لم يفاجأ العالم بموقف رهبان البوذية في ( بورما العسكرية)، حين خرجت جموعهم تتظاهر سلمياً حاملة راية التغيير مطالبة هذا النظام القمعي العسكري بالحرية والديمقراطية أولاُ والانتصار للضعفاء وفقراء البلاد ثانياً..
.وحدي وقفت مذهولة أمام حضارة سلمية تدعو الشعب للتظاهر والانتصار للديمقراطية والحرية، خاصة حرية امرأة مناضلة قائدة للمعارضة...هذه الجموع من رجال الدين يرضون أن تقودهم امرأة
.هذه الجموع من شعب مقموع بآلة عسكرية تمنع عنه الهواء وحرية التعبير والاختيار تسير مع رجال الدين بتظاهرة سلمية من أجل التغيير ونصرة الفقراء ...من أجل إنهاء حكم العسكر....انه موقف سياسي ....يذكرني بموقف المرحوم ( غاندي ) رجل السلام والاستقلال لدولة من الدول العظيمة بتاريخها وقدرتها واقتصادها ونموها وعلمانيتها... وقف بعصاه وعنزته وببساطة ملبسه وهندامه ...وبجسده النحيل الهزيل يكتفي بقليل من الغذاء والماء...لكنه يحمل رأس مفكر وقادر وحكيم ...بسلامه ووداعته قهر أعظم الإمبراطوريات الاستعمارية آنذاك بريطانيا العظمى، وتغلب عليها وأجبرها على التراجع دون أن يهدر دم شعبه...ودون أن يستخدم سكاكين الذبح...ودون بنادق تنشر الرعب والموت...أي دون جهــــــاد مقــــــدس
السؤال الذي يقف في البلعوم والحنجرة ولا نستطيع ازدراده...أو نحتار في إيجاد جواب منطقي له في ثقافة الموت عندنا ...وتغليبها على ثقافة الحياة...لماذا لا ينحو رجال الدين عندنا هذا النحو؟ ....لماذا لا تخرج جموع الملات من سيستاني وصدر وحكيم وقرضاوي وابن باز,,,وبوطي وحسون وشيخ الأزهر وحسن نصر الله......ويتقدموا جموع الناس واضعين أيديهم بأيدي بعض فيفترشون أرض بغداد والقاهرة ودمشق....ويصومون رمضان في ساحة الأمويين ...أو الشهداء في بيروت...في الكاظمية أو كربلاء...في الأعظمية أو السيدة ...في الحسين ...أو الحلمية....في عمان أو الرياض ...في الدوحة أو أبو ظبي؟!!
يقفون مع الجائع والمحروم ...يطالبون بإغلاق السجون وإطلاق الحريات يمنعون القتل والتصفيات....ينادون بغناء وشدو محبب وهاديء ...من أجل السلام والوئام ...من أجل المحبة والإخاء من أجل إلغاء قوانين العسف والطواريء والمحاكم الاستثنائية ....يطالبون بإطلاق حرية عارف دليلة وأنور البني وميشيل كيلو واللبواني وفائق المير...أليس حالهم من حال( أونج سان سوتشي) زعيمة الرابطة الديمقراطية الوطنية؟...مع أنهم جميعا رجال!!!..
.لماذا يكون كهنة البوذية أكثر تحضرا ممن يعتمدون الموت طريقا للنضال...ويحضون الشباب على الانتحار دون ثمن وكأن أرواحهم رخيصة وبخسة إلى هذا الحد؟!..
.ألا يمكن الوصول لنفس الهدف بطريقة سلمية ؟ ألا يمكن لهم أن يتفقوا ويقودوا جموع الجهلة نحو الحياة بدلا من قيادتهم نحو الانتحار؟كم هو مؤلم أن ترى جموع الرهبان البوذيين حين يتخذون موقفا سياسيا...يقفون فيه مع الشعب ومطالبه ...مع الحرية والديمقراطية...لا يفرقون بين امرأة مناضلة ورجل...لا يرتجفون وينتفضون حين تقع عيونهم على ساق امرأة أو شعر رأس لامرأة جميلة ...لا يجدون ضيرا في قيادتها وكفاءتها....لكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!! في العربية السعودية وفي جدة بالذات....ترغم النساء على الإفطار وقوفاً في شهر رمضان وبعد صيام نهار شاق وطويل تحت حرارة تفوق الأربعين درجة... لخشيتهم أن تجلس امرأة قريبة من رجل ...أي أن تجاور طاولتها ربما طاولته!!...أو أن يسترق النظر لها وهي تتناول طعامها...كل هذا في شهر الصوم !!! شهر الصوم والعفة والنزاهة والابتعاد عن المنكرات...فهل هناك منكرا أكبر وأعظم؟!!
لماذا يعتبر رجالنا قاصرين إلى هذا الحد ويحتاجون لسيف المطوع صاحب النهي والتحريم ليفرق بينه وبين المرأة، وليجعل منه عبداً ذليلا...يرضخ...وللمرأة شيئا ...سريا ...وقادرا على الإغواء ومحو الصوم ...وتكفير المؤمن....فأي إيمان هذا الذي يقاد بالسوط؟ وأي دين هذا الذي يفرض بالعصا؟...
وأي إنسان هذا الذي يرضى ويمارس ما يراه خطأً وإجحافا وإهانة لكرامته وإنسانيته وهدراً لشخصيته، التي يراها هزيلة ضعيفة المقاومة...تسقط عند أول نظرة من امرأة....فكيف إذن سيتمكن هذا الرجل من مقاومة عدو يقف له بالمرصاد؟هذه الممارسة ليست تحقيرا للمرأة وانعدام ثقة بها، بل هو أشد من ذلك بالنسبة للرجل ...فأي رجولة هذه التي تنهار عند تصادم يد رجل بيد امرأة؟ ، وأي رجولة هذه التي تضعف وتصبح في حالة هذيان وإغراء وعدم تحكم بالعقل ...حتى في الشارع والسوق والمطاعم والمحال التجارية...أي في الأماكن العامة...هل هي الثقة برجلنا؟ ...لماذا يختلف الرجل البوذي الآسيوي بقدراته عن شيخنا صاحب العمة ...وصاحب الغندورة والبنطال القصير والشنب والذقن الطويلة؟ ...هل خلقت جينات الآسيوي هذا صاحب الحجم الأصغر أكبر وأقوى من جينات ابن جدة والرياض وصنعاء وأبو ظبي والبحرين والمنامة....والبصرة وبغداد...الخ؟...متى يستيقظ المغفلون السائرون وراء هؤلاء؟!
لأن العيب والسوء ليس فيهم...بل بمن يتبعهم كأعمى دون أن يحكم العقل والمنطق ويسأل ويستقصي ويشك حتى يصل ليقين وجواب مقنع...المشكلة بمن يقبل على الدوام بسلطة غير مرئية ويرتضي لسيفها أن يقطع رأسه ويجتز عنق ابنته ويفصل بينه وبين إنسانة من طينته تشبهه وتفوقه غالب الأحيان بكثير من المعرفة والعلم والقدرة...هذا الذي يريد على الدوام أن تكون له السيادة وما هو بسيد ...بل أقل من عبد ...وعلى كل الأصعدة ...ولكونه يشعر بهذا الاستلاب اليومي والمباشر عليه....يغطي عجزه باستلابه للمرأة استلابا مضاعفاً...ويفسر الحياة ومظاهرها ويرجع قوانينها لقدرة لا علاقة لعقله فيها...إذن هو قاصر وضعيف وعاجز عن وضع قانون من صنعه...يحترم فيه إنسانيتهفهل لشعوب تعيش على هذا المنوال ..أن تصبح شعوبا حرة ذات سيادة؟...يمكنها لو أعملت العقل وانطلقت جموعها في الساحات دون عنف تفكر وتغني الحب والسلام والحرية والديمقراطية وتنتصر للمحروم والمظلوم وتكون صوته...حين يستطيع رجال الدين عندنا ...على أقل تقدير أن يتخذوا عبرة ودرسا من جيرانهم الأتراك...وكيف طوروا إسلامهم وجعلوه قابلا للحياة مرتضيا العلمانية طريقا سياسيا والديمقراطية وسيلة للبناء والحكم...حينها سنحترم إيمانهم وعقيدتهم ...حين يمارسها الإنسان بحرية وقناعة دون سوط الرعب والترهيب والشك والحط من القدرات وهدر الكرامة...كم من الامتحانات والمذابح مر في تاريخنا الحديث والقديم وما زال يمر، لكننا لم نعتبر ومازلنا نسير كالأنعام خلف رجال دين متخلفين يعمقون التخلف والانحطاط والانحلال والانهيار والفشل...سياسياً واجتماعيا ...هل سنرى يوم اليقظة...أم مازلنا نحبو على أربع؟
بقلم : فلورنس غزلان
باريس 26/9/2007
الحوار المتمدن
No comments:
Post a Comment