لا أجد من الكلمات ما يمكن أن أعبر به عن شكرى للسادة السلفيين على كبير مساهمتهم فى إدراكى وإدراك غالبية المصريين بحتمية أن تفضى ثورة مصر فى النهاية إلى دولة مدنية يحكمها دستور وقانون مدنيان ومؤسسات متحضرة متقدمة تساير العصر وتتطلع إلى المستقبل بقوة وثبات.. صحيح أنهم لم يكن لهم دور يذكر على المستوى السياسى أو الخدمى قبل الثورة، ولم يدخلوا فى صدام أو تحد أو مواجهة مع النظام السابق، مثلما فعل الإخوان المسلمون، ثم فوجئ بهم، المصريون يعتلون المنصة ويتصدرون المشهد دون سابق معرفة بهم وتساءل الملايين فى دهشة وعجب: من هم؟ ومن أين أتوا؟ وأين كانوا؟..
وتذكر البعض أننا كنا نسمع عن بعضهم ينسّق مع أمن الدولة فى عملهم الدعوى.. وتذكر البعض أنه شاهد شعارات لسلفيين وسمع وشاهد منهم من يقول إن الخروج على الحاكم معصية وكفر وفتنة.. صحيح أن هذا كان وضع بعضهم أو معظمهم قبل الثورة.. بل وفى أيامها الأولى، ولكنهم، على أى الأحوال، قد «لحقوا» أنفسهم ودخلوا فى الثورة بقوة.. حتى يكاد يتسلل إلينا الشك الآن أن ثورة ٢٥ يناير بدأها الشباب ثم انخرط فيها كل المصريين.. ويقترب منا اليقين بأن الثورة بدأها السلفيون ويأخذونها الآن بقوة.. ومن خلفهم الإخوان.
دعك من هذه الإشكالية التى تلتف حول رقابنا، وتذكر معى بكل العرفان والتقدير موقف السلفيين الذين لم يهتموا بتلك القضايا التافهة والسفاسف التى تهتم بها القوى السياسية والاجتماعية الأخرى مثل مستقبل ومصير مصر بعد الثورة وكيفية إعداد وإقرار دستور يليق بشعب مصر الذى أسقط الفساد والاستبداد.. لم يهتموا بمثل هذه التفاهات وركزوا جهودهم فى مصير كاميليا ووفاء ثم أخيراً «عبير ــ إمبابة» وهم فى سبيل هذه القضية المصيرية لا مانع لديهم من بذل الغالى والنفيس ولو كان الدم.. ولا مانع من إشعالها فتنة لا تبقى ولا تذر، ولو كان البلد والوطن والأهل، لأن إسلام كاميليا ووفاء وعبير هو الأهم!
ثم دعك من محاكمة ومحاسبة النظام الذى استباح ثروة مصر على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، واترك الآن قضية بناء مؤسسات سياسية واقتصادية وقانونية وشعبية ديمقراطية وشفافة ومستقلة ونزيهة، ولا تلتفت لما يثيره البعض عن استرداد المليارات التى استولى عليها مبارك ورجاله.. واهتم الآن بما هو أهم: هدم الأضرحة القائمة منذ عشرات ومئات السنين.. واسترداد مسجد النور من وزارة «الأعداء» الشهيرة بوزارة الأوقاف.. دعاة السلفيين يحتاجون هذا المنبر بالذات القريب من الكاتدرائية ليكون إشعال الفتنة سهلاً.. ولن يسأل أحدهم نفسه: ماذا لو تظاهر فى المقابل بضعة آلاف من المسيحيين أمام مسجد النور مثلما فعل السلفيون، فى الجمعة قبل الماضى، أمام الكاتدرائية وهدد بعضهم باقتحامها بحثاً عن «كاميليا شحاتة»؟!
أما أم القضايا التى يولونها كل الاهتمام الآن فهى التظاهر ضد مقتل «شيخ المجاهدين وشهيد الأمة الإسلامية بن لادن».. الذى دبر عمليات قتل آلاف المدنيين الآمنين فى نيويورك ولندن ومدريد، وإن كنتم ترون خلافاً شرعياً حول هذا القتل.. فإنه من وحى أفكاره التكفيرية والإرهابية قتل عشرات الآلاف فى العراق والأردن وغيرها من الدول الإسلامية.
تصورت وأنا أشاهد مظاهراتهم شجباً لقتل بن لادن أنه مفجر الثورات العربية ضد الظلم والفساد.. ولو عاش قليلاً لهاجم الثورات وأدان الثوار لأنهم بالتأكيد جعلوا وجوده وأفكاره وتنظيماته دون قيمة أو جدوى وفاقدة لكل أسباب الاستمرار.
سيروا على ما أنتم عليه، الإخوة السلفيين، فإنكم تثبتون للجميع يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة أن مصر تختلف عنكم ولن تسير فى طريقكم ولن تكون سوى دولة مدنية ديمقراطية لكل الأطياف والأديان والتيارات على السواء
محمد رضوان - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment