تردد اسم فاروق عبد السلام كثيراً في أزمة سرقة لوحة «زهرة الخشخاش، قال مسئولون إنهم أخبروه بعدم كفاءة أجهزة المراقبة، كتابة أو شفاهة، واتهم هو آخرين في تحقيقات النيابة بالتقصير، والحقيقة أن وجود فاروق عبد السلام في منصبه بالوزارة هو حالة كاشفة لأزمة الوزارة ولانتهاك وزير الثقافة للقانون، واستعانته بأهل الثقة علي حساب أهل الخبرة، ولإهداره المال العام.
ففاروق عبد السلام هو المتحكم الأول في أعمال الوزارة من خلال إدارته لمكتب الوزير، وهو وصل إلي سن المعاش عام 2003، وفي عام 2006 أصبح التجديد له مخالفاً للقانون فاخترع له الوزير منصباً مضحكاً، لأنه عيَّنه مستشارا للمتحف المصري، وهو خريج كلية الزراعة ولم يمارس أي عمل يتعلق بالآثار، ولم يدرس أي دراسة تتعلق بالتاريخ القديم أو التاريخ الفرعوني أو الآثار المصرية، حتي يكون مؤهلاً لأن يصبح مستشاراً للمتحف المصري. ولا نعلم عنه أي إنجاز إداري كبير حتي نقنع أنفسنا بأن استشاراته تتعلق بالجانب الإداري، لأن ما يحدث في الوزارة من فوضي وفساد إداري وصل إلي المحاكم، وهو يعمل كوكيل أول للوزارة ومسئول عن مكتب الوزير ويؤكد أنه ليس خبيراً في الإدارة وبالتالي لا يصلح لأن يكون مستشاراً إدارياً، ويبدو أنه لم يدخل متحفاً في حياته إلي أن تولي منصبه في الوزارة مما يعني أنه لا يصلح مستشار تاريخيا أو فنيا، وبالتالي فإن الوزير عيّنه في هذا المنصب حتي يحصل علي أعلي أجر من «ميغة» المتحف الذي لم يفتتح بعد.
ووفقا للقانون فإن المستشار لا يحق له أن يتخذ أي قرارات تنفيذية، ولكن من يتابع أعمال الوزارة سيجد مئات القرارات التنفيذية التي تصدر عن فاروق عبد السلام، وكلها قابلة للطعن أمام القضاء الإداري، وهو الأمر الذي دفع هيئة مفوضي الدولة إلي تأكيد ضرورة إنهاء عقده مع كل ما يترتب عليه من آثار، في واحدة من القضايا المنظورة الآن أمام المجلس.
وعلي الرغم من الحيلة غير القانونية التي أبدعها الوزير من أجل استمرار وجود فاروق عبد السلام بجانبه، فإنه خالف القانون بوضعه في عدة مناصب تنفيذية بما يجعل من انتهاك القانون هو السمة الغالبة علي عمل الوزارة، فهو عضو في مجلس إدارة أكاديمية الفنون، ورئيس مجلس إدارة جريدة القاهرة، وعضو في لجنة التعيينات في الوزارة. ووجوده في كل هذه المناصب يعني أنه «الطفل المعجزة » بالنسبة للوزير، الذي لا يعلم أن أعمال كل هذه اللجان والجهات التي يوجد فيها فاروق عبد السلام مطعون عليها لأنها صدرت عن جهة ليست قانونية.
والمؤسف أن النيابة استدعت فاروق عبد السلام للتحقيق في أزمة سرقة اللوحة، ولم تسأله السؤال البديهي المتعلق بماذا يعمل، أما الذين تم التحقيق معهم فلم يجرؤ أي منهم علي طرح وجود عبد السلام غير القانوني في الوزارة. والوزير نفسه لا يشعر بأي أسي أو غضاضة من وجود وكيل أول الوزارة في منصبة وهو الذي لم تكن لديه أي علاقة بالثقافة طيلة حياته، ويتعامل مع المثقفين باستعلاء وغرور سواء حينما كان وكيلاً للوزارة أو بعد أن تحول علي الورق فقط إلي مستشار للمتحف المصري. في الوقت الذي ظل يمارس فيه كل مهام عمله وكأنه لم يخرج إلي المعاش منذ 7 سنوات.
وبالطبع فإن فاروق عبد السلام أياً كان أداؤه في منصبه ليس مسئولاً عن وضعه، وإنما المسئول هو وزير الثقافة الذي يتصور أنه لم يعين وزيراً في وزارة تحكمها قوانين في مقدمتها قانون العاملين في الدولة الذي ينص علي أنه ليس من حق الوزير التعاقد مع أحد من خارج الوزارة لأي منصب لأكثر من ثلاثة أشهر وبحد أقصي سنة واحدة، ولكنه تصور أنه امتلك عزبة اسمها وزارة الثقافة، فعاث فيها، وانتهك القوانين، وتمت إدانة عدد من معاونيه في جرائم جنائية. وهناك شائعات قوية في الوزارة حول منح الوزير راتب قدره 10 آلاف جنيه شهرياً من ميزانية صندوق التنمية الثقافية، لزوجة أيمن عبد المنعم المسجون حاليا بعد ثبوت تلقيه رشوة حتي يضمن سكوته عن كشف الفساد في الصندوق الذي لا يخضع لأي رقابة مالية.
وهناك من يربط بين تمسك الوزير بفاروق عبد السلام بعمل الأخير فترة طويلة في جهاز الرقابة الإدارية، ليس من أجل التدقيق في بعمل الوزارة بحكم تاريخه في الجهاز وإنما من أجل استثمار علاقاته بما يبعد الوزير عن أي دائرة للشبهات المالية أو الإدارية.
وخلال السنوات التي تولي فيها فاروق حسني وزارة الثقافة ومعه فاروق عبد السلام في مكتبه كانت السمة الغالبة هي تقديم كبش فداء في أي أزمة ، ففي أزمة الروايات الثلاث، قدما علي أبوشادي، وفي حرق بني سويف قدما الدكتور مصطفي علوي، ويخرج الوزير بمساعدة مدير مكتبه كالشعرة من العجين. أما في الأزمة الجديدة الخاصة بزهرة الخشخاش فقد قدما معاً محسن شعلان كبشاً للفداء، وكأنه ليست هناك مسئولية سياسية علي الوزير، وكانت التهم التي قدماها ضده في وسائل الإعلام تستدعي محاكمتهما معه، فقد قالا إن رئيس قطاع الفنون التشكيلية استنفد ميزانية تأمين المتاحف في تجديد مكتبه، ونسيا أن هذا الأمر كان يستدعي إقالته وتقديمه للتحقيق الإداري ثم محاكمته جنائيا. وهما لم يفعلا أي شيء من كل هذا بما يتطلب محاكمتهما معاً بتهمة التقصير.
ووجود فاروق عبد السلام من الأساس في منصبه، وظهوره في وسائل الإعلام لتبرير سياسة الوزير أو الدفاع عنه والتحقيق معه سواء كشاهد أو متهم يعني أن الوزير يخرج لسانه للقانون، ولا يهتم حتي بالشكليات التي يجب أن تراعي ذراً للرماد في الأعين، وهو ما يستدعي محاسبة الوزير أمام البرلمان لانتهاكه للقانون باعتبار أن القوانين التي ينتهكها شرعت من هذا البرلمان.
والمشكلة في وزارة الثقافة أن الوزير يخرج من كل كارثة أو أزمة وكأنه لم يفعل شيئاً، وكأنه معصوم من الخطأ، وهو ما يعني أن أزمة لوحة زهرة الخشخاش لن تكون الأخيرة طالما ظل في الوزارة، وطالما ظل كاتم أسراره معه. وطالما بقيت بالوزارة بؤرة للفساد تسمي صندوق التنمية الثقافية لا تخضع لأي نوع من الرقابة، ويستخدمها الوزير في تدعيم وتظبيط أعوانه ومناصريه، بدلا من توجيهها في مشروعات التنمية الثقافية الحقيقية. وإذا كان بعض المثقفين يرون أن إنقاذ الثقافة المصرية حالياً يتطلب إقالة الوزير فاروق حسني ومعه المشرف علي مكتبه فإنني أري أن الخطوة الأولي هي ليست إقالة فاروق عبد السلام، وإنما تطبيق القانون عليه، وإلغاء التعاقد معه وما يترتب عليه من آثار كما نص تقرير هيئة مفوضي الدولة. فمصر التي أنجبت ثروت عكاشة ويحيي حقي وسعد كامل ونجيب محفوظ وسعد الدين وهبة وجابر عصفور ومدكور ثابت وغيرهم ممن تولوا مناصب كبري في وزارة الثقافة ونجحوا فيها، لن تعجز عن إنجاب بديل لفاروق عبد السلام الذي لم نلاحظ له أي نجاح، ولا نعرف المؤهلات التي دفعت الوزير إلي التمسك به وانتهاك القانون من أجله
خالد السرجاني - الدستور
No comments:
Post a Comment