Friday, May 28, 2010

أن أكتب.. أن أكشف نفسى أمام العالم

أن أكتب. أن أكشف نفسى أمام العالم. أمارس الآن ولعى بهذا الشبق المحظور.

الليلة سهرت مع مجموعة من الأفكار لأختار منها موضوع كتابتى المقبلة. فكرة واحدة تطغى على البقية وتسيطر على دماغى المرهق وهى: لماذا أكتب؟

هل يرغب الكاتب فى الخلود؟ هل حلمت أنا بالخلود؟

أم أنى أردت المشاركة بتغيير حدث ما أو فكر ما؟

ما كان هدف الكتابة الأولى؟ وبم فكرت حين تجرأت على النشر؟

أقر بأن بداية الحرية تطلبت أن أعلن عن وجودى.. أن أكتب فى حوار أجراه معى صحفى قبل عدة أيام، اغتظت حين بدأ بتقديمى بالقول: معى الإعلامية.... قاطعته وقلت له: بل قدمنى ككاتبة، أجاب: لكن اللقب إعلامية يضم عملك ككاتبة كذلك، أنت تقدمين برنامجاً تليفزيونياً وتكتبين، لذا أفضل أن أقدمك كإعلامية.

قلت له: إن كنت تصر فعرفنى بالكاتبة والإعلامية. وضحك وقال: حسناً كما تريدين لكنى لا أفهم لم تصرين على ذلك؟.. ليس تمسكى بلقب (كاتبة) لكون اللقب مدعاة فخر، بل لأنك حين تكتب تثبت للكون أنك حى وموجود. أن تكتب يعنى أنك تبذل جهداً مخيفاً يقلقك ليل نهار ويحطم أعصابك بعض الأحيان، يستحق كل هذا العناء أن تتم الإشارة إليه لا اختصاره ضمن مصطلح يضم مجموعة من الألقاب الأخرى. كما أنى لا أعمل كاتبة. أنا أعيش ككاتبة.

ينصحنى بعض الأصدقاء فيقولون: الكتابة تتطلب أن تنظمى لها جدولا يوميا. يجب أن تتعاطى مع فعل الكتابة بصفتها مهنة لا هواية، لكنى أرى فى هواى للكتابة شيئاً يمنعنى من اعتبارها واجبا رسميا. أى أنى لا أمتهنها، ولن أفعل. أمتهن الإعلام. وهو مهنة أرى فيها نفسى وأحبها لذا أستمتع بتأديتها وإن كانت مرهقة، أما كتابتى فلا أريد لها أن تتحول لمهنة. المهنة تعنى عملاً بأجر، تعنى دخلاً شهرياً، تعنى إبداعاً، التزاماً، دواماً، إدارة، خطة، استراتيجية، إجازة، اجتماعاً صباحياً، التعامل مع أفراد لا تتفق معهم كثيراً.. إلخ

وعلى النقيض، فالكتابة عالم روحى لا يخضع لقوانين العمل اليومى ورسمياته ومتطلباته، وهى فى الأساس لا تخضع للعصر ولا ترتبط بالزمان، لا تخضع للأرض ولا للسماء ولا يحدها شىء ولا يحكمها أمر، ولا يتحكم بفعلها إنسان، ولا يهذبها أى كتاب أو ينسقها أى ثبات.

حين تكتب تدخل فى غيبوبة. كأن أحدهم ألقى عليك بتعويذة، تنتشى نشوتك تجاه المتع والطيبات. فشبق الكتابة ميل غرائزى لا يقل بهجة عن التمتع ببقية الغرائز. هو كلذة الاستمتاع بالطعام ولذة الجنس ولذة اكتشاف الأماكن الجديدة ولذة الحب ولذة المعرفة. لكن هذه اللذة تتطلب أن تطوع حياتك لها ومن أجلها حتى تطوع نفسها لك.

تعتزل لتجتمع بها. وتتحمل الحياة وحيداً أغلب الأحيان، فالاختلاط بالبشر يقلل كمية الاتصال بنفسك وبالكون لأدنى حدوده الروحانية.

وتقلق كثيراً وكثيراً أثناء تفتيشك عن الفكرة والكلمة. ذات مرة قررت وزميل لى أن نكتب حول موضوع واحد، أنهى ثلاثين صفحة فى يوم وأنهيت صفحتين فى عشرة أيام. سخر من تباطئى لكنه لم يكن تباطؤاً، كان تواصلاً، كان طقساً، لا قيمة للكم أو الوقت فى سننه. أن تكتب، يعنى أن تخرج روحاً جديدة من روحك. من جسدك وحياتك. تلد نفسك مرات ومرات. من يأبه الآن للمسافات الزمنية؟

وأن تكتب يعنى أن يسمعك الجميع ويعرف عقلك الجميع. سينصحك المحيطون بك بمراجعة ما كتبت. وينصحك العقلاء بتوقع ردود الأفعال والتحسب لها وأخذها فى الحسبان. لكنك تعلم أنك إن فعلت هذا كله تغدو شخصا آخر غيرك، تكتب كتابة أخرى غير التى حلمت بها وحلمت بك.

صحيح أنك ستطمئن لالتزامك بقانون البشر لكنك ستخدع قانون الكون وتخدع الطبيعة التى اختارتك للتعبير عنها وعن أهلها. وتكون فى النهاية واحداً من الدخلاء والأغراب. لن يختارك الخلود إن كنت تحلم به. التزم بقانون الكون فى الكتابة وادخل بغيبوبتك وخالف قوانين النشر والبشر وكل محظور، واكشف نفسك أمام العالم.

قد يرحب بك الناس ويؤمنون بكل كلمة تكتبها وقد يكرهونك ويمقتون ما تكتبه، لكنهم حتماً سيهتمون بالبحث عن كلماتك وقراءتها. سيبحثون عنك أنت بالذات.

Albdairnadine@hotmail.com

Almasry Alyoum

Nadine Elbedir

No comments: