Wednesday, July 02, 2008

هل أجمل ما فيها ماضيها؟

السؤال عن مصر وعن احوالها، هل اجمل ما فيها ماضيها؟ .
لقد تبادر لي هذا السؤال وانا استمع لعدد من طلبة الثانوية العامة واولياء امورهم، لقد كان حوارا مرهقا لي من الناحيتين النفسية والذهنية لأنني اقاوم الاحباط من احوال مصر قد استطاعتي واعلم اننا يمكن ان نلقي بأنفسنا في البحر بإذن الله »وليس خروجا علي ارادته« لكن الله ينجينا بإرادتنا وبجهدنا من اجل مستقبل افضل.
وعلينا ان ننشئ انفسنا والاخرين علي العمل الجاد من اجل مقاومة قوي التخلف والفساد، وهي كثيرة ونشطة في الدولة والمجتمع، ولا ابالغ اذا قلت انني قد اصبت بالكثير من الضيق المفضي الي الاحباط حينما خرجت من حواري غير المرتب سلفا مع عدد من طلبة الثانوية العامة واولياء امورهم بالامس القريب. ان اسوأ ما في هذا الحوار هو النظرة السلبية للغاية التي يحملها شباب مصر لمستقبل مصر، ان القضية ليست قضية امتحانات فقط وانما هي مناخ عام يبعث علي القلق لأن الطلبة وذويهم يتعاملون مع العملية التعليمية بل ومع شئون مصر وكأنها شيء عبثي قائم علي اللامنطق والتعجيز من ناحية ومحاباة الاغني »الذين يستطيعون تجنب الثانوية العامة وهمومها بالشهادات الاجنبية« والأقوي الذي يمكن له ان يأخذ منشطات في صورة دروس خصوصية واسئلة يمكن تسريبها لعلية القوم.
ان مخاوفهم وشكاواهم ليست نابعة من كسل او بحث عن اعذار وانما عن احساس بأنهم يدخلون سباقا غير عادل وقواعده مخترقة، انهم يشعرون بالظلم حقا والاباء توقفوا عن افتعال الامل وارتشاف العطر من الورود البلاستيكية، بل ان الحديث عن خروج اوائل الثانوية العامة في السنوات الماضية من الاقاليم اصبحت عليه علامة استفهام عند المتحدثين معي، وحتي الجهود المحمودة التي بذلها النائب العام ورجاله من اجل التحقيق في وقائع تسرب الامتحانات في المنيا تلقاها هؤلاء بالكثير من الريبة بمنطق: لماذا الآن؟ ولماذا هذه السنة؟
اذا صدقنا الكتابات الاكاديمية عن قيم التقدم التي تحدث عنها David McClelland
منذ الستينيات وما تتضمنه من ضرورة ثقة قطاع واسع من افراد المجتمع في عدالة النظام واشاعته اجواء من المساواة واحترام القانون والمؤسسات فإنني اقول بصدق ان هذه القيم متآكلة بشدة بين قطاع واسع من المصريين بما يجعلنا أتساءل: هل اجمل ما في مصر ماضيها؟ هل نحن ننحدر الي اسفل؟.
انا اعلم ان الدولة تتحدث عن انجازات اقتصادية وبنية تحتية، ولكن المشكلة ان الانسان المصري يفقد ثقته في مصر وفي المصريين؟ أليس من الشائع بيننا اننا من يصنع الفلوس وليست الفلوس هي التي تتحدث عن انجازات اقتصادية وبنية تحتية، ولكن المشكلة ان الانسان المصري يفقد ثقته في مصر وفي المصريين؟ .
أليس من الشائع بيننا اننا من يصنع الفلوس وليست الفلوس هي التي تصنعنا، ان هذه المقولة لها فلسفة تؤكد اننا حين نكون اقوياء بقيمنا وقدراتنا الذهنية فاننا نستطيع ان ننتج الحضارة وندفع انفسنا الي الامام دفعا، اما اذا كانت معنا موارد هائلة ولكن النفوس ليست كبارا فان المال يتحول الي اداة بطش وقهر وظلم نمارسه ضد بعضنا البعض.
مالك بن نبي تحدث بوضوح عن مجتمعات تنتج الحضارة واخري تستهلك الحضارة، ان التقدم لا يعني استهلاكنا وتكديسنا لمخرجات الحضارة في صورة سلع استهلاكية قادمة من اقطار العالم الاخري، انه مأزق شديد نجد انفسنا فيه، والمشكلة ان الكثير من رجال الحزب الوطني يبحثون جادين عن الجزء المملوء من الكوب دون ان يبذلوا ما يكفي من جهد لتبين اسباب الجزء الفاضي من هذا الكوب.
وكما يقول المناطقة »بضدها تتميز الاشياء«، فأنا أقارن حواري مع طلبة الثانوية العامة المصريين بعدة حوارات مع طلبة الـ
honors programs
او برامج الطلبة المتفوقين في جامعات ولاية ميتشجان الامريكية، والهدف من هذا البرنامج في الاصل ان يري صغار الشباب مجموعة من نماذج اساتذة الجامعة والنشطاء في العمل الخيري والتطوعي كي يكونوا قدوة للشباب الامريكيين من ناحية وللاجابة علي اسئلتهم من ناحية اخري، وفي حواراتنا معهم يكون الطلاب حريصين علي التعرف علي اسباب نجاح كل واحد من هؤلاء ونحن عادة لانبخل عليهم بالنصائح القائمة علي اتقان العمل وبذل الجهد والخروج من دائرة الراحة والاسترخاء لتجربة ما هو جديد ومبتكر، والحديث دائما عما يوفره النظام التعليمي والاجتماعي والاقتصادي الامريكي من فرص للشباب وكيف يمكن لهم استغلاله، وهذا ليس بغريب ففلسفة التعليم في المجتمعات الحية والناهضة ان يقوم الافضل اخلاقيا وعلميا بمهام تربية وتعليم الاجيال الصاعدة.
وحتي لا اطيل علي القارئ الكريم، لقد رأيت المستقبل يصنع في قاعات النقاش الامريكية، ورأيت امامي ان القطاع الاوسع من الشباب الامريكي المتفوق في ولاية ميتشجان يسير علي نفس نهج زملائي من الباحثين واساتذة الجامعة، من احترام العلم والعلماء وتقدير الدور الذي تقوم به المدرسة والجامعة وكيف ان مجهودهم مقدر ومحترم وكيف ان عدالة النظام ليست موضع تساؤل وان نظرتهم النقدية لمجتمعهم ونظامهم السياسي تهدف تحسين النظام وتطويره وليس الخروج عليه وتدميره، ليس التعايش مع فساده، وليس تدميره وانما صلاحه.
وفي المقابل يبدو النظام التعليمي في مصر في عيون الكثير من الطلاب وأولياء الامور ككيان عبثي يحابي الاغني والاقوي، وبدلاً من احترام الاستاذ المعلم القدوة وجدت نموذج نجيب الريحاني وهو يجيب علي سؤال مدرب الكلب في فيلم »غزل البنات« عن مهنته، فرد نجيب الريحاني: انا بتاع علم، انما بتاع كتب، بتهكم مصحوب بشعور باللاقيمة واللامعني واللامنطق،
هل اجمل ما فيها ماضيها؟.
اذا كان واقعنا لن يتغير بسبب تزوير الانتخابات وملحقاتها، واذا كان مستقبلنا لن يتغير بسبب تسريب الامتحانات وملحقاتها،
فهذا قطعا سؤال مشروع: هل اجمل ما فيها ماضيها؟
بقلم د. معتز بالله عبدالفتاح
الوفد المصرية

No comments: