٤٠عاما تدرج خلالها الدكتور أيمن فودة فى مناصب الطب الشرعى حتى أصبح كبيرا للأطباء الشرعيين فى عام ٢٠٠٥، وبقى فيه لمدة عامين.. امتزج بالمهنة وحفظها عن ظهر قلب، يراها من أسمى المهن وأخطرها، فهى التى تساعد شخصا على النجاة من حبل المشنقة، وهى ذاتها التى من الممكن أن تلف نفس الحبل حول رقبة آخر، لذلك لا يتردد الرجل فى أن يقول إن مصلحة الطب الشرعى بحاجة إلى تغيير جذرى.. وهو يطالب بتوفير الحصانة الكافية للأطباء الشرعيين لكى ينالوا الاستقلال الكامل حفاظا على مكانة وهيبة تلك المهنة..
وفى حواره مع «المصرى اليوم» تحدث «فودة»- الذى يشغل الآنمنصب نائب رئيس المنظمة الإسلامية لطب العدل فى الدول الإسلامية- عن نقص الإمكانيات والتخصصات فى المصلحة وعدم استقلاليتها الكاملة وتأثير ذلك على دقة تقاريرها، وإلى نص الحوار:
■ نبدأ الحوار بسؤال عن قضية الساعة وهى مقتل الشاب خالد سعيد؟
- بالطبع تابعتها جيدا، وأرى أن قرار إعادة استخراج الجثة كان سليما للغاية.
■ ولماذا؟
- أولا كلجنة طبية شرعية يجب أن تتأكد من أن الكلام الذى كتبه الطبيب الشرعى الذى كتب التقرير الأول صحيح، وأنه لم يتم التأثير عليه، ثانيا هناك عدم معقولية أن يقوم الشاب بوضع لفافة البانجو كاملة فى حلقه، لذلك يجب التأكد مما إذا كان هو حاول وضعها أم وضعت له بعد الوفاة، لذلك كان هناك أهمية قصوى لاستخراج الجثة، كذلك يجب الربط بين طبيعة الإصابات الموجودة بجسمه وشهادات الشهود الذين قالوا إنه تعرض للضرب، وإيجاد علاقة بين الإصابات والوفاة، لذلك كان على الطبيب الأول أن يرسل عينات من الجثة إلى المعامل للتعرف على ما إذا كان يتعاطى مخدرات أم لا، وللتعرف على الإصابات ما إذا كانت حيوية أم لا، خاصة أنه لا يوجد منطق يجعله يضع لفافة داخل فمه.
■ ولكن التقرير الثانى لم يضف جديدا؟
- أنا أرى أن هناك قصوراً فى التقرير الجديد وأنه بحاجة إلى إعادة نظر.
■ ولماذا؟
- لأنه لم يتم دراسة ميكانيكية حدوث الإصابات والعلاقة بينها وبين الوفاة وذلك لعدم وزن المخ وفحصه ميكروسكوبيا لتحديد ما إذا كان هناك مظاهر ارتجاج دماغى من عدمه، خاصة أن المخ يتحرك داخل حيز محدود، ووزنه معروف طبقا لمقاييس عالمية، فالمخ عبارة عن مادة هلامية لو حدث إنه تحرك للأمام أو الخلف بسرعة، فإنه ينزلق للأمام أو الخلف، وإذا كانت الحركة عنيفة يحدث ارتجاج دماغى يتبعه حدوث ورم فى المخ، لذلك كان يجب أن تقوم اللجنة بوزن المخ، وإذا وجدت أنه زائد عن الوزن الطبيعى، تبقى دى علامة على حدوث ورم فى المخ، هذا بالإضافة إلى أن تعليمات مصلحة الطب الشرعى تقول إن المكتب الفنى لكبير الأطباء الشرعيين المكون من مساعدى ونواب كبير الأطباء لم يشارك فى وضع التقرير وإنما تم الاستعانة بأطباء المستويين الأول والثانى الوظيفى من الطب الشرعي، وأرى أن عدم وجود أعضاء من المكتب الفنى فى هذه القضية وضع مصلحة الطب الشرعى فى حرج لم تكن فى حاجة إليه.
■ ما الصلاحيات المتاحة لكبير الأطباء الشرعيين؟
- فى الحقيقة كبير الأطباء الشرعيين «محجم».
■ ماذا تقصد بذلك؟
- عندما أسس محمد على مصلحة الطب الشرعى أراد أن يكون لها صفة الاستقلالية، وأن يرأسها أطباء شرعيون، وأن تكون خاضعة لقانون تنظيم الخبرة للقضاء وهناك مجلس استشارى أعلى يحكم عمل الطب الشرعى، برئاسة وزير العدل وعضوية الوكيل الدائم لوزارة العدل، ورئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام وكبير الأطباء الشرعيين، وأستاذ ورئيس قسم الطب الشرعى بجامعة القاهرة (فؤاد سابقا)، لكن ما حدث أن هذا المجلس مجمد فى قراراته بالنسبة للتعيين والإحالة وغيرهما، ومساعد وزير العدل للطب الشرعى هو المهيمن الفعلى لمصلحة الطب الشرعى، وأصبح فوق كبير الأطباء الشرعيين، لدرجة أن كبير الأطباء الشرعيين لا يأخد قراراً إلا لما يرجع له.
■ أى نوع من القرارات تقصد؟
- أى قرار، حتى لو أراد أن يحرك أحدهم يميناً أو يساراً من منصبه، فأصبح كبير الأطباء الشرعيين «محجماً»، وترقياته واختياراته خاضعة لوزير العدل، عشان كده إنتى لما تجيبى واحد وتديله فوق دماغه يبقى فين الاستقلالية، وهيعترض عليكى إزاى، لذلك لابد أن يعود لمصلحة الطب الشرعى استقلاليتها، ولكبير الأطباء الشرعيين كينونته فى إدارة هذه المصلحة، فما يحدث مغاير لما أسسه محمد على الذى كانوا يطلقون عليه ديكتاتورا .
■ هل معنى هذا أنه من الممكن أن يتم التلاعب فى تقارير بعض القضايا؟
- لا يحدث هذا لأن الأطباء الشرعيين عندهم ضمير.
■ المشاكل التى تواجه المصلحة تجعلنا نسألك عن مدى دقة التقارير التى تصدر عنها؟
- أستطيع أن أقول لك إن نقص بعض التخصصات وقلة عدد الأطباء الشرعيين مقارنة بعدد القضايا، إضافة إلى عدم الاهتمام بتبادل خبرات مع الدول المتقدمة وتدريب الأطباء الشرعيين، يجعل نسبة الأمان والدقة ٩٠ % فقط.
■ تلك الحالة تجعل البعض يتساءل هل من الممكن الضغط على الأطباء الشرعيين حتى تخرج التقارير بشكل معين؟
- المسألة مسألة ضمير، إضافة إلى أن الطبيب الشرعى وظيفته التحقيق بموجب الأدلة العلمية المتاحة، وكلما ما تم إعطاؤه معلومات، أمكن أن يخرج التقرير بشكل أدق.
■ كون الطبيب الشرعى قاضيا فنيا يجعلنا نسألك عن الحصانة التى تحميه أثناء وبعد إعداده للتقارير؟
- الأطباء الشرعيون لديهم حصانة جزئية، فلا يمكن التحقيق معهم إلا بناء على قرار من النائب العام شخصيا، إضافة إلى الجهات التأديبية للأطباء الشرعيين وهى مجلس التأديب المكون من النائب العام ورئيس محكمة الاستئناف أو من ينوبهما وكبير الأطباء الشرعيين ونائبه ورئيس منطقة القاهرة الطبية الشرعية، وهو الذى يحاسبهم، والمفترض أن يكون لصفتهم جزء من مرحلة التحقيق، وأن يكون وضعهم مثل النيابة العامة، لذلك يجب أن يكونوا محصنين.
■ هل من الممكن أن يؤثر عليهم عدم وجود تلك الحصانة؟
- هذا الأمر يثير القلق عند بعض الأطباء الشرعيين، فعدم وجود الحصانة لا يدفعهم لتزوير التقارير ولكن على الأقل «بيخوفهم»، لذلك يجب أن يكونوا مستقلين تماما، فهم قضاة فنيون.
■ وما الحل من وجهة نظرك؟
- أن تكون المصلحة مستقلة مثلها مثل أى جهة قضائية، فهل شيخ الأزهر بيطلع فتاوى وقرارات ثم يعود لرئيس الوزراء، لعرضها عليه.. المفترض أن يكون هذا هو حال كبير الأطباء الشرعيين، فقانون ٩٦ لسنة ١٩٥٢ الذى ينظم عملنا هو قانون ملكى، فكيف يتم تطبيق قانون ملكى فى جمهورية، لذا يجب تعديله بحيث يضع استقلالية لهذه المصلحة، وتصبح لها ميزانية مستقلة، وأن يكون لكبير الأطباء الشرعيين والمجلس الاستشارى الأعلى للطب الشرعى الرئاسة الفعلية لها.
■ وما الصعوبات التى تواجه مصلحة الطب الشرعى؟
- أولا نقص التخصصات.
■ بمعنى؟
- التخصصات الموجودة حاليا عامة، أولا لا يوجد بها تخصص لطب الأسنان، والطبيب البشرى لا يدرس أسنان، لذلك فهو لا يملك أن يبت فى أى قضية لها علاقة بالأسنان، هذا على الرغم من أهمية هذا الفرع، فيمكن عن طريقه التعرف على الأشخاص وتحديد عمرهم الزمنى، وبالتالى نضطر للاستعانة باستشارى، وهذا الاستشارى ليس معينا فى المصلحة،، ثانيا نحن بحاجة إلى تخصص الطب الشرعى الإشعاعى، والأمراض النفسية، وكل هذه التخصصات بحاجة إلى درجة عالية من التخصص، وأخيرا تخصص مهم للغاية وهو ميكانيكا الفيزياء، فالطبيب الشرعى لم يدرس الأسلحة فى كلية الطب، ولم يدرس سرعة الرصاصة، هو مايعرفش ده لكن مكلف بفحص هذه الأسلحة.
■ إذا هل يتم الاستعانة بخبراء ومهندسين لفحص تلك الأسلحة؟
- لا، بيفحصوا بالخبرة كده.
■ ما المقصود بالخبرة؟
- يعنى خبرة نقلا عن فلان وفلان، إضافة إلى أن الطبيب درسه فى فرع علم الطب الشرعى، لكن لم يدرسه رياضيا وفيزيائيا، لذلك يجب أن نلجأ لتلك التخصصات غير الموجودة لدينا.
■ ولماذا لم تسع المصلحة لتوفير تلك التخصصات؟
- طلبنا تلك التخصصات بالفعل من وزارة العدل، ولكنها لم تفعل لأن الأمر سيكلفهم ما يقرب من ٣٠ مليون جنيه، ولكنى أرى أن هذا المبلغ ليس بكثير على «العدل» من أجل تحقيق العدالة للناس.
■ وكم عدد الأطباء الشرعيين؟
- فى عام ١٩٨٠ كانوا حوالى ٣٢ طبيباً، وصلوا إلى ٧٦ ثم قل عددهم وزاد مرة أخرى، لأن مرتباتهم كانت قليلة جدا، والآن وصل عددهم إلى ما يقرب من ٧١ طبيباً شرعياً على مستوى الجمهورية، وللعلم فإن قوة المصلحة ٩٦ طبيباً شرعياً عمرهم ما بيوصلوا لهذا العدد، إحنا بنخرجهم عشان يشتغلوا فى الدول العربية، وهناك يأخذ فى الشهر ما يقرب من ٢٥ إلى ٤٠ ألف جنيه شهريا،
فعلى سبيل المثال كل الأطباء الشرعيين فى السعودية مصريون، وفى الكويت ٢٢ طبيباً شرعياً، والبحرين بها ٦، وليبيا بها ١٨ مصرياً، واليمن ٣ أطباء شرعيين، وسلطنة عمان بها ٩، والسبب فى ذلك ضعف المرتبات بالنسبة لما يتقاضونه فى الخارج، وهناك لما بيعمل قضية فى الشهر يبقى اسمه تعب.
■ وكم عدد القضايا التى تعرض على الأطباء الشرعيين فى العام؟
- تتراوح ما بين ٣٠ و٣٢ ألف قضية فى العام.
■ ألا ترى أن هذا الكم من القضايا يشكل ضغطاً كبيراً على هذا العدد المحدود من الأطباء الشرعيين؟
- بالطبع، فهذا عدد ضخم جدا، حيث يصل متوسط القضايا المسؤول عنها كل طبيب إلى ٦٥ قضية فى الشهر الواحد، لذلك أرى أن مصلحة الطب الشرعى بحاجة إلى تطوير جذرى، فالنظام الذى تعمل به المصلحة الآن هو نفسه الذى كانوا يعملون به عندما كان هناك ٤ أطباء شرعيين فقط وعدد السكان لا يتعدى ٩ ملايين، ويكفى أن تعلمى أن هذا المبنى الفخم الذى يتبع مصلحة الطب الشرعى، به دور واحد فقط للطب الشرعى، فى حين أنه يجب أن يكون لها مبنى مستقل للمعامل، وما يقرب من ٧٤ طبيبة معملية متواجدون فى ٥٠٠ متر فقط.
■ ولكنك كنت كبيرا للأطباء الشرعيين فلماذا لم تسع لتغيير هذا الوضع؟
- تقدمت بكثير من المذكرات لتغيير هذه الأوضاع، وطلبت أن تكون مبانى الطب الشرعى مبنية داخل المستشفيات للاستغلال الأمثل لمبانى المستشفيات، أو مبانى طب شرعى مستقلة، ولكن ما يحدث أن كل المبانى باستثناء القاهرة والإسكندرية عبارة عن شقق فى بيوت إيجارها بـ٨ جنيه.
■ ولكن هذا يعنى أن تلك المكاتب غير مجهزة بإمكانيات؟
- بالطبع غير مجهزة، وهذه الأماكن لا تصلح، وعلى الرغم من ذلك فتلك الشقق بيفحصوا فيها الناس، وإذا احتاجوا إجراء تحاليل فإن عليهم القدوم إلى القاهرة لإجرائها، يعنى ممكن واحد ييجى من أسيوط بالعينات عشان يحلل فى القاهرة، وأكيد العينات «بتبوظ»، لذلك يجب أن يكون لكل محافظة منطقة طبية شرعية مجهزة بأجهزة معملية تخدم سكانها، وقد طالبت بإنشاء ٨ مناطق طبية شرعية، كل منطقة لها مساعد لكبير الأطباء الشرعيين، وقد صدر قرار من وزير العدل بالموافقة على نظام المناطق سنة ٢٠٠٦، ولكنه لا يطبق فعليا إلى الآن.
■ وماذا عن الأجهزة المتاحة للمصلحة؟
- بنسبة ٨٠% جيدة، لكن نحن بحاجة إلى تطوير سنوى لتلك الأجهزة، هما بيصرفوا كتير على المصلحة، لكن نحن بحاجة إلى إمكانيات عالية جدا، مثل أجهزة خاصة بمناظير الفحص فى قضايا الاغتصاب، وأجهزة خاصة بمرضى الشذوذ الجنسى، وأجهزة خاصة برسم المخ، لذلك نضطر لإرسال هذه القضايا إلى المستشفيات، ويتم الطعن على تقاريرها دائما، هذا إضافة إلى أنه يجب الاستعانة بالمصلحة فى منع حدوث المزيد من الجرائم.
حوار دارين فرغلى -Almasry Alyoum