Friday, April 23, 2010

نادين البديرتكتب: الدعاة والداعيات الجدد.. والدعوة مودرن


تصلنى بعض الأحيان دعوات لمتابعة آخر موضة دارجة بالسنوات الأخيرة. موضة حضور الندوات الدينية التى تقيمها السيدات فى صالونات المنازل.
ملخص مجريات الحلقة هو قيام النساء بالالتفاف حول داعية أتت لتذكرهن بالله ورحمته وعقابه، ولتلقى عليهن آخر مستجدات الفتاوى التى وصلتها من أصحاب الفضيلة ووجب عليهن اتباعها.
بمرور الوقت تتحول الداعية شيئا فشيئاً إلى مرشد روحى ودنيوى لأولئك النسوة.
وإن حدث وناقشتهن فى أى أمر، مهما بلغت بداهته، سيستندن إلى كلام الداعية فلانة كمرجعية حياتية، مؤكدات أن هذا هو رأى فضيلتها. أما عن رأيهن الشخصى فالمتبع عربيا اليوم عدم امتلاك الفرد رأياً خاصاً به، بل لابد من مرجع. الغالبية تبحث عن مرجع، وقليل من يحبذ الوقوف وحيداً أو التفكير بوحدة.
أرفض الدعوات. حضرت عددا منها فى حياتى ورأيت توافه الأمور تطرح بكل جرأة. تقول الداعية إن عليك لبس كذا وقول كذا وفعل كذا والحاضرات يقلن آمين. تخبر الداعية عن فلان بن علان أن لمس الطعام باليسرى منكر وحرام والحاضرات يقلن آمين، فى الندوة التى حضرتها شددت الداعية على حرمانية السفر لبلاد الكفر.
قالت بالنص «إن أصر عليك زوجك فلا ترافقيه.. رضوان ربك أهم من رضوان زوجك» والنساء الملتفات، اللواتى يصيفن فى الخارج كل عام، قلن لها آمين.
لم تعد النساء تلتف حول قائدات الحركة النسوية، بل حول الداعيات للتأخر النسوى.. مرة قالت لى رفيقة: لو أنك تستمعين إلى الداعية فلانة وهى تهدينا؟
كنت رأيت كيف تدفعنا دفعاً للبكاء خشية وخشوعاً قلت لها: لماذا تعتقدن أنكن مخطئات وأن مهمتها تصحيح اعوجاجكن؟
وما الحاجة لداعية وأنت فى الأصل تعتنقين الإسلام؟
ثم لما تعشقن البكاء والعويل؟
وكأن الواحدة تريد أن تثبت لذاتها أنها بالدموع قد تحولت لنفس مؤمنة خاشعة؟
كيف أبحث عمن يدفعنى للخشوع؟
أيعنى هذا أنى لا أؤمن حين أكون بمفردى؟
وأن مجرد تفكيرى فى الله ليس باعثاً على الخشوع بل يتطلب الأمر وسيطا روحانياً يقوم بمهمة تقريبى إلى الله؟
ألم تعد علاقتى بالله علاقة ثنائية؟
متى أصبحت ثلاثية؟
وذاك الداعى أو تلك الداعية، أيمنحاننى صك الإيمان؟
كل هذا الحنين للبكاء والاستغراق بجلد الذات ولومها على تقصيرها تثبته مساحات المحاضرات الدعوية التى تمتلئ بالحضور التواق للاستماع للمرشد والاستمتاع بالمشاعر المختلفة التى يبثها من خوف وحزن وغيره.
الداعيات والدعاة الجدد كمنتجى المسلسلات الخليجية الكئيبة، يعلمون تماما كيف يشدون انتباه الجماهير العربية بمشاهد العنف والظلم اللامتناهى. وكذا الدعاة يعلمون أنها جماهير بائسة باحثة عن حياة بديلة لسنوات القهر التى تحياها، باحثة عن قصص تشبه حكاياتها، لعلها تهنأ أخيراً.
منتهى الاستسلام لحالات الإحباط الناتجة عن البطالة والفقر والطلاق وقلة الحيلة ومشاكل العائلة والوظيفة وكل شىء فمن هم الدعاة والداعيات وما شروطهم الدينية أو القانونية؟
أطرف داعية كانت صديقة لشقيقتى تخرجت فى الجامعة قبل عدة سنوات، وصادفناها فى الطريق يوماً فقمنا نسألها وتسألنا عن الأحوال، ففاجأتنا بالخبر: أنا صرت داعية.
ودهشنا: متى تحولت لداعية؟
لم أجد عملاً إلى اليوم، وبدل الجلوس فى البيت عملت فى الدعوة الإسلامية.. لكن ما مؤهلاتك؟..
ليست هناك متطلبات، اختارى أى موضوع وتحدثى فيه، بالطبع فإن كل الموضوعات المقصودة تدور حول الحلال والحرام. والنتيجة مبهرة، فعدد المهتمين والمهتمات (من العامة) بهذا المجال يفوق الوصف.
الناس هنا لا تكترث للعلوم والفيزياء والفضاء وباطن الأرض والفلك، الناس تبحث عن الحلال والحرام. ولا تمل أو ترتوى من السؤال عن الحلال والحرام. ولا تتوقف عن شراء الكتب التى ترشدها للحلال والحرام.
هناك جزء آخر من الدعاة قد نهجوا منهجا صار معروفاً على الساحة الدعوية.
الداعية يرتدى الجينز ويحلق اللحية والشارب، ويستمع للأغانى.. داعية عصرى. لكنه ليس سوى الذراع المودرن للدعوة ذاتها، ليسوا سوى امتداد لتطرف جيل اللحى والثوب القصير. لم يجد الدعاة بدا من مجاراة روح العصر للوصول للهدف.
ذلك أن أسلوب الدعوة القامع لم يعد مقبولا وفق متطلبات الحرب على الإرهاب التى تشنها جميع الدول، بما فيها الدول الإسلامية، ولم يعد الوضع اليوم ليسمح إلا بأساليب الرقة والصوت الحنون والتقنيات الحديثة، إذ هل بإمكان أولئك الدعاة مواجهة التشدد الذى زرعه الدعاة الأوائل، وعلى الأخص دعاة التسعينيات؟
ثم ما العلاقة التى تربط جيل التشدد بجيل الدعوة المودرن؟
هل الأول راض عما يحدث؟
أم أن ما يحدث قد تم بمباركتهم؟
هل يمكن للدعاة الجدد أن يقدموا فتاوى تخرج عن نسق الفتاوى المعهودة؟
هل يسمح لهم بإعادة تفسير القرآن وفق متطلبات العصر؟
هل بإمكانهم الخروج عن حدود أساتذتهم الأولين؟
أم أن الاختلاف فقط فى ارتداء الجينز والـ«تى شيرت» بدل العمة والجلباب؟
Almasry Alyoum
23/4/2010

No comments: