Monday, May 09, 2011

زراعة الأمل

عشرات من المتابعين لمقالاتى يتساءلون: كيف هان عليك «ملف الزراعة» لتتركه وتهتم بملف «المصريون بالخارج»، ثم ملف «بنك الأفكار»؟..

وآخر المتسائلين كان المستشارة «نهى الزينى» التى سألتنى فى لقاء بالنادى الدبلوماسى: هل يا ترى «مقترحاتك» لقطاع الزراعة والتى بُحّ صوتك ووجعت قلوبنا بها قبل الثورة أصبح هناك من يهتم بها الآن؟!

والإجابة هى:

إننى لم أهمل أو أنسى «ملف الزراعة»، والدليل أننى منذ الأسبوع الأول لتولى د. أيمن أبوحديد، دخلت مبنى وزارة الزراعة بعد مقاطعة دامت أربع سنوات كنت خلالها متأكدا وواثقا من أن وزير الزراعة السابق مع «الواد بتاعه» سوف يحولانها إلى «وكر»، لخفافيش الظلام، وبالتالى لن يجدا وقتا للاهتمام بالزراعة، وهذا ما حدث بالضبط، وتم تدمير هذا القطاع عمدا، وهذا هو السبب الذى جعلنى أنتقدهم بعنف وأكشف ألاعيبهم خلال أربع سنوات، ودفعنى لتقديم بلاغ إلى مستشار التحقيق بوزارة العدل قبل تخلِّى الرئيس السابق بيومين، ولا أحد يدرى لماذا كل هذا التباطؤ المريب فى تقديمهم للمحاكمة رغم ثبوت الأدلة الموثقة؟.

ومع استبداله بوزير جديد مشهود له بالأمانة والفهم والجدية والتواضع.. ذهبت إليه بلا موعد وقدمت له «أربعة مقترحات» جادة، بعد أن اتفقت معه على أنه إذا وافق على أى اقتراح منها، فهو ملزم بتنفيذه:

الاقتراح الأول هو: الإفراج الفورى عن كل «الفلاحين المسجونين» بسبب عجزهم عن سداد مديونياتهم لبنك الائتمان الزراعى حتى «خمسين ألف جنيه» أصلاً للمديونية، واعتبار هذه المديونيات التى لن تزيد على ٣٠ مليون جنيه على مستوى الجمهورية ديوناً معدومة «كأن أحد صغار الحرامية سرقهم»، فالفلاح المصرى ظل مسروقا خلال٦٠ سنة!!،

ورفع الوزير سماعة التليفون على الأستاذ على شاكر، رئيس البنك، وطلب منه إعداد كشوف بأسماء كل المسجونين.. وفى مساء اليوم نفسه، اتصل بى الوزير ليؤكد أنه قد تم عمل اللازم، وبالأمس طلب منى أن أخبره بأى اسم مازال مسجونا على مستوى الجمهورية للإفراج عنه فوراً، «فمن لديه مسجون بهذا الشأن فعليه إبلاغ الوزير فوراً» أو إبلاغى!!

الاقتراح الثانى: أن تقوم وزارة الزراعة بالتعاقد مع مزارعى القمح الذين زرعوا بـ«تقاوى» الوزارة بشراء كامل المحصول وبسعر مميز حتى نتمكن فى الموسم المقبل من زراعة أكبر مساحة ممكنة «بتقاوى» منتقاة، وهذا يوفر لنا زيادة فى الإنتاجية ٨٠٠ كجم بالفدان × ٣ ملايين فدان = حوالى ٢.٥ مليون طن، وببناء صوامع للتخزين يمكننا توفير١.٥مليون طن = ٤ ملايين طن أى ٥٠% مما نستورده.. وبإعداد تقاوٍ جديدة «مميزة» بالتعاون مع د. زينب الديب وأبحاث عظماء الباحثين بمراكز البحوث نستطيع رفع إنتاجية الفدان من ١٨ إردباً إلى ٢٥ أردباً، أى بزيادة ٣ ملايين طن = ٧ ملايين طن.

وبما أننا نستورد ٩ ملايين طن.. فالباقى (٢) مليون طن يمكن لمجموعة «المصريون» بالسعودية الذين أسسوا أكبر شركة زراعية الشهر الماضى بمصر زراعتها فى ٦٠٠ ألف فدان، ونكتفى ذاتيا خلال عامين، وينتهى هذا الصداع، لنأكل من عرقنا، بعيدا عن الذل والمهانة، ونستبدل ثقافة الشحاتة بثقافة الكرامة!!

الاقتراح الثالث: ويخص «الثروة السمكية».. الفضيحة أُمّ جلاجل.. لبلد يمتلك ٣٥٠٠ كم شواطئ على «الأبيض والأحمر»، ولديه ٩ بحيرات، وثانى أطول نهر فى العالم، ومفيض بتوشكى، وأخوار بأسوان، وهيئة للثروة السمكية ومعهد البحوث السمكية، ومعهد بحوث علوم البحار، ومعهد بحوث علوم المصايد، وجيوش جرارة من الموظفين، والبوكسات الحكومية، والسيارات، والإدارات، والأقسام، ثم نستورد٢٠٠ ألف طن نفايات الأسماك من أوكرانيا وشرق آسيا.. لماذا؟

لأننا كسولون، مرتعشون، وتحكمنا لوائح بالية، وأسطولنا البحرى لا يصلح إلا «للولعة»، ومعاهد بحوثنا فى واد آخر، والدليل أن بحيرة السد العالى بدلا من أن تنتج الـ٢٠٠ ألف طن تنتج حاليا ١٦ ألف طن!!

[المغرب.. لديها٣٥٠٠ كم شواطئ أيضا، ولا تملك بحيرات أو نهراً أو حتى ترعة.. وتصدِّر سنويا بـ٢ مليار يورو أسماك معلبة، ومدخنه، ومملحة، ومطبوخة]!!

باختصار: إن المطلوب للثروة السمكية المصرية الآن هو: ٢٥٠ مليون جنيه + رقابة على الصيد الجائر + تفعيل دور بحوثنا + تدريب للعمالة المطلوبة لنكتفى نهائيا ونتمكن فى عامين من التصدير، واستبدال وجبة الفول والطعمية بأسماك مشوية ومقلية، ويمكننا إرسال معونات سمكية مجانية لكل دول حوض النيل.. وبدأت بالإعداد لورشة عمل مع الوزير والمسؤولين لهذا الغرض، ووعدنى العميد مهندس سعيد طه، المسؤول عن المفارخ، بأنه سيضع بالبحيرة ٤٠ مليون زريعة خلال أربع شهور من الآن.. ثم ننتقل إلى تغذية النهر والترع والبحيرات بالزريعة ليعود خير زمان لكل المصريين!!

الاقتراح الرابع: زراعة ١٠٠ مليون شتلة زيتون بسيناء، [كما فعلت سوريا وزرعت ٩٠ مليون شتلة فى عامين] لتصبح سيناء «مخزن زيت الزيتون للعالم»، مع أصناف نخيل عالية الجودة بعيدا عن الزغلول والسمانى، للطلب العالمى على عسل التمور .. وابتسم الوزير متسائلا: ومن أين سنأتى بالتمويل؟

قلت لدى الحل: للحصول على التمويل المطلوب لتحقيق كل هذه الاقتراحات - وهى تقريبا ٦٠٠ مليون جنيه - طلبت من الوزير أن يتصل برئيس هيئة التعمير اللواء إبراهيم العجمى لإخراج كل العقود المحبوسة فى الأدراج وتسليمها إلى كل مزارعى الصحراء لأقل من مائة فدان والذين أثبتوا الجدية، ووافقوا على السعر الذى حددته اللجنة العليا، وكل ملفات من احترموا القانون ولم يخالفوه.. وبهذا يمكن تحصيل ٣ مليارات جنيه فى شهرين تكفى لتحقيق كل هذه المقترحات، لنكتفى ذاتيا، وساعتها نقول:

«ارفع راسك فوق.. إنت مصرى» لأننا نضحك على أنفسنا عندما نردد هذا الشعار صباحا، وفى المساء «نشحت»، «ونتسول»، ونمد أيدينا.. ونحن قادرون على أن نصبح أحرارا بحق وحقيقى.

د.محمود عمارة - المصرى اليوم

french_group@hotmail.com


No comments: