Thursday, April 30, 2009

العلة والمعلول

آخر ما تسأل عنه الآن في مصر هو العقل والمنطق ،
كل شيء (أقول كل شيء) في واقعنا الحالي تديره حالة من الجهل أو التجاهل ثم العصبية والهوس العاطفي، ما ينطبق علي السياسة يمشي علي الدين، وما تبغبغ به الصحافة يهرتل به التليفزيون، مصر في وضع عبثي يفرضه استبداد سياسي في الحكم يخنق الحرية وتطرف ديني في الشارع والمؤسسة الدينية يخلق الجهل، وفي المسافة الفاصلة بين هذا وذاك سمح رجال الحكم والحزب الحاكم لأنفسهم بأن يحتكروا الوطنية وتحديد مصلحة البلد والوعي بما يضره ويفيده
ولم يكتفوا بذلك بل قرروا - في ابتذال رخيص - أن يبخوا علي خصومهم تهم العمالة والخيانة باعتبار أن أي واحد مش معاهم يبقي ضدهم وضد الوطن لأنهم هم الوطن شخصيا.
وعلي الناحية الأخري يقف مجموعة من الشيوخ ونجوم التطرف الديني الذين يحتكرون الدين والإسلام وينطقون باسم الله باعتبارهم مندوبين عنه ومنزلين من لدن خبير حكيم وسمحوا لأنفسهم أن يوزعوا تهم الكفر والإلحاد والردة علي غيرهم ممن يخالف فتاويهم وعماهم الديني ويطاردون أصحاب الرأي ومجتهدي الدين بالتكفير والمصادرة سواء تكفير عالم أو شاعر، مصادرة فكرة أو مجلة، وتحصنت مصر كلها وراء أسوار الجهل والتعصب والوطنية الزائفة والدين المنقوص،
وصار كل العالم من أمريكا إلي إيران، من سوريا إلي قطر، من الغرب والشرق، من حزب الله وحماس إلي محطة الجزيرة، من منظمات حقوق الإنسان إلي أعضاء البرلمان الأوروبي أعداء يتآمرون علي مصر، كما صار الغرب كله يخصص جهده وحياته لمحاربة إسلام مصر وقيم مصر ودين مصر، وهكذا المصريون بحكمهم الرشيد وحاكمهم الحكيم وشيوخهم الأفاضل وقنواتهم التليفزيونية الأشاوس يدافعون عن مصر في مواجهة هؤلاء الأعداء
السؤال الآن فعلا: علي إيه ده كله؟
ماهذا الشيء العظيم الرهيب الفظيع الذي تعمله مصر حتي يكون كل هؤلاء أعداءها؟!
ما الخطر المصري الرهيب الذي يجعل نصف العالم تقريبا يتآمر علي مصر؟
ويجعل كل منظمات وهيئات وفنون وثقافة العالم تتآمر كي تطعن في دين المصريين وتحاول أن تحولهم عن القيم العظيمة التي يتمتع بها شعب مصر؟
لا تفتح جريدة ولا تطل علي شاشة تليفزيون في مصر إلا وتجد واحدا يمسك سيفا ليهدد من يريد بمصر سوءا، وتحس معه أن طائرات تحلق في سماء البلد وإحنا مش شايفينها أو أن غزوا من الغرب أو الشرق نزل في العباسية وعند بوابة الطريق الصحراوي يستهدف أمن مصر وقيم مصر وشعب مصر دون أن نشعر بينما «الحساسون» من أهل الحكم شعروا وأحسوا.
وأنا موافق ومستعد أبصم بالعشرة علي أن مصر مستهدفة من كل كائنات الأرض وأن هناك مؤامرات تحيكها أمريكا ضد مصر، وأن هناك مؤامرات أخري تحيكها إيران ضد مصر، وأن منظمات دولية تحاول ضرب العقيدة وأن مؤسسات غربية ترمي خيوط مؤامرة علي قيم المصريين وأن الفيفا بيكره مصر ولا يريد صعودها لكأس العالم علي اعتبار أننا مقطعين كأس العالم مشاركة ومكسب!! وأن الاتحاد الأفريقي وعيسي حياتو بيكرهنا وبيعين لنا حكاما لإخراجنا من البطولات (بدليل أننا نحتكر تقريبا بطولة أفريقيا للأمم ودوري الأندية ) ولا يريد منح جائزة أحسن لاعب لأبوتريكة ومنحها للاعب تافه مغمور حيالله نجم من نجوم الدوري الإنجليزي
موافق تماما علي هذا الجنان لكن بشرط واحد أن يقول لي أحد: لماذا؟
ليه العالم كله مرقد لمصر كده وحاططها فوق أنفه وفي دماغه ومقرر يعمل في مصر كل العمايل السودا دي، مضايقة مين مصر ولاَّ معكننة علي مين ولاَّ بتنافس مين؟
دعني أكون أوضح من أن يفهمني أحد خطأ وأحدد أنني أتكلم عن مصر مبارك، مصر منذ 28 عاماً، وأسأل مخلصاً والله أحسن أكون مش واخد بالي: هل مصر تزرع كل القمح الذي تحتاجه وتنتج كل الدقيق الذي يستهلكه شعبها، لذلك ليست محتاجة للتخين؟
هل تُصِّنع جميع الأسلحة والطائرات والدبابات والمدافع التي نحتاجها أم أننا نستوردها في صفقات سرية ممنوع علينا معرفة الرئيس وقّعها مع مين ولاَّ جايبها منين؟
هل نكتشف كل يوم اكتشافا علميا ونخترع اختراعات رهيبة تغير شكل العالم وتضيف للحضارة الإنسانية.. فالحقد علينا فظيع والناس لا تطيق كل هذا العلم الذي ننتجه والعلماء الذين يمشون في شوارع مصر فوق أكتاف الضباط ويعيشون في قصور غَنَّاء من كتر احترام مصر لهم وتقديسها لمكانتهم مما يثير غيرة الدول الأوروبية والآسيوية ومن ثم قررت أن تحاربنا وتتآمر ضدنا عشان نبطل شويه هذا التقدم والتطور العلمي؟
هل نملك حق الفيتو ونستخدمه في مجلس الأمن، الأمر الذي يثير أحقاد الدول الصغيرة الكثيرة ويجعلنا في منصة الاتهام الدائم بعرقلة العدالة الدولية؟
هل لدينا أرقي الجامعات العلمية وأعظم المناهج التعليمية وأهم مدارس الكون، ومن ثم فهناك مؤامرة رهيبة ضد مصر كي تتخلف في التعليم وتتراجع عن صدارتها الدائمة في العلم والدراسة والتعليم؟
هل نعيش في بيئة نظيفة ونشرب مياها نقية ونتنفس هواء غير ملوث ولا نري دخانا ولا سحابة سوداء ولا حريق قش ولا تفسد صدور ورئات عيالنا وأطفالنا، لهذا فالعالم كله من شرقه وغربه حقد علي مصر مكانتها الرائعة في نظافة البيئة ونقاوتها وصفاء مياهها وسمائها ومن ثم حلفوا بالطلاق علي التآمر علي هذا البلد الذي يغرق في خيرات البيئة بينما يترك العالم يشم «كولة» ويتنفس هواء بالسم ويشرب ماء بالروث؟
هل تنافس مصر الصين في التصنيع والتصدير فإذا ذهبت مصر إلي سوق تغزوها بالمنتجات الهائلة التي تنتجها مصانعنا الجبارة الضخمة سارعت الصين إلي محاولة منافستنا ولما تفشل الصين وألمانيا وإيطاليا في مواجهة صادراتنا التي تملأ أسواق العالم حلفت تلك الدول برحمة موتاها أن تحارب مصر في أكل عيشها وتتآمر عليها لوقف صادرات مصر التي تغزو كل شبر فيكي يا كرة أرضية ولو حكمت تنفث الكرة الأرضية عندًا في صادرات مصر التي تسد عين الشمس ؟!
هل تفسد مصر كل خطط العالم وتستطيع بكلمة من رئيسها وموقف من حكومتها أن تعطل أي قرار دولي أو تعوق أي إعلان حرب علي أفغانستان أو العراق أو إيران أو لبنان أو نيكارجوا؟!..
هل وزن مصر الدولي والإقليمي يمكَّنُها الآن من تعطيل مشروع حائط الصواريخ بين أمريكا وروسيا وتدمير أي اتفاق في مؤتمر إيربان أو تعطيل اتفاقية كيوتو أو سحب شرعية المحكمة الجنائية الدولية أو حل مشكلة متمردي التاميل أو إنهاء التوتر بين المغرب وجبهة بوليساريو أو تقليل عدد القتلي في دارفور أو حتي إقناع فيصل القاسم بتغيير مقدمة برنامج «الاتجاه المعاكس»؟!..
مصر لا تملك إنجاح مصالحة بين طرفي الخلاف الفلسطيني، فكيف نتصور أن العالم يتآمر عليها بسبب نجاحها فيما هو أخطر وأوسع وأبعد؟
قولوا لي مصر متفوقة في إيه؟
تخوف أي حد بإيه؟
بعلمها، بمفاعلها النووي، بقمحها، بتكنولوجيا وعلوم وصناعة وصادرات شعبها؟
بلاش، دعونا نسأل عن قوة مصر بعيدا عن تاريخها العظيم والمجيد، مصر قوية في إيه كي يستهدفها العالم من أمريكا حتي إيران لإضعافها؟قوية في الاقتصاد...هأ هأ هأ
قوية في العلوم والطب؟ أم في الدجل والشعوذة التي تنفق عليها مليارات سنويا وتبذل محاولات خارقة لإخراج الجن الذي تزوج نصف بناتنا؟
قوية في الهندسة والتكنولوجيا؟
قوية في الصحة الجسدية لشعبها المرضان بفيرس «سي» والسرطان والفشل الكلوي والكبدي؟
قوية في أقمارها الصناعية التي تُصنعها وتطلقها في الفضاء تتجسس بها علي العالم؟قوية في ديمقراطيتها؟!
أرجوك بطني ح توجعني من الضحك ) قوية في دينها مع انتشار الرشوة في كل مصلحة حكومية وعمليات ترقيع غشاء البكارة وجرائم القتل العائلي وزنا المحارم والنصب والفهلوة !
وبدليل أننا ننفق 37مليار جنيه علي المخدرات سنويا من فرط إيماننا القوي وتمسكنا بقيم ديننا الحنيف !!
ده حتي مصر ليست قوية جنسيا بل صرنا من الشعوب التي تعيش علي الفياجرا حيث نمثل واحدا من أكثر شعوب الأرض إنفاقا علي المقويات الجنسية حتي أننا نستهلك بـ 11 مليار جنيه فياجرا سنوياً
.مرة أخري كي نفيق ونستيقظ لأن ما يراه المرء فعلا من هوس يسيطر علي الجميع يدعوه للظن بأن هناك مرضا جماعيا بالوهم أصاب وطنا بالكامل وكلنا في مصحة كبيرة جدا هي المصحة الوحيدة في العالم التي تمر في بواباتها علي جمرك وضباط جوازات سفر يتأكدون من التأشيرة! ما الذي يجعل مصر هدفا للتآمر من كل أرجاء الدنيا من الشيعي والشيوعي من الأمريكي والدنماركي، من اليهود والنصاري والمجوس والهندوس؟ علي إيه ده كله يا وطن؟
!أنا لا أقول هذا كي أبث في أحد يأسا، ولا أكتب هذا تشفيا في وطني وبلدي، ولا نكاية في نظام سياسي فاسد ومستبد يحكمنا وهو سبب ما نحن فيه، بل أكتب وأقول وأؤكد ذلك كي نعرف العلة والمعلول ننهض ونواجه مشاكلنا الحقيقية ونستعيد جدارتنا ومكانتنا وروحنا وحضارتنا، فإذا لم نكن صرحاء مع بعض والزمان ترللي فلا خير فينا والزمان شرم برم!!
بقلم: إبراهيم عيسى
نقلا عن الدستور

No comments: