Wednesday, April 20, 2011

حديث عن الثروات المنهوبة

بقلم بلال فضل ٢٠/ ٤/ ٢٠١١

يا ااه، أين راحت أيام زمان التى كنا نكتب فيها ونجأر بالشكوى فلا يسأل فينا أحد؟. أصبح الأمر الآن مرهقا، تكتب مقالا من هنا فتجد من يوضح ومن يعلق ومن يعقب، وفى كل ذلك مضيعة للوقت تثبت أن النظام البائد كان أحرص بكثير على وقتنا ووقته، كان يتركنا نكتب عما نريد ولا حياة لمن تنادى، بينما كان هو منشغلا بتستيف الثروات وتكديسها وإخفائها بحيث لا يعرف لها الدبان الأزرق طريق جرة.

أمس الأول كتبت عن رسالة تلقيتها من القارئ المصرى المهاجر د. على عبدالمقصود، طالبنى فيها بأن ألفت نظر المسؤولين إلى ما نشرته صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية عن وجود عمارة للرئيس مبارك فى باريس لا تجد من يتسلمها، وعرضت رسالته مرفقة بالرابطين اللذين أرسلهما لى وقلت إن «الموضوع يحتاج إلى بحث سريع من الجهات العليا»، والحقيقة أن الرد جاءنى أسرع مما توقعت، بعد النشر بساعات اتصل بى مسؤولون من جهات مختلفة ينفون بشكل قاطع أن تكون العمارة ملكا لمبارك، مؤكدين أنها ملك لشركة التأمين الأهلية المصرية التى أنشئت عام ١٩٠٠، هذا ما يؤكده الدكتور جمال السعيد، رئيس مجلس إدارة شركة مصر لإدارة الأصول العقارية، والدكتور محمد ربيع، نائب رئيس الشركة القابضة للتأمين، العمارة المكونة من ٤ طوابق ظلت لفترة طويلة خالية من السكان بسبب سوء استغلالها وإدارتها، ولذلك - كما يقول الدكتور جمال - قام بعض المتشردين باقتحامها فى عام ٢٠٠٩، وتدخلت السفارة المصرية فى باريس لإجلائهم، وتم تأمين المبنى بشكل كبير قبل أن تعود لاقتحامه فى شهر مارس الماضى مجموعة اسمها (الخميس الأسود) تتبنى قضية إسكان المتشردين فى العقارات الخالية المملوكة للأغنياء مستغلين ثغرات فى القانون تجعل إخلاء المبنى أمرا غير ممكن إلا بعد إجراءات طويلة المدى، وهنا تمت الاستعانة بالقوات المسلحة المصرية التى كلفت الملحق العسكرى المصرى فى باريس بالتنسيق مع وزارة الداخلية الفرنسية وتم إخلاء المبنى وتعيين حراسة ثابتة عليه من الداخل، وهنا قام الأفراد الفرنسيون الذين اقتحموا المبنى بتنظيم مظاهرة أمامه اعتراضاً على طردهم، مرددين بعض الهتافات التى تشير إلى ملكية الرئيس السابق مبارك للمبنى بالمخالفة للحقيقة، وذلك لإثارة الرأى العام الفرنسى ووسائل الإعلام المختلفة كرد فعل على طردهم من المبنى. ويختم الدكتور جمال السعيد قائلا: إنه كانت هناك مفاوضات مع وزارة الخارجية المصرية لتأجير المبنى لها لكنها عرضت مقابلا منخفضا لا يتوازى مع قيمة المكان، وهنا عرضت القوات المسلحة رفع كفاءة المبنى فنيا والقيام بترميمه لكى يتم استغلاله على الوجه الأمثل ورفع قيمته الأصولية، خاصة أنه أصبح الآن مؤمناً بالكامل ولا يُخشى من ضياعه على مصر.

سألت الدكتور جمال: إذا كانت هناك عقارات أخرى مملوكة للشركة التى يديرها فى الخارج، فقال لى إن هذا العقار هو الوحيد، هنا رجوته أن يتم الرد على الصحيفة الفرنسية ومخاطبتها مباشرة لكى تعرض وجهة النظر الحكومية المصرية، فقال لى إن ذلك سيحدث فى الأيام المقبلة من خلال وكيل الشركة فى فرنسا. هنا أنبهه إلى أن صحيفة البديل الإلكترونية قامت بعمل متابعة لما نشرته فاكتشف محررها زميلنا إسلام الكلحى أن صحيفة «لوباريزيان» قامت بحذف الرابط الذى يشير إلى الموضوع (وإن كان قراء آخرون دخلوا عليه وقرأوا ما جاء به)، لكنه وجد نفس الموضوع بنفس التفاصيل (عمارة مبارك فى باريس) فى صحيفة La vielmmo، وهو ما يوجب مخاطبتها هى الأخرى لتوضيح الأمر قبل أن يمتد إلى صحف ناطقة بالفرنسية حول العالم الفرانكفونى، ويصبح نفيه فى حكم المستحيل بعد ذلك.

طيب، جميل أن الموضوع وجد استجابة فورية من المسؤولين لتوضيح حقيقته، ولهم خالص الشكر والتقدير والتصديق أيضا، ولكن ماذا عن القارئ الشكاك الذى يلعب فأر الفساد فى عبه من سنين، الذى لو خيرته بين تصديق مجموعة من المتشردين الفرنسيين ومجموعة من المسؤولين المصريين لوجد نفسه أميل إلى تصديق المتشردين الفرنسيين، وهو أمر لا علاقة له باحترامه لشخوصهم، بقدر ما هو متعلق بثورة الشك التى اندلعت عقب ثورة يوليو المباركة ولم تخمد من يومها، وجدت الإجابة عن هذه الشكوك لدى المحامى الدولى البارز خالد أبوبكر الذى اتصل بى صباح يوم النشر ليقول لى إنه كلف مكتبه فى باريس ببحث القضية، ووجد الموضوع على أرشيف الصحيفة فاتصل بكاتبته ليجدها فى إجازة.

لكنه اتصل بزميلها وفهم أبعاد الموضوع، ويبدو أن الصحيفة حذفته من موقعها بعد تلك المكالمة، عندما قلت للأستاذ خالد ملخص ما دار بينى وبين المسؤولين الذين اتصلوا لتوضيح الموضوع فاجأنى بأن هناك حلا يمكن أن يقطع الشك باليقين فى قضية وجود أصول عقارية وثروات مالية للرئيس المخلوع مبارك وعائلته بل ولجميع المسؤولين المحبوسين والمتهمين، وأنه عرض هذا الحل على المسؤولين المصريين فى عهد وزارة شفيق لكنه لم يجد استجابة، ومنذ أيام جاءه خطاب من إدارة الكسب غير المشروع التى يترأسها المستشار عاصم الجوهرى تخبره بضمه إلى لجنة استرداد الأموال المصرية فى الخارج، لكنه لم يتلق بعد قرارا رسميا بتبنى الحل الذى اقترحه... أيوه أيوه هاقولك إيه الحل، صبرك بالله.

ببساطة هناك رجل قال لى الأستاذ خالد اسمه بالفرنسية وحاولت حفظه دون جدوى لكننى فهمت أنه يشغل منصب (الموثق العام الفرنسى)، ويمكن للحكومة المصرية إذا وجهت له خطابا رسميا من النائب العام المصرى أن يكشف له عن الممتلكات العقارية لأى اسم يرد فى الخطاب، بحيث نعرف هل امتلك عقارا كبيرا أو صغيرا خلال العشرين عاما الماضية وربما أكثر، حتى لو كان قد باعه لأحد أو كان مشاركا فى شرائه، كما أنه يمكن للنائب العام المصرى أن يوجه خطابا إلى النائب العام الفرنسى يطلب منه إصدار كشوف حسابات عن السنين الخمس الماضية للأسماء التى يحددها النائب العام، كما أن من حق مصر بالطريقة نفسها أن تعرف بيانا بأسماء التحويلات المالية الكبيرة التى تتجاوز العشرين مليون دولار التى وردت إلى بنوكها من مصر خلال الأشهر الستة الماضية.

طيب لماذا لم يتم كل هذا حتى الآن؟، ببساطة لأن السيد أحمد أبوالغيط خلال فترة وزارة السيد أحمد شفيق أرسل خطابا قاصرا من الناحية القانونية إلى كل وزارات الخارجية الأوروبية، وبالتالى لم يتم التجاوب معه بالشكل اللازم، لأن القانون يقضى بأن تكون المخاطبة من خلال السلطات القضائية المصرية، أما السلطات الدبلوماسية فهى جهات توصيل ليس إلا.

طيب هل تم هذا خطأ أم كان متعمدا، كثيرون سألوا هذا السؤال فى أكثر من منبر، وطالبوا بمحاسبة السيد أحمد شفيق والسيد أبوالغيط عن دورهما فى التأخر فى إجراءات استعادة الأموال المنهوبة، ولكن لا حياة لمن تنادى. أشير هنا فى هذه المناسبة إلى ما سبق أن كتبته قبل شهر ونصف الشهر حول ضرورة أن يرفع الفريق شفيق دعوى قضائية على وزير داخليته محمود وجدى لكى يتهمه بإعطائه بيانات كاذبة حول تجميد عمل جهاز أمن الدولة وعدم وجود معتقلين سياسيين، لكى يخلى مسؤوليته أمام الرأى العام، وكان رد الفعل الوحيد الذى صدر عن الفريق شفيق هو أن اتصل معترضا بالقائمين على أمر هذه الصحيفة الذين نقلوا لى رجاءهم بألا أهاجم فارسا ترجل عن صهوة جواده، وقلت لهم إننى كنت أتمنى أن يستجيب الفريق شفيق لاقتراحى إبراء لساحته أمام الناس، لكنه اختار الصمت وهو حقه، لكن من حق الناس أن ترى الآن تحقيقا شفافا حول فترة حكم أحمد شفيق وما إذا كان قد حدث تقصير فيها فى إجراءات استرداد الأموال أم لا، لكى تتضح الحقيقة، فلسنا راغبين فى إدانة أحد بقدر ما نحن راغبون فى استعادة ثروات هذه البلاد المنهوبة.

خذ عندك إشارة أخرى ربما لا تأتى مناسبة أفضل من هذه لذكرها: قبل أسبوعين شاركت فى مؤتمر عقدته الهيئة الاقتصادية للقوات المسلحة وضم عددا من السياسيين والكتاب، على رأسهم الدكاترة كمال الجنزورى وعبدالعزيز حجازى وعلى لطفى وعلى السلمى ومصطفى الرفاعى وحسن نافعة ودرية شرف الدين، والأساتذة فهمى هويدى وسعد هجرس وأحمد السيد النجار وحازم شريف وشريف عامر ومحمود نافع ومحمد هيبة وبعض من قادة أحزاب أمن الدولة الكرتونية وآخرون كثيرون من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم، كان الاجتماع مليئا بمعلومات خطيرة كان من بينها الرقم الحقيقى للفقراء فى مصر الذى حجبه النظام البائد عن الإعلام لكى لا يتناقض مع أرقامه الكاذبة عن التنمية المزدهرة، لنكتشف الآن أن نسبة الفقراء فى مصر تصل إلى ٦٩ فى المائة، وأنه إذا لم يحدث تصحيح فورى للسياسات الاقتصادية والاجتماعية فى مصر ولم تبدأ عجلة العمل فورا فى الدوران فإن الموقف مرشح للتفاقم لتصل النسبة إلى أكثر من ٨٠ فى المائة خلال عدة سنوات، سأعود مرة أخرى للحديث عما سمعته من أرقام ومقترحات جادة أطمئنكم بأن العمل بدأ فى دراسة بعضها ليتم تنفيذه فورا بإذن الله، لكننى أتوقف بمناسبة ما كنت أتحدث عنه آنفا عند شهادة قالها السفير جمال بيومى أمام الحاضرين، وهى أن أحد كبار رجال الأعمال الخليجيين كان يرغب فى الاستثمار فى مصر عقب الثورة مساندة لها، فقرر الاتصال باللواء محمود وجدى لسؤاله عن الحالة الأمنية فى مصر، فنصحه محمود وجدى بألا يأتى، هذه واقعة خطيرة أتمنى أن تسأل الجهات المختصة السفير جمال بيومى عنها وأن يتم مساءلة محمود وجدى إذا ثبتت لنعرف ما الذى دفعه ليقول ذلك ولماذا لم يقدم استقالته وقتها إذا كان عاجزاً عن أداء دوره، وهل قال ذلك لرجال أعمال آخرين وهل أبلغ الفريق شفيق بما حدث؟.

باختصار نريد أن نعرف ما الذى حدث بالضبط خلال فترة حكم شفيق لكى يعرف هذا الشعب رأسه من رجليه، فهل هذا كثير، خاصة أن هناك ملفاً لايزال غامضا نبهنى إليه الأستاذ خالد أبوبكر هو ملف السيد حسين سالم شريك مبارك وصديقه الذى هرب من مصر خلال فترة أحمد شفيق، رغم أن أصابع الاتهام تشير إليه منذ أوائل الثمانينيات حين كتب الصحفى الأمريكى الشهير بوب وودورد كتابه (الحجاب) وتحدث فيه عن صفقات حسين سالم المشبوهة، وكان ينبغى أن يكون أول اسم يتم التحفظ عليه فى عهد شفيق خاصة أن شفيق، كان من أهل البيت.. وكان ينبغى عليه أن يصدر قرارا بالتحفظ على حسين سالم أو حتى منعه من السفر إلى أن يتبين الحق، وحتى تتم مساءلة شفيق وأبوالغيط ووجدى عن كل الأسئلة التى يطرحها الرأى العام نريد أن نعرف إلى أين وصلت جهود القبض على حسين سالم، ومتى يمْثل أمام أجهزة العدالة، خاصة أن كل الخبراء المتخصصين يجمعون على أن سقوط حسين سالم هو مفتاح إدانة مبارك ونجليه بشكل قاطع، ومفتاح استعادة الكثير من الثروات المنهوبة، ومفتاح فهم حقيقة ما كان يحدث فى مصر التى كانت محمية بالحرامية طيلة الثلاثين عاما الماضية.

امنحوا مصر هذه المفاتيح فورا لكى لا يغلق الله أبواب الرحمة فى وجوهنا ووجوهكم.

المصرى اليوم

belalfadl@hotmail.com

No comments: