Monday, April 04, 2011

برج بابل


لم أقتنع منذ البداية بجدوى الطريقة التى يدار بها الحوار الوطنى، والأهداف التى يمكن أن تحققه.. وهل يمكن أن يسفر فى النهاية عن محصلة من التوافقات المجتمعيةحول القضايا الأساسية التى تواجه سيرة الحياة السياسية. أم يبقى الحوار ــ كما رأينا فى الجلسة الأولى ــ مجرد ملتقى لتبادل الآراء والأفكار العامة، بحيث تتحول إلى مصطبة للمناقشات، كما أطلق البعض عليها ساخرا.. تدور حول نظريات ورؤى. تتلون بتلون المشاركين فيها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين!

وبالرغم من كل حسن النوايا المفترضة، فلم يرض الحوار أحدا من الحاضرين. وكان من الصعب بل من المستحيل دعوة ممثلين عن كل الأحزاب والقوى السياسية والاتجاهات الفكرية والدينية والصوفية والسلفية.. وبالطبع لم يكن لشباب الثورة نصيب. وبات المنظر كله أشبه ببرج بابل يتكلم كل واحد فيه لغة مختلفة.. أضافت إلى حالة اللغط الشديد الذى يدور حولنا مصدرا آخر لمزيد من الكلام.. بحيث بتنا نتكلم جميعا ولا نعمل، ونقول ولا ننتج.

وخذ مثالا على ذلك قضية واحدة: هل نبدأ بوضع الدستور ثم تجرى الانتخابات؟ أم نجرى الانتخابات ثم يوضع الدستور.. وما الذى يسبق انتخابات الرياسة أم الانتخابات البرلمانية أم العكس؟ وحتى هذه اللحظة مازال الجدل يدور ويدور دون توافق. وتخيل هيئة الحوار الوطنى وهى تلف وتدور حول قضية واحدة كهذه.. خصوصا إذا بلغ عدد المشاركين أكثر من 160 عضوا.

لقد قرر رئيس الوزراء اسناد مسئولية إدارة الحوار الوطنى إلى الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق بدلا من الدكتور يحيى الجمل. ولا أظن أن تغيير الأشخاص سوف يغير النتائج ما لم يتغير أسلوب الحوار موضوعاته وطريقة إدارته.

والحقيقة أنه إذا كنا نريد حوارا وطنيا حول «عقد اجتماعى جديد» يتفق مع مطالب الثورة وأهدافها، فالأقرب إلى المنطق أن يكون موضوع الحوار حول «وثيقة للحقوق المصرية» على نمط «وثيقة الحقوق الأمريكية»، تضع الاطار العام للدستور، تحافظ على حقوق الجميع أغلبية كانوا أم أقلية، تمنع ديكتاتورية الأغلبية أو الانتقاص من حقوق الأقليات، وتضمن قيام توازن بين الحاكم والمحكوم لتحول دون الوقوع فى قبضة الاستبداد. كما تمثل سياجا قويا لحماية حقوق الإنسان وحرياته فى العقيدة والتعبير وحقه فى التعليم والصحة والسكن، وضمان حد أدنى من الدخل. وتضمن العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء.

فى اعتقادى أن مشاركة شباب الثورة فى وضع وثيقة حقوق الإنسان المصرى الذى يشكل عقدا اجتماعيا جديدا لمرحلة النهضة، هو الواجب الذى يقع على عاتقهم بكل ما يعنيه هذا من أبعاد مستقبلية، تعبر عن رؤية الأجيال الصاعدة التى قادت الثورة وتحملت اعباءها ودفعت ثمنها من التضحيات. وهذا هو الأسلوب لانقاذ الثورة وبناء الديمقراطية والحكم الرشيد.

ولابد أن يقال صراحة للمتظاهرين ان رفع سقف المطالب والشعارات التى بلغت الآن عشرة مطالب على حد ما نشرته الصحف، لن يؤدى إلى تحقيق أهداف الثورة بالطريقة التى تكفل لها النجاح.

نعم، محاكمة رموز الفساد أمر لا ينبغى السكوت عليه. ولكننا لا نستطيع أن نصادر على صلاحيات السلطة القضائية، كما لا يمكن إجراء محاكمات سريعة استثنائية، أو إصدار قرارات تعسفية.. ولابد أن يحرص الثائرون على ألا تعصف الثورة بالعدالة وبسيادة القانون لمجرد الرغبة فى الانتقام!

ولنتصور ما يمكن أن يحدث إذا اتخذت قرارات متسرعة بطرد رؤساء الجامعات والمحافظين ورؤساء المدن والمراكز وحل المجالس المحلية وفصل قيادات الإعلام.. لن تكون النتيجة غير شيوع حالة من الفوضى والانفلات الإدارى السياسى والأمنى.. من الممكن أن يكون التغيير بخطوات مدروسة وعلى أسس نزيهة وعادلة. فمصر فى النهاية ليست ليبيا أو ساحل العاج. وما يحدث ليس مجرد تغيير زى بزى آخر.. ولكنها عملية تفكيك دقيقة لجهاز دولة مركزية. أصاب بعض أجزائها عطب وفساد منظم، ولابد من إصلاحها دون الحاجة إلى تدميرها. وهذا هو التحدى الذى ينبغى أن يدركه الجميع وأن يعترف شبابنا الثائرين بالحاجة إلى معالجته بكل أناة وحكمة!


بقلم:سلامة أحمد سلامة - الشروق

No comments: