فرضت ثورة ٢٥ يناير وانهيار نظام مبارك على جماعة الإخوان العديد من التحديات، ويبدو أن الجماعة ليست مستعدة ولا مؤهلة لمواجهة هذه التحديات، صحيح أن الثورة منحت الإخوان امتيازات هائلة، منها أن الجماعة خرجت من حالة المحظورية، صحيح أنه خروج «عرفى» حتى الآن، فلم تتحول الجماعة بعد إلى حزب ولن تتحول، غاية ما هناك أنه يمكن أن يخرج حزب من عباءتها، وتلك مشكلة أخرى، ولم تصبح الجماعة، جماعة مشروعة أى تمتلك وضعاً مقننا، طبقاً لقوانين الدولة وقواعد عمل الجماعات والجمعيات..
غير ذلك باتت قيادات الجماعة فى مأمن من الملاحقات الأمنية، لكن يبدو أن الإخوان، خاصة فى مستوى القيادات العليا بها، لا يفكرون ولا يمارسون حياتهم إلا فى ظل وجود محنة يترقبونها، وأكاد أقول يتمنونها وعدو متربص بهم، فإن لم يكن متربصاً استفزوه كى يتربص، وإن لم يكن عدواً اجتهدوا كى يحولوه إلى عدو.. عقب نجاح الثورة قلت فى ندوة بحضور د. عبدالمنعم أبوالفتوح- الوجه الباسم والبشوش للجماعة- إن ثورة ٢٣ يوليو ٥٢ أتاحت حين قيامها فرصة ذهبية للجماعة لتكون عنصراً أساسياً ومكوناً من مكونات الدولة المصرية ونظامها السياسى، لكن أهدرت الجماعة الفرصة طوال عام ١٩٥٣ وجرى الصدام الدموى فى عام ١٩٥٤، وتساءلت ومازلت أتساءل.. ثورة ٢٥ يناير تتيح فرصة مشابهة وأفضل للجماعة من فرصة عامى ١٩٥٢/ ١٩٥٣، فهل تهدرها الجماعة؟
على مستوى الأمنيات أتمنى ألا تهدر الجماعة الفرصة المتاحة، وهذا هو التحدى الحقيقى أمام الجماعة، ويبدو لى أن نجاحهم ليس مؤكداً، وألمح بذور الإخفاق فى خطاب عدد من قادة الجماعة، تأمل حديثهم عن الانتخابات البرلمانية القادمة، هم يتحدثون وكأن الصناديق والأصوات ملكهم هم، لكنهم من باب التواضع سوف يكتفون بـ٢٥٪ أو ٣٠٪ من المقاعد، وفى أفضل الأحوال ٣٥٪، وهو خطاب مناظر لخطاب الحزب الوطنى ورئيسه فى الزمن السالف، حين كانوا يتحدثون عن عشرة أو أحد عشر مقعداً لـ«الوفد» وأقل منها لـ«التجمع»
وهكذا.. إنه نفس الخطاب ونفس العقلية، والعاقل يدرك أن الإخوان فى انتخابات ٢٠٠٥ نالوا أقل من ٢٥٪ من الأصوات وكان كل من صوتوا يومها ٢٣.٥٪ من المصريين الذين لهم حق التصويت، ونسبة غير قليلة ذهبت للإخوان من باب الكراهية للوطنى والاحتجاج عليه، وحين قلت ذلك يومها غضبوا بشدة وتعرضت لهجوم من بعضهم، غير الانتخابات تأمل حديث «امتلاك الأرض» ثم إقامة الدولة الإسلامية ومن ثم إقامة الحدود.. وهذا ينافى تماماً الحديث عن الدولة المدنية وهو كذلك مخالف لروح ثورة ٢٥ يناير، التى هى ثورة مدنية..
وطنية وإنسانية بامتياز، فإذا قلنا ذلك كان الرد بأحاديث المراوغة والمناقشات البيزنطية عن طبيعة الدولة فى الإسلام، وكأننا فى محاضرة أكاديمية وبحث علمى ولسنا بإزاء قضية سياسية فى الشارع تتعرض لمستقبل هذا الوطن ومصير مواطنيه، ويتحدث أحد القادة عن أن الهدف هو التمكين للإسلام فى مصر، وهو قول يفتقر إلى الحصافة بل هو قول مسىء، فالإسلام يكمن فى أرض مصر وبين المصريين، والثقافة الإسلامية تظل الجميع، حتى غير المسلمين ومصر ليست ديار كفر ولا هى بلاد معاندة للإسلام، حتى يتحدث القيادى بالجماعة عن تمكين الإسلام بها، قد تبدو العبارة بسيطة أو كلاماً عابراً، لكنه فى النهاية يقود إلى التكفير، وكم من عبارات على هذه الشاكلة- وبمثل هذه الصياغات الفضفاضة- أدت إلى كوارث وجرائم حقيقية.
لقد نجح نظام مبارك منذ عام ١٩٨٤ فى أن يجعل من الإخوان فزاعة للقوى المدنية والتيارات السياسية فى مصر، فضلاً عن أن يكونوا فزاعة للغرب، لكن الجانب الآخر من الصورة أن قيادات الإخوان قبلت هذه اللعبة وبعضهم استمرأها، وهاهم يمارسونها معنا بأنفسهم وفى خطابهم.
فى أغسطس ١٩٥٢ تصور قادة الإخوان أن من حقهم فرض الوصاية على الحكام الجدد، وصل الأمر فى النهاية أن طلب المرشد الثانى أن تعرض عليه جميع القرارات قبل إصدارها ليتأكد من مدى مطابقتها للشريعة، والمشهد الآن يتكرر فى سياق آخر وبحيثيات جديدة، حيث يتصور قادة الجماعة أنهم هم الثورة، وهم وحدهم من أسقط مبارك ونظامه، فيحاولون فرض الوصاية علينا.
الإخوان لا يتغيرون ولا يتعلمون، وهم كذلك لم يستوعبوا بعد حقيقة ما جرى فى مصر
حلمى النمنم - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment