للمدنيين اليوم أو يحتج على التعذيب الذى وقع على الناشطين السياسيين، كل ذلك لأن الإخوان يعيشون حالة انتشاء بسبب اعتراف المجلس العسكرى بهم ومنحه لهم دورا تمييزيا عن غيرهم من القوى. لذلك عندما أسمع الدعوات التى يوجهها بعض قادة الإخوان للقوى السياسية من أجل الحوار، أسأل نفسى: إذا كانت الجماعة عاجزة عن الحوار مع شبابها الذين أكسبوها وجها مشرقا كان غائبا عنها منذ اشتراكها فى حرب 1948 عندما خرجت من عباءة القصر وتحالفت مع القوى الوطنية فى وجه المحتل، فكيف ستكون طريقة حوارها مع المعارضين أو المختلفين أو حتى مع الذين ينتظرون بشغف عرض الجزء الثانى من مسلسل الجماعة؟

بالمناسبة هل أنا وحدى الذى يتذكر صفوت الشريف كلما شاهد لقاء تليفزيونيا للدكتور عصام العريان، خصوصا عندما يتحدث عن عطايا جماعته التى ستسبغها على باقى القوى السياسية فى الانتخابات المقبلة؟

أبارك للزميل الكبير سليمان جودة أنه مازال يحظى بثقة زكريا عزمى، رئيس ديوان المخلوع، بدليل أنه رد عليه فور أن قرر سؤاله عن حقيقة ميزانية رئاسة الجمهورية، ألف مبروك يا أستاذ سليمان، كلنا فرحنا لك لنيلك هذا الشرف الرفيع، وإن كنت أتمنى أن تستغل الفرصة لتسأل لنا زكريا عزمى لماذا لم يرفع قضايا فورية على الذين اتهموه علنا بالفساد المالى سواء ما كان منه شديد الضخامة، أو ما كان منه شديد الدناءة مثل بيع صور الرئيس مع رجال الأعمال أو البرشطة على الهدايا التى تأتى إلى الرئيس من الخارج، وكلها اتهامات نشرتها الصحف وأذاعتها البرامج، وكانت أولى بالسؤال. ربما كان الأستاذ سليمان لا يحب الحديث عن اتهامات مالية لم يفصل فيها القضاء، ولذلك كنت أتمنى بوصفه رئيسا لتحرير صحيفة الوفد، أقوى الأحزاب المعارضة أو هكذا ينبغى أن يكون، فقد كنت أتمنى أن يوجه لزكريا عزمى سؤالا وحيدا هو «متى ستسلم نفسك للعدالة بتهمة الإفساد السياسى؟».

بالمناسبة كنت من أشد المعجبين بمسلسل (الملك فاروق) للمؤلفة د. لميس جابر والمخرج المبدع حاتم على، وقد كتبت بعد عرضه أن من أهم حسناته إحياء روح الفترة الليبرالية النسبية فى ذاكرة المصريين وتسليط الضوء على بعض رموزها العظام، وإظهار أن جريمة فاروق العظمى كانت تلاعبه بالدستور وحربه التى شنها على إرادة الأمة التى دافع عنها حزب الوفد أيام كان يعبر عن إرادة الأمة، ومع كل ذلك الإعجاب لم أشارك الأستاذ سليمان فى اعتقاده أن مسلسل (فاروق) يمكن أن يمحو من ذاكرة التاريخ الفضائح الأخلاقية المشينة لفاروق لمجرد أن الناس وقعت فى غرام الممثل تيم الحسن. لحسن الحظ تصلح المسلسلات التليفزيونية لتنشيط الذاكرة التاريخية لكنها لا تصلح أن تكون وثائق تاريخية نستنبط منها أحكامنا على التاريخ وشخصياته، ولو ذهب الأستاذ سليمان إلى مكتبة صحيفة الوفد واستعار السفر التاريخى الجليل (فاروق من الميلاد إلى الرحيل) الذى كتبته الدكتورة لطيفة سالم، ثم قرأ فصل (الحياة الخاصة لفاروق)، لهالته الفظائع الأخلاقية التى ارتكبها فاروق من عبث أخلاقى وشراهة وإدمان للقمار بل وسطو مسلح على مقتنيات الآخرين التى تحلو فى عينيه، وكل ذلك مستند على مصادر أجنبية وعربية خضعت لأرفع أدوات البحث التاريخى. طبعا ليس معنى ذلك أن كل ما قيل عن فضائح فاروق ولياليه فى كتب أخرى كثيرة كان كله صحيحا، فبعضه تم اختلاقه نفاقاً لعسكر يوليو، لكن ذلك الاختلاق لا يعنى أن فاروق كان ملاكا بجناحين، ولا يمكن أن يُسقط من ذاكرة التاريخ فضائحه الأخلاقية المشينة والموثقة، وهذا ما سيفعله التاريخ بالتأكيد مع مبارك، طبعا ستزول المبالغات والتهويلات والفبركات، لكن ستظل فى الذاكرة الوقائع الموثقة لفساده وفساد أسرته ورجاله، والأخطر من ذلك ستبقى فى ذاكرة المصريين فضائح الفساد الاقتصادى التى وقعت بمباركته ووثقها فى ظل سطوة حكمه خبراء وطنيون كأحمد السيد النجار وعبدالخالق فاروق، وطالت بآثارها أجساد المصريين وعقولهم وأرواحهم.

نعم، جميل أن نبدو موضوعيين فنشغل أنفسنا بالسؤال عما سيقوله التاريخ عن مبارك، ولكن من المهم أن نشغل أنفسنا بالسؤال أيضا عما سيقوله التاريخ عن أولئك الذين يتطوعون لغسيل سمعة الفاسدين، ويعشقون الإمساك بعصا المبادئ من الطرف الآمن، ويختارون التواجد على موائد الحكومة والمعارضة فى بروجرام واحد.

إذا استفزتك هذه الانطباعات، سواء استفزتك معها أو منها، فاقرأ الفاتحة للكاتب العبقرى أستاذنا يوسف إدريس الذى سك تعبير (انطباعات مستفزة) واختاره عنوانا لواحد من كتبه الجميلة التى تعلمت منها أن الاستفزاز فريضة يمارسها الكاتب ويتقرب بها إلى وطنه لعله يساهم فى إيقاظه الدائم، فلا يروح فى النوم ويغرق فى بئر التناحة السحيقة. رحم الله يوسف إدريس وألحقنا به فى المستفزين

بلال فضل - مصراوى

No comments: