لم أصدق الكلمة في البداية عندما نشرت نقلاً عن كلمات المرشد العام للإخوان المسلمين في حفل إفطار بطنطا.
هل قالها فعلاً؟
وهل يريد الإخوان غسل « أوساخ» مصر بماء السماء؟
ولماذا اختصت السماء الأستاذ بديع وصحبته بالماء الطهور؟ وما العناصر المكونة لماء السماء لتكون قادرة علي تغيير مصر من حالة «الوسخ» إلي النظافة العمومية علي يد المرشد وجماعته؟
هل لدي الجماعة خبراء في تنظيف الدول والمجتمعات بماء السماء..؟
يبدو أن المرشد كان علي راحته في طنطا، وأفلت لسانه بكلمات كاشفة عن لعبة استغلال السماء في الصراع السياسي.. ما علاقة السماء بالمعركة الانتخابية؟
ولماذا حصل الإخوان علي توكيل الماء الطهور وحدهم؟
وكيف تستمر كذبة أكثر من 80 سنة كاملة؟
لا يحمل الإخوان ولا غيرهم توكيلاً من السماء للوصول إلي السلطة، وكما قلنا للرئيس مبارك إن الله لا يختار الرؤساء. نقول للإخوان إن ماء السماء ليس من أدوات العمل السياسي، وتصوير الجماعة علي أنها جيوش الملائكة التي ستعلم المصريين الفضيلة وتنهي سنوات الضلال، فكرة مستوردة من أيام سلطة الكنيسة، وربما تنطلي علي شرائح مسكينة من شعب محروم سياسياً، لكنها فكرة مفضوحة.
لا أحد يحمل تفويضاً من السماء، ولا صكوك غفران، ولا توكيلات من الله بإدارة بلد أو مجتمع.
والأزمات في مصر ليست نتيجة فساد أخلاقي، لكن نتيجة فساد سياسي يضعف النفوس، والإصلاح ليس في غسل الأوساخ بماء السماء، ولكن بتداول السلطة، ووضع بنية ديمقراطية للعلاقة بين السلطة والمجتمع، وهذه أفعال يقوم بها سياسيون وليس مبعوثي عناية إلهية.
تصريحات المرشد تشير إلي أن الجماعة تتحول إلي شركة توظيف سياسي علي غرار شركات توظيف الأموال التي ظهرت في الثمانينيات.
نجومية الريان في معاندته التيار، وعودته بالاقتصاد إلي مرحلة ما قبل البنوك.
الإخوان يريدون العودة إلي عصور ما قبل السياسة.. حيث كان الحكم تفويضاً إلهياً لا يناقش، ولا يمكن الاختلاف معه إلا بالدخول في دين آخر، أو السير وراء نصف إله جديد.
وهذه ألعاب حواة.
الريان ظهر في لحظة تفكك أعمدة الدولة الناصرية، ولمعان أفكار العودة إلي شكل من أشكال «ما قبل الدولة».
التفكك أحيا الغرائز، والتقطها الشطار ليصنعوا منها جسوراً إلي ثروات سهلة، تغطيها «بركة» الحلال، هكذا ظهرت شركات توظيف الأموال في الثمانينيات، لتحصد فشل الدولة، وتخطف مدخرات العاملين في الخروج، وتصنع وحشاً مالياً خارج السيطرة.
وهكذا يريد مرشد الجماعة توظيف الاحتقان السياسي، وحاجة المجتمع المصري إلي التخلص من الاستبداد، والفساد، ليضعها في الرصيد السياسي.
يفرش المرشد بضاعته أمام جمهور لم يعرف من السياسة إلا الكلمات والخدمات.
المرشد يبيع البركة في لحظة سياسية خطيرة، وينتظر أن يشتري الناس منه زجاجات الماء الطهور، مع خاتم الصلاحية من السماء.
.. هل العودة إلي خطاب البركة بهذه القوة علامة أزمة في الإخوان؟
أم أن الأزمة كشفت الغطاء عن البضاعة القديمة؟