Tuesday, August 21, 2007

الروائي صنع الله إبراهيم لـ«المصرى اليوم»:مصر مقبلةعلي ثورة تلتهم الأخضر واليابس

إذا كان هناك تصنيف لغايات الكتابة الروائية، فإن الروائي صنع الله إبراهيم سيحتل الصدارة، فيما يتعلق بالرواية السياسية، إذ لا تخلو رواياته من اشتباكات وإسقاطات سياسية بلغة شديدة الحدة.. ولعل هذا كان سبباً أساسياً في دخوله المعتقل، الذي دون فيه مذكراته علي ورق «البفرة».
صنع الله إبراهيم، هو نفسه صاحب المواقف الصاخبة المثيرة للجدل، وآخرها رفضه جائزة مؤتمر الرواية العربية بالقاهرة عام ٢٠٠٣، محتجاً بأنه يرفض قبول جائزة منحها له نظام يفتقد المصداقية.. ولأنه يعيش دور الشاهد علي المجتمع المصري وتحولاته الثقافية والاجتماعية منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن تعليقاته علي أحوال مصر الآن تكتسب أهمية خاصة، وهو نفسه يري أن هناك تشابهات كبيرة بين ما حدث في منتصف القرن الماضي وما يحدث في مصر الآن.
وعلي عكس مواقف معظم أدباء مصر، فإن صنع الله إبراهيم يفجر في هذا الحوار، مفاجأة مدوية بتأكيده أنه لا يمانع في صعود التيار الديني إلي السلطة، إذا كان هذا اختيار الشعب، مؤكداً أن المصريين قد يجبرون الإخوان علي تغيير مناهجهم وأفكارهم.
.. وأنت في طريقك لإجراء حوار مع الروائي صنع الله إبراهيم يجب أن يفرض عليك موقفه الرافض جائزة مؤتمر الرواية عام ٢٠٠٣، والتي بلغت قيمتها مائة ألف جنيه، فقد رأي أن الجائزة ممنوحة من نظام لا يملك مصداقية، كما يجب أن تتذكر رفضه جائزة الجامعة الأمريكية لكنه كان رفضاً عارياً من البيانات الساخنة، وعليك أن تتذكر للمرة الثالثة قبوله جوائز أخري منها جائزة ابن رشد، وعندما تصل للمبني الذي يقيم فيه في مصر الجديدة ستتوقف دقائق لتستجمع أنفاسك للصعود إلي شقته في الطابق الأخير، لأنه ليس هناك مصعد.
وحين تبلغ باب شقته ستجد عليها الكثير من الملصقات لـحركة «كفاية» وأخري لرفض العولمة ومؤتمراتها، وسرعان ما تتقافز إلي ذهنك أعماله الروائية المشبعة بالاغتراب والأسئلة الوجودية والسياسة فتتذكر «أمريكانلي» أو «أمري - كان لي» وتتذكر ثورة القوميين في «وردة» ورائحة القهر في «تلك الرائحة» التي كتب لها يوسف إدريس المقدمة، وهي الرواية التي ستظل شاهدة علي فترة الغليان السياسي في مصر، كما تقف في المسافة الفاصلة بين هذه الرواية، وأحدث كتب صنع الله «يوميات الواحات» عن تجربة الاعتقال، ثم تستحضر رواية «شرف»
وحين تصبح ممتلئاً بآلام وإحباطات لحظة التراجع الحرجة التي نعيشها، ستحتاج لأن تعقد مقارنة بين الماضي العربي وحاضره أو تقيم بينهما حواراً وستكون مهيئاً لقراءة روايته الأحدث «تلصص» التي توقفك محملاً بكل جراحك وعوراتك وتراجعاتك في مواجهة مرآة الحاضر الذي هو ليس أفضل حالاً من الماضي، بعد كل ذلك سيمكنك تحديد منطلقات هذا الحوار مع صنع الله، الذي يحذر فيه من أن النظام الحالي في مصر يقودنا إلي كارثة.. والحل في الديمقراطية.. وإلي التفاصيل.

* روايتك الأحدث «تلصص» تلعب في منطقة المقاربات التاريخية انطلاقاً من حرب ١٩٤٨، فعلي أي نحو جاءت هذه المقاربات، وإلي أي حد اقتربت من تفاصيل اللحظة السياسية الراهنة؟
- رغم أن أحداث هذه الرواية تعود إلي ذلك التاريخ حيث زخم أحداث عام ١٩٤٨ فإنني اكتشفت أن أحداث تلك الفترة تتشابه إلي حد كبير مع عصرنا الحالي، حيث تداعي النظام، وتراجع الحياة، وقديماً وصل الناس لحد مهاجمة النظام الملكي، فخرجت في المظاهرات وهي تهتف «أين الكساء ياملك النساء؟» مثلما هتفت حينما طلق الملك فاروق الملكة فريدة وهي تقول «خرجت من بيت الدعارة.. لبيت الطهارة».
وكانت هناك حالة من السخط العام، وكان هناك بلاء شديد، وأيضاً أثرياء حرب ومظاهرات واعتصامات لرجال البوليس وللعاملين في التمريض، وأضرب العمال، وكان هناك في المقابل صعود لدولة إسرائيل، وكنا مضحكة للأمم بعد أن أضعنا فلسطين، وإذا بي أقف علي هذا التشابه بين تلك اللحظة ولحظتنا هذه، إذ نشهد بداية التدخلات الأجنبية وسيطرة النفوذ الأجنبي ووصايته علينا، ولنشهد ضرب الصناعة المصرية، وملاحقة الشيوعيين، ومحاولات الاغتيال.. ولذلك فإنني أقول ما أشبه الليلة بالبارحة
.

* وهل بسبب اعتماد الرواية علي هذه المقاربة جعلت بطلها طفلاً ورجلاً طاعناً في السن وكأنك تقيم حواراً بين الماضي العربي المصري وحاضره؟
- نعم.. وهو في مقدمة الرواية أما خلفيتها فهي أحداث عام ١٩٤٨، وهاتان المرحلتان كانتا بغرض تحقيق هذا الحوار بين زمنين، ورغم بعدهما فإنهما متشابهتان في نقاط كثيرة.

* مرت علي تجربة اعتقالك فترة طويلة جداً، فلماذا كتبتها الآن، ولماذا لم تصدر «يوميات الواحات» قبل ذلك بعشر سنوات أو أكثر
مثلاً؟

- أما لماذا الآن فليست هناك أسباب محددة، ولكنني عادة ما أمر بحالة صعبة عقب انتهائي من أي عمل روائي، وكنت قد فرغت من رواية «أمريكانلي»، وقد اعتدت أن أدخل في عمل جديد فور انتهائي من عمل ما، هروباً من هذه الحالة، التي هي أقرب إلي الاكتئاب.

* ولكن «يوميات الواحات» عمل ثقيل ومرهق في كتابته، بل من شأنه أن يعمق حالة الاكتئاب، إذ يستعيد حالات تعذيب.. وامتهان،
واسمح لي أن أقول إن هذا العمل لا يمكن أن يكون نتاج المصادفة، خاصة أنه يتحدث عن سنوات الاعتقال ومرحلة التكوين لوعيك؟

- لا والله.. بل لعبت المصادفة دوراً، فلقد طلب مني رئيس تحرير مجلة «الهلال» الأسبق كتابة شيء عن سنوات التكوين، وهو باب كان قد استحدثه هو في المجلة، فبدأت أكتب عن هذه السنوات، فلما وجدت الخواطر تتداعي بسهولة، وأن الذكريات تتدفق وجدتها فرصة لأحول الفكرة إلي مشروع أكبر، خصوصاً في هذه المرحلة من العمر، وكأنني قصدت أن أكتب شهادتي الخاصة علي فترة من الزخم عشتها، كما وجدتها فرصة لأوثق لتجربتي مع الكتابة.
هذا استدعي منك بالضرورة، أن تعيد الحياة لمذكراتك في المعتقل، والتي كتبتها علي ورق «البفرة»؟

- نعم، أخرجت هذا الورق، وأضفت إليه بعض الأشياء، وألغيت أخري، وشعرت بأنه من الممكن نشرها بعد معالجتها باعتبارها وثيقة قد تكون مفيدة أو مهمة لفترة ما من الفترات.

* أشعر بعدما قمت به من معالجات أنها لم تعد تقتصر علي كونها يوميات وإنما اشتملت أيضاً علي سؤال الإبداع؟

- نعم لم تكن يوميات تسجيلية للحياة اليومية بقدر ما كانت أيضاً رصداً وتأملاً لرحلة التكوين وتشكيل الوعي، كما كانت رحلة للبحث عن أشكال وأطر مغايرة للكتابة وفنياتها.

* في هذه اليوميات وجدنا حضوراً ملحوظاً لوالدك، فإلي أي حد لعب دوراً في هذا التكوين المعرفي؟

- بالطبع لعب دوراً في تكويني من زاوية طبيعة تكوينه كبرجوازي مستنير ومثقف ومتدين في اعتدال، وكثيراً ما كان يلح علي بفكرة (ضرورة إعمال العقل) فكان لا يتلقي الأشياء باعتبارها مسلمات، فلم يكن ضد التفكير حتي وإن صاحب هذا التفكير شطحات.

* مثلما أخذت منك سنوات الاعتقال، فقد أعطتك أشياء وهذه الأشياء جميعها كان متعلقاً بمسارك الإبداعي، ونكاد نقول إن تشكلك
المعرفي تدين به لسنوات الاعتقال؟

- من الناحية الفكرية، كنت قد ارتبطت بالحركة الديمقراطية للتحرر «حدتو» وكان انتمائي يحركه حماس الشباب دون تدبر في الأفكار النظرية والفلسفية، وقد ساعدتني فترة السجن علي التعمق في هذا الجانب حيث التفكير ملازم للقراءة، مما أكسب قناعاتي قوة، أما الجانب الآخر لتجربة المعتقل فهو الاحتكاك بالآخرين حيث المئات من أساتذة الجامعة والصحفيين والعمال والفلاحين، وعلي قدر هذا التنوع كان التميز وكانت معانقة الحياة وفهمها، فكل هذه الطوائف تشكل في مجملها أطياف الحياة، ولعل احتكاكي اللصيق بهذه الأنماط الإنسانية قد أعطي عمقاً لفهمي للشخصية الإنسانية، أيضاً علمتني سنوات المعتقل الاعتماد علي النفس، وكيف أقوم بالغسيل وإعداد الطعام، وهذه طقوس حياتية يومية تعاملت معها متضرراً في البداية، لكنها ظلت ملازمة لي حتي الآن، حتي أنني أجد متعة في دخول المطبخ والقيام بأعمال النظافة فيه، وأجد فيها امتصاصاً لشحنات عصبية فائضة.

* هناك أبطال في أعمالك، نجد ملامحها مجتمعة بمثابة تجميع لملامحك الشخصية والمعرفية مثل (رمزي بطرس) و(شكري) في
«أمريكانلي» إلي أي حد يصح هذا التصور؟

- هذا أمر طبيعي وأنت حينما تختلق شخصية ما أو تكتب عن حدث معين فإنك تجد نفسك مستعيناً بتجاربك وبخبراتك الشخصية، ولابد من وجود ظلال لشخصيتك أو لبعض من ملامحك في الأعمال التي تكتبها، وهذا متحقق لدي سائر الكتاب، فروائي مثل إبراهيم عبدالمجيد حينما يكتب عن صيد اليمام لابد وأن يكون قد مر بالتجربة، وبهاء طاهر حينما يكون قد أمضي فترة طويلة من حياته في جنيف فلابد أن تتسرب تجربة الغربة لكتاباته، ولكن وجود هذه الظلال لا يأتي علي نحو مباشر لأننا لا نكتب سيراً ذاتية وإنما روايات.

* هناك أكثر من سؤال حول «وردة» هل نعتبرها تجسيداً لفكرة الصراع علي السلطة، أم هي استثمار روائي للهامشي والدرامي في التاريخ، أم أنها حوار متصل بين الحاضر والماضي، أم هي مراجعة للثورة العربية في عمان؟

- هي كل ذلك، وأحد جوانبها هو تجلِّ لتاريخ حركة القوميين العرب، كما أنها تجسيد لفكرة التحول السياسي لدي بعض الناس، من التعصب القومي إلي الماركسية والناصرية، أما الجانب الثالث في الموضوع، فيمكن اعتبار «وردة» أيضاً قراءة لهذه الفترة، لكنها ليست مجرد تأريخ، فلقد كنت واعياً لإمكانية أن تستفيد القوي الوطنية في المستقبل من مثل هذه التجربة، وكانت مشكلة الحركة القومية في (ظفار) هي وجود نوع من التعصب أو التقلب بين التيارات السياسية، كما يمكن اعتبار «وردة» نموذجاً دالاً علي عواقب التضارب والتناحر بين التيارات.

* بناء علي هذا يمكن اعتبارها قصة ثورة في محك المراجعة.. نهاية من تكون وردة هل هي رمز للثورة؟

- هي قصة شخصية متخيلة، لكنها حقيقية أيضاً وفق المعايير والمقتضيات والمعطيات الروائية، ومنذ أسابيع ماتت في البحرين شخصية نسائية معروفة اسمها «ليلي فخرو» وقد تصور كثيرون أنها «وردة»، لكنها كانت في الحركة، وكان لها اسم في حركة القوميين وهو «هدي» وقد لعبت دوراً مهماً، إنما فيما يتعلق بـ«وردة» فهي شخصية متخيلة أي روائية، لكنها قائمة علي أساس واقعي.

* لفت انتباهي توصيفك للعمل الروائي بأنه كذبة.. ونريد أن نعرف كيف؟

- العمل الروائي «كذبة» لكنه ليس «كذبة» أيضاً، ففي الرواية تقول أشياء لم تحدث، لكنها تعبر بشكل دقيق وأمين ومركز عما يحدث أو عما حدث، فالرواية رديف للواقع، رديف قابل للتصديق، لأنه يستقي مادته من الواقع.

* رغم الضغوط اليومية التي يقع المصريون تحت وطأتها، ورغم التوصيف المخيف والمحبط والقاتم للحالة التي تعيشها مصر، والتي ذكرت تفاصيلها في بيان رفضك لجائزة الرواية عام ٢٠٠٣ فإن هذا الشعب يبدو كأنه مسلوب الإرادة وافتقد آليات الاعتراض، فما الذي حدث للمصريين، فلا النظام يتغير ولا الشعب يعترض، نريد أن نفهم ما الذي طرأ علي جينات المصريين؟

- اسمع.. سيبك من حكاية النظام دي.. فالنظام لايبالي، فقد مر عليه ٢٦ عاماً، وهو وقت كاف لتحجره لا لتحركه، وأصبح كل ما يعنيه أن يدافع عن بقائه ووجوده وهذا كل ما يهمه وليس الشعب.

* بتأمل مضمون عنوان روايتك «أمريكانلي» يحتمل معنيين أن الكلمة جاءت علي وزن «عثمانلي» وهي إمبراطورية سطعت وتألقت ثم خبت.. وطالها الانحطاط، وبتفكيك العنوان كالآتي «أمري - كان - لي» نجد المعني ينطوي علي فقدان استقلاليتنا.. وانخراطنا في التبعية، أما المضمون فهو يمضي تماماً بالتوافق مع المعنيين، فهل تشير إلي تجربة بعينها.. تحضرني مقولة ابن خلدون في مقدمته، التي تقول بأفول الإمبراطوريات الكبري بعد بلوغها الذروة؟

- نعم.. تماماً فأمريكا فرضت نفسها علي العالم، بكل الطرق، بالقوة تارة وبالأكاذيب تارة أخري، وبلعبة المصالح تارة ثالثة، وبالشعارات تارة رابعة، وأتفق معك فيما ذهبت أنت إليه في الاستشهاد بمقولة ابن خلدون حيث لكل إمبراطورية مداها التاريخي الذي تبلغ ذروته ثم تبدأ في التراجع والأفول، ويمكن أن تصل البشرية أيضاً إلي نقطة عدم وجود أي إمبراطوريات، ولعل أمريكا ستكون آخر هذه الإمبراطوريات، ولكن سيبقي منطق المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة بين الأمم.

* في حيثيات حصولك علي جائزة مؤسسة ابن رشد في ألمانيا، وردت عبارة تقول: «إن هذا الكاتب الوطني دأب علي مهاجمة أنظمة الاستبداد في العالم العربي» وقد بدا الأمر، أن حصولك علي هذه الجائزة جاء لمجرد أنك تهاجم هذه الأنظمة لا لأنك روائي متفرد أيضاً وصاحب مشروع روائي؟

- «ماتبالغش قوي كده..» إنما كانت هذه عبارة بين عبارات وأسباب أخري في حيثيات حصولي علي الجائزة، وإنما أراد مانحو هذه الجائزة أن يقولوا إنني كاتب صاحب موقف، وأن هذا ملمح من بين ملامح أخري تميز مشروعي الروائي، والدليل أن هناك كتاب آخرين حصلوا علي الجائزة ذاتها دون مبررات سياسية، وإنما هناك مبررات أخري لحصولنا جميعاً علي هذه الجائزة، ومنها أن أدبنا لصيق جداً بالهم الإنساني المعاصر.

* للدكتور يوسف إدريس وقفة مهمة معك في أول مسيرتك الإبداعية، لنتوقف عندها لنعرف كيف تعامل يوسف إدريس مع جيلك؟

- أولاً، جيلنا كان مهتماً جداً بالمشروع القصصي ليوسف إدريس، حيث كان يمثل لنا تجربة جديدة تماماً تجاوزت كل الأطر والأشكال القصصية المتعارف عليها، وقد جاوزت تجربته كل الأنماط التي كانت سائدة قبل تجربته، حتي أننا كنا نتلقف جريدة «المصري» كل صباح لنقرأ قصته فيها، إذ كان يمثل لنا تجربة جديدة كسرت كل «التابوهات» الفنية وقدم قصصاً حية وبسيطة وكاوية ومتقاطعة مع الحياة، وقد سعينا للتعرف عليه، وقامت بينه وبين جيلنا علاقة قوية وطويلة الأمد، وكنا نطلعه علي أعمالنا، وفيما يتعلق بوقفته معي التي تسأل عنها، فكنت قد أطلعته علي مجموعة من قصصي القصيرة فرحب بها، وكان بين هذه القصص قصتان أو ثلاثة عن شخصية أحاول تجسيدها قصصياً اسمها «خليل بيه» فرحب بها جداً، كما كانت له وقفة مهمة أخري معي، إذ كتب لي مقدمة «تلك الرائحة» وفي السياق أعرب عن إعجابه بشخصية «خليل بيه».

* المدهش في الموضوع، أنه بعد مرور أربعين عاماً علي هذه المقدمة، وعلي «خليل بيه هذا» وجدناك تقوم بإحياء شخصية خليل بيه من جديد؟!

- نعم ولكنني منحتها مزيداًمن الخبرة والأبعاد وعالجتها بكثير من التعمق، ويمكنك أن تعتبرها امتداداً للشخصية القديمة، في محك ما طرأ من تحولات.

* رغم تحمس يوسف إدريس لتجربتكم فإنه عاد وتبرأ منها فيما بعد في روايته «البيضاء»؟

- رواية «البيضاء» تمت كتابتها في ظروف خاصة، فلقد كان هناك موضوع يؤرق يوسف إدريس بعد اعتقالات ١٩٥٩، وكان يعمل حينها في «الجمهورية»، ونشرها علي حلقات، كنوع من الدفاع عن النفس وكنا نقرأها في السجن ونحن متأثرون جداً وكون أن هناك رؤية سلبية للشخصية الطليعية في الرواية، فهذا حق مكفول لأي كاتب، لكنه لا يعني بالضرورة أنه انقلب علي موقفه من تجربتنا، أو حتي تجربة جيله.

* لك تجربة سينمائية وحيدة وفريدة قمت فيها بالتمثيل في فيلم من إخراج السوري محمد ملص، لماذا لم تكررها؟!

- تعرفت إلي المخرج محمد ملص حينما كان طالباً في معهد السينما في موسكو، وكنت وقتها هناك، في منحة دراسية، وطلب مني التعاون معه في مشروع التخرج فشاركت معه، في كتابة السيناريو وقمت بالتمثيل فيه وهذه التجربة أرهقتني، وشعرت أن هذا الأمر أكبر من طاقتي ولن استطيع القيام به مرة أخري.

* لم تكن الرواية هي الشيء الوحيد الذي وصفته بأنه أكذوبة، ولكنك وصفت أسامة بن لادن بنفس الوصف؟

- نعم أسامة بن لادن أكذوبة صنعتها أمريكا، وتستخدمه ككارت في الوقت الذي تحتاجه، كمبرر لممارساتها في المنطقة، كما تستخدمه كفزاعة للأنظمة العربية، للتغطية علي المخطط الأمريكي الكبير فنجد مثلاً «الجزيرة» فجأة تبث له شريطاً مجهول المصدر، وغرض أمريكا من هذا أنها تريد للعالم العربي والغربي علي السواء أن يستشعروا معها خطورة ما وصفته بالإرهاب، وأن هذا الخطر الماثل دائماً، مصدره الوحيد هو العالم العربي، للحصول علي صك موافقة عربي لاستهداف أي بلد عربي أو إسلامي.

* باعتبار أن «بن لادن» ظاهرة إسلامية، فإنه يهمنا رأيك في صعود ثمانية وثمانين من الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية لدورة ٢٠٠٥م، وما يمثله هذا الصعود من دلالات سياسية وفكرية؟

- .. «وإيه يعني لما يوصل الإخوان إلي البرلمان؟!» هذا لا يمثل مصدر خوف لي أو لغيري، وأنا مع صعودهم إذا كان هذا الوصول نتيجة اختيار شعبي حر، أنا لست ضد وصول أي تيار أو أي كيان سياسي للبرلمان أو حتي للسلطة مادام هذا كان نتيجة اختيار شعبي حر.

* وماذا لو وصلوا للسلطة، وخرج من بينهم وزير للثقافة وآخر للإعلام وثالث للسياحة ألن يجعل هذا سقف الحريات أكثر انخفاضاً؟

- هل تعتقد أنت أن مصر وشعبها سيتقبلون هذا؟ أليس من الممكن أو المحتمل أن تحدث جماهيرية الإخوان تغييراً في منهجهم وفكرهم؟ ولذلك فإننا نطالب دائماً أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية لأن وجودها سيتيح المجال لأطياف سياسية أخري، لكن من اختاروا الإخوان قد اختاروهم لأنه لم تكن هناك خيارات أخري أمامهم إما الاستبداد أو الإخوان فاختاروا الإخوان لأنهم لا يصدقون النظام.

وصفت مصر في أحد أحاديثك بأنها بلد مستعمر، أي استعمار تعني والذين يحكمونها مصريون أبناء مصريين؟

- إنهم يحكمونها منذ ربع قرن، وهذا أحد أشكال الاستبداد، وهناك صور أخري للاستبداد، تتمثل في قواعد ممنوحة، واتفاقيات وتنازلات لا نعلم عنها شيئاً، وظاهر الأمر أن هناك تورطاً مصرياً مع أمريكا في ممارساتها العدوانية، هذا فضلاً عن السيطرة الاقتصادية عليها، من خلال المعونات المشروطة بالإذعان السياسي والمشروطة بدورة مالٍ مفادها أنه لا يتم شراء أي سلع بأموال المعونة إلا السلع الأمريكية، وفوق هذا فإن مصر تلعب دور الوسيط الأمريكي في المنطقة.

* لفت انتباه البعض موقفك الذي بدا متناقضاً مع الأمريكيين، ففي الوقت الذي كنت تعمل فيه استاذاً زائراً بجامعة «بركلي» بالولايات المتحدة، رفضت فيه جائزة الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن الرواية؟

- أولاً الجامعة الأمريكية بالقاهرة تابعة بشكل مباشر للحكومة الأمريكية، لكن جامعة «بركلي» مستقلة، أيضاً فإن الجامعة الأمريكية في القاهرة تلعب دوراً تم التخطيط له بعناية فائقة لغرض تحقيق هيمنة الثقافة الأمريكية، فأين يكمن التناقض إذن؟!

* هل تحلم بعودة عهد عبدالناصر؟

- لم نكن في حاجة لعبدالناصر في أي وقت مثلما نحن في حاجة إليه هذه الأيام، وبالفعل فإنني أحلم بعصر مشابه، ولكن بشرط أن يخلو من الملاحقة البوليسية، وقمع الرأي المخالف، فوجود زعيم مثل عبدالناصر في هذا العصر من شأنه أن يحقق مشروع نهضة جديداً وأن يدافع عن الفقراء، وأن يحقق العدالة الاجتماعية، ويقضي علي الفساد الذي استشري بشكل مخيف، ويحقق الانضباط ويوقف التسيب والتساهل والتستر علي النهب في المؤسسات الحكومية، وأن يوقف مظاهر السَّفَهْ والإسراف، وأن يقيم الصروح الصناعية الكبري التي لا تجعلنا نمد يدنا للغير ونذعن لشروطه.
وإلي أين ستقودنا اللحظة المصيرية الراهنة وأي مستقبل ينتظر مصر والمصريين؟

- كل عاقل في هذا البلد، يتمني أن تتجنب مصر الكارثة والحريق المهول الذي يقودنا إليه النظام الحاكم الحالي.

* ما طبيعة هذه الكارثة، وهذا الحريق؟

- ستكون في شكل تمرد أو ثورة فوضوية الطابع، وتأتي علي الأخضر واليابس وكل عاقل يتمني أن تتجنبها مصر، بأن يقبل النظام الحالي بفكرة إرساء ديمقراطية حقيقية، وتعددية حقيقية، وتداول سلطة حقيقي، وتخل عن المشهد السياسي ورفع قبضته عن خيرات البلاد ومواردها، وتصد بحسم للفساد ويعاقب المفسدين، وما لم تكن لديه رؤية استراتيجية واضحة للمستقبل و«طول ما هو رافض» لكل هذا فنحن بانتظار كارثة
حوار ماهر حسن ٢١/٨/٢٠٠٧
المصرى اليوم

No comments: