Monday, August 11, 2008

عار التحرش الجنسي في مصر


عندما فكرت في الكتابة للتعليق علي استطلاع الرأي، الذي أجراه المركز المصري لحقوق المرأة عن التحرش الجنسي في مصر، أردت أن أوضح أن الربط بين ارتداء الحجاب وتغطية جسد المرأة وقلة التعرض للتحرش الجنسي غير صحيح، بدليل أن النساء المحجبات أكثر عرضة للتحرش من قِبل الرجال عن غيرهن ؛ وذلك لاستخفاف الرجال في مصر بمسؤوليتهم تجاه سلوكياتهم، وإلقاء اللوم المستمر علي السيدات باعتبارهن سبب التحرش.
ولقد جال بخاطري عرض تجربتي مع التحرش الجنسي خلال هذا المقال، وقبل أن أرسل المقال سألت أحمد الصاوي، رئيس قسم الرأي بالجريدة، إن كانت «المصري اليوم» ستسمح بنشر مقال كهذا.. وفي هذا التوقيت؟ وكان رده مشجعاً.
كل ما أردت أن أؤكد عليه أن الحجاب لا يحمي المرأة من التحرش بل علي العكس. فلقد كنت محجبة لتسع سنوات وأعرف معني ذلك، فما عانيته من التحرش وأنا محجبة في مصر لم أشهد له مثيلاً حتي أثناء إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية ثماني سنوات متتالية.
فعندما كنت في الرابعة من عمري ، وكنت لا أزال وقتها أقيم في بيت العائلة بالقاهرة، تعرض لي رجل أثناء وقوفي في شرفة المنزل وحاول إغوائي لكي أنزل له. وفي عمر ١٥، فوجئت برجل يحاول أن يلمسني أثناء تأدية شعائر فريضة الحج في مكة ـ أقدس مكان عند المسلمين ـ وكان كل جزء في جسدي مغطي تماما، ماعدا وجهي وكفي.. وكنت وقتها لم أعش بعد تجربة تحرش جسدي، أو محاولة رجل لمس جزء من جسدي، مما جعلني أنفطر في البكاء، لدرجة أنني أحسست بالعار من شرح ماحدث لعائلتي.
وفي العشرينيات من عمري عند عودتي إلي القاهرة وارتدائي الحجاب، الذي يغطي كل شيء ماعدا الوجه والكفين، تم التعرض لي عدة مرات في الأماكن التي بها حشد من الرجال، مما كان يدفعني لوضع حقيبتي دائما بيني وبينهم، ولولا سماعات الهاتف المحمول لما استطاعت أذني أن تتحمل الألفاظ النابية، التي كان الرجال، وحتي الأولاد في سن المراهقة، يهمسون لي بها.
ومع الوقت تعلمت كيف أدافع عن نفسي، وألكم تلك الأيدي التي اعتقدت أن جسدي بمثابة لعبة جميلة، إلا أنني لم أجد أبدا أي شيء يهدئ من الألم النفسي، الذي أشعر به عند وقوع اعتداء علي، لذلك تخيلوا معي كم كان قاسيا التعايش مع صدمة الاعتداء، عندما حاولت أن أستنجد بالشرطة لكي تبعدهم عني فقط، أو عندما كانت أياديهم تقترب مني، وتحاول أن تلمسني، وكانت أحياناً تنجح في ذلك.
وذات مرة.. تحرش بي رجل أمن وحاول تحسس صدري، بينما يدَّعي أمام رئيسه أنه يدفعني وأنا وسط مجموعة من الصحفيين أثناء محاولتنا المشاركة في مظاهرة سياسية، فصرخت فيه واشتكيت إلي الضابط المشرف عليه، الذي لم يفعل شيئاً سوي أنه أمره بالتحرك من مكانه لآخر الصف، وقال لي: «ماتخديش في بالك»!
لذا لم أفاجأ، أو أندهش، عندما علمت أن نسبة ٩٨% من النساء الأجانب اللاتي يزرن مصر، ونسبة ٨٣% من النساء المصريات من اللاتي تم إجراء الاستطلاع عليهن أكدن أنهن أيضا تعرضن للتحرش الجنسي، وسردن نفس مسلسل الاشمئزاز الذي عشت فيه، فكم هو واقع مرير، أن تعيش كامرأة في مصر.
وحين أعلن المركز المصري لحقوق المرأة، في استطلاعه، أن نسبة ٦٢% من الرجال المصريين اعترفوا بأنهم يتحرشون بالنساء
، ارتعدت من كثرة المقبلين علي هذا الأمر بين الرجال المصريين، بل الأسوأ بالنسبة لي كان عندما قرأت أن الغالبية بما يفوق ٢٠٠٠، رجل وسيدة مصرية، من عينة استطلاع المركز المصري لحقوق المرأة، يلقون باللوم علي المرأة لتعرضها للتحرش الجنسي بسبب طريقة لبسها، مما جعلني صراحة أعتقد أن رجال ونساء بلدي فقدوا عقولهم!
دائما ما أتساءل: لماذا تسوقنا مثل هذه الرغبة العنيدة في إسقاط المرأة ؟... والإجابة ربما تكمن في أن مستجدات الحقبة الساداتية، جعلت المصريات ـ علي عكس المرأة الأجنبية ـ يعتقدن أن المرأة عليها أن تُبقي ما يحدث لها من تحرش بينها وبين نفسها، حتي لا يلحق بها العار أو الخوف الذي يلوث سمعتها، مما أعادني بالذاكرة إلي الوقت الذي تعرضت فيه للتحرش بينما أؤدي فريضة الحج.
ولاشك أن ما نسميه «العار» مزود بمجموعة من الرسائل الدينية والسياسية، منيت بها الحياة المصرية العامة، التي حوّلت المرأة إلي مجرد «عنصر» جنسي، مع إعطاء الرجال حق التحكم التام في أجسادهن.
في عام ٢٠٠٦، نُشرت حلقة كاملة مع مفتي أستراليا، الذي شبه المرأة التي لا ترتدي الحجاب بقطع اللحم غير المغطاة، والمتروكة لتلتهما القطط البرية. هذا المفتي تلقي تعليمه في الأزهر، المؤسسة الدينية في مصر، التي يتخرج فيها رجال الدين في جميع أنحاء العالم الإسلامي السني. صحيح أنه تم إيقافه وتعطيل فتواه، إلا أن آراءه الشاجبة والمتزمتة لها صداها بشكل كبير عند غيره من رجال الدين.
واليوم.. بدأت مدونتان في مصر مؤخرا في إطلاق رسائل بريد إلكترونية، وحملات بوسترات تحتوي علي رسالة تشبه المرأة بالحلوي أو قطعة الشوكولا، ولذا عليها أن تغطي نفسها لتكون آمنة من التحرش، كما نفعل مع الحلوي عندما نغطيها لنحميها من الحشرات الطائرة.
فلا يوجد قانون يجرّم التحرش الجنسي في مصر، كما أن الشرطة في الأغلب ترفض تسجيل شكاوي السيدات، بل إن هناك بعض رجال الشرطة أنفسهم الذين يتحرشون بالنساء، ومن ثم أصبح واضحا أن أمان المرأة بعيد عن دائرة الأولوية في مصر، حتي إن الدولة بنفسها لقنت المصريين أكثر الدروس إثارة في النظام الأبوي الاجتماعي المؤسسي، عندما استأجرت قوات الأمن والحكومة بلطجية وقطاع طرق ليعتدوا علي المتظاهرين، خاصة النساء منهم، أثناء التظاهر ضد النظام في عام ٢٠٠٥، حيث أعطت الدولة «الضوء الأخضر» للتحرش الجنسي بالمتظاهرات.
لذا لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي ما حدث أثناء الاحتفال بالعيد في عام ٢٠٠٦، عندما هاج حشد من الرجال، ذاهبين إلي منطقة وسط البلد للتحرش بأي امرأة تمر من هناك، تحت مرأي ومسمع رجال الشرطة الذين لم يفعلوا أي شيء!!، ولولا السبق الإعلامي الذي حققته المدونات بنشر أخبار التحرش لظل النظام المصري حتي الآن ليس لديه أدني معرفة بما حدث!
ومن المثير للدهشة أن المظاهرة التي تم تنظيمها ضد التحرش الجنسي في القاهرة، وشاركت فيها منذ أيام قليلة ماضية، كانت مليئة برجال الشرطة المشاغبين أكثر من المتظاهرين أنفسهم ، فلقد شاركت أختي نورا _ وهي في العشرينيات من عمرها_ مع عدد من زميلاتها في المظاهرة، ولم يكن قد سبق لها الانضمام لأي احتجاج من قبل، إلا أنها كانت ساخطة بشدة عندما سمعت أن الدولة تنكر شيئاً حدث لها بالفعل عدة مرات.
نحن، للأسف، نتعامل مع قصصنا عن التحرش الجنسي كما كان يتعامل المحاربون القدامي مع أبواق الحرب، كما أننا لا نريد كسر «التابوه» الذي يتستر علي جرائم حقيقية للتحرش الجنسي، بل إننا نحرص علي إخفائها خوفا من العار، ولذلك بدأت هنا أروي قصصي لأحرر نفسي من هاجس هذا العار.
مني الطحاوي - المصرى اليوم
كاتبة مصرية مقيمة في نيويورك
www. monaeltahawy .com

No comments: