Friday, June 24, 2011

الحلم أولا


نوستالجيا

هيمن على الميدان حالة لا يمكن أن يصفها حتى أقلنا التزاما إلا بأوصاف قدسية أو صوفية، عبقرية الفعل العفوى الجماعى جعلت القدر يستجيب. كيف تمكنا من اختراع آليات لاتخاذ القرار من لا شىء؟ كيف دافعنا عن أنفسنا يوم الجمل؟ من أول من بدأ بقرع الأسوار الحديدة لبث الرهبة فى نفوس أعدائنا؟ اكتشفنا قداسة فينا عندما وقفنا معا وكانت يد الله مع الجماعة.

هل ألهم القدر بوعزيزى إذن؟ هل كان يعرف أنه باستشهاده يشعل ثورة تعبر الحدود؟ أكيد كان يعرف.. لم أختر الانتحار بأكثر الوسائل ألما إن لم يكن لغرض ثورى؟ الانتحار ملاذ من تسلب إرادته، أما بوعزيزى فقد اختار أن يؤكد على إرادته، اختار أن يستشهد قبل أن يطلق أعداء الثورة الرصاص، فقد عرف أن الثورة تحتاج لبحار من دماء الشهداء، اختار أن يستشهد حتى تبدأ الثورة وقد دفعت أغلى ثمن فلا تقدر الجماهير على اختيار التراجع.

ما بين سقوط مخلوع تونس واندلاع ثورتنا فى مصر بضعة أيام، هل تذكرون شهداء تلك الأيام؟ نسيت أساميهم وصورهم فى خضم الأحداث التى تلت لكن ما نسيت بوعزيزيو مصر والشهادة تختارهم فيقطعوا الشك باليقين: مصر مثل تونس، مصر هى تونس، وإياكم وأى مطلب أقل من إسقاط النظام، إياكم الآن وأى تضحية أقل من الشهادة.

ولأن يد الله مع الجماعة يغيب عنا كل ما سيحدث فى الحياة الأخرى إلا مصير الشهداء، لدينا يقين أنهم شهداء، هم فى قلوبنا وعقولنا شهداء، ولن تكون رحمتنا أوسع أبدا من رحمة الله.

رمزية

الاستشهاد على طريقة بوعزيزى فعل استعراضى ورمزى. استعرضت الشرطية سلطتها بصفعه، وكان بإمكانه أن يحاول الانتقام إن كان قد تخلى عن رغبته فى الحياة، ولكنه رغب الحياة بشدة فاختار أن يذكرنا بقيمتها. كان عليه أن يقف فى طريق عام، كان عليه أن يتوهج لنتذكر أن الحياة بلا كرامة ليست حياة.

استعراض السلطة يواجهه استعراض ثورى. وعينا الدرس وكان الميدان مسرحا، مبهرا، ألوانا، موسيقى، أنتجنا وأخرجنا وشاركنا فى أكبر استعراض فى التاريخ، وتابعتنا جماهير العالم أجمع. حاولت السلطة مواجهة استعراضنا باستعراضها، لذا هاجمتنا بالجمال. لكن فاتها أننا آمنا بعرضنا المسرحى، وصدقنا رمزيتنا ولذا كنا على استعداد لدفع ثمن تحويل الرمز لحقيقة. أما السلطة فأى ثمن تدفع؟

وقف شباب أغلبهم تحت العشرين وحدهم بصدر عار فى مواجهة الرصاص أمام سفارة الصهاينة، هل ظنوا أنهم سيحرروا الأرض بفعلهم؟ لا.. بل كان استعراضا، حتى المطلب كان رمزيا: انزلوا العلم. لكنهم مثل بوعزيزى أدركوا ما لم ندرك، أن الثورة صراع على أفكار. جاءوا لينتصروا لفكرة أن السلطة للشعب، ولا تقرر أى قوة داخلية أو خارجية لنا، لا السياسات ولا الأولويات، حتى سياستنا الخارجية، حتى علاقاتنا بالقوى العظمى، وبالتأكيد علاقاتنا بأشقائنا.

الفكرة مزعجة جدا للسلطة، أى سلطة، حتى الانتقالية «الشريفة»، حتى المنتخبة القادمة (ولهذا غابت عن هذا المشهد كل القوى المرشحة وذلك للنيل منها)، العيال ستُملى علينا كيف ندير البلاد؟! ليسوا ثوارا إذن وإنما هم شباب متطرف مختل لا يفقه الأولويات. هكذا اتفقت السلطة والنخبة: استعرضت السلطة قوتها بلا رمزية وإنما بمباشرة فجة، وظنت أن سقوط الشباب برصاصها انتصار لها، أما النخبة فتجاهلت رمزية أن يوجه رصاص حماة حدودنا إلى صدورنا حماية لعلم الأعداء.

نسوا أن الواقع يتغير فى العقول أولا. حتى عندما تحاول السلطة الاستعراض لا تقدر على دفع الثمن، فالسيد اللواء لم يجد مفر من الاعتذار الأبوى عندما واجهته فتاة بحقيقة تعذيبها على يد جنوده. ربما كان يمكن له أن يجعل من استعراض أبوته واعتذاره واقع لو أنه آمن به وتحمل ثمنه، لكنه هاج وماج عندما خرج الاستعراض من جدران مكتبه لصفحات الجرائد. السلطة لا تدفع ثمن تحويل الاستعراض لواقع.

سرد

هل كان الميدان حقا مدينة فاضلة «ولا فى الأحلام» ذابت فيها فوارق الجنس والدين والثروة؟ أم أننا حلمنا به هكذا فصار الحلم واقعا لأننا آمننا؟
الميدان كان استعراضا كبيرا، والفعل الثورى من بوعزيزى للسفارة مشبع بالرمزية، لكن الاستعراض والرمز مجرد جزء من الثورة. الاستعراض يحتاج لجمهور، والجمهور فى عصرنا هذا يعتمد على كاميرات وفضائيات. بعيدا عن الكاميرات مجال الاستعراض محدود أكثر، وفرص الرمزية أقل.

بعيدا عن الكاميرات الصراع لم يكن استعراضيا. بعيدا عن الكاميرات خاض أهالينا حربا مع شرطة مبارك، حرب سقط فيها الشهداء بالمئات إن لم يكن الآلاف وانتصرت فيها الثورة برد العنف أحيانا، وأتمت انتصارها بحرق قلاع الداخلية.

تغيب عنا الآخرة لكننا نعرف مصير الشهداء، ولكن أغلب شهدائنا فقراء. أسوأ ما فى الفقر ليس الحاجة وإنما الإحساس بانعدام الإرادة، فمصيرى ليس بيدى. ألهمت الثورة فقراءنا وأقنعتهم أن مصائرهم بيدهم.

الثورة حتى فى أقل تجلياتها رمزية تظل صراعا على الأفكار. وكما أمام السفارة، الفكرة مزعجة جدا للسلطة، أى سلطة، فحتى فى الديمقراطيات نرى الفقراء منزوعى الإرادة.

ليسوا شهداء إذن، ما هم إلا بلطجية. والشرطة؟ صحيح من قتلوا الفنانين والمهندسين سفاحون، لكن فى الأحياء الشعبية أبطال بواسل، فى أمن الدولة سلخانات، لكن فى الأقسام رموز لهيبة الدولة طبعا. هيبة الدولة هى ما تَفرض على من لم ير ثمار الانصياع لقواعد الدولة ومن لن يرى فرصة فى تحديد مصير الدولة الالتزام بتلك القواعد (مع أنهم لن يروا منه خيرا) وتقبل ذلك المصير (مع أنهم لم يشاركوا فى صياغته). كيف يمكن لنا أن نسمح بسرد لقصة الثورة يهدد تلك الهيبة؟

قتلت الداخلية الشهداء مرتين، مرة على يد العادلى عندما أطلقوا الرصاص، ومرة على يد العيسوى عندما استكثر عليهم الشهادة. مرة بلا كاميرات، ومرة علنا على الهواء مباشرة.

خطاب

ربما لا يعرف من لا نصفهم بالمثقفين ما تعنيه كلمات مثل سرد ورمز وخطاب، لكنها تؤثر فيهم. الشعب أعلم مما يظن الكثيرون، الشعب يعرف أن التحرير لم يكن إلا استعراضا، يعرف أن الثورة انتصرت فى الحوارى والأزقة وفى المصانع، يفهم أن الاستعراض مهم لصراع الأفكار ويفهم أن الميدان يسقط لو سقط الحلم، الميدان أسطورة تخلق واقع طالما آمننا به، ولو أصررنا على تجاهل من ينكر على أهل إمبابة والمطرية الشهادة سيتخلى أهل المطرية وإمبابة عن حلم الميدان، وبدون الحلم أين نكون؟

تغيب عنا الآخرة لكننا نعلم علم اليقين مصير الشهداء، هل نتصور فعلا أن رحمة الله تعرف الطبقية؟ ألا يكفينا ذنب أننا عشنا ولم ننل الشهادة؟ هل نقدر على تحمل ذنب السكوت عن إنكارها؟ هل سنبيع دماء الشهداء مقابل نهاية انفلات أمنى مزعوم وعودة عجلة إنتاج ظالمة للدوران؟

لا يبحث أهل الشهداء عن العدالة فالعدالة لن تحى شهيد، يبحثون عن حلم يعطى معنى للتضحية، يبحثون عن نهاية سعيدة لحدوتة تشمل فاجعتهم. بعبقريتنا هتفنا «افرحى يا أم الشهيد كلنا خالد سعيد»، وأعطيناها النهاية السعيدة فى أول فصل من الحدوتة. ألا يحق لأم محمد عبدالحميد شهيد الزاوية الحمراء وأم مينا ملاك شهيد الطوابق أن تفرحا؟ العدالة مسرحية استعراضية، لن تصير واقعا إلا لو آمنا بها. العدالة فرصتنا، لو تمسكنا بها ربما تفرح أم الشهيد ولو فرحت ربما يُغفر ذنب شهادتنا التى لم ننلها.

والنخب؟ مشغولة بصراع على الأفكار أيضا، لكن بنفس درجة المباشرة والفجاجة التى يتمتع بها خطاب السلطة، بلا إبداع، بلا رمزية: مدنية أم دينية، دستور أولا أم برلمان أولا.. الخ. والمذهل أن بين كل سطر وسطر نذكر الشهداء. صاروا أرقاما وإحصاءات، بل وصلت الصفاقة بفصيل سياسى أن يدعى أن نسبة كذا منهم تنتمى إليه. هل كلفوا خاطرهم الدفاع عنهم؟ فأهاليهم تحكى حدوتة بطولتهم، والسلطة تحكى حدوتة بلطجتهم، والحق بيّن ولكننا لم نعتد أن نراه.. بعيدا عن الكاميرات.

اختار الشهداء محاربة النظام رغم إدراكهم أن اختزال مشكلتهم فى النظام أسطورة، لكنها أسطورة طعمت بالإيمان والتضحية، رهان على أن الواقع يمكن أن يتغير. لكنهم ليسوا أغبياء، مثلما أدرك شباب السفارة أن الديمقراطية وحدها لا تواجه ظلم الإمبريالية، يدرك الكادحون بالفطرة أن الديمقراطية وحدها لم ترفع فقرا أبدا، والمحاكم وحدها لم ترس عدالة للكادحين أبدا، ولنا فى تظاهرات عمال ويسكونسن وتلامذة مدارس إنجلترا عبرة.

ماذا بعد النظام؟ ليس لنا إلا الحلم. اخترنا الإيمان بحلم أن وحدتنا هى الحل وأن ثورتنا ستستمر، فما معنى إذن أن تحاضرنا نخبتنا عن مدى وضوح خارطة الطريق؟ هل يملك أحد على هذه الأرض خارطة طريق واضحة لإرساء العدالة؟ لجعل الحلم واقعا؟ لماذا لم تنفذ بعد إذن؟ إن كانوا جربوها من قبل وجاءت أقل مما طمحوا إليه، إن كنا دفعنا الثمن غاليا جدا من قبل أن نبدأ أصلا، لماذا لا نترك للحلم العنان، ننتصر معا لشهداء الميدان والحارة والسفارة، نستكمل معارك الاستعراض والرمز والسرد لآخرها. يعنى.. نكمل حدوتة الثورة ربما نجد نهاية سعيدة.

والاختيار لنا، ففى معارك الأفكار من يملك التأثير على وسائل الإعلام أقوى. كيف نحكى قصة ثورتنا؟ هل هى ثورة شباب الإنترنت الشريف الناصع الطاهر أم هى ثورة الشعب كله؟ هل هى زرع شيطانى ظهر فجأة فى يناير 2011 أم أن لها جذورا فى التضامن مع انتفاضة شعبنا فى فلسطين وأولى براعمها ظهرت فى المحلة فى أبريل 2008؟
الميدان أسطورة لو توقف أهل الشهداء عن الإيمان بها لسقطت. بديل النظام حلم لو تركناه لسجالات واقعية عقلانية ملتزمة بترتيب مضبوط للأولويات انقشع.

لو سقطت الأسطورة وانقشع الحلم انفضت الجماعة، وإن انفضت الجماعة لن يستجيب القدر، فما نعرفه عن يد الله أنها مع الجماعة.

تخلوا عن الخبراء واسمعوا الشعراء فنحن فى ثورة. دعوا العقل وتمسكوا بالحلم فنحن فى ثورة. احذروا الحذر واحتضنوا المجهول فنحن فى ثورة. احتفلوا بالشهداء، ففى وسط الأفكار والرموز والقصص والاستعراضات والأحلام لا شىء حقيقى إلا دمهم ولا شىء مضمونا إلا خلودهم


بقلم:
علاء عبد الفتاح - الشروق



تورتة «البدوى».. و«بديع»!


لم نسمع تفسيراً مقنعاً حتى الآن لتحالف الوفد والإخوان.. لا من هنا ولا من هناك.. لكن ربما يكون هذا التحالف قد ضاعف من حجم المخاوف فى الشارع السياسى.. وجعل فكرة الدستور أولاً أكثر إلحاحاً.. بعد أن ظهرت فئة تريد أن تحتكر العمل العام.. وتضرب السوق السياسية.. لنعود من جديد إلى حكاية الوطنى، صاحب الأغلبية الكاسحة، وأحزاب لها مقعد واحد!

التحالف الذى حدث لم يكن له غير تفسير واحد، أن هناك من يسير فى سكة الغنائم، لا بناء الدولة.. ومن هنا بدت المخاوف أكثر.. وتزايد الإصرار على ضرورة تأجيل الانتخابات، مما يهدد بانقسام حاد فى المجتمع المصرى، كما قال السياسى الكبير منصور حسن.. وهو إحساس رهيب يوحى بضياع الثورة، كما يوحى بأن المشهد أقرب إلى موقف الرماة فى غزوة أحد!

ولا أخفى عليكم أننى أنتظر رأى منصور حسن فى مناسبات كثيرة، ومنها هذه المناسبة بالطبع.. فهو واحد من عقلاء مصر، كما أن الأمور عنده واضحة تماماً.. وهو يرى أن تحالف الوفد والإخوان يضر البلاد.. لأنه ضد العمل الديمقراطى، لأن الديمقراطية الصحيحة، التى يستحقها الشعب، تقتضى أن يكون هناك فريق فى الحكم، وآخر فى المعارضة، لمصلحة الديمقراطية!

وبهذا الوضوح الذى لا لبس فيه، كان «منصور» حاسماً وقاطعاً فى حواره مع الزميلة رانيا بدوى.. فالديمقراطية هى أن تكون هناك مجموعة تحكم، وأخرى تراقب وتحلل وتنتقد وتقدم البدائل، وإذا حدث غير ذلك فهذا افتئات على حق الشعب، فمن حقه أن تكون لديه أداة للرقابة على الحكومة، أما أن يتفقوا معا على أن يحكموا جميعا ويحرموا الشعب من هذه الأداة، فهذا إخلال بحق الشعب فى الديمقراطية!

الخلاصة، أن ما حدث تحالف على الشعب وعلى الثورة.. فى الوقت الذى كنا ننتظر مثلاً من الوفد أن يقدم مرشحاً للرئاسة، بدلاً من أن يتفرج على الماراثون.. وكنا ننتظر منه أن يقود معركة الدستور أولاً، وهو أكبر وأعرق الأحزاب الليبرالية.. لكنه فضل أن يتحالف على أن يناضل.. وأن يجرى صفقة لا أن يبنى مجداً.. والفارق كبير بين الصفقات والبناء على المدى الطويل!

قد يختلف معنا من يختلف.. وقد يقول البعض السياسة تحالفات وصفقات سياسية.. وقد وقد.. ولكن الموقف يختلف هذه المرة فى تحالف الوفد والإخوان.. فى المرات السابقة كان الوفد يعطى الإخوان شرعية.. وفى هذه المرة الوفد يرتمى فى حضن الإخوان كطفل صغير.. هذه هى المأساة.. كنا أحوج ما نكون إلى حزب الوفد الذى يقود ويناضل.. ليحمى الثورة ويبنى الديمقراطية!

ما حدث يعنى أن الوفد لا يناضل ولا يبنى، وإنما يستسهل الأمور.. يتحالف ويدعم المرشح الرئاسى للإخوان.. فى المقابل يأخذ نسبة من مقاعد البرلمان، ونسبة أخرى فى التشكيل الوزارى.. حين تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية.. وهنا مكمن الخطر، كما قال «منصور»، فالأصل أن تكون هناك جماعة تحكم، وأخرى تعارض وتنتقد، وهذه هى الديمقراطية السليمة!

لا مانع بالطبع من أى توافق إذا كانت هناك كتلة معارضة أخرى، تواجه الاثنين معاً، المهم ألا تترك الساحة السياسية لتآلف موحد دون معارضة، مهما كانت النوايا الحسنة.. هذا هو رأى منصور حسن.. وهذه مخاوف مشروعة.. وقد تكون مفاجأة التوافق الوطنى بشأن الدستور أولاً رد فعل لهذه المخاوف، أو لتحالف الوفد والإخوان.. فهل تدخل الثورة النفق المظلم؟

بقلم: محمد أمين
masrawy

Friday, June 17, 2011


في مصر أطحنا بالديكتاتور وبقيت الديكتاتورية


إذا ما مشيت في شوارع مصر هذه الأيام لا تفوتك ملاحظة أن مصر اليوم هي ديكتاتورية بلا ديكتاتور، أي أن المصريين نجحوا في الإطاحة بالديكتاتور، ولكنهم احتفظوا بالديكتاتورية،
وهذا مؤشر خطير لنوعية النظام القادم في مصر.

للذين يعرفون مصر يمكنهم القبول بملاحظة أن حسني مبارك كديكتاتور لم يحتج في سنوات حكمه الخمس الأخيرة إلى أدوات لكي يمارس ديكتاتورية مباشرة على الناس، فقد تشرب المجتمع المصري قيم الديكتاتورية، كما تتشرب الإسفنجة الماء. مكن نظام أمن الدولة من الناس، من الفؤوس والرؤوس على حد سواء، وأصبح المواطن المصري رقيبا على جاره، مرة باسم الدين ومرة بنقاء الوطنية، فانقسم المجتمع المصري إلى مسلمين وكفار، أو مسلمين وغير مسلمين، ووطنيين حسب تصنيف صفوت الشريف، وخونة أيضا كما يراهم صفوت الشريف ونظامه الإعلامي، الذي أحكم عليه لأكثر من ربع قرن، ودرب صحافييه ومذيعيه وكتّابه على فلسفة التخوين، وهي صفة باقية معنا حتى اليوم.

للذين تربوا في عالم الزراعة كان مبارك بمثابة ثمرة الطماطم التي تركها «العِرش»، بكسر العين، أي نبتة الطماطم التي تشبه نبتة العنب المتسلقة، هناك لحظات تيبس في آخر العِرش تصيب الطماطم نتيجة للنضج أو للصقيع، مبارك الذي جعل المجتمع يتشرب الديكتاتورية حتى التشبع، أجبر المجتمع على أن يترك الديكتاتور وشأنه، أي أن يتخلى عنه، فهم تشربوا الديكتاتورية حتى الثمالة، ولم يعودوا بحاجة إلى ديكتاتور. وبهذا تركه العِرش بفعل نضج الديكتاتورية، من ناحية، وصقيع الديمقراطية القادم من تونس من ناحية أخرى. إذن كان مبارك سينتهي حتى لو لم تأتِ الثورة، أي أن الثورة الحقيقية يجب ألا أن تكون على مبارك، بل على الديكتاتورية والديكتاتور معا. حتى هذه اللحظة قررنا طواعية في مصر أن نرضى ببقاء الديكتاتورية، ونزعق بأعلى صوتنا أننا نريد محاكمة الديكتاتور. نتجنب محاكمة الديكتاتورية، لأن في محاكمتها محاكمة لأنفسنا.

السبب الرئيسي في بقاء الديكتاتورية هو أنه قد تم، وبالتدريج خلال الأشهر الأربعة الماضية، اختزال ثورة «25 يناير» من ثورة على نظام انقلاب «23 يوليو» 1952، الذي كانت نتائجه أنظمة عبد الناصر والسادات ومبارك، إلى ثورة على الديكتاتور، على مبارك فقط، وليس على ديكتاتورية نظام يوليو، الذي وصل إلى أعلى درجات فساده وبجاحته في عصر مبارك الطويل الذي امتد إلى ثلاثين عاما. وبهذا أصبحت ثورة «25 يناير» في مواجهة مع عقيدة «23 يوليو»، وقد كتبت في مقالات سابقة أن مصر في صراع بين شرعيتين؛ شرعية «25 يناير» التي يتمسك بها الشعب، وشرعية «23 يوليو» التي يتمسك بها الجيش، وربما يكون المصريون قد ارتضوا حلا وسطا بين ثورة 25 وثورة 23 لتصبح وبشكل توفيقي ثورة 24، أي ما بين 25 يناير و23 يوليو.

طرحت أيضا في السابق أنه إذا كانت ثورة «25 يناير» هي ثورة ضد مبارك فقط وليست ضد نظام يوليو، فهي ثورة محدودة تهدف إلى إصلاح داخل انقلاب يوليو 1952، أي أنها تصبح ثورة داخل الانقلاب القديم، أما إذا كانت هي ثورة تهدف إلى «تغيير النظام»، كما أعلنت اللافتات في التحرير، أي أنها ثورة تهدف إلى تغيير المنظومة القيمية الحاكمة التي أتت بها يوليو والتي وصلت إلى مداها أو قمة فجورها وتغولها في عهد مبارك، وبهذا تصبح ثورة بجد. ثورة تنقل مصر من مجتمع المكافأة والبلطجة والديكتاتورية السياسية والثقافية الذي أسست له يوليو، إلى دولة عصرية مبنية على نظام الكفاءة لا نظام المكافأة، نظام يحترم القانون ويحترم القواعد التي أرساها الدستور، هذا إن كان عندنا كمصريين النية لكتابة دستور محترم مثل كل بلدان العالم.

لا يمكن نقل مصر من عالم يوليو وعالم الديكتاتورية إلى عالم الدول الحديثة إلا لو تحدث المصريون بجدية ليس فقط عن فساد الديكتاتور ومحاكمته، بل محاكمة الديكتاتورية برمتها. حتى هذه اللحظة يتهرب من ركبوا موجة الثورة محاكمة الديكتاتورية، يريدون فقط محاكمة الديكتاتور. كيف نعرف مدى نية القائمين على الحكم في مصر فيما يخص محاكمة الديكتاتورية.

تبدأ محاكمة الديكتاتورية بإصرار المصريين على إنتاج دستور مضاد للديكتاتورية ومؤيد للحرية بشكلها المطلق، وتأسيس مؤسسات حامية لهذا الدستور، تعتبر ترياقا أو مصلا ضد عودة الديكتاتورية من الباب الخلفي للسياسة. ولكن المؤشرات الأولية التي أنتجت التعديلات الدستورية، لدستور معطل بعد الثورة والاستفتاء عليه شعبيا، ثم نقض هذا الاستفتاء بتعديل دستوري ديكتاتوري كتبه العسكر ومستشاروهم من «الإخوان»، هذا المؤشر يؤكد لي وبوضوح أن مصر تسير باتجاه الرضا بإقصاء الديكتاتور، والإبقاء على الديكتاتورية بوجوه أخرى ورموز أخرى. كل مؤشرات المشهد في مصر التي رأيتها في زيارتي في الأسبوع الفائت تشير إلى عدم الجدية في محاكمة الديكتاتورية، وتشير أيضا إلى أن ثورة «25 يناير» أحدثت فتحات كبيرة في نظام الحكم، فبدلا من بقائه على صيغته القديمة كقطعة الجبنة المصمتة، أحدثت الثورة في الديكتاتورية خروما أو فتحات فأصبح النظام كالجبنة السويسرية المخرمة، ولكن وبعد أربعة أشهر على الثورة يبدو أن الجبنة بدأت تلتئم مرة أخرى كما تلتئم الجروح، وكادت نوافذ الثورة تغلق تماما، ونعود إلى نظام مبارك بوجوه جديدة شيئا ما، وليس كلها. المصريون يلحون كثيرا في محاكمة الديكتاتور والبعض الآخر يطالب بإعدامه، ولكن المطلوب في مصر اليوم هو إعدام الديكتاتورية، قبل المناداة بإعدام الديكتاتور.

الشرق الأوسط

Thursday, June 16, 2011


لا... مهما كان الثمن


بقلم: مجدى الجلاد

كان الشاب صادقاً حين أبدى «خوفه» على مصر.. والتقى خوفه مع قلق كثيرين من المستقبل.. وبالنسبة لى فإن نشرى لكلمات هذا الشاب هنا منذ أيام، كان لأننى أشعر بـ«البرد» فى عز الصيف.. فحين قامت الثورة وضعت كل البيض فى «التحرير».. وظننت وقتها أن هذا الميدان سوف يصنع مجداً مصرياً جديداً.. ومفهوم المجد عندى هو الإنسان.. فليس إنجازاً أن نطيح بـ«مبارك» وأعوانه دون أن نقتلع كل المثالب والسوءات التى تملأ المجتمع..!

لن أتوقف عن نقد الذات.. ولن أملَّ البحث عن ثمار حقيقية للثورة العظيمة.. ولن أهتز من غضب البعض.. ولن يرهبنى هجوم بعض «فلول الإخوان»، ممن يرون فيما حدث منتهى الأمل والمنى.. الأمل فى امتداد سطوتهم على المشهد السياسى.. والمنى فى المزايدة على كل صاحب رأى مخالف.. فإذا كانوا قد دفعوا ثمناً باهظاً لسنوات القمع والاستبداد.. فالكل دفع ثمناً.. والكل دافع عن المضطهدين من جميع الأطياف بمن فيهم «الإخوان».. ولكننا لم ننتفض على استبداد حاكم لتستبد بنا جماعة.. ولم نصرخ ضد «الكبت» لنبلع رأينا وندفن أحلامنا، لأن صوت «الإخوان» هو الأعلى.. ومن عارض النظام السابق بسطوته وجبروته لن يخشى «الإخوان» حتى لو اغتالوه معنوياً..!

أقول هذا لأننى أحد من يتعرضون لهجمة شرسة من «كتائب الإخوان المنظمة».. أقول هذا متحدياً ومتمسكاً بأن ثورة 25 يناير لها أب شرعى واحد هو الشعب المصرى.. أقول هذا لأننا - أنا وأنت - ثائران أكثر من أى إخوانى.. غير أننا - أنا وأنت - نحلم بأن نقطف الثمار سوياً دون استحواذ فئة واحدة أو «جماعة» بعينها.. نحلم بدولة مدنية متقدمة تعلى شأن العلم والمعرفة، وينخرط فيها الجميع بمن فيهم الإخوان المسلمون.. أليس من حقنا أن نعيش فى وطن ينافس البرازيل وماليزيا وكوريا الجنوبية فى الحياة الكريمة.. أم سنكتب على أنفسنا بأيدينا أن نظل فى قاع «الحياة»؟!

لا تشغلوا بالكم بمحاولات اغتيالنا على مواقع «الإخوان» والتيار الدينى.. فقد قال حكيم «ضع دفاتر الهجوم تحت قدميك.. ستجد نفسك تزداد طولاً».. ومن أراد التقدم عليه ألا ينظر إلى الوراء.. أنا مثلك تماماً، أرنو إلى مجتمع أفضل ينفتح على العالم المتحضر.. وأنا مثلك تماماً سأواجه أى تيار أو إرادة تطفئ نور الفكر والمعرفة، وتعود بنا إلى الظلام..

لذا فلابد أن ننظر دائماً إلى المرآة.. فالنظام السابق سقط لأنه هشم المرآة منذ سنوات طويلة.. ومن يريدون الآن «خطف» الثورة لا يؤمنون بنظرية «المرايا».. لا تفعل مثلهم.. واجه نفسك بأخطائك وسلبياتك.. قل لنفسك كل صباح «لابد أن أتغير للأفضل.. فى البيت.. والعمل.. والشارع».. واسأل نفسك كل مساء: «هل بات حلمى قريباً.. هل تصرفت كمواطن صالح ومتحضر.. هل تركت الثورة بصمة فى ذهنى وقلبى؟».. صدقونى لن تنجح الثورة إلا إذا تغيرنا إلى الأفضل..!

شخصياً.. لست ضد الإخوان.. ولكننى ضد «الإرهاب الفكرى المنظم».. ضد المصادرة على الأحلام.. وضد إملاءات الأقلية على الأغلبية لمجرد أن صوت الأقلية منظم وصارخ.. وشخصياً لست من هواة ارتداء «عباءة الضحية».. فبداخلى قوة قادرة على خوض أى معركة.. إنها قوة مصر التى أعرفها جيداً.. مصر التى غرست بذور الحضارة فى العالم، وعلمتنا كيف نقول «لا» مهما كان الثمن..!

مصراوى

Tuesday, June 14, 2011

نص وثيقة البرادعى لحقوق الإنسان:17 مادة تستهدف أن تكون جزءا أساسيا من
الدستور


الباب الأول: مبادئ أساسية

مادة 1" نظام الدولة جمهوري ديمقراطي يقوم على حقوق المواطن وسيادة الشعب. ويمارس الشعب هذه السيادة من خلال نظام نيابي يقوم على انتخابات عامة نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز، ووفقاً لإجراءات تضمن حق الترشح والتصويت لجميع المصريين دون أي تفرقة ".
مادة 2 "الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
مادة 3 " يقوم النظام السياسى على أساس تعدد الأحزاب السياسية، وللمواطنين حق إنشاء هذه الأحزاب ومباشرة العمل السياسي طالما لا تقوم هذه الأحزاب السياسية علي أي مرجعية أو أساس يتعارض وحقوق المواطنين الأساسية الواردة في هذه الوثيقة " .
مادة 4 "يقوم النظام العام على سيادة القانون واستقلال القضاء، وتخضع مؤسسات الدولة والمواطنون كافة للقانون على قدم المساواة ودون أي تفرقة"
مادة 5 "القوات المسلحة درع الشعب وحامية السيادة الوطنية، وهي التي تتولى الدفاع عن استقلال وسلامة الوطن ضد الأخطار الخارجية، وتتولى القوات المسلحة وضع وتطوير ومراجعة النظم التي تكفل تحقيق هذا الهدف ".
مادة 6 " ليس في هذه الوثيقة أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي من مؤسسات الدولة أو الجماعات أو الأفراد أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة " .

الباب الثاني: الحقوق الأساسية

مادة 1 "جميع المصريين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات والحريات أمام القانون والدستور دون تمييز"
مادة 2 " لكل مصري الحق في حرية الرأي والتعبير وفي التجمع السلمي، على أن تمارس هذه الحقوق دون الإخلال بحقوق الغير".
مادة 3 " حرية العقيدة مكفولة، ولكل مواطن الحق في اعتناق العقائد والمذاهب وحرية ممارسة الشعائر الدينية، على أن تمارس هذه الحقوق دون الإخلال بحقوق الغير".
مادة 4 "لكل مصري الحق في حرية الإقامة والتنقل، ولا يجوز القبض على أي مواطن أو احتجازه بدون سند من القانون أو تعسفاً. وكل متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية أمام قاضيه الطبيعي تؤمن له فيها كافة الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه. والكرامة الانسانية حق لكل مصري، ولا يجوز بأي حال تعريض أي شخص للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة ".
مادة 5 " لكل مصري حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه بدون سند من القانون أو تعسفاً".
مادة 6 "الحق في العمل مكفول، وتلتزم الدولة ببذل أقصى جهد ممكن لتوفير العمل لكل مصري بشروط عادلة دون تمييز، وبأجر يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، وبالعمل على حمايته من البطالة. ولكل مصري الحق في إنشاء والانضمام إلى نقابات حماية لمصالحه وحقوقه".
مادة 7 " الحقوق الاجتماعية مكفولة، وتلتزم الدولة ببذل أقصى جهد ممكن لتكفل لكل مصري مستوى من المعيشة يوفر الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والمسكن والعناية الصحية وتأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته ".
مادة 8 " لكل مصري الحق في التعلم، وتلتزم الدولة أن يكون التعليم في مؤسساتها التعليمية في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً، وأن يكون القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة وبصرف النظر عن القدرة المالية ".
مادة 9 " لكل مواطن الحق في المشاركة في الحياة الثقافية بتنوعاتها المختلفة، ويتضمن ذلك الحق في حرية الإختيار وحرية التعبير في الحياة العامة أو الخاصة وحرية ممارسة الأنشطة الثقافية وإنتاج الخدمات الثقافية ونشرها وحرية تنمية المعارف والبحث عن المعلومات وتلقيها ونشرها والاستفادة من وسائل الإعلام والاتصال المختلفة".
مادة 10 "لكل مصري الحق في التمتع بحرمة حياته الخاصة، بما يشمل حياة أسرته ومسكنه ومراسلاته وشرفه وسمعته، وأن يخضع لقانون الأحوال الشخصية الذي يتفق ومعتقداته دون الإضرار بحقوق الآخرين، ولكل شخص الحق في حماية القانون لهذه الحرمات".
مادة 11 " هذه الوثيقة جزءاً لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد، ويحق لكل مصري التمتع بها دون أي تمييز أو تفرقة، ويشكل انتهاك أي من هذه الحقوق أو التحريض على انتهاك أي من هذه الحقوق جريمة ضد الدستور، سواء تم هذا الانتهاك بخرق القانون أوالدستور أو بتغيير أو محاولة تغيير أي منهما، ويحق لكل مصري دون تمييز اللجوء إلى القضاء لوقف مثل هذا الانتهاك أو التحريض على مثل هذا الانتهاك ومعاقبة مرتكبيه

الدستور الأصلى

الانقسام السياسى واغتيال الثورة


لن يربح من الانقسام السياسى بين التيارين «المدنى الذى لا يجافى الدين» و«الدينى الذى يقبل المدنية» سوى أعداء ثورة ٢٥ يناير. فإذا كان الاختلاف رحمة وضرورة للتنوع الخلاق، فإن الخلاف الذى يؤدى إلى الشقاق والخصام قسوة وسيقودنا إلى الهاوية. ربما لو جلس الطرفان اللذان يتصارعان ويتنابذان ويتقاتلان على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام وتحاورا فى روية وهدوء ومسؤولية فسيجدان أن الفروق طفيفة والخلافات واهية، وأن المسألة قد لا تعدو أن تكون مجرد اختلاف فى الوسيلة التى تؤدى إلى غاية واحدة، يؤمن بها كلاهما، ألا وهى نجاح الثورة واستكمال خطواتها، حتى لو تباينت التصورات حول بعض الجوانب الشكلية للنظام السياسى المنتظر.

من هذا المنطلق أقترح هنا عدة إجراءات لإنهاء الخلاف بين من يطالبون بـ«الدستور أولا» ومن يتمسكون بـ«الانتخابات أولا»، أسردها على النحو التالى:

١- يفتح الطرفان حواراً بناءً حول الدستور الجديد، ينطوى على أمرين أساسيين: الأول هو صياغة مسودة ملزمة فى مبادئها العامة، حتى ولو من الناحية الأخلاقية، للجنة التأسيسية المكلفة بوضع الدستور التى سينتخبها البرلمان، وفق خريطة الطريق المرسومة حاليا. والثانى هو الاتفاق على شخصيات هذه اللجنة بحيث يقوم البرلمان بتمريرها عقب انتخابه، وبهذا يتوفر له الحق الذى ناله بمقتضى «الإعلان الدستورى» فى اختيار اللجنة، بعد أن تكون قد حظيت برضاء مجتمعى عام، وذلك من منطلق أن الدستور يوضع بالتوافق ولا تنفرد به الأغلبية البرلمانية.

٢- نعود إلى ما تسمى «قائمة الثورة» التى تتوافق عليها كل القوى السياسية الوطنية التى ساهمت فى نجاح «الموجة الأولى» من ثورة يناير التى انتهت بإجبار مبارك على التنحى. وهذه الفكرة كانت قد طُرحت بعد التنحى مباشرة وتبنتها جماعة الإخوان المسلمين، لكنها لم تلبث أن تخلت عنها. وتخوض هذه القائمة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها فى سبتمبر المقبل ضد القوى السياسية القديمة وضد التقاليد الانتخابية الفاسدة، لاسيما إن لم يُتخذ قرار أو يصدر حكم بـ«العزل السياسى» لأعضاء الحزب الوطنى المنحل. وتجمع هذه القائمة بين التيارات السياسية الثلاثة «الإسلامى» و«اليسارى» و«الليبرالى».

٣- نناضل سوياً فى سبيل أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة بالقائمة النسبية، لأنها النظام الذى ينتصر للأحزاب والاتجاهات والبرامج ويحارب المال السياسى والبلطجة والتصويت على الأسس العشائرية والقبلية. ويمكن من خلال هذه القوائم أن نضمن تمثيل البرلمان المقبل لجموع المصريين تمثيلا أمينا وصادقا، بما يقود إلى تمثيل حقيقى للشعب فى صناعة الدستور.

٤- توقف التلاسن الذى طال رموزا ثقافية وسياسية، ويتم بطريقة منظمة على يد ما يمكن أن نسميها «كتائب الشتائم الإلكترونية».

وقد توالت المناقشات والمداولات بين الطرفين حتى وصلا إلى نقطة فاصلة تمثلت فى النقاش حول مسألة عرض الأمر على «المحكمة الدستورية العليا» أو «لجنة الفتوى والتشريع» بوزارة العدل لتفصل فى الخلاف حول موضوع «الدستور أولا» فى ضوء وجود حيثيات حكم للمحكمة الدستورية تعود إلى عام ١٩٩٤ أرست مبدأ مفاده أنه لا يجوز لأى من السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) أن تضع الدستور، لأن الأخير هو الذى يحدد اختصاصات وصلاحيات ونفوذ هذه السلطات الثلاث، وليس العكس.

وبالطبع فإن ممثلى هذين التيارين لا يملكان من الناحية القانونية الشكلية حق رفع المسألة إلى جهات التحكيم كى تبت فيها، إنما يمكنهما أن يعملا معا من أجل دفع الحكومة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاتخاذ ما يلزم حيال إعادة ضبط الأمر على سنن العدل والاستقامة، وبما ينتصر لمطالب الثورة، ويؤسس لنظام ديمقراطى عادل.

أما من ناحية «الشرعية الثورية» فإن كل الخيارات مفتوحة أمام الجميع، لأن الثورات لا تعرف مثل هذه المماحكات، إنما تشق طريقها نحو تحقيق أهدافها بشجاعة وثقة واقتدار.

لقد صدر بيان عن جماعة الإخوان المسلمين يطالب بالتوحد خلف راية الثورة، أخذ عنوان «تعالوا إلى كلمة سواء»، ويجب على القوى المدنية أن تلبى قائلة «سنأتى إلى كلمة سواء»، لكن من يدعو ومن يستجيب فى عنقيهما دين لهذا الشعب العظيم الذى صنع ثورة سلمية غير مسبوقة فى تاريخ الإنسانية قاطبة، يفرض عليهما أن ينتقلا من القول إلى الفعل، ومن النظر إلى التطبيق، فالكلمة السواء ليست مجرد عبارات إنشائية بليغة، ولا خطابة رنانة طنانة، إنما هى إجراءات واضحة وملموسة تنتصر للثورة، وتحولها إلى قيمة مضافة من أجل بناء وطن حر عزيز عالى القيمة والقامة.

فيا أيها العقلاء، هنا وهنا، عودوا إلى روح ميدان التحرير، التى جمعتنا تحت غاية نبيلة ومقصد شريف وجهاد مقدس فى سبيل الحرية والعدالة والكفاية، فمن دون ذلك سنقوم جميعا باغتيال ثورتنا الفتية، ونقدمها إلى أعدائها مذبوحة ومسلوخة فيأكلونها لحما وعظما، ثم يستديرون علينا تنكيلا وتقتيلا، ويومها لن ينفعنا أى ندم، ولن تشفع لنا أى دموع. ويا أيها العقلاء لتعلموا وتفهموا أن الانقسام إن استمر، والشرخ إن اتسع، فإن الشعب سيكفر بكلا التيارين ولن يجد أمامه سوى المجلس العسكرى ليطلب منه اتخاذ إجراءات لن تفيد مطالب الثورة ولن تصب فى صالحها.

إن ما جرى فى يوليو ١٩٥٢ كان انقلابا تحلّق الشعب حوله فتحول إلى ثورة، أما ما جرى فى يناير ٢٠١١ فهو ثورة إن انفض الشعب عنها فستتحول إلى انقلاب

د. عمار على حسن
المصرى اليوم

الروائى والأديب العالمى فى حوار ساخن لـ«المصرى اليوم» (١ - ٢) بهاء طاهر: مصر غير قابلة للتحول إلى دولة دينية إطلاقاً.. لأننا نفكر بمنطق «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»


كما قال «جورج كليمنصو»، رئيس وزراء فرنسا، خلال الحرب العالمية الأولى، «الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات وحدهم».. أيضا السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم .. فلابد من دور للمثقفين والمبدعين، لأنهم، على حد قول الروائى الكبير بهاء طاهر، هم ضمير الأمة، والأمة التى لا تستعين بمثقفيها أمة بلا ضمير ينبهها ويستوقفها إذا ما أخطأت، ويراجعها إذا ما وقعت فى المحظور.

المبدع بهاء طاهر إحدى القمم الروائية فى مصر والعالم العربى، حاصل على عدد من الجوائز الكبيرة، منها جائزة البوكر العالمية عن روايته «واحة الغروب»، وجائزة أفضل رواية مترجمة فى إيطاليا عن روايته «خالتى صفية والدير» وجائزة أفضل رواية عام ٩٥ عن روايته «الحب فى المنفى».. فهو روائى ومترجم وقاص.. ويؤكد طاهر أن القائمين على الحكم قبل الثورة تعاملوا مع المبدعين على أنهم لا قيمة لآرائهم، وبعد الثورة يتعاملون بنفس منطق مبارك «خليهم يتسلوا» فلم يُدع المبدعون إلى لقاءات الحوار، ولم يؤخذ بأى من اقتراحاتهم.. وفى هذا الحوار حاولنا تكثيف الجهود للوقوف على رأى واحد من أهم ضمائر الأمة وإحدى القمم المبدعة التى تركت بصمة فى تاريخ مصر.. وإلى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء، دعنى أبدأ من نقطة الجدال الدائر فى الأوساط السياسية الآن، وهى إشكالية المطالبة بوضع الدستور أولا انتخابات برلمانية ثم دستور ثم رئيس؟

- أنا لست فقيهاً دستورياً لكنى أستمع وأقرأ جيدا للخبراء فى هذا المجال، ومنهم الدكتور محمد نور فرحات، الذى يوضح أن الخطوات المقبلة المحددة بهذا الترتيب الذى يريدونه- أى الانتخابات البرلمانية ثم الدستور ثم الرئاسة- تنطوى على خلل دستورى فظيع، وهناك عوار دستورى يترتب على هذه الخطوات، ومن يعلمون يقولون إن هذا خطأ، وإنه يخل بآليات العمل السياسى، وسيؤدى إلى مشكلات فى المستقبل، فإذا كان أهل العلم والخبرة يقولون ذلك، فما الذى يمنع من الأخذ برأيهم، إلا إذا كان هناك رأى أقوى منه قانونياً ودستوريا، فليقولوا لنا ما هو.

■ ما الذى يجعل المجلس العسكرى يصر على هذا الترتيب؟

- هذا السؤال يوجه إلى المجلس العسكرى نفسه، لأنه حساس جداً للنقد ولا يريد الاستماع إلى كلام أحد، اسأليهم.

وأرى أن الدستور الجديد قضية شديدة الحساسية ولا تستدعى أن يخوّن أحد الآخر، ولا أن يفرض أحد رأيه على الآخر، فليجتمع الفقهاء الدستوريون من أنصار هذا الرأى وذاك ويحاولوا التوافق فيما بينهم، لأنهم أهل الخبرة وعليهم مسؤولية حسم هذا الوضع.

■ هذا الترتيب يمنع ائتلاف شباب الثورة، على سبيل المثال، من المشاركة فى الانتخابات المقبلة لعدم وجود الوقت الكافى للاستعداد ولطرح البرامج.. فما رأيك.. وهل هذا الأمر مقصود؟

- هناك قوة كبيرة جدا بحكم المال تسمى الحزب الوطنى، وأخرى كبيرة أيضا بحكم المال تسمى الإخوان المسلمين، وقد استمعت من قبل إلى يوسف ندا، المسؤول المالى للتنظيم الدولى للإخوان، الذى تحدث عن أن التنظيم الدولى يمتلك مبالغ هائلة تنفق على نشاط الجماعة، فكيف لشباب لا يجدون المليون جنيه المطلوب لعمل الإعلان عن الحزب فى الصحف والمنصوص عليه فى القانون أن ينافسوا من لديهم أموال طائلة ولديهم مشروعات هنا وهناك ويكدسون أموالا؟! وأضاف مبتسما وأقصد بـ«الحلال طبعا» كيف تطلبين من النملة أن تصارع الفيل ،ثم يقولون لنا تكافؤ الفرص.. أى تكافؤ هذا؟!

■ وهل الأموال وحدها هى التى تلعب الدور الأكبر؟ وهل يمكن لحزب على رأسه رجل أعمال مهم مثل ساويرس أن يخوض المعركة بقوة وعلى قدم المساواة؟

- لا.. ليس المال وحده هو الحاكم فى الأمر إنما التاريخ يلعب دوراً كبيراً، فالإخوان يعملون منذ ٨٠ سنة، بينما شباب الثورة مازالوا مبتدئين.

■ بمنطق التاريخ، ما موقع حزبى الوفد والتجمع وغيرهما التى تعمل منذ سنوات طويلة؟

- الأحزاب القديمة التى كانت موجودة فى عهد مبارك «كرتونية» لا ثقل ولا وجود لها، رغم أن حزب الوفد عندما أراه على حاله الآن «قلبى بيوجعنى»، لأننا تربينا على حزب الوفد وخرجنا فى المظاهرات نهتف «يحيا الوفد ولو فيها رفد» وكان هذا الحزب نموذجاً للوطنية المصرية لكن الآن أنا حزين جدا على ما آل اليه حاله، وأتمنى أن يعود حزبا يعبر عن الوطنية المصرية، وعلى وحدة جناحى الأمة المسلمين والمسيحيين وحريصاً على مصالح كل طبقات المجتمع كما كان فى الماضى، فلم يكن حزب الوفد هو حزب الإقطاعيين، وإنما كان حزب الكل الإقطاعيين والغلابة فى الحقيقة، أما الآن فليس له هوية.

■ تقصد وضعه قبل وبعد ثورة يناير؟

- نعم.. والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وما أيسر أن يسترد وضعه السابق بالعودة إلى سياساته السابقة، التى تؤلف بين طوائف الشعب وجناحى الأمة - المسلمين والمسيحيين- والتى تؤلف بين الأغنياء والفقراء، فهو كان حزبا يعتبر جبهة وطنية جامعة لطبقات وفئات الشعب كلها، كان بداخله من هم فى أقصى اليمين ومن هم فى أقصى اليسار، وكان ذلك فى تآلف يعكس الطبيعة المصرية تماما كما أن قيادة النحاس باشا له كانت قيادة أبوية، مهما اختلفنا معه فى الرأى، وكان حزبا يعد نموذجا مصريا ومع الأسف لم يعد كذلك .

■ إذن.. الإخوان والحزب الوطنى يسيطران، والأحزاب القديمة كرتونية، وشباب الثورة مبتدئون.. المشهد السياسى القادم سيديره الإخوان والوطنى؟

- الخلاصة أن الاستمرار فى هذا الوضع الذى ينتهجه القائمون على الحكم معناه تسليم مفتاح البلد للإخوان والحزب الوطنى. وإذا كان القائمون على الحكم فى مصر يريدون ذلك فليستمروا فيما يفعلون.

■ وأيهما ترجح كفته فى النهاية «الإخوان» أم «الوطنى»؟ أيهما له السطوة الكبرى؟ وأيهما سيحصل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان فى توقعاتك؟

- إيه رأيك لو كان تحالفاً من الاثنين؟! فقد أثبت التاريخ أن الطرفين يعملان بمنطق «اللى تغلب به العب به» ولو ثبت أن التحالف فى دوائر معينة سيعود بالنفع عليهما سيفعلان ذلك دون أى غضاضة، فالإخوان الأقرب والأكسب لهم هو التحالف مع الحزب الوطنى والعصبيات المحلية.

■ هل بهذا المنطق ستتحول مصر إلى دولة دينية؟

- تصورى أن مصر غير قابلة إطلاقا لأن تتحول إلى دولة دينية، فالشعب المصرى غير ذلك تماما، فهو معتدل، ومن الأشياء الجميلة التى كانت موجودة فى ميدان التحرير يوم جمعة الثورة الثانية، كما أطلق عليها البعض هو وجود الطرق الصوفية الذين قالوا إنهم سيحضرون الجمع التالية بأعداد أكبر، هذا إلى جانب مختلف طوائف الشعب بانتماءاتهم المختلفة، وعلى الجانب الآخر أنا شخصيا أعتقد أن أى مصرى يفكر فى أن يمس ضريح سيدنا الحسين أو السيدة زينب ستشل يده، هذه هى مصر الحقيقية.. الكل منسجم فيها ولا مجال للتشدد ولا للتطرف.

■ لكن نحن شعب تتحكم فيه العاطفة الدينية.. حتى السارق يقول توكلت على الله قبل أن يسرق ويدعو الله بالستر حتى يتم مهمته.. شعب بهذه التركيبة أليس من السهل التأثير عليه بالرسائل والشعارات الدينية؟

- لا تنسى أنه هو نفس الشعب الذى يقول فى بعض الأحيان «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع». لطالما كنا شعباً عاطفياً دينيا، وهذا لم ينل من اعتدالنا ومن تحكيمنا للمنطق والحكم على مصالحنا بالعقل.

■ تقول بصعوبة تحول مصر إلى دولة دينية لكن أحد السيناريوهات المطروحة، وهى أن مجلس الشعب المقبل إذا ما حصل الإخوان على أغلبية المقاعد به سيكون الأشرس فى التاريخ الحديث وسنشهد مساءلات للوزراء وإسقاط الحكومات، وسيكون رئيس الجمهورية القادم هو الأضعف، ومن هنا يقول البعض باحتمال مغازلة كل من الحكومة والرئيس القادمين لمجلس الشعب، بإصدار قرارات على هواه، حتى ولو كانت ضد مدنية الدولة؟

- هذا السيناريو يفترض أن الأمور ستكون أمام الإخوان بلا عقبات، الشعب سيقاوم ولن يستسلم، والتيار الليبرالى سيشتد يوما بعد الآخر، فكلنا لدينا عاطفة دينية، لكن طول عمرنا رغم وجود هذه العاطفة الدينية نأخذ قراراتنا السياسية على أساس مصالحنا، وقد نشهد الآن مغازلة للتيار الدينى تظهر فى شكل قرارات سياسية، وقد بدأت من الآن، كأن يصدر قرار بمنع القبلات والأحضان فى الأفلام رغم وجود أمور كثيرة أكثر أهمية تحتاج إلى إصلاح فى التليفزيون المصرى، لكن لا تنسى أننا كنا نشهد نفاقاً ومغازلة للحزب الوطنى فى السابق يفوق ما يحدث الآن مع التيارات الدينية، ولم ينفع النفاق فى النهاية، وأضاف «طاهر» ساخرا «وإن شاء الله هذه التيارات متقعدش ٣٠ سنة زى الحزب الوطنى».. عموما حتى ولو كان هناك انتصار للإخوان فى المرحلة المقبلة فهذا الانتصار سيخلق مقاومة شديدة لدى الناس.

■ لو عدنا قليلا إلى «جمعة الغضب الثانية» وما تضمنته من دلالات سياسية مهمة أولا فما تقييمك لمظاهرة هذا اليوم؟

- كل مرة كنت أشارك فيها فى المظاهرات كنت أعلم تماما أنه من الممكن أن يتحرش أو يحتك بى أحد، وحدث ذلك من قبل ومع ذلك لم أكن خائفا ولا متوجسا لكن هذه المرة كنت شديد التوجس، لم أكن خائفا على ذاتى، إنما كنت خائفا على البلد، لأنه كانت هناك حملة دعائية كبيرة تبث رسائل رعب وتقول إنها جمعة الخطر وإنه قد تسيل فيها الدماء، وقد تتحول إلى حرائق تشتعل فى وسط المدينة إلى آخره وكتب ذلك نصاً، لذا نزلت إلى المظاهرات وأنا مرعوب على البلد، وزاد هذا الرعب بمجرد نزولى إلى الشارع عندما وجدت القاهرة التى تضج بالازدحام أصبحت مدينة أشباح، بسبب خوف الناس من النزول إلى الشارع وأغلقت المحال أبوابها، ولم تكن هناك إشارة مرور واحدة مغلقة، لذا كنت فى غاية التوجس إلى أن وصلت إلى الميدان وتجاوزت لجان التفتيش التى أعدها الشباب للحفاظ على سلامة الجميع، ودخلت الميدان فوجدت القاهرة الحقيقية ومصر الحلوة هناك، ولم يحدث إطلاقا أى شغب وكانت مظاهرة على أعلى مستوى من التحضر، فارتفعت معنوياتى بعد أن كانت فى الحضيض.

وهناك وجدت نفس الشباب الذين كنت أراهم من قبل فى الجمعات السابقة، شباب برىء ليس لديه أطماع سياسية، مؤمن بأهداف الثورة رغبة فى استكمال هذه الأهداف والمبادىء، وهذا اليوم رد لى ثقتى فى هذا الشباب، فقد ثبت أن المصريين أفضل كثيرا من فكرتهم عن أنفسهم، وأن بداخلنا إمكانيات وطاقات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.

■ هل كانت دعاية الترهيب من النزول يوم جمعة الغضب الثانية مقصودة؟

- طبعا بكل تأكيد.. ولا أستطيع أن أضع يدى على الفاعل، لأن الأمر يحتاج إلى بحث، لكن على الأقل الإخوان المسلمون قالوا ما كاد يكون معناه أن النزول إلى المظاهرة نوع من الكفر وتبعهم فى نفس الموقف السلفيون، وتبعهم حزب الوسط ذو المرجعية الاسلامية، وتبعهم الوفد وبعض التيارات الأخرى.

■ لماذا تلاقت المصالح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار.. أى لماذا اتخذ الوفد نفس موقف الإخوان المسلمين؟

- لا أعرف.. ولا أود أن أقول بنظرية المؤامرة، وأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ويقومون بثورة مضادة.. لكن ربما خشيت الأحزاب أن تنقلب المظاهرة إلى عمليات تخريب، مع العلم أن ما قالوه من عدم المشاركة وترويع الناس من النزول هو الذى يؤدى إلى التخريب.

■ ربما لم يكن هناك لا مؤامرة ولا خوف.. ماذا لو أن كل طرف يغازل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويقدم نفسه على أنه التيار الذى يجب الاعتماد عليه، ظنا أنه فى المستقبل سيكون لهم جزء من الكعكة، خاصة أنه تردد أن هذه الجمعة ستكون ضد قرارات المجلس العسكرى؟

- لم يكن هناك ما يشير الى أن المظاهرة كانت ضد المجلس العسكرى، بل العكس كانت هناك مظاهرة عند النصب التذكارى فى مدينة نصر لتأييد المجلس العسكرى وهذه هى الديمقراطية الحقيقية.

■ ربما خافت بعض الأحزاب أن يفسر نزولهم أنه ضد المجلس العسكرى؟

- لو كان الأمر كذلك لكان خطأ كبيراً جدا، يجب أن يكون فهم هذه التيارات والأحزاب مثل فهمى، وفهم كل الناس أن المجلس العسكرى قابل للحوار مع الناس وقابل للنقد عند الضرورة. وأن يعتبر المجلس العسكرى نفسه سلطة حاكمة لكن ليست محتكرة للحقيقة الكاملة، يجب أن يستمع إلى الآراء المختلفة عن رأيه. ولم يحدث فى الميدان قط أن ارتفع صوت ضد المجلس العسكرى ولم تحدث أى وقيعة كما قالوا إنها ستكون جمعة الوقيعة، حتى عندما قال المجلس العسكرى إنه سيبتعد عن الميدان وإنه واثق من تأمين الشباب للميدان تبين أن ثقته فى محلها.

■ البعض قال إن هذا الموقف تخلى به المجلس العسكرى عن مسؤولياته التأمينية لمتظاهرى التحرير «لاختلافهم معه فى الرأى ورفضهم بعض قراراته»؟

- أفضل التفسير الذى قلته عن أى تفسير آخر.. وأضاف ضاحكا «إنتى عايزانا نروح النيابة العسكرية سوا ولا إيه؟!

■ عدم وصول العدد إلى مليون فى جمعة الغضب الثانية، جعل البعض يؤكد على قوة وتأثير الإخوان وتقريبا أشار بعض الإخوان أنفسهم إلى هذا بأن عدم نزولهم إلى الميدان جعله خاويا؟

- أولا لم يكن الميدان خاويا، ولا أريد الدخول فى لعبة الأعداد لأنها لعبة سخيفة، لكن كان هناك عشرات الآلاف يتوافدون على الميدان حتى الساعة السادسة مساء موعد فض المظاهرة، بناء على قرار المنظمين من الشباب والذى التزم به الجميع، وأؤكد أنه وبعد جو الترويع والرعب الذى انتشر على مدى ٤٨ ساعة فى هذا البلد وتحولها إلى مدينة أشباح، لو أن الميدان كان فيه ٥٠٠ فقط كأنهم مليون، ومع ذلك بعض القنوات الفضائية عرضت صوراً للميدان وهو ممتلئ، من ميدان عبدالمنعم رياض إلى مجمع التحرير، ولا أعرف بحسابات الأرقام كم عددهم، المهم أنهم كانوا أعداداً كبيرة وكانوا متحضرين وسلميين.

■ ومن يقف خلف دعوات الترهيب؟

- قبل المظاهرة بيوم انتشرت رسائل على الإنترنت من نوعية «روحوا بكرة علشان تعرفوا حجمكم الحقيقى»، «انتوا من غير الإخوان ماتسووش»، ومن الواضح أن هذه الرسائل من شباب تابع للإخوان وإن لم يكن لدى دليل على ذلك، وهنا أرد عليهم أننى كنت آمل أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى، ويتأكدوا أن الشعب قوة حقيقية بدون الإخوان. فالشخص الواحد فى هذا الميدان يعادل ألفا لأنه نزل متحديا جواً من الترويع لم يحدث فى التاريخ على الإطلاق.. كما أنه يعادل ألفاً من الأغلبية الصامته أو كما يقولون عنهم حزب الكنبة، الذين يجلسون يشاهدون الأحداث دون أن يكون لهم دور فعال، ويكتفون بترديد الشائعات والنميمة.

■ الأغلبية الصامتة كان لها مبررها قبل الثورة فبماذا تبررها بعد الثورة؟

- أثبت التاريخ فى كل دول العالم أن من يصنع التاريخ هم الأقلية الفاعلة وليس الأغلبية الصامتة والتى أدينها فى كل كتاباتى.

■ قلت إنك كنت تتمنى أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى فهل تقلل من قوتهم وتأثيرهم؟

- لا على الإطلاق.. الإخوان قوة ولهم كل الاحترام لكن يجب ألا يعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة، ويجب ألا يخونوا غيرهم، ويقللوا من شأنهم، ويكفروا كل من يخالفهم، فمثلا أنا فكريا ضد الإخوان ومع ذلك كنت أوقع على بيانات الرفض لمحاكماتهم أمام محاكم عسكرية، وليس معنى أننى فكريا ضدهم أن أكون على المستوى الإنسانى ضدهم، وعليهم التعامل بنفس المنطق مع الجميع، يجب ألا يخوننا الآخر ويجب ألا يكفروا الآخر، فهم مثلا يروجون أن العلمانيين كفرة، وأنا مسلم وآمل أن أكون مسلماً جيداً إن شاء الله ومع ذلك علمانى، فالعلمانية ليست كفرا كما يصورون.. العلمانية لا تناقض التدين فى شىء، أنا مسلم علمانى بمعنى أننى أرى أن الدين له احترامه ومجاله، والحياة المدنية لها مجالها ولا يجب الخلط بين الدين وتسيير شؤون الحياة العملية، وهذا يتفق مع الإسلام الذى ألغى أى سلطة كهنوتية لأى جهة، واعتبر العلاقة بين الفرد وربه علاقه مباشرة دون أى وسطاء.

■ الحوار الوطنى والوفاق الوطنى .. ما رأيك فى هذه اللقاءات؟

- أنا لا أعرف الفرق بين الاثنين، ولا أعرف ما هى مهام هذا ولا أهداف ذلك حتى أجيبك، لكن الحوارات الوطنية لا تقام من قبل السلطة الحاكمة إنما تقام من خلال إرادة شعبية، إذا كانت هناك تيارات وأحزاب تريد أن تتوافق برضاها على خطوات وطنية فليجلسوا ويفعلوا ذلك لكن لا يأتى الأمر من أعلى كما كان يحدث فى عهد «مبارك».

■ وكيف للمجلس العسكرى أن يتواصل إذن مع النخبة.. هو يريد موقفاً موحداً يتم التوافق عليه ليتبناه سواء فى القانون أو الاقتصاد وغيرهما لذا يجد فى توصيات مؤتمرات الحوار حلا للخلاف وللتواصل؟

- إذا كان المجلس العسكرى يريد التواصل معنا أقول لهم كيف، أبسط شىء ألا يكون الاتصال بالناس عن طريق الفيس بوك. أنا واحد من الناس لا أعرف كيف أستخدم الفيس بوك ولا التويتر، عليهم إقامة مؤتمرات صحفية دورية على الأقل كل أسبوع ويكون هناك ممثلون للصحافة ويسألون بكل صراحة، على أن يجيب ممثلو «المجلس» بصراحة. هذه هى طريقة التواصل التى يجب أن تكون.. ولقد اتفق النخب والقانونيون العظام وفقهاء القانون الدستورى على أهمية وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية.. ماذا كان رد فعل المجلس العسكرى؟!..الكل يعرف.

■ القائمون على الحكم يقولون بكثرة ائتلافات الثورة فمع من نتحدث؟

- لقد وصلوا للنتائج التى يريدون الوصول إليها.. وهذا ما يردده من هم ضد الثورة.

■ لكن النخب مختلفة فيما بينها، الأحزاب ليست على موقف واحد؟

- هذا ليس وضعاً جديداً على مصر لطالما كانت مصر هكذا بل وكل دول العالم، فجميع الدول لديها أحزاب مختلفة وتيارات متجاذبة وأخرى متنافرة، الدول الديمقراطية تتيح فرصة لكل التيارات للحوار، وليس الحوار على شاكلة وضع الناس فى «أوضة يقولوا عليها أوضة الحوار» أنا أقصد مجتمعاً يتحاور، أن تجتمع تيارات سياسية مختلفة ومتباينة، وأن يكون هذا الحوار مجتمعيا على صفحات الصحف وعلى شاشات التليفزيون، وفى النقابات، هذا هو الحوار المجتمعى الذى أفهمه.

■ فى حوار أجريته مع الدكتور جلال أمين مؤخرا قال لى نفهم الديمقراطية بشكل ساذج وليس كل شىء يحتاج إلى حوار وشورى وإنما نحتاج إلى الحسم بدلا من إضاعة الوقت فى الحوار فهل تتفق أم تختلف معه؟

- أتفق مع الأستاذ جلال فى كل ما قاله ألفاً فى المائة، هناك فعلا أمور تحتاج إلى قرارات حاسمة، فمثلا هل يعقل أن يقطع بعض الناس السكة الحديد فى أكثر من محافظة لعدة أيام ويعطلوا السير ومصالح الناس دون أن يواجه هذا الأمر بالحسم لإثبات هيبة الدولة والاكتفاء ببعض المشايخ للحوار مع الأهالى، هناك أمور لا تحتمل الحوار إنما تحتاج إلى تطبيق القانون.

■ هل دعيت إلى أى من مؤتمرات الحوار هذه؟

- لا.. الحمد لله.

■ لماذا؟ هل مازال يتم التعامل معك «كمعارض عتيد» كما كان الوضع قبل الثورة؟

- أظن أن الموضوع هذه المرة مختلف، المسألة لا علاقة لها بكونى معارضاً بقدر كونى أديباً أو مبدعاً فهم لا يعتبرون المبدعين أناساً مهمين وليس لآرائهم قيمة والدليل هل سمعت أنهم وجهوا الدعوة إلى إبراهيم أصلان أو صنع الله ابراهيم أو أى من الروائيين والمبدعين لمثل هذه الحوارات؟!.. هم يتعاملون معنا على طريقة مبارك «خليهم يتسلوا بعيد عننا»، وأرجو ألا يكون السبب هو كونى معارضاً.

■ لكن الإعلامى حسين عبدالغنى قال لى فى حوار معه إن أحد أعضاء المجلس العسكرى اعترض على ترشيحه لرئاسة قناة الأخبار ونقل له أنه قال إن «حسين» من ثوار التحرير؟

الله.. بدلا من أن يكون الأمر نقطة فى صالحه تحسب ضده.. أنا فعلا مندهش، عموما حتى ولو لم تتم دعوتى إلى هذه الحوارات لكونى معارضاً فأنا لا أعبأ بمثل هذه الأمور، فالعقاب الشديد لى هو أن أمنع من الكتابة، ما عدا ذلك لا ألقى بالا لشىء، فأنا منعت من الكتابة ما بين ٧٥ و٨٣، وكنت كلما رشحت لمنصب يسألون أمن الدولة عنى فيقولون لهم «دا بتاع حركة كفاية» فيبقى كفاية- قالها ضاحكا - لذا آمل بعد الثورة أن يكون عدم دعوتى لأى حوار هو استمرار لمنطق عدم الاعتراف بالمبدعين وليس شيئاً آخر. عموما المثقفون والمبدعون هم ضمير الأمة وطالما لا نستمع لهم فنحن لا نستمع إلى صوت الضمير، وخوف النظام منهم طيلة عشرات السنوات دليل على فاعليتهم وأن رسائلهم كانت تصل إلى الناس.

أجرت الحوار رانيـا بـدوى
المصرى اليوم

الروائى بهاء طاهر يستكمل حواره مع «المصري اليوم» (٢-٢) المشترك الوحيد بين
المجلس العسكرى ومبارك: أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون


عندما تجلس أمام الروائى المبدع بهاء طاهر تتفتح أمامك رؤى مختلفة للأمور وزوايا جديدة للتحليل فهو بسيط وواضح ولا تخلو تحليلاته من خفة الظل.. فى الجزء الثانى من الحوار معه يؤكد أن الثورة المضادة موجودة وليست «هزار ولا لعب»، والنظام السابق مزدهر جدا والقوى المحركة للثورة المضادة موجودة فى كل محافظات مصر.

وأضاف أنها ليست مثلثاً تتلاقى فيه المصالح بين إسرائيل وطرة وشرم الشيخ إنما هى مستطيل حيث وضعت النفوذ الخليجى بين قوسين.. وأكد طاهر أن الفتنة الطائفية لن تختفى إلا إذا اختفت العوامل المحرضة لها مثل التطرف من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء والأيادى الصهيونية والنفوذ الخليجى ونفوذ أقباط المهجر، مشيراً إلى أن الشىء المشترك بين عصر مبارك والمجلس العسكرى فى إدارة البلاد هو أنهم يدعونك تقول ما تريد ويفعلون هم ما يريدون.. والى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء المثقفون متهمون بالغياب عن المشهد السياسى مما أدى لتصدر التيار الدينى وتوجيهه للرأى العام؟

- أى غياب.. كل ميدان التحرير كان من المثقفين منذ بداية الثورة وحتى الآن بل من قبل، أنا واحد من الناس كنت موجوداً فى الوقفة الاحتجاجية بعد أحداث كنيسة القديسين وتحرش بى الضباط وأطفأ أحدهم الشمعة التى كانت فى يدى، وفى اليوم الذى سبق موقعة الجمل دخلت بعض العناصر إلى الميدان وأرادوا التعرض لى لولا الدكتور هانى عنانى الذى حال دون وقوع ذلك، وكنا دائما فى الشارع، نحن موجودون فى المشهد ولكن السؤال الآن: من المهم لإدارة البلد المثقفون أم السلفيون؟ والإجابة أنه على ما يبدو أن المسؤولين لا يريدون المثقفين، فالسلطة تغلب التيار الدينى.

■ لماذا؟

- لأنها تستشعر أن الشعب يريد ذلك.

■ ولماذا يميل الشعب إلى التيارات الدينية أكثر من المثقفين ورواد التنوير؟

- لا تستهينى بما حدث طوال السنوات الماضية فعلى امتداد ٤٠ سنة والنظام يملأ التليفزيون بالوعاظ يتحدثون ويخطبون فى الناس فى حين يتم تغييب المثقفين ومنعهم من الظهور وهذه كانت سياسة الرئيس السادات واستمرت فى عهد مبارك، هل معقول بعد هذه السنوات أن يكون للمثقفين السطوة فى توجيه الرأى العام كما كان الوضع من قبل.

وعلى ما يبدو أنه قد أريد للثورة أن تقف عند حد لا تتعداه، فتم إقصاء الشباب الذين نظموها وقادوها، واحتضن الإعلام الرسمى وجهات نافذة لا أعرفها، «جماعة الإخوان المسلمين» وتيارات دينية أخرى تصدرت المشهد الإعلامى والسياسى، بل الأصح أن أقول إنها احتكرت هذا المشهد دون سواها، وواصلت هذه الجماعات تنفيذ مخطط كان جاريا منذ سنوات طويلة لهدم مقومات الدولة المدنية حتى تخلو لهم الساحة.

■ إذن الدولة المدنية مهددة فى مصر؟

- بناء القيم الإيجابية يستغرق وقتا أطول بكثير من هدمها، وقد هدمت معاول كثيرة بنيان الدولة المدنية خلال العقود الماضية، لهذا يستطيع الإخوان المسلمون وأنصار التيارات الدينية الأخرى القول بأنهم يؤيدون الدولة المدنية وهم يعلمون أن هذه الدولة لم يعد لها وجود وأن الساحة قد خلت لهم أو فلنقل إنهم يتصورون ذلك!
فأنا مازلت وسأظل أعلق آمالا كبيرة على شباب ثورة ٢٥ يناير وأنصارهم فى المجتمع المصرى، لقد استطاعوا أن يقلبوا موازين معادلة أصعب من تلك حين أسقطوا حكم مبارك، وندائى لهم فى كل مرة هو أن يوحدوا صفوفهم وأن يعملوا من جديد مع الشعب الذى ضحوا من أجله بدمائهم الطاهرة، هذه المرة يجب أن نجتمع كلنا للدفاع عن الدولة المدنية التى تكفل لنا الوحدة والحرية.

■ وهل يمكن استعادة مكانة المثقفين فى التأثير فى الرأى العام بعد تغير الأوضاع بعد الثورة؟

- ممكن جدا استعادة المكانة ولكن هذه الأمور الفكرية تحتاج إلى تراكم لسنوات طويلة لنصحح تراث الأربعين عاما الماضية بشرط عدم وجود معوقات وأناس تحارب المثقفين وتعترض رسالتهم، فنحن نقول ونكتب وننبه ولا أحد يأخذ بآرائنا، فالشىء الوحيد المشترك بين المجلس العسكرى وعصر مبارك هو أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون.

■ كتبت كتابا مهما منذ عشرين عاما بعنوان «أبناء رفاعة: الثقافة والحرية» تحدثت فيه عن تطور الفكر المصرى بما فيه استبدال المثقفين بالوعاظ.. فمن الذى ساند أفكار الكتاب؟

- لا أحد، لأن أفكار الكتاب كانت ضد أفكار الوعاظ، وقد خرج الكتاب للنور وحصل على الجائزة ولكن تم التعتيم عليه.

يا ابنتى كما يقولون فى الأمثال «يد واحدة لا تصفق»، و«زهرة واحدة لا تصنع الربيع». يجب أن تكون هناك مجموعة من رواد التنوير كما كان الوضع من قبل، حيث صنع رواد التنوير النهضة الثقافية والتنويرية من القرن الـ١٩ حتى الآن، ورواد التنوير موجودون، ولكنهم متفرقون ويحارَبون بلا انقطاع. بالطبع لدىّ أمل فى أن الثورة تغير جميع الأوضاع بما فيها وضع الثقافة والمثقفين، ولكن لست ساذجا، وأعلم أن استعادة المكانة تحتاج إلى وقت طويل وتراكم، المهم أن نبدأ من الآن.

■ إلى أى مدى تعتقد فى تأثير الثورة المضادة أم أن هناك تهويلاً لحجمها؟

- النظام السابق مزدهر جدا الآن وهو عصب الثورة المضادة التى تحدث، ومن هم فى طرة مجرد قيادات، لكن القوى المحركة موجودة فى كل المحافظات، أتباع من هم فى طرة وربما آخرون يحمون مصالحهم. الثورة المضادة شىء حقيقى وليست «لعب ولا هزار»، وهناك من يتعمد إفساد كل شىء.

■ وهل تؤمن بالمثلث الافتراضى فى الثورة المضادة «إسرائيل.. شرم الشيخ.. طرة»؟

- ربما يكون مستطيلا وليس مثلثا، فكل الأطراف التى قلت بها صحيحة، ولكن هذا فضلا عن تدخل أطراف عربية خليجية كارهة لنموذج التسامح الدينى المصرى، ولها فى الشارع رجالها إلى جانب الأيادى المتآمرة فى الخارج، وعلى رأسها إسرائيل، فرئيس المخابرات السابق لإسرائيل أعلن من قبل أنهم سعداء بالنجاح فى زرع الفتن الطائفية فى مصر، إضافة إلى الدعاية المضادة كالرسائل التى تتردد على المقاهى وفى الميكروباصات حتى يرددها ويكررها الناس ويؤمنوا بها على شاكلة «مبارك كبير فى السن ومريض» لاستعطاف الناس، أو «الولاد دول» فى إشارة إلى شباب التحرير للتقليل منهم، «المظاهرات تعطل الإنتاج»، مع أن وزير الصناعة قال إن الإنتاج الصناعى زاد ولم يقل إن الإنتاج تعطل فى مظاهرة تقام يوم إجازة.. هذه دعاية مضادة.

■ ولكن البعض يؤكد ضعف الإنتاج فعلا ولا يعتبره دعاية مضادة والمقصود الاعتصامات والإضرابات وليس مظاهرات الجمعة فقط؟

- أنا أستشهد برأى الأستاذ لويس جريس الذى أقدره والذى قال إن على الإعلام تحرى المعلومات التى تنشر، وتساءل: هل أى من الصحفيين ذهب مثلا إلى المصانع فى العاشر من رمضان ليعرف إذا كانت تعمل أم متوقفة؟! أنا ذهبت ورأيت أن كل الأمور على ما يرام وأن حركة الإنتاج لم تتوقف- فى إشارة إلى الأستاذ لويس- إذن هناك شهادات أخرى غير شهادات وزير الصناعة تؤكد أن الوضع ليس كما يصورونه لنا وأن الإنتاج لم يتوقف بسبب المظاهرات ولا الوقفات الاحتجاجات.

■ ولكن وزير المالية قال إن عجز الموازنة وصل إلى ١٧٠ ملياراً والتضخم ارتفع.. أليس هذا إشارة إلى تدهور الوضع الاقتصادى؟

- لا شك أن هناك قطاعات تأثرت بالثورة وهذا طبيعى فى أعقاب أى ثورة ضخمة مثل التى حدثت فى مصر، طبيعى أن نجد تضخماً وتأثراً لبعض القطاعات، ولكن ما أقصده أن المليونيات لا علاقة لها بالوضع، ولو حدث بعض التضرر فهنا تأتى مسؤولية وزيرى المالية والصناعة. والسادة الخبراء المتخصصون فى الاقتصاد عليهم إيجاد حلول للتقليل من الآثار الاقتصادية قدر الإمكان، والحد من هذه المصاعب لا أن يصدروها لنا مرة أخرى. ما هى مهمتهم إذن لو أنهم سيخرجون علينا من حين إلى آخر لإعلان تدهور الاقتصاد، عليهم محاولة تلافى آثار ذلك وتخفيض الآثار إلى أقصى مدى.. ثم إن جزءاً من أزمة الإنتاج يعود فى الواقع إلى تدهور الحالة الأمنية والتى ظلت لأشهر طويلة لا يجد لها أحد مبررا، وعليهم إصلاح الأمن أولاً. وقتها سينصلح الإنتاج والاقتصاد فى قطاعات مثل السياحة والاستثمار وغيرهما.

■ وزير الداخلية قال فى حوار للإعلامية منى الشاذلى عن شهداء الثورة! هناك أناس توفوا فى التحرير ومجموعة أخرى أمام الأقسام أثناء اقتحامها لسرقة السلاح وإخراج المساجين فى هذه الفترة ولم تحرر أى محاضر عن هذه الأحداث وبالتالى لم تعرض على النيابة العامة أى محاضر موثقة للأحداث، واختلطت الجثث بحيث لا يمكن التفرقة بين النوعين من المتوفين.. هذه الرواية- كما قال أحد القانونيين الكبار- تعطى فرصة كبيرة للضباط المتهمين بقتل المتظاهرين بالبراءة مستندين على أقوال وزير الداخلية؟

- فى جميع الأحوال مهمة الشرطة هى أن تبحث عن المجرم وتحاول أن توسع نطاق البحث والتحقيق للوصول إلى الأيادى المجرمة، أنا غير موافق على الإطلاق على هذا التفسير، كيف أن هناك عشرات تم إطلاق النار على أعينهم مباشرة حيث أصيب بعضهم بالعمى وآخرون فقدوا عيناً واحدة وبعضهم توفى نتيجة ضرب رصاص بالليزر محدد وموجه، ولا أظن أن البلطجية يملكون مثل هذا السلاح، هذه جهة لديها هذا النوع من السلاح الذى يؤدى إلى مثل هذه الإصابات ومن السهل جدا على أجهزة التحقيق أن تعرف من الذى يملك مثل هذه الأسلحة وتجرى التحقيق وتوجه له الاتهام لكن من غير المعقول أن يتفرق دم الشهداء بين القبائل، أنا مختلف تماما مع وزير الداخلية فيما قاله وأطلب منه أن يوجه كل أجهزة التحقيق فى البحث عن المجرمين الذين قاموا بهذه الأفعال وهذه مهمته وليست شيئا يمكن أن يتنصل منه، وهذه الأمور لها الأولوية المطلقة فى تحقيق سريع وعادل ولو تطلب الأمر الاستعانة بأجهزة متخصصة.

■ وماذا لو كان غرض وزير الداخلية فض الاشتباك بين الشرطة والشعب؟

- الاشتباك لن ينفض الا بمعاقبة الجناة والمجرمين، والضباط الذين لم يخطئوا نضعهم على رؤوسنا من فوق ونساعدهم.. والتحقيق هو الذى سيظهر من الضابط الذى أطلق النار على الشباب فى الميدان ومن الذى أطلق البلطجية، لا أحد ينادى بمعاقبة ضابط دافع عن مكانه وحمى سلاحه، هم يعرفون من نريد أن نحاسب.

■ ننتقل إلى ملف الفتنة الطائفية.. قلت من قبل إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين قضية عمرك.. فبادرنى الأستاذ بهاء طاهر بالقول نعم.. فسألته: الفتنة الطائفية فى مصر مرض أم عرض؟

- هذا سؤال مهم، أنا شخصيا باعتبارى ابن ثورة ١٩ بمعنى أننى ابن فكرة الوحدة الوطنية أعتقد أن الفتنة الطائفية عرض، لكنه عرض متشبث ويجب بذل مزيد من الجهد لإزالته.

■ ما أدلتك؟

- أنه مثلا، ورغم حالة الانفلات الأمنى الشديد وقت الثورة، لم تسجل حالة اعتداء واحدة لا على كنيسة ولا جامع، لأن هذه هى مصر الحقيقية، وإذا كان سؤالك القادم: لماذا ظهرت بعد الثورة؟ سأجيبك لأنه ظهرت عوامل أخرى تسعى لذلك، منها الأيادى الصهيونية بالإضافة للنفوذ الخليجى، بالإضافة إلى نفوذ أقباط المهجر.. كل هذه عوامل مهمة جدا.

■ اختصرت أزمات المسيحيين مؤخرا فى «قانون دور العبادة الموحد» فهل بصدور هذا القانون ستختفى الفتنة الطائفية؟

- كان لابد أن يصدر هذا القانون من زمان، ومع ذلك أنا لا أرى أن هذه هى المشكلة، الفتنة الطائفية ستختفى إذا اختفت مسبباتها، ومنها الأصابع الصهيونية، التطرف والتعصب الدينى لدى الطرفين مسلمين ومسيحيين، عندما تتحقق العدالة فى المجتمع وقتها ستعود روح الأخوة الفعلية وستهدأ الأمور ولن يكون قانون بناء دور العبادة الموحد مشكلة ولاغيره من القوانين.

■ هل لديك تفسير لحالة الارتباك السياسى التى نعيشها الآن، وهل لها ما يبررها؟

- الارتباك طبيعى بعد أى ثورة، لكنه زاد فى الحالة المصرية، لأننا لم نستلهم روح الثورة ولم نجعل الثورة تعمل، فقد تم استبعاد شباب الثورة من المشهد.

■ ولكن رئيس الوزراء خصص لهم غرفة بالقرب من مكتبه لاستشارتهم فى القرارات المختلفة؟

- أجاب ساخرا.. «آه حطهم فى أوضة الفيران».

■ الشباب غير جاهز وغير مسيس ومنع من ممارسة السياسة فى الجامعة لسنوات طويلة فمن الطبيعى ألا يكون بديلاً جاهزاً لإدارة البلد!

- وكيف كان لديه قدرة على أعظم عمل فى التاريخ الحديث وهو الثورة؟

■ الأمر مختلف.

- إذن كان لابد أن يعطى الشباب الفرصة ويمنحوا الوقت لممارسة العمل السياسى، ليتحولوا من هواة إلى محترفين لكن ما حدث أنهم أبعدوهم تماما عن المشهد وعن الساحة بدلا من تتم إتاحة الفرصة لهم لكى يتطوروا، عزلناهم حتى يختفوا، كان مطلوباً أن تتاح لهم فرصة تكوين أحزاب بدون تقييد لهم بشروط قاسية ،ويمنحوا الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم.

■ ما تقييمك لشباب الإخوان؟

سبق أن وجهت لهم التحية هم وألتراس الكورة، حيث علمت أنهم من كانوا يحمون الشباب فى ميدان التحرير من البلطجية وأصحاب موقعة الجمل، لكن أن ينشأ خلاف بينهم وبين قياداتهم فهو أمر يخصهم ويحسمون موقفهم داخليا.

■ هل تشعر أنهم أكثر انفتاحاً؟

- دون أن يكون لدى أى أدلة أعتقد أن التحام هؤلاء الشباب مع بقية الشباب فى ميدان التحرير والتحامهم مع تيارات شبابية أخرى لها أفكار مختلفة مثل شباب ٦ أبريل وشباب الأحزاب المختلفة، وأظن أنه بالتحام شباب الإخوان بزملائهم من الشباب فى التيارات المختلفة أصبح تفكيرهم أكثر انفتاحاً من قياداتهم التنظيمية، وكان من الممكن أن تكون القيادات التنظيمية من الذكاء بحيث تستفيد من تقارب شباب الإخوان من نظرائهم بدلا من أن تحاربهم وتعزلهم وتفرض عليهم عقوبات، وبحكم الواقع والظروف هذا ما سيحدث، إن هؤلاء الشباب سيفرضون وجهة نظرهم على الأجيال الأقدم فى التنظيم.

■ هل لديك ملاحظات على محاكمة النظام السابق؟

- طبعاً أريدها محاكمات مدنية عادلة ولا خلاف فى هذا، ولكن على الجانب الآخر توجد محاكمات عبثية، فمثلا ما قصة المحاكمات على اللوحات المعدنية هذه؟ هل يصح أن نترك الأمور المهمة ونمسك فى الأقل، طبعاً يجب أن يعاقب الإنسان على أى خطأ ولكن لا يجب أن أترك المحاكمات الخاصة بضرب النار على المتظاهرين وأترك دم الشهداء، قضايا القتل أولاً ثم اللوحات المعدنية.

■ وماذا عن المحاكمات السياسية والمعنوية بالرغبة فى إقصاء جميع رموز النظام السابق والذى يصفه البعض بالمنطق «المكارثى» الذى لا يليق بمصر فى حين المعارضون لهذا المنطق يؤكدون أن البلد لن ينصلح حاله إلا بتطهيره من كل من تعامل مع النظام السابق؟

- الإقصاء ينطبق فقط من وجهة نظرى على الرموز الكبيرة التى كان لها يد فى صنع السياسات ولا يجب أن يعمم الأمر، خاصة إذا كان شخصا اضطر إلى مسايرة الوضع العام لإنهاء مصالحه، وإلا سيتم إقصاء نسبة كبيرة جدا من الشعب المصرى.

■ روايتك «حب فى المنفى» تركز على الأيادى الصهيونية والعلاقة بين الأنا العربية والآخر الغربى فهل المؤامرة الصهيونية حاضرة فى الثورات العربية وإعادة تشكيل المنطقة العربية.. وهل ما يحدث يندرج تحت ما يسمى «الفوضى الخلاقة» تعبير كونداليزا رايس الشهير؟

- الحمد لله أن المؤامرة الصهيونية واضحة وحاضرة عندى دائما ولم أتجاوزها وأعيها جيدا، ولكن القول بأن ما يحدث فى العالم العربى الآن مخطط ومدبر تحت مسمى الفوضى الخلاقة فهذا كلام فارغ. الثورات العربية هى نتاج إرادات شعوب يا ابنتى نحن على مدى عشر سنوات نخرج فى مظاهرات ضد النظام مكونة من ١٠٠ فرد أو ٢٠٠ ثم ألف واثنين، معنى ذلك أن البلد كان يتململ دائما حتى جاءت الفرصة، وليس الفضل فى نجاح ثورة يناير هو تدخل أمريكا وإنما الفرصة جاءت بفضل «ذكاء حبيب العدلى» فلولا ذكاؤه ما كان حدث شىء وكانت المظاهرة ستكون مثل مظاهرات كفاية وحسب.

أوباما فى أول يوم للثورة قال النظام فى مصر راسخ، وعندما وجد الأمر خرج عن الحدود انقلب الوضع وبدأ يتحدث عن دعم الثورة المصرية، ومن ناحية أخرى هل قولهم هذا أثر على مجازر ليبيا أو اليمن.

■ وهل تعتقد أن أمريكا وإسرائيل ستتركان المنطقة العربية تتشكل على غير هواهما ورغبتهما؟

- أنت مخطئة لأنك تعطى إسرائيل حجماً أكبر من حجمها.

■ فى إطار إيمانك بالوحدة الوطنية ما تقييمك لرواية «عزازيل» للكاتب يوسف زيدان؟

- لا تعليق.

■ هل يجب أن يتحرر الكاتب من كل القيود وهو يكتب أم يجب أن يضع فى رأسه المسؤولية الاجتماعية؟

- بالطبع يجب أن يضع فى اعتباره المسؤولية الاجتماعية، فمثلا لو خطرت ببالى فكرة سأكتب بها رواية تأخذ جائزة نوبل وشعرت أن هذه الرواية ممكن أن تسىء إلى بلدى أو وحدة بلدى فلن أكتبها.

أجرت الحوار رانيـا بـدوى
المصرى اليوم


Friday, June 10, 2011

مركب الوطن يكابد الأمواج


د.عمرو فؤاد ١٠/ ٦/ ٢٠١١

«سيتضاءل الشر كثيرا فى هذا العالم لو كفّ الناس عن ستره بلباس الخير».. ثمة سؤال منتشر يتداوله عفاريت الفيس بوك يقول: «عارف ليه الثورة مانتصرتش؟!» ثم إجابات متعددة عليك أن تختار إحداها.. الفكرة التى تقوم عليها نوعية هذه الأسئلة غريبة ومقلقة، ولا تعرف من اخترعها ومن أجل ماذا..

أذكر يقينا أن هذا الطراز لم يظهر على ساحة الشبكة الافتراضية إلا فى شهر فبراير، بالتحديد بعد الحادى عشر منه، وكأنها إحدى أسلحة الثورة المضادة شديدة الخبث، أو نسائم الديمقراطية الوليدة التى تقضى بأن يبتّ أى شخص فى أى قضية ولو كانت من العمق والعسر بمكان.. ثم إن الإشكال الأكبر يكمن فى صياغة السؤال ذاته، من قال إن الثورة لم تنتصر حتى ترهق ذهنك فى البحث عن سبب معقول لفشلها..؟! إن هذا الافتراض الذى يلزمك به خطير، لأنه يتسلل إلى العقل اللاواعى فيحدث مفعوله الساحر.

نفس طريقة الفزورة القديمة التى تتحدى ذكاءك وثقافتك الحيوانية: هناك الموز فى أعلى النخلة، وهناك الفأر والسنجاب والقرد، ترى أيهم أسرع فى الوصول للموز.. تفكر وتفكر وتفكر، قبل أن يتنبه عقلك الواعى للحقيقة المروعة بأن النخلة لا تطرح الموز من أساسه..! يا خبر، كيف فاتك أن النخلة تطرح الجميز يا أحمق..؟!

هكذا صارت الأمور فى بلدى تدار، الكثير من (اللت والعجن)فى كل شىء، الشر ولباس الخير فى كل شىء، أنا لا أقصد الشر بالمعنى الحرفى ولكن مشروعية أن تخلّط أو تخبّط خلف ستار القصد الصالح النبيل.. كلنا يعلم أن المهمة صعبة والعبء بحق ثقيل، ولا يختلف معظمنا أن على رأس ساحتنا الآن خلقا من أروع و(أورع) من جادت بهم أقدارنا فى السنين الأخيرة، إنما..!!

تحملونى إذا صرخت، إنما يعنى إيه تُترك ثورتنا العظمى طيلة هذه المدة هملاً وسدى؟ يعنى إيه هذا الصمت المطبق الذى أحاط بحكومة شفيق (الفلولية) قبل قدوم الفارس الأسوانى الجرىء على جواده الأصيل. يعنى إيه غض الطرف عن تأمين المنشآت المفصلية إلى أن يتم على مرأى الكل ومسمعهم حرق ملفاتها الحساسة والحيوية؟! يعنى إيه استفتاء قانونى محض يتم تمريره بنعومة ككونه صراعا محموما بين الملائكة والأبالسة، والجنة والنار؟ والخراب أو الاستقرار؟ «نعم»، هو يعنى إيه استقرار؟!

يعنى إيه تُتناسى (قفشات) السباعى الثقيلة من طراز «لفافة البانجو» و«الارتجاف الأذينى» إلى أن تفضحه تلك الحلقة الحوارية الساخنة التى تشى فى انفراد مبهر بما لا يخفى أصلا على أحد..؟!

يعنى إيه تؤخر محاكمة مبارك وآله إلى أن يتمكن أقلهم حظاً فى (النصاحة) واللياقة العقلية وخفة اليد من ستر أدلة إدانته وتدوير أمواله وتستيف أوراقه، ثم التلويح (عن بُعد) بورقة العفو لتواجه بموجة السخط الجماهيرى الشديد، موجة لم تكن فى صميم «سيكولوجيتها» موجهة ضد فكرة العفو كما يُتصور، بل كان لسان حالها «إذا كنتم تتعاطون بهذه الرخاوة و(الطراوة) مع المسألة الأم التى لا يختلف اثنان على خطورتها ومشروعيتها، فماذا أنتم فاعلون فى ما دونها من خفايا أو خبايا؟!».

قلتُ منذ قليل إن على رأس ساحتنا الآن خلقا من أروع و(أورع) من جادت بهم أقدارنا فى السنين الأخيرة، لكن هذا لن يمنعنى أبدا أن أسألكم عن أشياء إن تبدَ لكم تسؤكم، وقد تسوؤنا كثيرا إن تبدَ لنا.

لن يمنعنى، فمركب الوطن يكابد الأمواج العاتية والرياح النابية والحيتان الضارية و.........

بالمناسبة: (هو إنتو شغلتكو على المركب إيه ؟!!)

المصرى اليوم

Thursday, June 09, 2011

من يدوس النعمة؟


أتت اللحظة بعد أربعين يوما من الحبس الكامل فى الزنزانات المعتمة فى ذروة شتاء عام 72 قاسى البرودة، فباستثناء بضع دقائق كانوا يسمحون لنا فيها كل صباح بالذهاب إلى دورة المياه فرادى وتحت الحراسة، لم نكن نرى الشمس، ولم نكن نعرف بعضنا بعضا نحن المعتقلين الثمانية والأربعين إلا كأصوات، من خلال تبادلنا الأحاديث والنداءات عبر قضبان النوافذ، ومن ثقوب المراقبة فى الأبواب المصفحة الثقيلة. وكانوا قد انتزعونا فى وقت واحد قبل الفجر، من بيوتنا المنتشرة على مساحة البلاد كلها تقريبا، من أسوان إلى الإسكندرية، ومن مدن القنال حتى مرسى مطروح. وها هى اللحظة الموعودة تجىء.

قرروا أن يفتحوا لنا أبواب الزنزانات جميعها، لنقضى معا ساعة فى ردهة العنبر العلوى المفتوحة على السماء فى معتقل القلعة، «طابور شمس» كما تدعوه مصطلحات السجون. ولم نطق الانتظار فى مهاجعنا داخل الزنزانات، ولا حتى القعود على عتبات النوافذ المحفورة فى الجدران السميكة والمصفحة بالقضبان المتقاطعة، فوقفنا جميعا وراء الأبواب غير مصدقين أن إدارة المعتقل قد رضخت لمطالبنا أخيرا بعد إضراب ممتد عن الطعام وإعلان التمرد بالخبط المستمر على الأبواب بصحون «الجراية»، فكنا وراء الأبواب متأهبين وكأننا لانريد إهدار ثانية واحدة إن حانت اللحظة المرتقبة للفتح ونحن بعيدون عن الأبواب ولو بخطوة.

سمعنا صوت المفاتيح تدور فى كوالين الزنزانات الأولى ناحية مدخل العنبر وكان يتبعها صوت الترابيس تُرفَع وصريف الأبواب تنفتح، ثم تعالى الصخب، وتتابعت أصوات دوران المفاتيح ورفع الترابيس وانفتاح الأبواب، ووجدنا أنفسنا وقد انطلقنا فى الردهة المرصوفة بالمولاط الأسمنتى بين صفَّى الزنزانات العتيقة الثقيلة فى هذا المعتقل الكئيب الرهيب.. أخيرا تحت السماء العارية، فى قمة القلعة، وحدث شىء بالغ الغرابة فى هذه اللحظة.

شىء تلقائى وشبه جماعى ولا إرادى تقريبا، وسيظل كل واحد منا نحن الثمانية والأربعين سجينا آنذاك، يتذكره بقية عمره، ويندهش! فمع انفتاح باب كل زنزانة لم يكن هناك من ينتظر ليتلفت على الأقل حوله، أو حتى يرفع رأسه لثانية متأملا زرقة السماء التى لم يرها طيلة أربعين يوما، ولا توقف واحد ليطيل التعرُّف على نزلاء زنزانة ينفتح لهم الباب إلى جواره، شىء غريزى وبدائى حدث بتلقائية وإجماع عجيبين فى هذه اللحظة: لقد تحولنا إلى خيول!
لا أستطيع أن أصف ما حدث لنا إلَّا بأننا تحولنا إلى خيول، خيول كانت حبيسة وانطلقت فطفقت ترمح، كنا طلبة جامعة فى عمر الشباب الباكر قبض علينا زبانية السادات ليلة خطب خطبته الشهيرة التى قال فيها «إن الطريق إلى الديمقراطية هو مزيد من الديمقراطية»! كان عمرى وأعمار معظم زملائى فى الحبسة تدور حول العشرين، وعندما تحرَّرت طاقة ذلك العمر الوهاج بعد أربعين يوما من الحبس الكامل فى الرطوبة والبرد والعتمة، انطلقنا نركض ركض الخيول فى الردهة الضنينة بين صفَّى الزنزانات، حتى أن الحراس وضباط المعتقل روعتهم الظاهرة فانسحبوا مبتعدين يراقبون ما يحدث فى استغراب وتأهب، وخشية!

كان ركضنا يومها مشبوبا عفيا، يوشك أن يكون جنونيا بشكل ما، جنون خيول استعادت حريتها وانطلقت فى البرية، فلم تكف عن الركض حتى هدَّها الإنهاك، وتوقفنا نلهث متوهجى البشرة غارقين فى العرَق، ورحنا أخيرا نتعرف على بعضنا البعض ونحاول مطابقة الأصوات التى نعرفها والأسماء المقترنة بها على صور أصحابها الذين كنا نرى معظمهم لأول مرة.
الذى عاد يدهشنى فى رد الفعل الراكض العجيب ذاك هو: كيف أننا كنا نجرى بكل عافيتنا وحرارة العمر فى تلك الردهة الضنينة دون أن نتصادم، شىء يجعلنى أفترض أن ما حدث هو رد فعل غريزى تماما، تتشارك فيه كل الكائنات، من الخيول إلى البشر، فرحا باستعادة الحرية ولو لدقائق مخطوفة من عمر الزمن، ومن ثم عدنا إلى موروث الحياة البكر فى كل كائن مفطور على الحرية فى برارى الوجود، واستدعت هذه العودة إيقاظ مكنون «الحس الفطرى الفائق» الذى جرَّدت المدنية إنساننا المعاصر منه واستبقته فى الخيول..

حس استشعار أدق دقائق الوسط المحيط بالكائن البرى، ومن ثم المروق بسلاسة خلاله دون ارتطام بأحد أو الاصطدام بشىء، براعة فى سلوك دروب كأنها مفتوحة أمام الكائن البرى وحده، بالرغم من أنها تقع فى شبكة تعج بالحواجز والعوائق والمباغتات، هكذا البعوضة والخفاش والعصفور والحصان البرى وسائر الكائنات الفطرية التى تبهرنا براعتها فى الاندفاع الطليق والانعطاف السلِس. ولعلها البراعة نفسها التى خرجت من كوامننا تلقائيا عندما قدحت زنادها الغريزى لحظة استعادة بعض الحرية فى معتقل القلعة!

الآن أرى ما حدث وما يحدث من اندفاعات شملت قطاعات عديدة من شعبنا بعد انزياح نظام القمع الساقط مطابقا لردة فعلنا تلك حين انفتحت لنا أبواب المعتقل بعد انغلاقها الطويل المرير. فما هذا الانتشار للإضرابات والاعتصامات والتظاهرات والفضائيات والصحف والبيانات، إلا مرادف لركض الخيول المتحررة كما ردَّة فعلنا عندما حولتنا لحظة الحرية إلى خيول رامحة تحت السماء المكشوفة فى ردهة ضنينة. لكن رد الفعل الطبيعى هذا فى انطلاقات كثيرين بعد انزياح نظام العصابة الساقط تسلل إليه عنصر شاذ وجانح يشوه براءة أى ركضٍ حرٍ أصيل جميل، ويهدد الثورة الآن بالخطر..

عندما انطلقنا نركض فى ردهة العنبر العلوى بمعتقل القلعة لم نكن نتصادم ولا نتلاطم ولا حتى نتقاطع، والخيول التى تهرب من آسريها هى كذلك، لكن شيئا مما حدث وما يحدث فى أعقاب ثورة يناير، وضمن ردات فعل البعض على سقوط حاجز الخوف وجدار المنع والقمع بات شيئا ممجوجا، غير مفهوم، وغير مُبرَّر، وغير مقبول استمراره، لأنه دليل سُعار مرضى فى التعبير عن الذات الأنانية قصيرة النظر على حساب الآخرين فى مضامير الحرية، وفيه تهديد للحرية!

ولعل كثيرين ممن قادهم الغرور وقِصر النظر والهوج والطمع إلى ممارسات يثبتون فيها وجودهم بالاعتداء على غيرهم بالقول والفعل والتبخيس يشعرون الآن بأنهم تعجلوا اقتناص الثمرة وقنص الفريسة. وما الأمر بثمرة ولا فريسة. بل مسئولية وطنية جماعية ثقيلة وخطيرة ولا يقوى على حملها فصيل واحد أو تيار أو اتجاه أو حزب أو جماعة! ومن ثم لاينبغى أن ينفرد بها أحد. وبالتالى لا يوجد مبرر لكل هذا العض والرفس والتدافع الذى يمارسه البعض بعدوانية وهوج فى خضم الانطلاق الجديد.

يمكننا أن نتفهم اندفاعات التعبير عن الذات دون اعتداء على الغير، فهذه الاندفاعات المقبولة والمفهومة تكاد تكون رد فعل غريزيا فى مطالع الثورات وانفتاح أبواب الحرية، أما العض والرفس والهبش والخمش والنهش لشركاء الثورة، فهى سلوكيات مثيرة للفتنة ومحرضة على الفرقة لا يصح أبدا أن ننسبها لجماعة ولا لفصيل أو تيار، لأنها نتاج أفراد مجبولين على الغرور والتغرير وعتامة النفوس والسِحن، وهم موجودون فى كل ألوان الطيف السياسى والفكرى فى مصر، لكنهم يكونون شديدى الخطر إذا ما تسربوا إلى مواقع التأثير الواسع، كقيادات أو مسئولين أو معبِّرين عن اتجاهات سياسية أو فكرية فى ظروف لا تسمح لكثيرين من بسطاء الناس أن يتحلوا بتفكير نقدى لم يكتسبوه أصلا عبر عقود السحق والتسطيح الطويلة، فمن الممكن أن يسوقهم الخداع فى عماء الزحام والمُزايدة والتهييج، فيكون التقاطع والتناطح والتناحر والتلاطم، وتصير الحرية معرضة للانكفاء.

لم تعد ضرورة الإتلاف والوفاق بين كل أطياف صانعى الثورة مجرد فضل وتنازل من طرف لطرف، بل هى الآن واجب أخلاقى وروحى لتدارك أخطاء وقعت ويمكن إصلاحها، وما من شىء لايمكن الاتفاق عليه بعيدا عن مصطنعى الفرقة والفتنة، مادامت الغاية هى إنهاض الأمة الجديرة بدستورٍ قويمٍ تعددى وجامع، ورئيس فاضل تحت رقابة عقد اجتماعى محكم وسوى، ومؤسسات حكم رشيد فى دولة مدنية وديمقراطية تتناغم مع العصر وتستلهم نفحات الروح.
والله، وبرغم كل ما حدث ويحدث من سلبيات مُحبِطة بعد انزياح النظام الغُمَّة، أرانا فى نِعمة، نعمة كُبرى، منحة تاريخية، تستحق أن نحافظ عليها، ونصونها، وننميها من أجل مستقبل هو أفضل بكل المقاييس مما كان ينتظرنا لو استمرت عصابة الاستبداد والفساد جاثمة على صدر مصر. ومجرم كل من لا يجاهد ذاته وجماعته وأيديولوجيته، ليُنحِّى طموحاته وتحيزاته الخاصة وأهواء نفسه، ليشارك كل الأمة فى الاجتهاد الواجب لصون هذه النعمة.

بقلم:
محمد المخزنجي - الشروق

ليس هذا ميدان التحرير


بقلم: محمد أمين

قضينا ليلة أمس الأول، مع «ورد الجناين».. عشنا أحداث الثورة من جديد.. نبكى مع سقوط كل شهيد.. وشباب الثورة يهتف تحيا مصر.. يصفق طوال العرض، الذى بدأ بالنشيد القومى.. فمازلنا نعيش أحداث الثورة بكل جوارحنا.. نتأمل الميدان فى خلفية العرض.. نقارن الممثلين بالأسماء الحقيقية للشهداء.. نحن نعرفهم ونحبهم.. نصفق حين يظهرون، ونبكى حين يستشهدون!

حاول محمد الغيطى أن يقدم عملاً فنياً تسجيلياً، يوثق به للثورة، يسجل لحظة التنحى، وموقعة الجحش، ويقدم بطولات الشهداء أحمد بسيونى، وكريم بنونة ومينا سامى ورحمة وماريان.. ولا ينسى بطولات سكان عمارات الميدان.. المسرحية من فصل واحد، تتسارع أحداثها، وتكاد تلهث وراءها.. فكل أبطالها شباب، إلا جمال إسماعيل، ومحمود مسعود، وصوت الفنان الكبير محمود ياسين!

لا تتعجل وتحكم على العمل المسرحى بأى شىء.. فهو عرض مسرحى فى حب مصر.. ربما كانت أهم ميزة فيه، هى روح الثورة، التى يبوح بها، أولاد وبنات زى الورد، وحيوية شباب، يعبرون عن ثورة شباب، تحولت إلى ثورة شعب.. ومن هنا كان الحب الذى يجمع بين فريق العمل كله.. تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً.. فأنت تعيش الثورة، كل يوم على مسرح السلام!

خرجنا من المسرحية قبل منتصف الليل، وتوجهنا إلى ميدان التحرير.. كأننا ذهبنا لنطوف، ونحج من جديد.. كنا نتحدث عن الثورة مرة أخرى.. كلام كثير عن الشهداء والمصابين.. وتكريم أسر الشهداء.. ودور الجيش فى حماية الثورة.. نتحدث عن الميدان، كأشهر ميدان فى العالم.. حين تذكر كلمة الميدان مجردة.. شعور بالفخر سواء كان المتحدث، كاتباً أو إعلامياً أو قاضياً!

وحين أصبحنا فى الميدان.. كانت المفاجأة المؤلمة.. ميدان التحرير لم يعد هو ميدان التحرير.. كانت هناك جماعات متنافرة، وشباب يجرى فى كل اتجاه.. استقر بنا المقام فى المقهى الشهير، فى قلب الميدان.. بدأ العاملون فى المقهى، يجمعون الكراسى بسرعة.. لا نعرف ماذا يجرى.. سألت صاحب المقهى: هوه فيه إيه؟.. سكت وهو يكظم غيظه.. وقال مش عارف آخرتهم إيه؟!

لا ميدان التحرير الأصلى هو الميدان.. ولا ميدان التحرير، الذى تأملناه فى العرض المسرحى هو الميدان.. الآن أنت أمام ميدان للغوغائية.. جماعات تشبه الشبيحة، كما يسميهم النظام فى الشام.. أو هم جماعة من البلطجية، كما يسميهم النظام هنا.. يمسكون بالعصىّ أو بالسنج.. يخلعون ثيابهم، ولا شىء يستر صدورهم.. يفرضون سطوتهم على الميدان.. بلا شرطة!

ليس هذا هو الميدان للأسف.. وأظن أن الصديق محمد مجدى، قد عبر عما يحدث بقوله: أصبحنا 85 مليون تشه جيفارا، و85 مليون عمر المختار، و85 مليون مسرور السياف.. وضحكت من قلبى، عندما قرأت أن 23 ائتلافاً للثورة، قد رفضوا الحوار مع المجلس العسكرى، وأن 70 ائتلافا قد تحفظوا على الحوار، وقلت ما هذا الهراء؟.. ومن هؤلاء؟!

الآن عندنا ائتلاف الثورة.. وائتلاف شباب الثورة.. وائتلاف رجال الثورة.. وائتلاف اللى كانوا واقفين جنب المتحف فى الثورة.. وائتلاف اللى كانوا على كوبرى أكتوبر فى الثورة.. وفجأة تذكرت هذا الرجل، الذى قابلته فى ميدان التحرير.. سألته ماذا تريد وتتمنى؟.. أجاب الرجل بثقة: عايز لا مؤاخذة حكومة «طُكرات».. طيب لامؤاخذة من يحمى الثورة منهم؟.. ومن يحمى شرف ميدان التحرير؟

مصراوى

حسام عيسى: عودة أموال مصر المنهوبة وهم كبير


قال الدكتور حسام عيسى، رئيس لجنة استرداد أموال مصر من الخارج، إن السلطات السويسرية هي أولى الدول التى تعاونت مع اللجنة من خلال قرارها الجريء بتجميد أموال عائلة الرئيس السابق حسني مبارك عقب يوم واحد من مطالبة اللجنة بذلك، واصفا مسألة عودة الأموال المهربة من الخارج بأنه ''وهم كبير''.

وأضاف عيسى – خلال حواره في برنامج ''محطة مصر'' الذى يقدمه معتز مطر على فضائية ''مودرن حرية'' - أن الضغط السياسي هو أشد انواع ممارسة اللجنة لاسترداد الاموال، لافتا الى ان السفراء الأجانب كانوا يعلمون مدى الجرائم التى ارتكبها نظام مبارك.

وأضاف عيسى أن المخابرات المصرية تعلم حقيقة ثروات المسئولين الهاربين خاصة رجل الأعمال الهارب حسين سالم الذى حقق المليارات من خلال الاستيلاء على الأراضي فى شرم الشيخ، مؤكدا أن حسين سالم كان يمتلك شرم الشيخ باكملها، وان ثروته لا يمكن حصرها لضخامتها لكنها لن تقل عن 10 مليارات دولار.

وكشف عيسى أن ميزانية رئاسة الجمهورية بلغت 40 مليار جنيه، ومع ذلك فالجهاز المركزي للمحاسبات لا يملك التفتيش عليها واصفا ما حدث فى مصر يؤكد أننا نعيش فى دولة مملوكية لابناء مبارك وحاشيتهم.

وقال إن هناك أكثر من 12 ألف صندوق مخصصات مملوكة للدولة ومع ذلك لم يتم الكشف عنها أو الإشراف عليها من قبل الأجهزة الرقابية.

وقال الدكتور حسام عيسى، رئيس لجنة استرداد اموال مصر، إنه حدث تهريب رؤس اموال كبيرة فى الفترة التى تولى فيها أحمد شفيق رئاسة الوزراء، مؤكدا ان الحكومة السابقة خدعت الشعب بادعائاتها انها طلبت تجميد اموال اعضاء النظام السابق بالمخالفة للحقيقة قائلا ''خاطبت شفيق اكثر من مرة لتجميد اموال مبارك وحاشيته فى الخارج دون جدوى''.

وأضاف عيسى أن الضغط الشعبي على الدول الأجنبية هو فقط الذى يساعد على الكشف عن الأموال المهربة للخارج، مطالباً الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء بانشاء صندوق لمساعدة أهالي ضحايا الثورة قائلاً ''ان الشعب المصرى سيواجه أزمة كبيرة فى حالة عدم النجاح فى استرداد امواله من الخارج لافتا الى ان تلك الأزمة تحيطها حالة كبيرة من الضبابية.

وقال ايمن سعد، عضو لجنة استرداد أموال مصر، أن ثروات الرئيس مبارك وعائلته ثروات غير مشروعة، مؤكدا أنه جمعها من مصادر غير مشروعة باعتبار أنه لم يعمل فى مجالات الصناعة أو الزراعة أو غيرها.

وأكد سعد أن ''مسئولين أجانب وسفراء الدول الأجنبية أخبرونا أكثر من مرة أن الرئيس مبارك وعائلته لا يملكون ثروات مشروعة مما أثار انتباه اللجنة''.

وقال إن جهاز المحاسبات كان متواطئاً مع نظام مبارك بدليل أنه لم يرفع تقارير الفساد إلا بعد 25 يناير مما يعد اهمالاً جسيما وتسهيل الاستيلاء على المال العام، مؤكداً ان الرئيس السابق مبارك لايزال يحكم حتى الآن ويسيطر على جهاز المحاسبات.

وطالب سعد جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات بتقديم استقالته، قائلا إنه يشفق على الملط لانه يعمل تحت قيادة مبارك.

وأشار سعد ان القانون السويسري ينص على تجميد الأموال المهربة دون الحاجة إلى حكم قضائي أو طلب من الحكومة المصرية وهو ما سارعت سويسرا بتفيذه وكانت اولى الدول التى نفذت القانون وجمدت اموال اعضاء النظام، موضحاً أن سويسرا ليست دولة منتجة لكن سكانها يعيشون على الاموال المهربة من الدول الفقيرة والمودعة فى بنوكها.

وقال سعد ''ثورة يناير أصابت العديد من المسئولين بالكثير من الاضطرابات على اعتبار اننا لم نشعر طيلة الفترة السابقة بالحالة التى نعيشها الآن''، لافتاً إلى أن الجميع فى خدمة مصر وأنه لا يسعى لمنصب أو غيره.

وقال سعد انه يوجه نداءا لعصام شرف باتخاذ اجراءات حاسمة نحو انشاء صناديق للانفاق على المشروعات القومية وانه يجب اتخاذ قرارات ثورية

كتب – سامي مجدي: مصراوى