Monday, April 04, 2011

إنه ليس مجلس قيادة الثورة


يوما بعد آخر، بل ساعة بعد أخرى، تتوالد القضايا والموضوعات التى تثير أحيانا الجدل فى بر مصر وأحيانا أخرى الشكوك وفى كل الأحوال تثير القلق والخوف على مستقبل ثورة الشعب المصرى العظيمة. وقد تجمعت كل هذه المخاوف والشكوك يوم الجمعة الماضى فى العنوان العريض الذى اختاره بعض من تجمعات شباب الثورة لمظاهرتهم بميدان التحرير وهو «إنقاذ الثورة»، لتبدو منه واضحة مشاعر قطاعات واسعة من المصريين المضطربة تجاه ما يحدث ببلادهم من تطورات وصلت بكثير منهم إلى الدعوة إلى إنقاذ ثورتهم الوليدة.

والحقيقة أن الملاحظة الجوهرية والأخطر على مسار الثورة المصرية منذ خروج رئيس النظام السابق من منصبه يوم 11 فبراير الماضى هى التزايد اليومى فى مساحة الشكوك والتخوفات لدى المصريين على مستقبل الثورة والمرتبطة دوما بفجوة تزداد بدورها اتساعا من عدم الثقة بين قطاعات عديدة منهم وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثم من بعده حكومة الدكتور عصام شرف، انطلاقا من اتهام كليهما بالتأخر والتباطؤ فى اتخاذ قرارات وإجراءات يراها كثير من المصريين ضرورية للحفاظ على الثورة واستمرار مسيرتها. ويأتى فى مقدمة هذه القرارات والإجراءات محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ونجله جمال ومعهما الأركان الثلاثة الأبرز فى نظامه رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور أحمد فتحى سرور ورئيس مجلس الشورى والأمين العام السابق للحزب الوطنى صفوت الشريف ورئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمى، فضلا عن إقالة المحافظين الحاليين المعينين بمعرفة الرئيس السابق وحل المجالس الشعبية المحلية التى تتشكل أغلبيتها الساحقة من أعضاء الحزب الوطنى بانتخابات ليس هناك شك فى تزويرها. وقد أدى الصمت المتواصل من المجلس الأعلى حول مبررات تأخير هذه القرارات والإجراءات إلى تفاقم تفسيره إلى حد الحديث ليس عن «تباطؤ» بل عن «تواطؤ» منه تجاه النظام السابق الذى ذهب به البعض بعيدا إلى حد القول بأن هذا النظام لا يزال هو الذى يحكم البلاد من وراء ستار.

وما يبدو واضحا من هذا الجنوح فى تفسير ذلك التأخير فى اتخاذ المجلس الأعلى لهذه النوعية من القرارات والإجراءات أنه يعكس رغبة شعبية واسعة من قطاعات كبيرة من المصريين فى القيام بها واعتبارها ذات أولوية قصوى إلى الحد الذى أنساهم أمرين أساسيين. الأول أن الحديث عن «تواطؤ» من المجلس الأعلى مع النظام السابق يتناقض مع الموقف المبدئى التاريخى الذى اتخذته القوات المسلحة يوم 29 يناير برفضها طلب الرئيس السابق استخدام العنف مع مظاهرات الشعب المصرى وإصدارها بيانها الذى أعلن صراحة وقوفها مع مطالبه المشروعة وتأكيدها أنها لم ولن تستخدم العنف ضده، وهو اليوم الذى يمكن اعتبار أن مبارك قد سقط فيه فعليا قبل سقوطه رسميا يوم 11 فبراير برفض الجيش تنفيذ تعليمات قائده الأعلى. أما الأمر الثانى وهو الأكثر أهمية، فهو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس هو مجلس قيادة الثورة كما كان الحال فى ثورة الضباط الأحرار عام 1952 حيث كان الجيش هو مفجر الثورة والمعد لها والمحدد لأهدافها، وهو ما لم يحدث فى ثورة الشعب الأخيرة، فقد كان الدور الرئيسى – بل ربما الوحيد – للجيش هو الحفاظ على نجاح الثورة ومعه الأمن والاستقرار الداخلى والخارجى للبلاد. بذلك بدا واضحا على صعيد الإدارة السياسية المؤقتة للبلاد أن الجيش لم يكن جاهزا بتصورات أو بخطط لها تمكنه من التجاوب السريع مع مطالب جماهير الثورة المصرية العظيمة المتغيرة بسرعة كبيرة طوال الأيام التى استغرقتها بعد رحيل رئيس النظام المخلوع عن منصبه.

من هنا فقد بدت الفجوة الواضحة بين هذه المطالب الآخذة فى التصاعد والتسارع وبين قدرة المجلس الأعلى على تلبيتها بنفس الوتيرة التى تتجاوز ليس فقط استعداداته السياسية لها بل وأيضا استيعابه لأهميتها على صعيد الاستقرار واكتساب قدر أكبر من ثقة عموم المصريين ونخبهم فى أدائه. وفى هذا المناخ من اتساع فجوة الثقة انتاب الطرفان مشاعر غير صحية راحت تتناثر مصطلحاتها وأوصافها فى وسائل الإعلام والتظاهرات السياسية المختلفة فى البلاد من كل طرف تجاه الآخر لتزيد من هذا الاتساع وبخاصة قبيل وبعد جمعة الإنقاذ الأخيرة. والحقيقة أن المسارعة بردم هذه الفجوة التى ينذر اتساعها المتزايد بمخاطر حقيقية يعد واجبا فوريا يستلزم من الطرفين المبادرة بما يمكن اتخاذه من مواقف وقرارات لإنقاذ البلاد وثورة شعبها من الانزلاق إلى هاوية خطيرة تهدد كليهما.

فأما عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن عليه أن يتفهم أن المهم فى اتخاذ القرارات والإجراءات السياسية ليس هو تعبيرها فقط عن حقائق بل عن إدراك جموع الناس لهذه الحقائق. فأن يكون تقدير المجلس لأهمية ودور الرئيس السابق وأعوانه فى الأوضاع الحالية للبلاد أنهم باتوا خارج التأثير والقدرة على الفعل ومن ثم فلا ضرورة عاجلة لمحاكمتهم، فإن هذا لا يتطابق مع إدراك مختلف تماما عند عموم المصريين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية عليه، بأنهم يلعبون الدور المحورى فى إدارة الثورة المضادة ومن ثم فتجب محاكمتهم بأسرع ما يمكن. وفى ميدان إدارة السياسة والسياسات فإن التعامل مع إدراك الشعوب وبخاصة إذا كان اتخذ ما يشبه المطلب الجماعى والاستجابة السريعة له بقرارات وإجراءات محددة من جانب من يدير أمورهم يعد شرطا ضروريا لاكتسابهم الشرعية ولقدرتهم على الحفاظ على الاستقرار. من هنا فإن المسارعة من جانب المجلس الأعلى ببدء هذه المحاكمة والشروع فى الاستجابة – المدروسة ولكن السريعة – لبقية المطالب المشار إليها، تعد اليوم ضرورة لا مهرب منها لتجاوز فجوة الثقة الآخذة فى الاتساع.

وأما عن جماهير الثورة وقياداتها فإن المهمة الملقاة عليهم تبدو أكثر تعقيدا وثقلا. فالثورة التى لم تندلع بقيادة موحدة محددة، وكان هذا هو أحد أهم عوامل نجاحها، باتت تعانى اليوم من أزمة حقيقية فى وجود قيادة يمكن لها تحديد مسارها والتعامل مع مختلف الأطراف فى المجتمع والدولة باسمها. ولعل هذا هو أحد الأسباب التى دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد الخاطئ المشار إليه سابقا بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو بذاته مجلس قيادة الثورة ومن ثم مطالبته بتنفيذ ما يتمنى ويسعى الثوار إلى تحقيقه واعتبار أن تأخره أو تقاصره عن ذلك يعد خروجا عما هو منوط به القيام به. الثورة اليوم بحاجة ماسة وسريعة إلى التوافق حول هيئة أو لجنة موحدة متفق بين كل أطيافها السياسية والشعبية حولها لإدارة شئونها خلال المراحل الحرجة التى تمر بها الآن وتلك التى تنتظرها فى الشهور القادمة التى قد تكون أكثر حرجا وأهمية. ولعل التواصل الصحى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول ما يجب اتخاذه من قرارات وإجراءات وسياسات خلال هذه المراحل لتفادى الوقوع فى سوء الفهم المتبادل بين الطرفين اللذين أنجحا الثورة، هو أحد أبرز مهام هذه القيادة الموحدة للثورة. أما المهام الأخرى العاجلة والجوهرية لهذه القيادة فهى عديدة ولعل أهمها خلال الفترة الحالية والشهور القادمة هى التوافق عبرها حول قائمة موحدة لمرشحى الثورة فى انتخابات البرلمان القادمة من أجل الحفاظ على النظام الثورى الذى سيولد من رحمه عبر الدستور الجديد الذى سيتم وضعه عن طريق الجمعية التأسيسية التى سيختارها هذا البرلمان. أما كيف يمكن تشكيل هذه القيادة الموحدة للثورة فهو أمر متروك للحوار العام بين كل الأطياف السياسية فى البلاد على أن يتم بصورة عاجلة تتناسب مع التطورات الهائلة المتسارعة التى تشهدها كل ساعة

بقلم:ضياء رشوان - الشروق

No comments: