Monday, November 26, 2007

الدولة الدينية خطر كبير ‏وسوف تؤدي لتقسيم مصر

الحكومة تستخدم إستراتيجية البديل المستحيل مع "الإخوان"

ثنائية الدولة والتيار الديني سبباَ في انسداد الأفق‏


محمود أباظة هو الرئيس الخامس لحزب الوفد، أقدم الأحزاب السياسية في مصر والحزب الوحيد ‏الذي استمر منذ الفترة الملكية حتى الآن، وتم حظره عام 1954 ضمن بقية الأحزاب التي كانت قائمة ‏وقتها، وقد عاد الحزب للحياة السياسية عام 1978 حيث تولى رئاسته أحد زعمائه التاريخيين هو فؤاد ‏سراج الدين - سكرتيره العام نهاية الأربعينيات ورفيق كفاح مصطفى النحاس- حتى توفي عام ‏‏2000 فتولى الرئاسة نائبه الأول نعمان جمعة أستاذ القانون والمحامي الشهير والذي أدار الحزب ‏بطريقة فردية ومستبدة، وحاد به عن مبادئ الوفد التليدة حتى اعتبر المراقبون المرحلة التي تزعم ‏فيها الوفد قطعاَ مع تاريخ الوفد، وأقيل نعمان جمعة عام 2006 وانتخب محمود أباظة رئيساَ للحزب ‏بأغلبية كبيرة، إلا أن نعمان جمعة ومناصروه لم يرتضوا الإقالة، واقتحموا الحزب بقوة السلاح ‏صبيحة الأول من أبريل 2006، فتنادى أعضاء الحزب في القاهرة والجيزة وتجمعوا أمام القصر ‏الشهير في الجيزة حيث مقر الحزب العريق في محاولة لاستعادته، فكانت مجزرة لم تشهدها الحياة ‏السياسية في مصر طوال تاريخها، أصيب فيها سبعة وعشرون وفدياَ برصاص أحد أنصار نعمان ‏جمعة الذي كان متحصناَ داخل إحدى غرف القصر، وبعد ثمانية ساعات كاملة ووسط الدماء ‏والخراب والحرائق التي أشعلها أنصار جمعة داخل مقر الحزب أستطاع شباب الحزب أن يحطموا ‏الأسوار ويستعيدوا حزبهم من أيدي المعتدين.‏ومحمود أباظة واحداَ من جيل لم يشهد الوفد القديم، فهو من مواليد عام 1948، وهو محام درس ‏القانون في جامعة القاهرة، وأكمل دراساته العليا في القانون الدولي في فرنسا، وعمل محامياَ في ‏باريس، وعاد للقاهرة ليعمل محامياَ بها في سبعينيات القرن الماضي، ثم ترك المحاماة ليتفرغ للعمل ‏السياسي والحزبي، وهو سليل عائلة من أعرق العائلات في مصر ويمثل بلدته (التلين – محافظة ‏الشرقية) في البرلمان منذ سنوات طويلة، وأباظة مثقف من العيار الثقيل يقرأ بعدة لغات، وهو فضلاَ ‏عن ثقافته القانونية الرفيعة، قارئ جيد للتاريخ، وعلى اطلاع واسع بما يجري في العالم كله. ‏الحوار المتمدن التقت محمود أباظة، وكان معه الحوار التالي:


نبدأ بما أطلق عليه "الائتلاف الديمقراطي" أو الجبهة التي شكلتها أربعة أحزاب ‏معارضة، ما هي أهدافها؟

• هذه الجبهة تشكلت مؤخراَ من أحزاب "التجمع" و"الناصري" و"الجبهة الوطنية" ‏و"الوفد" نتيجة للدعوة التي قدمها حزب الوفد لإجراء حوار وطني واسع حول كافة ‏القضايا وقد توصلنا إلى وضع ميثاق مشترك يتضمن ثلاث قضايا رئيسة، هي ‏الإصلاح السياسي،

والإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الاجتماعي.


وما هي أهم ملامح هذا الميثاق؟

الإصلاح السياسي ملامحه معروفة ومتفق عليها ونحن ندعو في هذا الصدد إلى تداول ‏حقيقي للسلطة في كافة المواقع، واستقلال تام وغير منقوص للقضاء، وحرية رأي ‏كاملة وغير منقوصة. وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فنحن نطالب بسياسة اقتصادية ‏واجتماعية تضع حداَ لظاهرة التهميش الاجتماعي والاقتصادي، فليس مقبولاَ مثلاَ أن ‏يكون في مصر 2 مليون طفل شوارع، فقد وصلنا إلى مرحلة من التهميش الاقتصادي ‏الحاد الذي يجعل تلك الأسر لا تستطيع حتى الحفاظ على أبنائها. وفي الجانب ‏الاقتصادي نطالب بسياسات جادة لإصلاح الاختلالات الاقتصادية، وبالطبع فليس ‏هناك خلاف حول حرية السوق، ولكن يجب أن تكون هناك سياسات لإصلاح اختلالات ‏السوق

.‏•

ولكن البعض يعتقد أن الأوضاع في مصر تستعصي على الإصلاح؟

• بالفعل الأوضاع أسوأ مما نتصور، ولكنها لا تستعصي على الإصلاح، نحن في مصر ‏نشبه مجموعة من الأشقاء يمتلكون بيتاَ للعائلة، إلا أن أحدهم استأثر بالبيت وطرد ‏الآخرين منه، ومهمتنا الآن أن نعيد بقية المصريين لبيت العائلة ونضع حداَ لهذا الشقيق ‏الذي اغتصب البيت وطرد إخوته.‏•


وهل كانت هناك ثمة خلافات حول هذا الميثاق بين الأحزاب الأربعة المكونة للجبهة ‏خاصة وأن حزبي "الوفد" و"الجبهة الديمقراطية" لهما توجه ليبرالي، وحزبا "التجمع" ‏و"الناصري" لهما توجه اشتراكي؟

• كانت هناك خلافات بسيطة تم تجاوزها خاصة أننا نعمل في إطار جبهة تقوم على ‏الأشياء المشتركة المتفق عليها وهي كثيرة جداَ، وقد تناقشنا كثيراَ ووصلنا لاتفاقات ‏جيدة، والمشكلة التي يتفق عليها الجميع في مصر أننا لا يوجد لدينا تداول للسلطة، ‏ولدينا قوتين فاعلتين في المجتمع هما الدولة والتيار الديني، وأنا أقول الدولة وليس ‏الحزب الوطنيإستراتيجية البديل المستحيل


أنت تفترض إذاَ أن الدولة والحزب الوطني الحاكم كياناَ واحداَ؟

• نعم، وإذا أخرجت الدولة من الحزب الحاكم لن يكون هناك حزب ولا حاكم، المهم أن ‏هذه الثنائية (الدولة والتيار الديني) هي التي تسد الأفق وتجعل المستقبل غامضاَ ‏وبالتالي يجب فتح هذا الانسداد بوجود قطب ثالث، وكل من التيار الديني والدولة ‏‏"مرتاح" لهذه الثنائية، فالتيار الديني يعمل خارج قيود الشرعية التي تكتف بقية ‏الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، وهنا هو مستفيد مرتين الأولى لأنه يبدو كضحية ‏والناس تتعاطف دائماَ مع الضحايا، والثانية أن من لا يطيق الوضع القائم لا يجد أمامه ‏سوى الإخوان، والدولة أكثر حرصاَ على هذه الثنائية حتى يكون البديل الوحيد لها بديلاَ ‏غير مقبول.‏


تقصد إستراتيجية البديل المستحيل؟

• بالضبط ... تماماَ، ولكن المشكلة التي قد لا يدركها أولي الأمر في الدولة أن البديل ‏المستحيل يمكن أن يتحول في يوم من الأيام إلى البديل الوحيد، لأن قوى التغيير يمكن ‏أن تتجمع في لحظة واحدة رغم كل تناقضاتها، وإلا فهل كنت تتصور في يوم من الأيام ‏أن "العماد ميشيل عون" يمكن أن يتحالف مع حزب الله في لبنان.‏


وهل الجبهة التي شكلتموها مفتوحة لانضمام أحزاب أو قوى سياسية أخرى؟

• نحن لدينا برنامج واسع أعتقد أن معظم المصريين متفقين عليه، والباب مفتوح لانضمام ‏كافة القوى والتيارات السياسية الموجودة في المجتمع.


بما فيها الإخوان المسلمين؟

• نحن نتحاور مع الإخوان المسلمين ونلتقي بهم ونتفق معهم في كثير من المطالب التي ‏يتفق عليها الشارع السياسي في مصر، ولكننا نختلف معهم جذرياَ في مسألتين ‏أساسيتين هما "المواطنة" و"الوحدة الوطنية"، فنحن نعتبر أن المواطنة هي المناط ‏الوحيد للحقوق والواجبات، وأنه لا يجوز التفرقة بين الناس على أساس الدين أو ‏المذهب أو العرق أو الجنس، وإخضاع المواطنة لأية مرجعية دينية يعد مساساَ بالوحدة ‏الوطنية، وهو هنا مساس بأهم ثوابت الوفد الذي قام منذ ما يقرب من 90 عاماَ على ‏ركيزتين أساسيتين هما: سيادة الأمة بمعنى الاستقلال في مواجهة الخارج الذي كان ‏المحتل حينئذ، واستقلال الإرادة تجاه الحاكم في الداخل، والركيزة الثانية هي الوحدة ‏الوطنية، وفي أدبياتنا أن المجتمع الذي يهمش الفئات الأضعف أو الأقل عدداَ هو ‏مجتمع لا يمكن أن تلتئم فيه الوحدة الوطنية، ولهذا لا يمكن أن نلتقي سياسياَ مع ‏الإخوان.


‏• لكنكم تحالفتم معهم في الانتخابات التشريعية للعام 1984.

‏• نحن تحالفنا معهم في هذه الانتخابات على برنامجنا وشعاراتنا، وفؤاد سراج الدين ‏اشترط عليهم ألا يتسللوا إلى تنظيمات الوفد، وأن يلتزموا برأي أغلبية الهيئة البرلمانية ‏ومواقفها داخل البرلمان، وخلافنا الحالي معهم يتعلق بمسألتي الوحدة الوطنية والدولة ‏الدينية.‏خطر كبير


إذاَ أنتم ترفضون الدولة الدينية؟

• نحن نرفض تماماَ الدولة الدينية لأسباب كثيرة أهمها أنها قد تؤدي لتقسيم مصر إلى ‏دولتين على الأقل، فعندما يكون لدي في العمل السياسي مرجعية دينية في مجتمع يدين ‏بديانتين مختلفتين فإنني سوف أصل بالضرورة إلى دولتين.


‏• ولكن ألا ترون أن الدولة الدينية خطر على المسلمين أيضاَ؟‏

• بالطبع خطر كبير لأنها تؤسس للشقاق، لأنني بداية لو سمحت بقيام حزب على أساس ‏مرجعية دينية، فلن يكون لدينا حزباَ واحداَ ذو مرجعية إسلامية، بل سيكون لدينا حزباَ ‏للإخوان وحزباَ للجماعة الإسلامية وحزباَ لتنظيم الجهاد وحزباَ للسنة وحزباَ للشيعة، ‏وعل الناحية الأخرى سيكون لدينا حزباَ للأرثوذكس وحزباَ للكاثوليك وحزباَ ‏للبروتستانت، وكما تعلم فهناك أربعة أحزاب دينية إسلامية تحت التأسيس الآن أحدها ‏هو حزب الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى فإنه من غير المقبول أن نعود إلى ‏الوراء، فنحن كنا في دولة دينية دامت حوالي 1300 سنة هي الخلافة، وقد تجاوزناها، ‏كما كانت الإمبراطورية الرومانية دولة دينية في أوروبا ثم تجاوزتها المجتمعات ‏الأوروبية، والبشرية كلها بدأت بالخلط بين الدين والدولة، وانتهت إلى الفصل التام ‏بينهما.‏


ولكنهم يقولون أن الإسلام دين ودولة، ويزعمون أن الدولة الدينية كانت قائمة في عهد ‏الخلفاء الراشدين؟

• هذا ليس صحيحاَ، الإسلام دين ودنيا، ولكنه ليس دين ودولة، ولم يكن أبداَ كذلك، ‏والدليل أنه عندما توفي الرسول (صلعم) اختلف أصحابه فيما بينهم، لم يختلفوا على ‏الدين ولكن اختلفوا على الدولة، معنى ذلك أن الدين ترك الدولة للناس، ولو كان الله ‏يريد الدولة الإسلامية لكان قد نظمها كما نظم المواريث والزواج والطلاق، والصحابة ‏هم أول من اختلفوا على الدولة وتحاربوا وتقاتلوا وقتل بعضهم بعضاَ.‏انقسامات كثيرة•


كان حزب الوفد القديم تاريخياَ من دعاة الوحدة العربية، وكان زعيمه مصطفى النحاس ‏وراء إنشاء الجامعة العربية عام 1945، فلماذا تراجعت اهتمامات الحزب عربياَ في ‏السنوات الأخيرة؟

• اهتماماتنا العربية لم تتراجع، ولكن المسألة مسألة أولويات، والمشاكل الداخلية في ‏مصر كثيرة جداَ لدرجة تبعدنا عن الاهتمام بعلاقات الحزب الخارجية، ولكن الوفد كان ‏دائما له مواقف مشهودة ومتميزة في كل القضايا العربية، فقد كنا أول من اتخذ موقفا ‏صلباَ ضد الغزو العراقي للكويت، وأيدنا الحل العسكري لتحرير الكويت في الوقت ‏الذي كان هناك تيار عارم في مصر والعالم العربي ضد التدخل الأميركي، وضد ‏مشاركة قوات عربية معه، وقد تسببت هذه المسألة في انقسامات كبيرة داخل العديد من ‏الأحزاب المصرية، ولكن فؤاد سراج الدين قال في خطابه الشهير عقب الغزو مباشرة ‏‏" أن ما فعله صدام حسين أصاب حلم الوحدة العربية في مقتل، وأنه تفكيك للتضامن ‏العربي لأن كلاَ منا أصبح يخشى غدر الشقيق، كما كان لنا موقفاَ أيضاَ من العدوان ‏الإسرائيلي على لبنان.


‏• والآن كيف ترون الأوضاع العربية؟

• العالم العربي كله في مفترق طرق، وهذه المنطقة كلها على حافة بركان، ونحن نعيش ‏فترة استثنائية جداَ وخطيرة بسبب الأزمة العراقية التي أدخلت الفيل الأميركي في ‏‏"متجر (أطقم المائدة) الصيني" فأخذ يكسر كل شيء، وما يحدث في إيران (الخلاف ‏النووي الأميركي الإيراني) وفي سوريا وفي لبنان وفي جنوب تركيا في السودان، كل ‏هذه الأحداث لا يمكن أن نفصلها عن الأزمة العراقية، وأنت مثلاَ لا يمكن أن تطالب ‏إيران أن تتراجع عن برنامجها النووي بينما هناك مائة وستون ألف عسكري أميركي ‏على حدودها الغربية.


‏• ولكن ديكتاتورية النظام العراقي هي من أتى بالفيل الأميركي للمنطقة؟

• نظام صدام حسين يندر أن تجد نظاماَ أسوا منه في العالم، ولكن العلاج كان خاطئاَ، ‏وهناك أشياء عندما تنكسر لا يمكن إصلاحها، وفي أحد اللقاءات مع "كوندوليزا ‏رايس" قلت لها أن هناك أغنية إنكليزية للأطفال تقول ما معناه " أن هناك بيضة وقعت ‏فانكسرت، واجتمع كل عساكر الملك ولم يستطيعوا أن يعيدوها.‏كلنا شركاء


وما العمل في رأيكم؟

• للأسف كلنا شركاء فيما وصلت إليه الأحوال العربية، فخلال الربع قرن الأخير كانت ‏هناك إرهاصات كثيرة تنبئ بما نحن فيه، العديد من الأزمات تعاملنا معها بإهمال ‏وبعدم اكتراث، مثلاَ نحن ارتكبنا خطيئة كبرى بمساندة العراق في حربه مع إيران، في ‏الوقت الذي كان يجب أن نبذل جهداَ لوقفها.


‏• تقصد مصر؟

• ليست مصر وحدها بل الكويت والسعودية، جميعهم ساعدوا نظام صدام حسين بالمال ‏والسلاح في الحرب العراقية الإيرانية، كما تركنا لبنان رهينة لسوريا وتأخر الحل الذي ‏تم في "الطائف" 15 سنة كاملة.


‏• والسودان؟

• ما يحدث حالياَ، وما يمكن أن يحدث مستقبلاَ في السودان هو نتيجة لإهمال السياسة ‏المصرية للسودان طوال عدة عقود، والسودان معرض للتقسيم حالياَ، ونحن في حزب ‏الوفد لدينا علاقات جيدة بكافة الأطراف السودانية ولكننا لا نستطيع التأثير، ونطالب ‏الحكومة المصرية بأن تتدخل بما لديها من تأثير لدى كافة الأطراف السودانية، ولقد ‏قال لي مرة الزعيم الجنوبي الراحل "جون جارانج" أن البديل لوحدة السودان ليس ‏تقسيمه لدولتين، ولكن لعدة دويلات صغيرة وضعيفة


.‏• ولكن "جون جارانج" هذا خاض حرباَ طويلة من أجل استقلال الجنوب؟

• لا ... لقد كان مناوراَ كبيراَ، كان يحارب من أجل الضغط على حكومة الشمال لأنه كان ‏يريد أن يحكم السودان كله ... السودان الموحد.‏•


وهل لديكم علاقات مع أحزاب عربية؟

لدينا علاقات قوية وتاريخية مع حزب الاستقلال المغربي، وتاريخياَ كان للوفد علاقات ‏قوية مع الزعيم المغربي "علال الفاسي" في المغرب، ومع "الحبيب بورقيبة" في ‏تونس، وأنا كعضو في البرلمان المصري لدي العديد من العلاقات مع زملائي في ‏البرلمانات العربية


وهل تعتقدون بوجود ديمقراطية في العالم العربي؟

• نعم، وإلى حد كبير، في بعض الدول مثل لبنان والمغرب والكويت، وأذكر أنني ‏حضرت في فبراير الماضي برفقة وفد برلماني مصري إحدى جلسات مجلس الأمة ‏الكويتي وكانت مخصصة لمناقشة استجواب برلماني مقدم ضد وزير الصحة الكويتي ‏وقتها وهو الشيخ احمد العبد الله الصباح، وقد استمرت تلك الجلسة حوالي ست ساعات ‏وكانت المناقشات ساخنة جداَ من مقدم الاستجواب وبقية النواب، رغم أن الوزير ‏المستجوب كان أميراَ، وتم استكمال المناقشات في جلسة أخرى لم نحضرها وفي ‏نظري هذه ديمقراطية كبيرة. وقد قلت لأعضاء البرلمان الكويتي أن ما يجمع بين ‏مصر والكويت هو ارتباط الاستقلال بالديمقراطية في كل منهما، فقد أنشأتا برلمانيهما ‏عقب الاستقلال مباشرة، وقبل الاستقلال كان الكويتيون يبحثون مسألة الدستور،ولذلك ‏فقد استقطبت الكويت كبار فقهاء القانون الذين خرجوا من مصر في الستينيات أمثال ‏الدكتور وحيد رأفت الذي عمل مستشاراَ دستورياَ في الديوان الأميري، والدكتور ‏عثمان خليل الذي ساهم في إعداد الدستور الكويتي، والفقيه القانوني الكبير الدكتور ‏السنهوري وغيرهم، واستقطاب هذه العقول يكشف عن توجه الكويت نحو سيادة ‏القانون والديمقراطية منذ وقت بعيد.


‏• كنتم شركاء في مرحلة نعمان جمعة، ثم اختلفتم معه؟

• أولاَ نحن ليس لدينا مراحل، ونحن أيضاَ كنا شركاء في مرحلة فؤاد سراج الدين، ‏وكان نعمان جمعة شريكاَ فيها، بل كان نائباَ أول لرئيس الحزب وكان يعمل مع فؤاد ‏سراج الدين، وكان قريباَ جداَ منه.‏‏


إذاَ ماذا حدث؟

• المشكلة أن فؤاد سراج الدين كان له "كاريزما" خاصة، وذلك لأسباب شخصية ‏وتاريخية ولأنه كان سكرتير عام الوفد القديم، وكان ذو شخصية قوية جداَ فكانت ‏الفترة التي تزعم فيها حزب الوفد تتميز بنوع من النظام الأبوي لإلى حد ما، لكن لا ‏يستطيع أن ينكر أحد أن سراج الدين برغم ذلك كان ديمقراطيا، وذلك بحكم تربيته ‏والمناخ الذي عاش فيه، ولأنه ينتمي إلى جيل يعرف كيف يتفق وكيف يختلف، في ‏تلك الفترة كان رئيس الحزب يملك سلطات كثيرة وكانت مدة رئاسته غير محددة.‏•


وما المشكلة؟

• المشكلة أن نعمان جمعه فاته أن ما كان يصلح لفؤاد سراج الدين لا يصلح لغيره، ‏وفاته أن سراج الدين لم يكن يستمد تلك السلطات من كونه رئيساَ للوفد، ولكن رئاسة ‏الوفد هي التي استمدت هذا النفوذ وهذا التأثير من شخصه، وبالتالي عندما حاول ‏نعمان جمعة أن يستمر بهذه الطريقة أخطأ أخطاء كبيرة، ثم تراكمت هذه الأخطاء، ‏ونحن تحملناه في البداية على أنها مسألة مؤقتة إلى أن انفجرت الأزمة.‏


وما هي نقطة التحول التي فجرت الأزمة؟

• نقطة التحول كانت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2005 التي ترشح فيها نعمان ‏جمعة، فقد كان يأمل أن يكون مرشح المعارضة الوحيد، خاصة بعد اعتذار خالد ‏محيي الدين وضياء الدين داوود وعدم رغبة رفعت السعيد في التقدم للانتخابات، ‏وكان يأمل أن يتم منع أيمن نور من التقدم لتلك الانتخابات.‏•


لماذا؟

• لأنه كان يكرهه، ولأسباب كثيرة منها أنها كان متصوراَ أن السماح لنور بحزب ‏سياسي مؤامرة حكومية وسياسية على الوفد وعليه شخصياَ، ولذلك أدار جمعة الحوار ‏منفرداَ مع الأحزاب حول انتخابات الرئاسة، وعندما لم يتحقق له أن يكون مرشح ‏المعارضة الوحيد قرر عدم التقدم للانتخابات.


‏• ولكنه في النهاية تقدم وخاض تلك الانتخابات؟

• من هنا بدأت الأزمة الحقيقية ففي اجتماع الهيئة العليا لحزب الوفد المخصص لمناقشة ‏الموضوع كان قد أعد ورقة تتضمن إعلان الحزب عدم خوض الانتخابات، وفوجئ ‏برفض الأغلبية لاقتراحه، وكانت تلك أول مواجهة علنية بينه وبين الهيئة العليا ‏فاضطر للرضوخ ولكنه أدار المعركة بشكل سيئ، وخلال الفترة التالية استطاعت ‏مؤسسات حزب الوفد أن تفرض التغيير بدون انقلاب وبدون عنف.‏قمة العنف•


وما حدث في أول أبريل، أليس قمة العنف؟

أم كان محاولة انقلاب مضادة؟

• ما حدث في أول أبريل كان قمة "البلطجة" وكان انقلاباَ مضاداَ بكل معنى الكلمة، ‏وهو مسألة تأتي خارج السياق السياسي والديمقراطي تماماَ فعقب الانتخابات ‏الرئاسية تفاقمت الأزمة بين جمعة وكافة مؤسسات الحزب فقررت إقالته ولكن تم ‏إرجاء الأمر حتى انتهاء الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2005، ثم اجتمعت الهيئة ‏العليا للحزب في 18 ديسمبر وجددت به الثقة شريطة أن ينفذ قراراتها التي تتضمن ‏إلغاء العديد من قراراته المنفردة المتعلقة بالحزب والجريدة إلا أنه حاول الالتفاف ‏على قرارات الهيئة العليا بل حاول تغيير هياكل الحزب بشكل منفرد، وفي الاجتماع ‏التالي للهيئة في 18 يناير 2006 رفض عقده فانتقلنا إلى غرفة أخرى فحاول عرقلة ‏الاجتماع عن طريق بعض الخارجين على القانون الذين استقدمهم من خارج الحزب ‏إلا أن الاجتماع تم وقررت الهيئة العليا إقالته بأغلبية 34 صوتاَ من 42 عضواَ ‏حضروا الاجتماع، فرفض التوقيع على القرار أو تنفيذه ورفض تسليم مكتبه فتم دعوة ‏الجمعية العمومية في 10 فبراير فصدقت على قرار إقالته بأغلبية 95% من أعضائها ‏وتم تغيير اللائحة بتحديد مدة الرئاسة بأربعة سنوات تجدد لمرة واحدة فقط وهو الأمر ‏الأهم بالنسبة لنا، فاتفق مع المحامي أحمد ناصر على اقتحام الحزب بقوة السلاح ‏وبمساعدة الخارجين على القانون، وكان ما كان في أول أبريل.‏•


ولكنكم كنتم طوال تلك الفترة تحتفظون بعلاقات جيدة مع نعمان جمعة؟

• الخطأ في ممارسة السياسة مسألة واردة دوماَ وهي مسألة تغتفر في العمل السياسي، ‏أما الخطأ الأخلاقي فلا يمكن تجاوزه أو التسامح فيه، لقد حاولت من جانبي منذ يناير ‏حتى نهاية مارس 2006 التفاوض مع جمعه، وعرضنا عليه تعيينه رئيساَ شرفياَ ‏للحزب – بلا سلطات – مدى الحياة، ولكنه رفض كل العروض، وكان ما حدث في ‏أول أبريل فكانت القطيعة الدائمة لأنه صار بيننا وبينه دماء سبعة وعشرون وفدياَ ‏أصيبوا في تلك الأحداث.


‏• وهل تعتقدون أن جمعة كان لديه ضوءاَ أخضر من أطراف في السلطة لاقتحام ‏الحزب وقتها؟

• لا أعلم، ولكنه كان رئيساَ للحزب فترة طويلة ولديه الكثير من العلاقات، وأنا أعتقد ‏أن وجود حركة إصلاحية داخل حزب سياسي تنجح وتفرض التغيير السلمي من ‏خلال مؤسسات الحزب أثار مخاوف وارتباك العديد من الجهات،ولكنني أعتقد أيضاَ ‏أنه لولا وجود المحامي أحمد ناصر و"البلطجية" الذين أحضرهم من قريته (ناهيا) ‏ومن المنصورة لما كان قد حدث ما حدث.


وهل التقيتم بصفوت الشريف وجمال مبارك أثناء تلك الأحداث كما تردد؟

• هذا الكلام ردده نعمان جمعة وأنصاره، كما رددوا أننا خونة وعملاء لأمريكا، لكنني ‏أؤكد لكم أنني لم ألتق بصفوت الشريف سوى بعد تلك الأحداث وبعد استقرار ‏الأوضاع في الحزب بعدة شهور أثناء مناقشة التعديلات الدستورية، وقد تم اللقاء في ‏مكتبه وبطلب منه، وعلى ما أتذكر كان حاضراَ وقتها الدكتور مفيد شهاب وجمال ‏مبارك وتناقشنا فقط في وجهة نظر الوفد حول تلك التعديلات.‏


هل يمكن أن تلخص لنا وجهة نظر حزبكم في تلك التعديلات ؟

‏• نحن اقترحنا أن يقر الدستور حق البرلمان في إقالة الحكومة دون تعليق الأمر على ‏استفتاء شعبي، ورفضنا المادة 76 المتعلقة بحق الترشيح لرئاسة الجمهورية، ‏ورفضنا المادة 179 التي تقضي بتعطيل البابين الأول والثاني من الدستور الخاصين ‏بالحريات العامة عند تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، واختلفنا حول مسألة الإشراف ‏القضائي على الانتخابات، وتقدمنا باقتراحات تتعلق ب16 مادة من ال34 مادة التي تم ‏تعديلها، كما أننا قبلنا مادة المواطنة وبعض المواد الأخرى.


• ولكنكم تطالبون الآن بتغيير الدستور وتقولون أنكم بصدد إعداد مشروع دستور ‏جديد؟

• نحن نطالب بانتخاب جمعية عمومية لإعداد دستور جديد، ووضعنا عدداَ من المبادئ ‏العامة، ولكن لا يمكن لأي حزب أو تيار سياسي أن ينفرد بوضع الدستور لأنه يجب ‏أن يكون هناك توافق واسع من كل القوى حول ذلك الدستور.‏


• ولكن هل تعتقدون أن المناخ السياسي والاجتماعي الحالي في مصر مهيأ لوضع ‏دستور جديد؟

• لا... فالمناخ الحالي سيئ، ولا يسمح بإقرار دستور جديد، ولكننا نعتقد أن الإصلاح ‏السياسي ضرورة وسوف يأتي في يوم ما، وعندما يأتي هذا اليوم فلن يخرج ‏الإصلاح عن المبادئ العامة التي أعددناها


وما السبب في هذا المناخ السيئ؟، وهل هناك حل؟

• السبب هو انسداد الأفق، والمشكلة تتلخص في أن المجتمع أصبحت تتنازعه ثلاثة ‏أضلاع للأزمة هي: الحنين إلى ماض لن يعود، وضيق بحاضر مر، وخوف من ‏مستقبل مجهول، وفي النهاية فإن هذه الأزمة لابد أن تنتهي، ولكن السؤال هو: سوف ‏تنتهي بأي ثمن؟، ومن الذي سوف يدفع الثمن؟. ونحن نسعى ألا يكون الثمن فادحاَ، ‏وهذا الوضع المزعج لن يتم حله إلا إذا تم حل مشكلة المستقبل المجهول، لأنه في هذه ‏الحالة سوف يكون الحاضر المر ممكناَ احتماله.


‏ملحوظة : هذا الحوار نشر في جريدة النهار الكويتية بتاريخ 26/11/2007




No comments: