لم يعد السؤال في لبنان من يقتل السياسيين المنضوين في تكتل «14 آذار» بهذه الدقة المهنية ـ فالقاتل معروف من الجميع وان خشي البعض البوح باسمه.
ولم يعد السؤال لماذا «قرار» اغتيال نواب الاكثرية مستمر بعد ان هيأ مناخه اتهام نواب «14 آذار» بالخيانة الوطنية والعمالة ليس للولايات المتحدة فحسب بل للكيان الصهيوني ايضا.
السؤال، بعد اغتيال النائب السادس في تكتل الاكثرية البرلمانية، قد يكون: هل يتحمل لبنان أن يبقى، إلى سنوات غير محددة، والى ما بعد انتخاب رئيسه الجديد (إن تم) الساحة الاختبارية للحرب القادمة في الشرق الاوسط؟
ما يدفع ثمنه اللبنانيون الاستقلاليون اليوم هو تحول «صراع الحضارات»، شيئا فشيئاً، إلى «صدام حضارات» تنعكس ابعاده السياسية والاستراتيجية سلبا على الواقع اللبناني المتشرذم طائفياً ومذهبياً وحزبياً. ومن هنا خطورة المرحلة، فالصراع الاميركي ـ الايراني الراهن في المنطقة يتميز عن الصراع الاميركي ـ السوفياتي السابق بتفاعلاته الشارعية على الساحة اللبنانية الامر الذي يرهن توازنات لبنان السياسية بتوازنات المنطقة الاستراتيجية.
ولان المرحلة التي تمر بها صدامات الشرق الاوسط الباردة ـ حتى الآن ـ مرحلة «عض اصابع» سيبقى الوضع اللبناني، بما فيه الاستحقاق الرئاسي، معلقا «في منزلة بين المنزلتين» بانتظار حسم الصراع الشرق اوسطي إما حربا أو دبلوماسيا... الامر الذي لا يرجح وصول رئيس «رمادي» الى الرئاسة بقدر ما يعني وصول رئيس «متعدد الالوان» يتداخل الاخضر فيه مع الاصفر والأحمر...
من هنا مأساة الواقع اللبناني الحالي، فهو صورة مصغرة عن واقع «اللاتوازن» الذي يعيشه الشرق الاوسط، فالانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، الذي أدرج في خانة انتصار المقاومة اللبنانية (ومن هم وراء هذه المقاومة) على الاحتلال الاسرائيلي، ساهم في الاخلال بمعادلة التوازنات الاقليمية التي تتحكم في الوضع اللبناني لصالح المحور السوري ـ الايراني وبالتالي «دولة حزب الله» في الداخل.
وحين «صححت» الولايات المتحدة هذا الخلل عام 2005 بفرض انسحاب سوري مقابل من لبنان، أدرج هذا الانسحاب في خانة انتصار القوى الاستقلالية في بيروت رغم ان دورها لم يتجاوز استثمار الفرصة التاريخية المواتية، وتحديدا اغتيال الرئيس رفيق الحريري، للدفع باتجاهه...فباتت مطالبة بدفع فواتيره من دماء نوابها.
ورغم ان حرب صيف العام 2006 كان يفترض فيها اعادة ترجيح كفة المحور السوري ـ الايراني على كفة الاستقلاليين في لبنان، أي قوى 14 آذار، فان اعتبار حزب الله «النصر الالهي» نصرا لخط الامام الخميني، وعزه عزا له، أفقده بعده القومي العربي وأوحى بان «المقاومة الاسلامية» هي ذراع ايران العسكرية في لبنان.
ثم جاءت تطورات المواجهة الاميركية ـ الايرانية في العراق لتلقي على مسيرة الاستقلاليين في لبنان عبئا خارجيا جديدا فأصبح العراق، الى مدى كبير، بوصلة «الاستحقاق الرئاسي» في البلاد.
ربما هي المرة الاولى التي يشهد فيها لبنان انتخابا «استراتيجيا»، لا سياسيا، لرئيسه. ولم يعد خافيا انه بقدر ما يتفاقم مأزق الاحتلال الاميركي للعراق بقدر ما تتعزز قدرة المعارضة «اللبنانية» على عرقلة مشروع الدولة السيدة والمنفتحة على الغرب الديمقراطي، ويزداد رفضها لواقعها كأقلية نيابية يفترض ان تتصرف كأي فئة معارضة في الدول البرلمانية الحضارية: تقبل بنتيجة الانتخابات المباشرة ولا تسعى للانقلاب عليها بعد اسابيع معدودة من اجرائها...
عمليا زجت تطورات العراق الاكثرية والأقلية معا في موقع لا يحسدان عليه، فالدعم الغربي لتطلع قوى الاكثرية البرلمانية إلى إقامة دولة الاستقلال أصبح مأخذا، وان مجحفا، على وطنيتها، والدعم الايراني ـ السوري لعرقلة قوى المعارضة قيام هذه الدولة أصبح مصدر ريبة من ان يكون اصرار المعارضة على مشاركة في الحكم تعطيها صلاحية الـ«فيتو» على قرارات الحكومة جزءا من مشروع هيمنة ايرانية تتعدى حدود العراق إلى ما اسمته عواصم عربية بمشروع «هلال شيعي خصيب» يمتد من طهران الى الضاحية الجنوبية في بيروت، مرورا بدمشق.
أما المفارقة البارزة في تطورات المرحلة فقد تكون أن ذريعة مقاومة الاحتلال الاميركي في إيران تغّلف مشروع بسط الهيمنة الايرانية على العراق فيما ذريعة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي تمرر مشروع هيمنة حزب الله على كل لبنان
ولم يعد السؤال لماذا «قرار» اغتيال نواب الاكثرية مستمر بعد ان هيأ مناخه اتهام نواب «14 آذار» بالخيانة الوطنية والعمالة ليس للولايات المتحدة فحسب بل للكيان الصهيوني ايضا.
السؤال، بعد اغتيال النائب السادس في تكتل الاكثرية البرلمانية، قد يكون: هل يتحمل لبنان أن يبقى، إلى سنوات غير محددة، والى ما بعد انتخاب رئيسه الجديد (إن تم) الساحة الاختبارية للحرب القادمة في الشرق الاوسط؟
ما يدفع ثمنه اللبنانيون الاستقلاليون اليوم هو تحول «صراع الحضارات»، شيئا فشيئاً، إلى «صدام حضارات» تنعكس ابعاده السياسية والاستراتيجية سلبا على الواقع اللبناني المتشرذم طائفياً ومذهبياً وحزبياً. ومن هنا خطورة المرحلة، فالصراع الاميركي ـ الايراني الراهن في المنطقة يتميز عن الصراع الاميركي ـ السوفياتي السابق بتفاعلاته الشارعية على الساحة اللبنانية الامر الذي يرهن توازنات لبنان السياسية بتوازنات المنطقة الاستراتيجية.
ولان المرحلة التي تمر بها صدامات الشرق الاوسط الباردة ـ حتى الآن ـ مرحلة «عض اصابع» سيبقى الوضع اللبناني، بما فيه الاستحقاق الرئاسي، معلقا «في منزلة بين المنزلتين» بانتظار حسم الصراع الشرق اوسطي إما حربا أو دبلوماسيا... الامر الذي لا يرجح وصول رئيس «رمادي» الى الرئاسة بقدر ما يعني وصول رئيس «متعدد الالوان» يتداخل الاخضر فيه مع الاصفر والأحمر...
من هنا مأساة الواقع اللبناني الحالي، فهو صورة مصغرة عن واقع «اللاتوازن» الذي يعيشه الشرق الاوسط، فالانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، الذي أدرج في خانة انتصار المقاومة اللبنانية (ومن هم وراء هذه المقاومة) على الاحتلال الاسرائيلي، ساهم في الاخلال بمعادلة التوازنات الاقليمية التي تتحكم في الوضع اللبناني لصالح المحور السوري ـ الايراني وبالتالي «دولة حزب الله» في الداخل.
وحين «صححت» الولايات المتحدة هذا الخلل عام 2005 بفرض انسحاب سوري مقابل من لبنان، أدرج هذا الانسحاب في خانة انتصار القوى الاستقلالية في بيروت رغم ان دورها لم يتجاوز استثمار الفرصة التاريخية المواتية، وتحديدا اغتيال الرئيس رفيق الحريري، للدفع باتجاهه...فباتت مطالبة بدفع فواتيره من دماء نوابها.
ورغم ان حرب صيف العام 2006 كان يفترض فيها اعادة ترجيح كفة المحور السوري ـ الايراني على كفة الاستقلاليين في لبنان، أي قوى 14 آذار، فان اعتبار حزب الله «النصر الالهي» نصرا لخط الامام الخميني، وعزه عزا له، أفقده بعده القومي العربي وأوحى بان «المقاومة الاسلامية» هي ذراع ايران العسكرية في لبنان.
ثم جاءت تطورات المواجهة الاميركية ـ الايرانية في العراق لتلقي على مسيرة الاستقلاليين في لبنان عبئا خارجيا جديدا فأصبح العراق، الى مدى كبير، بوصلة «الاستحقاق الرئاسي» في البلاد.
ربما هي المرة الاولى التي يشهد فيها لبنان انتخابا «استراتيجيا»، لا سياسيا، لرئيسه. ولم يعد خافيا انه بقدر ما يتفاقم مأزق الاحتلال الاميركي للعراق بقدر ما تتعزز قدرة المعارضة «اللبنانية» على عرقلة مشروع الدولة السيدة والمنفتحة على الغرب الديمقراطي، ويزداد رفضها لواقعها كأقلية نيابية يفترض ان تتصرف كأي فئة معارضة في الدول البرلمانية الحضارية: تقبل بنتيجة الانتخابات المباشرة ولا تسعى للانقلاب عليها بعد اسابيع معدودة من اجرائها...
عمليا زجت تطورات العراق الاكثرية والأقلية معا في موقع لا يحسدان عليه، فالدعم الغربي لتطلع قوى الاكثرية البرلمانية إلى إقامة دولة الاستقلال أصبح مأخذا، وان مجحفا، على وطنيتها، والدعم الايراني ـ السوري لعرقلة قوى المعارضة قيام هذه الدولة أصبح مصدر ريبة من ان يكون اصرار المعارضة على مشاركة في الحكم تعطيها صلاحية الـ«فيتو» على قرارات الحكومة جزءا من مشروع هيمنة ايرانية تتعدى حدود العراق إلى ما اسمته عواصم عربية بمشروع «هلال شيعي خصيب» يمتد من طهران الى الضاحية الجنوبية في بيروت، مرورا بدمشق.
أما المفارقة البارزة في تطورات المرحلة فقد تكون أن ذريعة مقاومة الاحتلال الاميركي في إيران تغّلف مشروع بسط الهيمنة الايرانية على العراق فيما ذريعة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي تمرر مشروع هيمنة حزب الله على كل لبنان
وليد أبي مرشد
الشرق الأوسط 27/9/2007
No comments:
Post a Comment