Monday, July 26, 2010

موقع "ويكيليكس": تاريخ من التسريبات السرية الحساسة

نشر موقع ويكيليكس الإلكتروتي أكثر من 90 ألف تقرير سري مسرَّب عن خفايا الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وبذلك يعود مرة أخرى الى مركز اهتمام وسائل الإعلام في العالم. هنا لمحة عن تاريخ هذا الموقع، وأهم تسريباته:

أثارت آخر حلقة من المسلسل الطويل لتسريبات ويكيليكس هذه، والتي أكسبته سمعة نشر معلومات سرية وحساسة تتعلق بحكومات ومنظمات وهيئات مرموقة، حفيظة البيت الأبيض وانتقاداته نظرا لما تم الكشف عنه من تفاصيل حوادث قتل لمدنيين أفغان وعمليات سرية نفَّذتها القوات الخاصة الأمريكية ضد قادة حركة طالبان.

كما كشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ميجان واتسون، لـ بي بي سي في وقت سابق من الشهر الجاري عن التفاصيل والملابسات التي أحاطت بعملية "تسريب" الشريط المذكور إلى موقع ويكيليكس.

ففي رسالة بعثت بها إلى بي بي سي عبر البريد الإلكتروني، قالت واتسون إنها تعتقد أن الجندي الأمريكي برادلي مانينج، البالغ من العمر 22 عاما والذي كان قد أبلغ عن الشريط المذكور، "حصل على معلومات دبلوماسية سرية على الرغم من وجوده في قاعدة عسكرية ميدانية في العراق

وكان رد فعل ويكيليكس على ذلك أن نشر رسالة على موقع تويتر جاء فيها: "إذا ما صحت التهم الموجهة لماننج، فإنه سيكون دانييل إيلسبيرج زماننا"، وذلك في إشارة إلى الخبير الاستراتيجي الأمريكي الذي كان قد سرَّب 7000 صفحة من وثائق بالغة السرية في محاولة لإيقاف حرب فيتنام.

وفي شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، نشر ويكيليكس على موقعه على الشبكة العنكبوتية شريط فيديو يظهر هجوما نفذته طائرة هليكوبتر أمريكية من نوع أباتشي على مجموعة من العراقيين في أحد أحياء بغداد عام 2007، مما أدى إلى مقتل 12 شخصا، من بينهم صحفيان يعملان لصالح وكالة رويترز للأنباء.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، نشر الموقع أيضا قائمة بأسماء وعناوين أشخاص قال إنها تعود لأعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف "بي إن بي" (BNP) الذي وصف تلك الخطوة بأنها "عملية تزوير خبيثة"

وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2008، نشر الموقع أيضا لقطات تظهر البريد الإلكتروني ودفتر العناوين والصور الخاصة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، سارة بيلين.

ومن بين الوثائق الأخرى المثيرة للجدل، والتي نشرها ويكيليكس على موقعه على الإنترنت، نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل خليج جوانتنامو الأمريكي بكوبا

وكان موقع ويكيليكس قد أثار جدلا واسعا عندما تم إنشاؤه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2006، ولا تزال الآراء منذ ذلك الحين منقسمة حياله بين مؤيد ومعارض لما يقوم بنشره. ففي الوقت الذي يشيد البعض به "كمثال على الصحافة الاستقصائية"، يعتبره البعض الآخر "خطرا داهما بحد ذاته

وقد نشر موقع ويكيليكس أيضا رسائل بيجر (رسائل إشعار) يُزعم أنها كانت قد أُرسلت أثناء تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001 على نيويورك وواشنطن، وجاءت تحت اسم "رسائل 9/11".

وفي أواسط شهر مارس/آذار الماضي، نشر مدير موقع ويكيليكس، جوليان بول أسانج، وثيقة قال إنها صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وجاء فيها أن الموقع "يمثِّل تهديدا للجيش الأمريكي."

هذا وقد أكَّدت الحكومة الأمريكية فيما بعد لـ بي بي سي أن تلك الوثيقة هي حقيقية بالفعل.

وقال متحدث باسم الإدارة الأمريكية لـ بي بي سي: "إن نشر ويكيليكس لوثائق حساسة وغير مصرَّح بها أو مسموح بكشفها وتتعلق بالجيش وبوزارة الدفاع يتيح لوكالات وأجهزة الاستخبارات الأجنبية الحصول على معلومات قد تستخدمها للإضرار بمصالح الجيش ووزارة الدفاع

هذا ويمكن لأي شخص كان أن يقدِّم، بشكل لا يضطَّر معه للكشف عن هويته، وثائق لموقع ويكيليكس الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون وثيقة

إلاَّ أن من يقرر في نهاية المطاف ما يُنشر على الموقع هو فريق من الخبراء الذين يقومون بمراجعة وتقييم الوثائق، بالإضافة إلى متطوعين من وسائل إعلام كبرى ورئيسية في العالم، وصحفيين وموظفي ويكيليكس أنفسهم.

وتعليقا على آلية وتقنية نشر الوثائق على الموقع، قال أسانج في مقابلة مع بي بي سي في شهر فبراير/شباط الماضي: "نحن نستخدم تقنيات تشفير وتقنيات قانونية من أجل حماية مصادرنا

ويقول الموقع أيضا إنه يقبل تلقي "مواد ووثائق سرية، أو مواد تكون خاضعة للرقابة، أو لقيود هي على قدر من الأهمية السياسية، أو الدبلوماسية، أو الأخلاقية."

لكنه في الوقت ذاته لا يقبل الموقع المواد والوثائق التي تقوم على "الإشاعات والأقاويل والآراء، أو أي نوع من البلاغات والتحقيقات الأولية، أو المواد التي باتت معروفة ومتاحة للعامة".

وحول ذلك يقول أسانج: "نحن متخصصون بالسماح للمخبرين وللصحفيين الذين يخضعون للرقابة بإيصال موادهم إلى العامة".

ويُدار موقع ويكيليكس من قبل منظمة معروفة باسم "صنشاين برس"، وهي تزعم أنها "ممولة من قبل نشطاء في مجال حقول الإنسان ومن قبل صحفيين متخصصين في مجال التحقيقات الصحفية، بالإضافة إلى خبراء تكنولوجيا وأفراد من العامة

وعلى صعيد الملاحقات القضائية، فقد واجه موقع ويكيليكس منذ ظهوره على الإنترنت تحديات قانونية مختلفة ترمي لحجبه ففي عام 2008، على سبيل المثال، حصل مصرف يوليوس باير السويسري على حكم من إحدى المحاكم يقضي بحجب الموقع بعد نشره "عدة مئات" من الوثائق حول نشاطات البنك في الخارج.

لكن مواقع مختلفة موازية لموقع ويكيليكس، يجري تحميلها على خوادم مختلفة حول العالم، واصلت عملها وكأن شيئا لم يكن، وذلك قبل أن يتم نقض الحكم المذكور في وقت لاحق.

يقول موقع ويكيليكس إنه قام بالتصدي لـ "مئة هجمة قضائية" عليه منذ إنشائه، وعزا مقدرته تلك بشكل جزئي إلى ما وصفه بـ "وسائل الاستضافة "العصية على الاختراق" التي يتبعها يُشار إلى أن المستضيف الرئيسي لموقع ويكيليكس هو مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (Swedish ISP PeRiQuito (PRQ)، والذي كان قد اشتُهر باستضافته لموقع "ذا بايرت باي" (The Pirate Bay) السويدي المختص بتبادل الملفات.

ويقول القائمون على مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (ISP): "إن كان غير قانوني في السويد، فسوف نستضيفه، وسنبقي عليه بغض النظر عن أي ضغط يُمارس لحجبه."

كما ينشر الموقع أيضا وثائق في دوائر قضائية ودول أخرى، منها بلجيكا ونظرا لخبرته مع أنظمة قانونية مختلفة في أنحاء شتى من العالم، فقد وقعت القرعة على الموقع لمساعدة النواب في آيسلندا على صياغة وإعداد الخطط المتعلقة بـ "مبادرة الإعلام الآيسلندي الحديث" (IMMI)، والتي تدعو حكومة البلاد لسن واعتماد قوانين تحمي الصحفيين ومصادرهم وحول هذه النقطة، قال أسانج: "لكي نحمي مصادرنا، كان علينا أن نوزع أرصدتنا ونقوم بتشفير كل شيء، وننقِّل وسائل اتصالاتنا والعاملين معنا حول العالم لكي نقوم بتفعيل وتنشيط القوانين الحمائية في دوائر قضائية وطنية مختلفة."

ويضيف قائلا: "لقد أصبحنا ماهرين في هذا الشأن، إذ لم نخسر أي قضية حتى الآن. لكننا لا نتوقع أي شخص أن يقوم بذات الجهود الاستثنائية التي نقوم بها."

وعلى الرغم من شهرته، والتي يعتبرها البعض بمثابة "سوء السمعة"، فقد واجه الموقع أيضا مشاكل مالية عسيرة.

ففي شهر فبراير/شباط الماضي، أوقف الموقع عملياته لأنه لم يستطع تغطية كلفة التشغيل. لكن التبرعات التي انهالت عليه من أفراد ومنظمات مختلفة منذئذٍ أنقذته وأعادت إليه الحياة ولأكثر من ذلك، فقد كشف أسانج لـ بي بي سي في مقابلته في شهر فبراير/شباط الماضي إن الموقع قد شهد مؤخرا "نموا هائلا، إذ تلقى كمية غير عادية من المواد والوثائق."

وأضاف بقوله: "إن الأمر يتخطَّى قدرتنا على إطلاع العامة عليها في الوقت الراهن."

ونتيجة لذلك، قام الموقع بتغيير هيكليته وآلية عمله، وهو يأمل الآن بإنشاء عدد من "الأقسام، أو الهيئات المستقلة، حول العالم"، بالإضافة إلى اعتزامه العمل كوسيط بين المصادر والصحف.

يقول أسانج: "نحن نهتم بالمصدر ونتصرف كوسيط محايد. كما نهتم أيضا بنشر المادة، بينما يقوم الصحفي الذي يتم الاتصال به بالتحقق من صحتها ومصداقيتها."

ويختم أسانج بقوله عن موقعه: "إنه يؤمِّن الاتصال الطبيعي بين الصحفي والمصدر، بحيث نكون نحن في الوسط نقوم بأداء الوظيفة التي ننجزها على أكمل وجه

جوناثان فيلدز

مراسل بي بي سي لشؤون التكنولوجيا


No comments: