Monday, September 06, 2010

دولة هذه أم عزبة؟

فضائح الحزب الوطنى لم تعد بحاجة إلى تبيان، ولكن فضيحة اليوم تفوق ما سبقها بأشواط.. ولو كنا فى بلد يضمن أدنى مبادئ الديمقراطية والحقوق الدستورية لحوكم القياديون فى الحزب، بل وسقطت حكومة الحزب معه أيضا.. فهم جوانب الفضيحة يحتاج أولا إلى مقدمة قصيرة.. ومفتاح هذه المقدمة هو أن الحزب الوطنى حزب بلا شعبية مهما حاول أن يوهمنا أن أعضاءه بالملايين.. وحتى لو كانوا كذلك فهم ليسوا أعضاء حزب بل جمعية منتفعين.. وهم لا يفوزون فى أى انتخابات إلا لأنهم يلتحفون بغطاء الرئيس، رئيس الجمهورية رئيس الحزب.. هم لا يصعدون إلى البرلمان بأصوات الناخبين ولكن بسيف السلطة.. ورغم استخدام السلطة لكل صنوف القمع والتزوير فى خدمتهم فهم لم يتمكنوا من الحصول على 40٪ من مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات الأخيرة فى 2005 ولا حتى فى سابقتها سنة 2000.

فى انتخابات 2005 فاز الوطنى بـ37٪ من المقاعد، وعندما ضم المنشقين عن الحزب الذين كانوا قد ترشحوا كمستقلين ارتفعت النسبة إلى 73٪.. الأمر نفسه حدث فى انتخابات 2000 التي لم يحصل الحزب فيها على أكثر من 38٪ من مقاعد المجلس، ولم تصل النسبة إلى 85٪ إلا عندما ضم المستقلين المنشقين.. نصيب الحزب «العادل» من أصوات الناخبين إذن هو 37.5٪ فقط لاغير.. ولو لم يكن الحزب قد تلقى مساندة السلطة الغاشمة لما وصل حتى إلى هذه النسبة.

ظاهرة المنشقين كشفت عن التفكك داخل الحزب، وعن وهم الالتزام الحزبى بين الأعضاء، وعن انعدام الثقة بين الأعضاء والقيادة، وكشفت عن أن الحزب قائم على المصالح لا المبادئ.. لهذا أرقت المشكلة قيادات الحزب حتى اهتدوا فى الشهور الأخيرة إلى اختراع بدعة التوكيلات التى أضحت فضيحة الموسم السياسية والقانونية.. فى الانتخابات الأخيرة للتجديد النصفى لمجلس الشورى طبق الحزب لأول مرة نظاما جديد لترشيح أعضائه يقوم على ما يسمى «المجمعات الانتخابية» التى تجرى فى إطارها منافسة داخلية بين جميع الراغبين فى ترشيح أنفسهم من أعضاء الحزب لاختيار مرشحيه النهائيين.

ولما «نجحت» التجربة فى انتخابات الشورى، كررها الحزب تمهيدا لانتخابات مجلس الشعب القادمة، وأدخل عليها بعض «التحسينات».. طلبت القيادة من المرشحين استيفاء عدة شروط، أهمها أربعة.. الأول أن يقسموا يمين ولاء أقرب إلى قسم أعضاء الجماعة المحظورة.. والثانى أن يوقعوا صكوك ابتزاز سموها إيصالات أمانة.

والثالث أن يدفعوا «تبرعات» إجبارية للحزب «ضمانا لجدية الترشيح» يقال إنها وصلت فى مجموعها إلى 40 مليون جنيه، إضافة إلى تبرعات عينية كتلك التى قدمها مرشح من سوهاج نقلت لنا جريدة الدستور أنه عرض التبرع «ببرج سكنى من أبراجه الأربعين فى القاهرة حال فوزه فى الانتخابات».

لا أقصد هنا لفت النظر إلى نوعية مرشحى الحزب الوطنى الذين يمثلون الزنى بين الثروة والسلطة، ولكنى سأنتقل مباشرة إلى الشرط الرابع الذى فرض على الراغبين فى الترشيح، وهو القصد من هذا المقال.. الشرط الرابع هو تحرير توكيلات إلى الحزب تسمح له بسحب ترشيح العضو إذا لم يحصل على ترشيح الحزب فى المجمع الانتخابى، أى أن التوكيل يمنع العضو عندئذ من الترشح فى الانتخابات كمستقل.. لذلك أثارت التوكيلات استياء لدى غالبية المرشحين، كما استنكرها عديد من رجالات القانون باعتبار أنها تسلب المرشح حريته وممارسة حقه فى الترشيح والتصويت الذى كفله له الدستور.. هكذا وقع الحزب فى ورطة، زاد من تعقيدها أن مكاتب الشهر العقارى رفضت التصديق على التوكيلات لمخالفتها للقانون.

تدرون ماذا فعل الحزب أمام هذه الورطة؟.. تقول جريدة المصرى اليوم إن الحزب «بمساعدة قيادات أمنية تمكن من الاتفاق سرا مع بعض مكاتب الشهر العقارى لإشهار التوكيلات».. وذاعت الأخبار فيما بعد أن هذه المكاتب ثلاثة، هى مكتب الشهر العقارى فى مجلس الشعب ومكتب نادى الصيد ومكتب مركز أوسيم، والمؤكد أن هناك مكاتب أخرى فى الأقاليم.. أى أن ما حدث هو أن الحزب الوطنى اتفق مع سلطات أمنية للضغط على مكاتب بعينها فى الشهر العقارى حتى تخالف القانون، أى أن الدولة لم تكتف بخصخصة المصانع والشركات التابعة للقطاع العام، وإنما تخصخص الآن مؤسساتها الحكومية ذاتها لصالح الحزب الوطنى.

لكن الفضيحة لم تقف عند هذا الحد. فى جامعة الإسكندرية فضيحة موازية.. يقول أساتذة الجامعة أعضاء لجنة الحريات فى بيان أصدروه مؤخرا إن إدارة الجامعة دعت العاملين بها إلى تقديم صورة الرقم القومى بحجة تحديث البيانات، ولكن الغرض الحقيقى وراء ذلك هو إصدار بطاقات انتخابية يسجل فيها جميع العاملين بالجامعة فى دائرة محرم بك التى سيرشح فيها الحزب الوطنى الوزير مفيد شهاب.. ويضيف البيان أنه «لا يخفى على أحد أن إصدار مثل هذه البطاقات بعدما أغلق التقدم لها فى يناير الماضى، ودون رغبة من العاملين، وبعضهم مسجل فى دوائر أخرى، إنما هو جريمة جنائية ثابتة الأركان».

هذه ليست جريمة جديدة على الحزب الحاكم.. ارتكب الحزب هذه الجريمة سابقا مئات المرات فى دوائر عديدة، وارتكبها من قبل فى جامعة الإسكندرية ذاتها.. الفضيحة ليست فقط فى التزوير المعتاد، وإنما أيضا فى أن الجريمة ترتكب فى الوقت الذى تتعالى فيه الشعارات الجوفاء عن استقلال الجامعة، وعن ضرورة إبعاد الجامعة عن السياسات الحزبية.. الفضيحة أن تكرس وزارة الداخلية قسم شرطة محرم بك ــ ومن المؤكد أنها تكرس غيره ــ لخدمة الحزب الوطنى.. بكلمات أخرى، الدولة تخصخص أقسام الشرطة لصالح الحزب الحاكم، تماما كما تخصخص مكاتب الشهر العقارى.

لم يقف الأمر عند هذا الحد.. هناك فضيحة موازية أخرى.. بعد أن تكررت سقطات نواب الحزب الحاكم الذين تورطوا فى الاستيلاء على أراضى الدولة وفى العلاج وفى القمار وفى الدعارة وفى النقوط وفى التزوير وفى الشيكات وفى الجنسية وفى إطلاق النار على المتظاهرين، قرر الحزب فى الانتخابات النصفية الماضية للشورى وضع معايير جديدة لاختيار مرشحيه يقول إن على قمتها السمعة الحسنة، ومن أجل أن يتأكد الحزب من ذلك أعلن أنه سيطلب تقارير من الجهات الرقابية حول سلوكيات المرشحين ومعاملاتهم المالية وعلاقاتهم الاجتماعية، وهو الأمر الذى كرره الحزب ثانية فى استعداداته لانتخابات مجلس الشعب.. السؤال هنا: هل يمكن لهذه الجهات أن تقدم الخدمة ذاتها إلى أحزب المعارضة إذا ما طلبت ذلك، أم أن الخدمة مقصورة على الحزب الحاكم وحده؟.. هل تمت خصخصة الجهات الرقابية لصالح الحزب الوطنى؟

وما الذى يجرى فى البلد خارج الشهر العقارى وخارج أقسام الشرطة وخارج الجهات الرقابية؟.. ما هى يا ترى المرافق الرسمية الأخرى التى تمت خصخصتها لصالح الحزب الحاكم؟.. هل لاتزال مؤسسات الدولة «ملاكى مصر» أم أنها أصبحت «أجرة» لمن يدفع، لمن يملك، لمن يحكم؟.. أدولة هذه أم عزبة؟

حمدى قنديل - الدستور

No comments: