سألت نفسي كثيراً: لماذا لم يتورط بيل جيتس أو وارين بافيت في قضايا تهرب ضريبي أو نهب أموال عامة أمريكية أو تحريض علي قتل..؟
وسألت نفسي أكثر: لماذا لم يهرب صالح كامل بأموال البنوك السعودية، والخرافي بمليارات البنوك الكويتية، ورفيق الحريري بكنوز لبنان..؟
لماذا يحب المواطن في أي دولة رجال الأعمال، ويشعر أنهم يضيفون رصيداً كل صباح لاقتصاد البلد، ويخلقون للآلاف فرص عمل، ويخصصون جزءاً مهماً من ثرواتهم لتحسين أوضاع العاملين في شركاتهم، ولأنشطة الخير ودعم المجتمع؟
سألت نفسي: لماذا يكره المصريون رجال الأعمال..؟
ولماذا رفض الرئيس مبارك أن يتبرعوا لإعادة بناء مجلس الشوري، وأصر علي أن تتولي خزينة الدولة هذه المهمة..؟ هل لدينا في مصر رجال أعمال حقيقيون..؟
أو بمعني آخر: هل في مصر الآن رأسمالية وطنية مثلما كان قبل ثورة يوليو؟!
أظن أنكم جميعاً تعرفون الإجابات عن كل هذه الأسئلة.. ولكن السؤال الذي يلح علي خاطري الآن: لماذا نحاكم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي أمام محكمة الجنايات بتهمة التحريض علي قتل سوزان تميم.. لماذا نحاكمه بالقانون الجنائي، ونتجاهل روح القانون التي تنظر إلي الأبعاد الكاملة والجناة الحقيقيين؟
لذا.. دعونا نعد تكييف هذه القضية، بحيث نضعها في سياقها الطبيعي دون تجن علي أي طرف.
هشام طلعت مصطفي.. شاب نشأ في مناخ عام يمنح الفرص لمن يجيد اقتناصها.. تربي في حضن السلطة.. أدرك مبكراً أن للثروة مفاتيح في أيدي الحاشية، فاقترب منهم إلي حد الالتصاق،
وحين فتح الحزب الوطني أبوابه وصدره وأحضانه لرجال «السياسات» فطن هشام مثل غيره إلي أن ثمة زواجاً وشيكاً بين السلطة والمال.. الحزب والثروة.. فأصبح أول المتقدمين لـ «يد» العروس الفاتنة..
وهكذا بدأت القصة التي تكررت بنفس الفصول وذات التفاصيل مع حفنة من رجال الأعمال الآخرين. هشام طلعت مصطفي.. ابن شرعي لمرحلة رسمت ملامحها السلطة، ونموذج لعلاقة مصلحة متبادلة نسج خيوطها النظام الحاكم ذاته..
فلا تصدقوا أن يد العدالة طالت هذا الرجل فجأة لأنه أخطأ، وتواطأ في جريمة قتل مطربة مغمورة، تحيطها علامات الاستفهام من كل جانب.. لا تصدقوا أن «هشام» خرج علي أصول اللعبة، فوجب عقابه،
الحكاية كلها أن هناك طرفاً آخر غير «مصر» في القضية، فالجريمة وقعت علي أرض «دبي»، والإماراتيون أصروا علي تحقيق القضية بكل أطرافها، إذن فالأمر خرج من يد «القاهرة».. احسبوها جيداً...!
المهم.. أن القضية لم تعد مقتل سوزان تميم.. والسؤال ليس من قتلها ومن حرض علي الجريمة.. القضية هي وضع ثروة مصر في أيدي حفنة من رجال لا يدركون خطورة المهمة..
والسؤال: من أعطي ومنح ووهب هشام مصطفي وغيره العطايا المجانية والمليارات السهلة..؟
من أهدي هذا الرجل 40 مليون متر مجاناً في مشروع «مدينتي»..؟
من فتح له خزائن البنوك، وتسهيلات القروض وبناء المنتجعات، وأي مقابل دفعه «هشام» ولمن..؟!
ماذا قدم له الحزب الوطني بسطوته ونفوذه، وما الأبواب التي فتحتها «أمانة السياسات» أمامه.. وكم دفع «هشام»، ومن يشاركه من الباطن، ومن أفاده واستفاد منه..؟
إنها حزمة واحدة، وعلاقات متشابكة، ومصالح متبادلة.. ومن يعتقد غير ذلك فهو ساذج إلي حد «العبط».
قضية هشام ما كان يجب أن تحال إلي محكمة الجنايات..
مكانها الطبيعي «نيابة الأموال العامة»،
أو محكمة سياسية تعقد خصيصاً لمحاكمة مرحلة كاملة.. إذا أردنا العدل والنزاهة والشفافية فلابد من محاسبة «هشام» ومن وراءه، ومن صنعه هو وعشرات غيره.. فلا يليق بشعب مصر أن يظل «مضحوكاً عليه»، أو هو يضحك علي نفسه.. لا فرق.. والمحصلة أن ألف «هشام» سيولد كل يوم، لأن «الرحم» الفاسدة لاتزال تلد.. وتلد.. وتلد..!
مجدي الجلاد
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment