تأكد للكثيرين أن شعبية «مبارك» تصل إلى الصفر فى الشارع المصرى، وأن حزبه الوهمى الذى تحدث عنه أحمد عز باعتباره حصل على ٩٧% من الأصوات فى الانتخابات الأخيرة لم نر منه إلا بضعة آلاف أمام مسجد مصطفى محمود حين كان هناك ملايين فى ميدان التحرير يطالبون بسقوطه.
ليس هناك شك فى أن «مبارك» هو الحاكم الأسوأ فى تاريخ مصر الحديث، فلم تعرف مصر حاكماً احتقر الشعب وأهانه مثلما فعل «مبارك»، فتفرج على كوارثه وآلامه وكأنه ليس واحداً منهم، وأدار البلد بالمواءمات وقتل الكفاءات و«تطفيشها» خارج البلاد وتحويل معظم مؤسسات الدولة إلى خرابات حقيقية، لأن المهم هو البقاء فى الكرسى، وتوريثه إن أمكن.. لم يقدم «مبارك» شيئا لمصر إلا البقاء جاثماً على أنفاس الناس ٣٠ عاماً، على عكس كل من حكم هذا البلد منذ محمد على، فرغم أخطاء وربما خطايا كثير منهم فإنهم لم ينالوا كراهية الشعب مثلما جرى مع «مبارك».
وقد عرف المصريون سعد زغلول الذى قاد ثورة عظمى فى تاريخ مصر، ومصطفى النحاس الذى كان زعيما وطنيا بامتياز، وعبدالناصر الذى قاد حركة التحرر الوطنى ووضع روحه بين يديه حين قام بثورة يوليو، والسادات الذى اتخذ بشجاعة قرار الحرب فى ١٩٧٣، وغامر بخطوة السلام، أما «مبارك» فبقى وأبقانا معه فى المكان نفسه ثلاثين عاما يتحدث بجهل لا مثيل له عن أن أزمات مصر ترجع إلى حروبها من أجل فلسطين، وتناسى أن آخر حرب دخلتها مصر كانت فى ١٩٧٣، أى منذ ٤٠ عاما، فى حين أن هناك دولاً دمرت بالكامل أثناء الحرب العالمية الثانية وأعادت بناء نفسها فى أقل من ٢٠ عاما.
هل نتذكر ماذا كان يجرى مع الناس حين كان يمر «مبارك» ولو نادرا فى شوارع القاهرة؟ ألم يكن يخلى كل شبر من المارة ومن السيارات، ولو طال أن يهدم البيوت على رؤوس ساكنيها لفعل (هل نسينا العمارة التى جاء من يهدم أدوارها العليا لأن هناك من شاهد الرئيس من على سطحها فصفق له ببساطة المصريين)؟ وهل يعرف البعض أن مصطفى النحاس نام فى محطة القطار وهو «دولة رئيس الوزراء»؟ وهل رأينا صور عبدالناصر وهو محاط من كل جانب بالناس ولو أخرج أحد سكينا لقتله فى الحال؟
مدهشة هى رسالة الشعب المصرى طوال الثورة حين رفع الناس يافطات تحمل صور عبدالناصر والسادات، وهى رسالة أكبر من أى انقسامات أيديولوجية عرفها المجتمع المصرى، فقد ترك كل منهما أثراً فى الناس على عكس «مبارك» الذى ترك الألم والمهانة ورحل غير مأسوف عليه.. لم يتعاطف الشعب مع «مبارك» وهو رهن التحقيق والعلاج فى المستشفى، وستبقى محاكمته فى إطار القانون أمراً أساسياً رغم أنه حاكم الناس بالمحاكم العسكرية والاستثنائية، فمصر الجديدة يجب ألا تعرف الانتقام وتعطى للجميع، بمن فيهم «مبارك»، الحق فى الدفاع عن أنفسهم أمام قاضيهم الطبيعى.
إن مصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى قام بثورة ضد النظام الملكى وترك الملك يخرج سالما خارج البلاد، وهى أيضا التى أسقطت نظام مبارك، وبإمكانها أن تنتقم منه أو تفتك به ولم تفعل ولن تفعل. . يجب أن يفخر المصريون بما فعلوا ويحافظوا ويبنوا عليه.
د. عمرو الشوبكى - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment