Friday, April 27, 2007

المصري اليوم عاشت التجربة لترصد معاناة أنفار المزارع

لقمة العيش الحلال هي محور الحياة لآلاف الفلاحين الأرزقية، عمال التراحيل الذين تشحنهم السيارات النقل من بلدة إلي أخري. هؤلاء يزرعون ويحصدون غالباً ما لا يتذوقونه، وتكاد أحلامهم البسيطة لا تتعدي «عباية حلوة وغرفة نوم للزواج». أما عيد العمال والدستور والفساد والحكومة وغيرها من الموضوعات المشابهة فكلها أمور لا تعني لهم شيئاً، لأنهم ببساطة يعيشون رغماً عنهم في ظروف قاسية، لا يعرفون من متعها سوي الجلوس علي المقهي، بعد نهاية يوم عمل شاق ولعب دور طاولة أو جلوس البنت مع جيرانها أمام البيت، ولا يعرفون من أعيادها إلا عيد الفطر وعيد الأضحي ويوم الخميس حين يتسلمون أجرة عملهم عن الأسبوع كاملاً. إذا سألتهم مثلاً عن عائشة عبدالهادي، هزوا أكتافهم باستغراب وهم يقولون لك: مين؟! أما إذا سألتهم عن أبوتريكة أو نانسي عجرم فسوف يتسابقون في الرد عليك، وإذا فكرت في سؤالهم عن «فاتن حمامة» في رائعة يوسف إدريس «الحرام» فسيردون بتحفز الثائر لشرفه «إحنا بناخد بالنا من بعض واللي بيحاول يتطاول علينا بنوقفه عند حده».
الرغبة في التعرف أكثر علي يومهم كانت الدافع لأن تعيش «المصري اليوم» معهم يوما كاملاً. وفي السادسة والنصف صباحاً كنا نقف معهم عند مدخل قرية «كفر الحما» التي تبعد عن مركز أشمون بمحافظة المنوفية حوالي ١٠ كيلو مترات، في انتظار عم سلامة السائق وعم أحمد رئيس الأنفار.
في السابعة تماماً كان عم سلامة يقف بعربته النصف نقل وسرعان ما قفز حوالي ٥٠ شاباً وفتاة داخل صندوقها الخلفي بجوانبه العالية، التي تحميهم من السقوط، وبطريقة تلقائية وقف الشباب في جانب بعد أن جلس بعضهم فوق كابينة السائق، ووقفت البنات في الجانب الآخر. قالت لنا سمر «١٥ سنة» وهي تساعدنا في الصعود إلي الصندوق: «هي ركوبة صعبة لكن إحنا اتعودنا عليها».
وتقول هند ١٦ سنة: «بدأت اشتغل وأنا في إجازة أولي إعدادي علشان أجيب لبس المدرسة، والدي فلاح باليومية في مزرعة بالطريق وبيرجع منها كل شهر. ومن سنتين رفض إني أكمل في المدرسة علشان الفلوس»، وتضيف هند: «أنا فعلاً كان نفسي أكمل في المدرسة لكن هاعمل إيه ظروفنا كده».
أما آمال، التي لم يتجاوز عمرها ١٢ سنة فتقول: «عندي ٧ إخوات كلهم بيشتغلوا باليومية في المزارع في الجبل من زمان، وأنا بقالي ٣ شهور بس باشتغل في تنقية الحشيش من وسط الزرع»، وبتلقائية شديدة تضيف آمال: «أنا بدي اليومية لأمي علشان تشتري لي عباية وكمان علشان تجهزني للزواج زي إخواتي».
والزواج هو الحلم المشترك بينهن جميعاً وإن كن يتحدثن عنه علي استحياء، فهو حلم يعني بالنسبة لهن التخلص من مشقة العمل والجلوس في البيت. لأن البنت كما يقلن: عيب تشتغل بعد الجواز، ويضربن المثل دائماً بـ«رشا» التي جلست في البيت بعد الزواج، رغم أن حمادة زوجها تعرف عليها في المزرعة. ويقول حمادة «٢٢ سنة»: «إحنا وقفنا جنب بعض كتير، ٨ سنين واحنا بنحوش من اليومية لحد ما اشترينا أوضة نوم واتجوزنا فيها في بيت والدي من سنتين وربنا رزقنا بسيد، ورغم أن الظروف مش قد كده لكن ما ينفعش الواحدة تشتغل بعد الجواز».
والطريق بين «كفر الحما» والمزرعة التي تقع بالقرب من سجن القطا بالجيزة يستغرق ما يقرب من الساعتين، يقضونهما في الذهاب والعودة في الغناء والضحك ولا يصمت صخبهم إلا في الشتاء حين تضطرهم البرودة جميعاً إلي الجلوس والالتحاف بغطاء واحد، عادة ما يكون قديماً ومتهالكاً لكنه كفيل بأن يصد عنهم الهواء البارد.
لدقائق قليلة تتوقف العربة عند كوبري «نكلا» ليظهر أحمد، في بداية الثلاثينيات، حاملاً «كرتونة» عسلية تتلقفها الأيدي. قالت ماجدة ١٦ سنة وهي تشير إليه «أحمد معاه بكالوريوس تجارة بس ملقاش شغل». قالتها وكأنها تذكرنا بأن أزمة البطالة لا علاقة لها بالمؤهل الدراسي.
العيش والطعمية وفي بعض الأحيان قطعة جبن أبيض هي كل ما يحملونه معهم، يتناولون جزءاً منه في الإفطار عند وصولهم إلي «المزرعة» في حوالي الثامنة والنصف، ويتركون جزءاً يتناولونه في منتصف النهار في راحة الغداء. يستبدل الجميع ملابسهم بجلابيب متهالكة، كانوا قد تركوها علي أفرع الأشجار، ويقف الجميع في انتظار الريس أحمد الذي يوزعهم في المزرعة طبقاً لاحتياجات العمل.
قالوا لنا إن أغلب عملهم هذه الأيام في مزرعة العنب لأنه يحتاج في هذا الوقت من العام إلي رعاية خاصة وإزالة بعض الأوراق من حول عناقيده، استعداداً لموسم حصاده الذي يبدأ في شهر يونيو.
تحقيق شيماء عبدالهادي ٢٧/٤/٢٠٠٧
عن المصرى اليوم

No comments: