القضية التى شغلت مصر فى الأيام الأخيرة ، ولا زالت تشغلها كلها ، بإعلامها وبقواها السياسية وأحزابها وحركاتها الاجتماعية ، ومراكزها الحقوقية ، وهيئاتها القانونية ، وأولا وأخيرا : بجماهيرها الغفيرة ، هى قضية الأحكام الهزيلة التى صدرت مؤخرا ، بعد نحو عامين ونصف من الانتظار، وبُرئت بموجبها ساحة " ممدوح اسماعيل " أمين الحزب الوطنى ( حزب السلطة ) ، بمصر الجديدة ، والعضو المعين بأمر الرئيس " مبارك " فى " مجلس الشورى " ، ومالك " عبــّارة الموت " ، ( السلام ـ 98 ) ، التى غرقت فى شهر فبراير ( شباط ) 2006 ، وعلى متنها نحو 1400 من العاملين المصريين البسطاء ، ونجم عن هذه المأساة موت 1033 ضحية ، راحوا طعاما سائغا لأسماك البحر الأحمر المفترسة ، فضلا عن 377 جريحا بعضهم فى حالات خطرة ! .
وقد هزّت هذه الكارثة الشعب المصرى هزا عميقا ، ليس فقط لضخامة عدد الضحايا ، والحالات الإنسانية المريعة التى مسّت وجدان المصريين ، وإنما أيضا للملابسات والظروف التى واكبت الواقعة وأعقبتها ، ولعمق ما تشير إليه هذه الكارثة من دلالات ، ، وكذلك لإدراك المصريين أن هذه المأساة ، وإن كانت الأضخم والأبشع ، إلاّ أنها لم تكن الأولى من نوعها ، وللأسف الشديد ، فى ظل الأوضاع المصرية المتدهورة ، لن تكون الأخيرة
! مسلسل لا ينتهى ! :
لم تكن جريمة " عبـّـارة الموت " هى الأولى فى التاريخ المصرى الراهن ، وبالذات فى خلال بضع السنوات والشهور الفائتة ، فقد كانت مصر ، دونا عن بقاع الأرض قاطبة ، مسرحا لمسلسل متواتر من الكوارث الرهيبة ، التى راح ضحية لها الآلاف من المصريين ، ومن الفقراء بشكل أساسى ، قضوا جميعا ضحية الإهمال ، وانعدام الشعور بالمسئولية ، وتردى أداء وكفاءة أجهزة الدولة التليدة ، وانحطاط مستوى الخدمات المقدمة لأبناء الشعب ، وتفشى مظاهر الشيخوخة والفساد فى بنية النظام بمستوياته المتعددة .
• فعلى سبيل المثال ، حازت مصر قصب السبق ، على مستوى العالم كله ، فى عدد ضحايا حوادث الطرق المجانية ، ولا يكاد يوم يمر دون أن تجلل هامات الصحف والنشرات الإذاعية والتلفزيونية ، الأخبار الدامية للحوادث البشعة التى تنتهى بقتل وإصابة المئات من المواطنين ، دون أن تحرك السلطة ساكنا فى مواجهة مسلسل الموت المجانى المتكرر ، اللهم إلا مضاعفة رسوم " الجباية " وغرامات السائقين على الطرق المتهالكة ، ورفع أسعار الوقود ، ورسوم تجديد رخص السيارات ... إلخ !
. • مأساة العبــّارة " سالم إكسبريس " : عام 1991 ، والتى غرقت وعلى متنها أكثر من ألف مصرى من المكافحين الفقراء الذين تغربوا بحثا عن لقمة خبز عجفاء ضنّ بها ناهبو خير الوطن ، فماتوا دونها ، ولم يتسن لهم حتى دفن أجداثهم فى تراب وطنهم !.
• محرقة قطار الصعيد : فى عام 2002 ، والتى نجمت عن احتراق القطار رقم 822 ، المتجه من القاهرة إلى أسوان ، وعلى متنه أكثر من ألف من الفقراء المصريين ، من أهل الجنوب ، تفحمت جثثهم بشكل مأساوى . ومع هذا تم تبرئة مسئولى مرفق السكك الحديدية من وزر الكارثة ، وحمّـلت المسئولية لـ "كبش فداء " من بعض صغار العاملين بالهيئة !
. • محرقة " قصر ثقافة الفيوم " : فى شهر سبتمبر ( أيلول ) 2005 ، وراح ضحية لها 52 شخصا ، من المسرحيين والفنانين ، جلهم من الشباب ، تفحمت أجسادهم ، وأصيب 25 آخرين ، ، قضوا ضحية الإهمال ، والرعونة ، وغياب كافة احتياطات الأمان ، وتراخى الشعور بالواجب والمسئولية . وأيضا تم تبرئة قيادات وزارة الثقافة المسئولين عن هذه الكارثة ، وعلى رأسهم رئيس " هيئة قصور الثقافة " السابق ، الدكتور" مصطفى علوى " ، عضو " لجنة السياسات " ، التى يترأسها " جمال مبارك " بالحزب الوطنى ، بعد أن كانت محكمة أول درجة قد أصدرت حكما بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات ، وغرامة 10000 جنيه على ثمانية متهمين ، حمـّـلتهم مسئولية الإهمال الجسيم والإخلال بواجبات وظيفتهم مما أفضى لموت الضحايا ! .
• كما كانت مصر ، طوال الأعوام الأخيرة ، ميدانا لتفشى بعض الأوبئة ( كإنفلونزا الطيور)،وتوابع تلوث المياه والهواء من أمراض خبيثة،على رأسها " السرطان " ، الذى انتشر انتشارا ملحوظا فى الأعوام الأخيرة ، وبالذات لدى الأطفال ، وكذلك أمراض تلوث الدم ، والفيروس ( c ) ، والتهابات الكبد وغيرها
. • قضية الدم الملوث وشركة " هايدلينا " : كانت هذه القضية واحدة من أهم القضايا التى استحوزت على الاهتمام الشعبى ، وشغلت حيزا واسعا من الحوار العام ، نظرا لخطورتها ، ولعلاقات المتهمين فيها بالسلطة ووضعيتهم فى قمة النخبة الحاكمة ، وحيث تدخلت عناصر السطوة السياسية والمال والبلطجة لإبراء ذمة " الدكتور هانى سرور " ، صاحب شركة " هايدلينا " لإنتاج المستلزمات الطبية ، وعضو " الحزب الوطنى " ، وعضو " مجلس الشعب " ، من جريمة إنتاج وتوزيع أكياس دم ملوثة ، أدت إلى إصابة الآلاف من الضحايا بفيروس (c) ، والتهاب الكبد الوبائى ، وغيرها من أمراض الدم الخطيرة ، وأحاطت بهذه القضية عناصر عديدة للشبهة والشكوك فى حكم البراءة ، خاصة بعد مقتل المستشار " محمد عزت العشماوى " ، القاضى الذى أمر بحبس المتهم وعدد من كبار المسئولين بالشركة ، فى ظروف مريبة ، لتحل القضية أمام قاض آخر ، سرعان ما أصدر الحكم ببراءة جميع المتهمين ، فى حكم أحدث دويا هائلا فى أركان البلاد ، لتأكد الجميع من المسئولية الجنائية للمتهم ! . والمشترك فى هذه القضايا جميعها ، وأيضا فى قضية "عبـّارة الموت ، السلام 98 " ، أن ( أبطالها ) أو بالأحرى " مجرميها " ، الذين تم تبرئتهم كلهم ، هم من كوادرالنظام والحزب الحاكم ! ، وبرز دور السلطة فى حمايتهم من العقاب ، بالتدخل المباشر واضحا ، بل فاضحا، كما فى حالة " ممدوح اسماعيل " ( الصديق الصدوق لزكريا عزمى ، رئيس ديوان رئيس الجمهورية ! ) وأسرته ، حيث مثــّـلت " الحصانة النيابية " سياجا حاميا ، لم يرفع إلا بعد ضمان هروب المتهمين ، بثرواتهم وممتلكاتهم ، إلى لندن ، حيث لا توجد بين مصر وانجلترا اتفاقية لتبادل المجرمين ، و حيث يعيش وأسرته بعيدا عن المساءلة والعقاب ، كما رفع النظام ، الحظر عن شركات المتهم وعن حق التصرف فى أموالها ، حتى قبل أن يقضى القضاء ببراءة " ممدوح اسماعيل " ، المطعون فيها !. رعاية رسمية :
و" ممدوح اسماعيل " ، مالك " عبــّارة الموت " ، مثال نموذجى لطفح الطبقة الصاعدة من " الأغنياء الجدد " فى مصر ، والتى تشكلت كمنتج طبيعى لسياسات النظام فى العقود الأخيرة : سياسات " الخصخصة " ، و" إعادة الهيكلة " ، و " تحرير الملكية " ، ... إلخ ، والتى تمخضت عن وضع ثروة الأمة فى أيدى شراذم من " المحاسيب " ، أتموا ، بنشاط يحسدون عليه ، نهب المال العام ، و" تجريف " المجتمع من ثرواته المادية بالاستيلاء المباشر ، وثرواته البشرية ، بإغلاق أبواب الرجاء ، وسد فرص العمل ، أمام الملايين من الشباب ، ودفعهم دفعا لمغادرة البلاد ، بأى شكل ، حتى ولوكان بمخاطرة يائسة ، لعبور البحار الهائجة فى قوارب متهالكة ، فى رحلة عبثية ، تنتهى ـ دوما ـ بالغرق : غرقهم وغرق حلمهم ، قبل أن يصلوا إلى الشواطئ الموعودة !!
. وهذه الطبقة ، بسطوتها التى نجمت عن تزاوج المال والسلطة ، هى التى تسيطر على عملية صناعة القرار الاقتصادى والسياسى ، فى مصر الآن ، ورمزها اللامع ، المهندس " أحمد عز " ، " أمين التنظيم " بالـ " حزب الوطنى " ، ورئيس " اللجنة الاقتصادية " بـ " مجلس الشعب " . وقد صعد " أحمد عز " ، بسرعة الصاروخ إلى قمة السلطة ، عن طريق علاقته الحميمة بـ " جمال مبارك " ، نجل الرئيس ، و" الوريث " الأوحد المنتظر ، و" أمين لجنة السياسات " بحزب السلطة ، " الوطنى الديموقراطى " ، وقد أتاح له قربه من الحكم ، وارتباطه الحميم بمراكز صنع القرار فى قمة النظام ، احتكار أهم الصناعات الاستراتيجية ، صناعة الحديد ، خلال بضع سنوات لاغير! ، ومكنته هذه القرابة ، خلال عام واحد فقط ، من مضاعفة سعر الطن من ثلاثة آلاف جنيه ، إلى ما يزيد عن تسعة آلاف جنيه ، للطن الواحد ، ( أى بنسبة زيادة نحو 300% !! ) ، فى ظل تغاضى السلطة عنه ، بل وإسباغ حمايتها عليه ، وتجميدها لمساعى إقرار " قانون مكافحة الاحتكار " ‘ فى أضابير " مجلس الشعب " ، الأمر الذى سبب انهيار سوق العقارات والبناء فى مصر ، وتفشى المضاربة على أسعار الوحدات السكنية ، حتى البسيط منها ، مما أكمل عمليات سد أبواب المستقبل أمام الملايين من الشباب ، منهيا الأحلام المشروعة لهم فى بناء أسرة وبيت ومستقبل وحياة !
. إدانة برلمانية
: وعودة إلى قضية " عبــّارة الموت " : فمن اللافت أن تقرير " لجنة تقصى الحقائق " التى شكلها البرلمان المصرى ، قد أدان بشكل واضح إهمال الشركة وتواطؤ الجهات الرسمية مع أصحابها ، فعلى سبيل المثال : تم ، بمخالفة القانون ، تعيين " ممدوح اسماعيل " عضوا بمجلس إدارة موانئ البحر الأحمر الحكومى ، الأمر الذى هيأ له المجال لحصد الامتيازات الحصرية للشركة ، ومكـنـّه من التغطية على الوضع المزرى ، والمخالف ، وغير اللائق إنسانيا ، المليئ بالعيوب ، لعـبّاراته ، والذى قاد فى النهاية لغرقها وغرق الركاب الأبرياء على متنها ! . غير أن اخطر ما كشفت عنه هذه القضية تمثل فى نقطتين بارزتين دالتين:
الأولى :
تواطؤالمسئولين الفاسدين لـ" الهيئة المصرية للسلامة البحرية " ، [ بفعل النفوذ السياسى لمالك العبّارة ، وشيوع الفساد فى أركانها ، والـ " رش " المالى على قياداتها ] ، فى تقديم التغطية التقنية والتدليس الفنى ، بالمخالفة للحالة الحقيقية لوضع العبّارات المتهالكة ، مما مكـنـّه من تسييرها تجاوزا للقانون ! ، وحمايته من الإدانة ، عند محاكمته ، بعد وقوع الجريمة ! . فشركة " ممدوح اسماعيل " ، امتلكت خمس عبـّارات ، جميعها تم شراؤها من شركة Terenia الإيطالية كـ " خردة " غير صالحة للعمل ، ويجب تكهينها ، هى : " العبّارة : السلام 90 ـ كاردوتشى " ، و" العبّارة : السلام 92 ـ بيتراركا " ، و" العبّارة : السلام 94 ـ مانزونى " ، و " العبّارة : السلام 96 ـ باسكولى " ، و " العبّارة : السلام 98 ـ بوكاشيو " ، وقد تم إعادة تأهيلها بشكل بدائى ، غير مطابق للمواصفات الدولية ، لتحويلها من سفن نقل للبضائع والسيارات والحاويات ، إلى سفن لنقل البشر ، أشبه بمدافن متحركة تمخر عباب بحار الموت ، فى غيبة من الضمير والرقابة ، وباستغلال لظروف الفئات الدنيا من المجتمع ، التى تقبل بركوبها لأنها لاتملك تكاليف الانتقال فى وسائل أكثر آدمية ! .
والثانية :
العبث فى التكييف القانونى للتهمة الموجهة للمتهم ، والتى نجم عنها مقتل وإصابة نحو 1400 مواطن ، بلا جريرة أو ذنب ، باعتبارها مجرد " جُنحة " بسيطة ، مثلها مثل توصيف واقعة مشاجرة فى الطريق العام ، أو مخالفة عادية لقانون المرور ، أو ماشاكل ! . وهذا التوصيف الهزلى سوغ للسلطات ، فى النهاية ، اختصار مسؤلية مالك الشركة عند حدود " علم ولم يبلغ !! " أى علم بغرق البحارة ولم يسارع بالتبليغ عن الواقعة ! ، ( كان ، فى الواقع ، هو وأركان إدارته ، مشغولون بضمانات الحصول على القيمة المجزية للتأمين على العبّارة الغارقة من شركات التأمين العالمية ! ) ، وبما يعنى مساعدته على غسل يديه من دماء الضحايا البريئة ، وصك الأسماع عن صرخات ذوى الضحايا ، من الفلاحين والصعايدة البسطاء ، الذين شقت صرخاتهم كبد السماء ، التياعا على الأحباء المغدورين بلا عقاب ! ، وتأكيد القاعدة الحديثة السائدة : " قل لى ابن من أنت ، فى مصر ، أقل لك كيف ستحصل على حقوقك ومتى ! " . و ...
إدانة رسمية :
والمذهل أن هذه النتيجة تأتى على العكس ، تماما ، من مرافعة وكيل النيابة الشاب ، " أحمد محمد محمود " ، التى أدان فيها بأكثر العبارات وضوحا المتهم ، " ممدوح اسماعيل " ، الذى : " عــدّ نفسه من صفوة المجتمع ، فامتلك شركة للنقل البحرى ، واشترى واستأجر سفنا ، واحتكر خطا ملاحيا بين موانينا وموانئ بلاد شقيقة ، وتوسعت أعماله ، وزاد عدد سفنه ، وأفسد الجشع ثمار عرق البسطاء ، وبدد الفساد والإهمال بريق النجاح وفرحة العودة للأهل والديار . غرقت السفينة لأخطاء ارتكبها طاقم اختاره هو ، وإدارته لقيادتها ، وعلم بغرقها فى حينه ، فتراخى وتقاعس عن انقاذ الضحايا ، وعن مد يد العون لهم ، وتركهم يصارعون الجوع والعطش والبرد والأمواج العاتية ساعات طوال ، مات منهم من مات ، وجرح منهم من جرح ، ولم يكلف نفسه عناء إخطار جهات البحث والإنقاذ الفورى ، ولم يصدر الأوامر الفورية لوحداته البحرية السريعة والجاهزة ، للإبحار والتحرك فورا لإنقاذ الضحايا من رجال ونساء وشيوخ وأطفال ، فى ظلام دامس وبحر هائج وطقس سيئ !! . إن إسناد الواقعة للمتهمين قاطع فى الأوراق على نحو ماورد بأمر الإحالة ، قيدا ووصفا ، وجاءت أوراق الدعوى غنية بالأدلة المقنعة على ثبوت تلك الجريمة فى حق المتهمين ثبوتا كافيا لا ريب فيه ! " .
لكن هذه المرافعة البليغة ، الطويلة ، وبما تضمنته من عشرات القرائن التى تدين مالك الشركة لاستهتاره بأرواح البشر من الركاب ، ورعونته فى مواجهة الكارثة ، ألقى بها على قارعة الطريق ، وفاز " ممدوح اسماعيل " ، خدن السلطة وربيب النظام ، بالبراءة ، بعد أن أنفق نحو خمسين مليونا من الجنيهات على " الموعودين " ! .
إن هذه البراءة ، كما يقول المستشار" أحمد مكى " ، نائب رئيس محكمة النقض ، لم تبدأ فى محكمة "جنح سفاجا " ، وإنما " بدأت فى النيابة العامة ، وتحديدا من قرارى الاتهام والإحالة إلى المحكمة الصادرين منها ، ولأنها احالت المتهمين بتهمة محددة تتلخص فى أنهم علموا بغرق العّبارة ولم يخطروا أجهزة الإنقاذ ، مسقطة بذلك كل التهم الأخرى ، سواء ما اتصل بسلامة السفينة ، أوسلامة إجراءات تسييرها ، وحمولتها الزائدة ، كما استبعدت النيابة العامة أيضا أخطاء الأجهزة المختصة بالتفتيش على سلامة السفينة وتسييرها ، وجميع الشهادات المحلية والعالمية "
. " تستيف الأوراق ! "
: وقد جاء تعليق "حمدى الطحان " نائب " الوطنى " ، ورئيس " لجنة النقل " بمجلس الشعب ، ورئيس " لجنة تقصى الحقائق " التى شكلها البرلمان المصرى للتحقيق فى المأساة ، كاشفا ودامغا ، فهو رغم انتمائه للنظام ، لم يتحرج من توجيه إصبع الاتهام للمجرم الحقيقى : " الذى حدث أن مافيا الفساد ، سواء بالمال أو بالعلاقات أو بأى وسيلة اخرى ، نجحت فى "تستيف " ، ( تظبيط ! ) الأوراق ، أمام القاضى بما لا يجعله يحكم إلا بما حكم به ، والذى أصابنى بالصدمة هو عدم الأخذ بما جاء فى التقرير ـ الوثيقة ، الذى أعدته لجنة تقصى الحقائق ، لأن كل ورقة فيه بوثيقة ، أو مستند ، أو سند علمى ، ولا مجال للتشكيك فيه.
إن المشكلة هى منظومة الفساد ، فمصر الآن مثل عبّارة " ممدوح اسماعيل " ، فى فسادها وضعفها وترهلها ... فالدولة فى مصر تتفكك ، وسلطتها غائبة ، وهذا ما يجعل الناس الآن تلجأ إلى أخذ حقها بـ " الدراع " ، وعدم انتظار دور الدولة لغيابه ، وغياب القانون ، وهذا مؤشر خطير ينبغى تداركه ، قبل أن تحدث الكارثة وتنهار الدولة !
" . محاكمة نظام :
" لقد اكتشفنا ، كهيئة دفاع ـ كما يقول " ياسر فتحى " ، محامى الدفاع ـ أننا أمام ملف سياسى وليس قضائيا فقط ، ينبغى أن يوضع إلى جوارملفات ( إضراب ) 6 أبريل (نيسان) ، وعمال المحلة ، وكل الملفات التى تخنق الوطن ! . إننا أمام معركة سياسية كبرى ، فى مواجهة النظام ، الذى سمح بدخول " الخردة " لبناء سفن تقتل الغلابة ، وسمح بالتزاوج بين السلطة والمال ! . " " إن تحالف الفساد والسلطة قتل زوجتى وأبنائى ( الأربعة ) ... " ، هكذا يؤكد زوج ضحية ، ووالد أربعة أبناء من بين الضحايا ، لقد أدرك الجميع فورا هذه الحقيقة القاطعة التى كشفتها وقائع مهزلة محاكمة " ممدوح اسماعيل " وتابعيه !
. ولأنها قضية سياسية وشعبية بامتياز ، فى مواجهة النظام ، كا ذكر محامى الدفاع ، كان طبيعيا أن تتفاعل حركة " كفاية " مع الحدث الجلل والقضية الكبرى ، التى رأت فيها ما يعكس الدور الكبير الذى بات يلعبه " تحالف رأس المال الفاسد مع السلطة الفاسدة " ، ويعرّى تستر الحكم الاستبدادى على هذه الجرائم البشعة ، التى يروح ضحية لها الآلاف من أبناء الشعب كل عام ، كما تعكس اهتراء النظام وعجزه ، وتآكل مشروعيته وانحطاط أداء جهاز الدولة ، على كل المستويات والحاجة الماسّة للتغيير الديموقراطى الفورى ، حماية للوطن والشعب ، من الموت الجماعى المجانى " . ويمضى بيان حركة " كفايه " : " ولأن هذه المحاكمة هى فى جوهرها محاكمة صريحة للنظام الفاسد والمستبد ، فإن بقاء الرأى العام يقظا ومتحفزا ، إزاء المحاولات الدءوبة التى ستجرى للالتفاف على إرادته القاطعة فى محاكمة المجرمين ، وإحقاق الحق ، والانتصار للعدالة ، هو وحده الذى سيمكن من الاقتصاص من قتلة أبناء شعبنا ، واستعادة حقوقهم المسلوبة ، ومواجهة " فساد البر والبحر" ، الذى ، كما أغرق المئات من أبناء شعبنا ، يهـــــدد ـ إذا تقاعسنا عن التصدى لــه ـ بإغراق الوطن كله
أحمد بهاء الدين شعبان
موقع الحوار المتمدن