Sunday, April 17, 2011

أزمة فى دوجماطيقية الإخوان

فى ٢٦ مارس من هذا العام عقد شباب الإخوان مؤتمرهم الأول تحت عنوان «رؤية جديدة من الداخل». واللافت للانتباه أن انعقاد هذا المؤتمر جاء إثر ثورة شباب ٢٥ يناير، ومعنى ذلك أن ثمة علاقة «ما» بين هذين الحدثيْن.

والسؤال إذن:

■ هل فى الإمكان تحديد هذه الـ«ما»؟

- إذا كانت ثورة شباب ٢٥ يناير أحدثت تغييراً جذرياً، إذ قامت بنفى الوضع القائم استناداً إلى وضع قادم كان يتحرك فى فضاء افتراضى اسمه «فيس بوك»، فهل كان مؤتمر شباب الإخوان فى ٢٦ مارس يشير إلى ثورة، أى إلى «رؤية جديدة» على نحو ما جاء فى عنوان مؤتمرهم؟

جواب شباب الإخوان أن الغاية من عقد مؤتمرهم تحريك حوار فكرى داخل الجماعة فى إطار نقد بناء يتم تحت رعاية الجماعة.

أما جواب مكتب إرشاد الجماعة فجاء برفض عقد المؤتمر فى رسالة بعث بها على «sms» هذا نصها: «رجاء عدم إرسال أى فرد لحضور المؤتمر الذى سيعقد تحت اسم شباب الإخوان والتنبيه على الجميع بعدم حضوره».

الجوابان متناقضان تناقضاً حاداً، أى لا وسط بينهما. وتناقض من هذا النوع ينطوى على «أزمة»، لأن الأزمة بحكم طبيعتها تنطوى على إشكالية، والإشكالية تعنى التناقض.

والسؤال إذن:

■ أين تكمن الأزمة؟

- تكمن الأزمة فى علاقة شباب إخوان ٢٦ مارس بشباب ثورة ٢٥ يناير من جهة، وبينهم وبين مكتب الإرشاد من جهة أخرى. العلاقة الأولى تشى بالثورية بحكم ضيق المسافة الزمنية بين ٢٥ يناير و٢٦ مارس. والعلاقة الثانية تشى بمجاوزة شباب ٢٦ مارس لمبدأ السمع والطاعة، وهو المبدأ الحاكم للعلاقة بين مكتب الإرشاد وأعضاء الجماعة، وهو أيضا المبدأ الحاكم لفكر ابن تيمية فى القرن الثالث عشر.

فعند ابن تيمية ثمة دليلان للبرهنة على سلامة النص الدينى: الدليل السمعى والدليل العقلى، والأول يحكم الثانى لأن ما هو ثابت بالسمع فهو ثابت سواء علمنا بالعقل أم بغير العقل ثبوته، وإذا كان الشرع يقوم على السمع فيجب تقديم الشرع عند التعارض مع العقل، ولهذا فإن ابن تيمية يرفض التأويل الذى يعنى إعمال العقل فى النص الدينى بحيث يتجاوز المعنى الظاهر، ومن هنا تكون الطاعة ملازمة للسمع. ومن لزوم الطاعة والسمع تبزغ الدوجماطيقية.

والسؤال إذن:

■ ما الدوجماطيقية؟

- إن هذا اللفظ مُعَرّب وهو مشتق من اللفظ اليونانى «دوجما» ومعناها «معتقد» أى مطلق، ومن ثم يكون الدوجماطيقى هو المالك لحقيقة مطلقة، والملتزم بفرضها على الواقع، وإذا حدث ذلك امتنع الواقع عن التطور، ولكن الواقع محكوم عليه بالتطور بحكم أنه نسبى، فيلزم من ذلك مجاوزة النسبى للمطلق، ومن هنا يدخل الدوجماطيقى فى «أزمة». وهذا هو حال جماعة الإخوان الآن.

والسؤال إذن:

■ ما هو مصير هذه الأزمة؟

- أستعين فى الجواب عن هذا السؤال بوضع مضى عايشته وهو يمضى من البداية إلى النهاية. بدايته حوار أجريته مع أحد الأساتذة الشبان فى علم الاجتماع بجامعة «لنينجراد» فى عام ١٩٦٩، وكان هذا الأستاذ واسمه «يدف» يرأس مجموعة من الباحثين تجرى تجارب علمية مع العمال والمهندسين فى بعض مصانع «لنينجراد». لفت انتباهه أن ثمة مسافة بين ما يعتقده الإنسان وما يصدر عنه من أفعال، ومن ثم بدأ البحث مع زملائه عن العوامل المعوقة لتنفيذ ما يعتقده الإنسان، فاكتشفوا أن العامل الذاتى يؤدى دوراً مهماً مع العوامل الموضوعية وكان الاتجاه السائد للفكر الشيوعى فى ذلك الوقت هو استبعاد العامل الذاتى -وهو هنا الإنسان- والاكتفاء بالعامل الموضوعى، وهو هنا النظام الشيوعى.

أما هؤلاء الشبان فقد ارتأوا أن العامل الذاتى المتمثل فى المبادرة والإبداع مهم للغاية، الأمر الذى يستلزم إحداث تعديل فى الماركسية السوفيتية، إلا أن هذا التعديل لم يكن ممكنا لأن الماركسية السوفيتية قد أصابتها الدوجماطيقية، وكانت النتيجة تشريد هؤلاء الباحثين. ولم يكن تشريدهم إلا تعبيرا عن حدوث أزمة فى دوجماطيقية الماركسية، وفى عام ١٩٨٩ انهارت هذه الدوجماطيقية وانهارت معها الكتلة الشيوعية

د.مراد وهبة - المصرى اليوم

No comments: