المرحلة الانتقالية التى نمر بها الآن هى الأخطر فى تاريخنا، وبناء عليها سيتحدد مسار مصر لعقود طويلة، ومنهج الديمقراطية الذى سنتفق عليه الآن هو الأهم، بعدها يأتى رئيس، أو يذهب رئيس، لا يهم، لأننا سنكون وقتها دولة مؤسسات.. هذه هى رؤية الدكتور محمد البرادعى التى يطرحها فى الجزء الثانى من حوارنا معه.
ويؤكد البرادعى أنه لو قرر المجلس العسكرى تشكيل مجلس رئاسى فإنه لن يرفض أن يكون عضواً فيه، حتى ولو منعه ذلك من الترشح لرئاسة الجمهورية فى المستقبل، لأنه سيشارك وقتها فى بناء صرح الديمقراطية على أسس سليمة تنعكس على مستقبل مصر، وهو الغاية الأسمى بالنسبة إليه.. وما بين الملفات الداخلية والخارجية دار هذا الحوار:
■ ما أبرز ملامح برنامجك الانتخابى؟
- همى فى المرحلة الحالية هو الإصلاح، وبناء أساسات الصرح الديمقراطى الذى نريده جميعا، بعدها يأتى رئيس أو يذهب رئيس، لا يهم.. المهم هو تكوين دولة المؤسسات، ومع ذلك فقد بدأت مع الشباب وبعض المؤيدين لى فى صياغة برنامج انتخابى يقوم على المصداقية ويركز على عدة أهداف، منها إعادة توزيع الدخل وتضييق الفجوة التى أحدثها النظام السابق فى الأجور، وحتى يتحقق ذلك يجب تنمية الدخل القومى المصرى بالصناعات القائمة على الكثافة العمالية والتكنولوجيا العالية.. وقد ذكر لى الدكتور حازم الببلاوى أن مواردنا الطبيعية قليلة وإذا أردنا المنافسة فعلينا زيادة إنتاجية الشخص، وبالتالى إنتاجية الدولة، والمؤكد أن هذا لن يحدث إلا بتطوير التعليم ليكون المواطن المصرى مثل المواطن الكورى والهندى واليابانى قادرا على استخدام التقنية العالية فى الصناعة والزراعة، وهنا تجب الإشارة إلى أننى أنوى الاهتمام بقطاع الزراعة الذى تدهور كثيرا عن طريق تحسين أحوال الفلاحين واستخدام التقنية الحديثة فى أساليب الزراعة والرى وإنتاج البذور، إضافة إلى الصناعات القائمة على الزراعة التى تنتج عنها قيمة مضافة إلى المنتج الزراعى.. كما أهدف إلى أن يرتفع الفقراء من تحت خط الفقر إلى خط الحياة الإنسانية، وأمتلك فى ذلك الصدد خطة متوسطة الأجل لزيادة الثروة فى البلاد ولكن بضوابط تضمن العدالة الاجتماعية، لأنه رغم ارتفاع مؤشر النمو فى العهد السابق فإن غياب العدالة الاجتماعية جعل الفقير يزداد فقراً والغنى يزداد ثراء.
■ كل هذه المجالات التى تحدثت عنها يشترك فى طرحها جميع المرشحين الآخرين، فما هى الميزة النسبية فى برنامجك الانتخابى؟
- أنا معك فى أن البرامج الانتخابية ستكون متشابهة إلى حد كبير، لذا يجب أن نعطى البرنامج الانتخابى ٥٠% من تقييمنا ويعطى الشخص نفسه ٥٠% من التقييم، لأن قدرة الرئيس على تنفيذ البرامج وتطبيق نظم الإدارة الحديثة، وفهمه للأمن القومى المصرى ومتطلبات التنمية، وقدرته على العمل الجماعى واختيار المعاونين على أساس الكفاءة، وقدراته على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، كلها أمور ينبغى أن يضعها الناخب فى اعتباره حينما يدلى بصوته لصالح مرشح دون الآخرين، فنحن لسنا ألمانيا مثلا التى تمتلك صرحا ديمقراطيا ويحدث الاختلاف فقط فى التفاصيل البسيطة، مثل تأمين صحى أم رعاية صحية متكاملة؟ نحن لانزال فى البداية والكل يتحدث عن العدالة والتنمية والحرية، لذا لا نتوقع اختلاف البرامج الانتخابية رغم أهميتها وإنما ننظر أيضا إلى كفاءة المرشح وقدراته.
■ كل ما تقوله عن أهمية النظر إلى المرشح وقدراته لا يصب فى مصلحتك لأن عهد الشعب المصرى بك قريب وشهرتك مقصورة إلى حد ما على النخبة؟
- أنا معك فى أن الشعب المصرى عرفنى فى البداية بشكل مشوه منذ قلت كلمة واحدة فى ٢٠٠٩ وهى «التغيير»، ووقتها بدأ النظام السابق حملاته المأجورة ضدى بضراوة شديدة تركزت على أننى أمريكى وعميل وسهلت الحرب على العراق وأننى أحمل جنسية أجنبية ومتزوج من أجنبية إلى غير ذلك من أكاذيب، ولكن أعتقد أن هذه الفكرة انكسرت رويدا رويدا بعد ذلك حتى لحظة الثورة التى غيرت مفاهيم الكثيرين عن محمد البرادعى، وما يقال عن كونى غير ملم بأمور السياسة أود أن أقول إننى عملت فى أدق ملفات التنمية الزراعية، والفقر، والسرطان، والمياه الجوفية..إلخ، ولدى خبرة ٣٠ عاما من العمل فى المؤسسات الدولية، وتميزت بقدرتى على إدارة مؤسسة بها ٩٠ جنسية مختلفة و٢٥٠٠ موظف.. باختصار أنا لم أحصل على جائزة نوبل من فراغ.
■ كل ما تقوله جيد، ولكن فى النهاية أنت مرشح للرئاسة فى دولة نسبة الأمية فيها تتعدى الـ٤٠%؟
- أنا أعمل الآن على الوصول إلى هؤلاء.
■ كيف؟
- عن طريق الشباب الذى يعمل فى كل قرى مصر، وآمل أن أنزل إلى الشارع والقرى بعد التأكد من وجود إجراءات لتأمين جميع المرشحين، إضافة إلى أن هناك مهمة على الإعلام وهى تعريف الشعب المصرى بمن هو محمد البرادعى.
■ ماذا لو خسرت سباق الرئاسة؟
- أنا لا أطرح نفسى كرئيس للجمهورية فقط، إنما فى الأساس أطرح أفكارى ومبادئى، فأنا لست فى سباق حول الأكثر شعبية وإذا رأى الشعب أنه يحتاجنى فى هذه المرحلة سأكون سعيدا، أما إذا رأى أن هناك من هو أفضل منى فسأكون سعيدا أيضا.. أنا أنظر للرئاسة على أنها وسيلة لغاية هى إصلاح البلد.
■ هل يمكن أن تقبل أن تكون نائبا للرئيس؟
- لا أقبل ذلك، فأنا لا أبحث عن منصب ولا وظيفة، ولا أعتقد أن منصب نائب الرئيس سيسمح لى بالعمل الذى أريده، وأنا أرى أن عملى الآن خارج أى إطار رسمى قد يكون أكثر فاعلية من أى منصب رسمى.
■ وماذا لو طلب منك أن تكون فى المجلس الرئاسى على ألا يكون لك الحق فى الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة؟
- سأقبل فورا.. لأننى مؤمن بأن هذه المرحلة الانتقالية أهم من المرحلة المقبلة، لأنها هى التى ستؤسس للشكل الذى ستكون عليه مصر طوال العقود المقبلة، وهى التى من شأنها أن ترسم صورة مصر الديمقراطية ببرلمان قوى ودستور معبر عن كل الشعب.
■ ماذا لو تقدم مرشح دينى لمنصب الرئاسة فى ظل مجتمع يميل بطبعه إلى التدين؟
- سأتحدث فى هذه الجزئية عن الإخوان المسلمين، باعتبارهم القوة المنظمة فى التيار الدينى والأكثر اعتدالا، والإخوان جماعة لها احترامها رغم أننى أختلف معهم فى بعض الأمور، ولكن طالما يتحدثون عن دولة مدنية وحرية وعدالة فأهلا وسهلا، هذا من حيث المبدأ، ولكن كان الإخوان من الحصافة الكافية التى جعلتهم يقولون إنهم لن يتقدموا للترشح لمنصب الرئاسة لأنهم يعرفون التخوفات التى تراكمت على مدار السنين.
■ ماذا عن السلفيين الذين ألمحوا إلى خوض المعركة الانتخابية وماذا لو حدث ما يتوقعه البعض من استقطابهم لقواعد الإخوان فى جميع أنحاء الجمهورية؟
- أولا: من هو السلفى؟ وما هى رؤيته لإدارة مصر؟ ثانيا: لا أعتقد أن السلفيين سيحظون بأغلبية فى هذا السباق.
■ بشكل عام، هل تخشى صعود التيار الدينى فى مصر؟
- مصر بلد عاش منذ آلاف السنين على ضفاف النيل، وطبيعة مصر سهول وليست جبالا، لذا لا نحب العنف، والدين لدينا قائم على السماحة والاعتدال، وإذا كان التيار الدينى قد استمد قوته من قبل بسبب فراغ الساحة السياسية وما للإخوان من مصداقية فى الشارع ومساعداتهم للشعب الفقير وتعاطف الشعب معهم نظرا لحبسهم والتنكيل بهم إضافة إلى كونهم القوة الوحيدة المنظمة فى الساحة السياسية، فالحل هنا أن نفتح الأبواب لجميع التيارات الليبرالية واليسارية والناصرية والشيوعية.. إلخ، وقتها لا أعتقد أن الغلبة ستكون للتيار الدينى.
■ نعود إلى انتخابات الرئاسة، ماذا لو تقدم أحد قيادات المؤسسة العسكرية السابقين، هل تعتقد وقتها أن ذلك سيضعف من فرص باقى المرشحين؟
- تكفينا ٦٠ عاما من المؤسسة العسكرية، ومع ذلك من حق أى شخص أن يتقدم، ولكن سيبقى السؤال وقتها: هل سيخلق مجتمعا قائما على الانضباط العسكرى أم على المشاركة والحوار؟
■ وهل من الممكن أن تدعم المؤسسة العسكرية هذا المرشح؟
- هنا سنعود إلى الشفافية التى ننشدها من المؤسسة العسكرية.
■ هل أعدت التفكير فى الترشح بعد حادثة المقطم، خشية أن يتم التعرض لك مرة ثانية أثناء الجولات الانتخابية؟
- كلّا، على الإطلاق، وما حدث لى من اعتداء سواء ممن نسميهم قادة الثورة المضادة أو فلول الحزب الوطنى، يزيدنى إصرارا على استكمال المشوار.. طبعا لابد أن آخذ فى اعتبارى سلامتى وسلامة أهلى ولكن المهم هو تحقيق الديمقراطية.
■ إذن فأنت تؤمن بما يسمى «الثورة المضادة»؟
- كل ما أعرفه أن هناك بلطجية يتعقبوننى فى كل مكان أذهب إليه: المقطم، دار القضاء العالى، نقابة الصحفيين.
■ إذن أنت تعتقد أن الهجوم عليك فى المقطم كان مدبراً؟
- طبعا لاشك فى ذلك.
■ لماذا ذهبت للتصويت فى منطقة مساكن الزلزال بالمقطم وهى منطقة فقيرة نسبيا؟
- لأن لعائلتى بعض الأنشطة الخيرية فى هذه المنطقة من رعاية للملاجئ وبعض العائلات الفقيرة، وكان رأيى هو ضرورة النزول فى منطقة يسكنها الفقراء وأن ألتحم معهم، وعلمت بعد ذلك أن البلطجية جاءوا إلى لجنة التصويت فى عربات لورى ومحملين فى أيديهم بـ«كسر البلاط»، وهذا أكبر دليل على أنه كان هجوما مدبراً، وأنا لم أتكلم مع أحد من الموجودين هناك بعجرفة كما أشيع وكتب فى بعض الصحف، ولم أوزع أموالاً ولم أرفض الوقوف فى الطابور كما قيل.. كل هذا هدفه الإساءة لى، بل إنه حتى الآن لم يبد أحد فى الحكومة استنكاره لما جرى، بل لم ترسل النيابة من يعاين سيارتى المحطمة، وحتى ما قاله وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى، مع كامل احترامى له عن الحادث، لم يحدث. عموما مازالت هناك جهات منظمة تريد إثارة الذعر وتعقب شخصيات معينة، وحتى يشعر الشعب بالاطمئنان يجب أن تتخذ إجراءات تطمئنهم، فرغم أننا عانينا من قانون الطوارئ ٣٠ عاما فإننا اليوم نحتاجه ومع ذلك لا يستعمل رغم أن مصير البلد اليوم على المحك. كما أن الإعلام الرسمى لايزال يبث سمومه رغم أن أفراده يتحصلون على رواتبهم من الشعب المصرى، لكنهم يستغلون طيبة هذا الشعب وأن جزءا كبيرا منه غير متعلم.
■ لننتقل إلى ملف السياسة الخارجية.. يجمع الكثير على تراجع دور مصر الخارجى فى عهد النظام السابق.. ما رؤيتك لاستعادة هذا الدور؟
- إذا سارت مصر فى الطريق الصحيح سنجد العالم العربى كله والذى يمر فى حالة مخاض الآن يتعامل معها باعتبارها النموذج الذى يجب أن نحتذى به جميعا فى طرق نقل السلطة وتطوير المجتمع حتى تعود مصر قاطرة، ووقتها سيختلف دورنا ومصالحنا وأمننا القومى وستكون النظرة إلينا من منطلق توازن القوى، وبالتالى سيتعامل معنا الغرب على قدر من المساواة بعد أن كنا قد فقدنا هذا التوازن وضاع كل رصيدنا السابق، فقوة الدول الآن لا تعد ولا تحسب بالدبابات، وإنما بقوة العقل وبماذا تصدّر الدولة وعلاقاتها التجارية مع الآخرين وقدرتها على المشاركة فى الحضارة الإنسانية، ورغم أن المواطن المصرى لايزال فقيرا، كما كان قبل الثورة، فإننا لو نظرنا فى عينيه الآن بعد الثورة سنراه يشعر بالفخر والكرامة والعزة، لذا نريد أن ينعكس ذلك على دورنا الخارجى وأن نشعر بعظمتنا واستعادتنا حجمنا الطبيعى كما كنا فى السابق.
■ فى حوار سابق للدكتور مصطفى الفقى، ذكر أن رئيس مصر القادم لن يأتى إلا بموافقة أمريكا وإسرائيل، الآن ونحن فى هذه المرحلة الانتقالية، هل تعتقد أن الغرب بمجمله سيحاول التأثير لضمان عدم انتخاب رئيس لا يوافق مصالحهم، أم قد ينتظر لمعرفة الرئيس القادم ثم يحاولون استقطابه؟
- لا أتفق مع صديقى الدكتور مصطفى الفقى، وهذا الشعور بأن الغرب هو الذى سيحدد لنا مصيرنا هو جزء من مركب النقص الذى نشعر به. نحن ٨٥ مليون مواطن قادرون على تحديد مصائرنا، ولاشك أن من مصلحة الغرب أن يكون فى مصر استقرار، وألا يوجد إرهاب وأن تكون الدولة معتدلة، وألا تحدث حرب مع إسرائيل، واستمرار الإمدادات من الغاز والبترول، وقد قلت للأمريكان «إنكم تهدرون أموالا على مكافحة الإرهاب وتأمين أمريكا من الداخل، وإذا كنتم تريدون مكافحة الإرهاب وعليكم اتباع طريقين: الأول هو أن تنفق هذه المليارات على الشعوب الفقيرة فى شكل مساعدات، والثانى بفتح حوار مع هذه الدول وبذل ما تستطيع للمجتمع المدنى والدفاع عن الحرية والديمقراطية، وقتها سينشغل الناس بالعلم والعمل والديمقراطية ولن يكون هناك إرهاب».
وأنا فى رأيى أن الغرب أخذ درساً قاسياً من ثورة مصر، فعندما خرجت هيلارى كلينتون فى أول أيام الثورة على قناة «سى إن إن»، وقالت «تقديرنا أن نظام مبارك مستقر»، قلت لها إننا نختلف على مفهوم الاستقرار، فليس معناه قمع الشعوب وليس معناه الحكم ٣٠ عاما أو الجمود.. وقد لاحظنا جميعا أن الموقف الأمريكى يتغير كل يوم، ونصحت الرئيس أوباما بالخروج للانحياز للشعب المصرى وقد كان، وقد تعلموا درسين بعد ثورتى تونس ومصر: الأول أن الاستقرار لن يأتى إلا بحكومات منتخبة، والثانى ضرورة تغيير سياساتهم تجاه المنطقة كما ذكرت.
■ فى ظنك ما أسباب التمسك الشديد للغرب بمبارك حتى بداية الثورة قبل انقلابهم عليه فى النهاية؟
- مبارك ونظامه باعوا للغرب ٣ خدع، والغرب اشترى دون فحص البضاعة، وهى أن مصر ستتحول إلى فوضى بغياب مبارك، وأنها ستكون ولاية الفقيه، وأنها ستدخل حربا مع إسرائيل، وهذه خدع كبيرة لأن مصر بها حالة من عدم الاستقرار الآن وهذا أمر طبيعى بعد الثورات، ولكن سرعان ما ستستقر، أما عن تحولها إلى ولاية الفقيه أو حتى جنوحها إلى الإرهاب فهذا غير صحيح، لأن مصر ستكون أكثر حداثة واعتدالا وأقل تطرفا، فالتطرف كان سببه قمع المواطن داخل بلده، وشعوره بعدم احترام الخارج له، والمواطن يستيقظ يوميا على قتلى فى فلسطين والعراق وأفغانستان، وعندما نقول له وقتها إن هناك مؤامرة ضد المسلمين سيصدق لأن هناك شواهد على ذلك.. لكن إذا تغيرت المعادلة سينتهى الإرهاب.
■ ولكن طرفى المعادلة ليسا بأيدينا؟
- نعم.. هناك جزء يخصنا وهو التغيير الداخلى إضافة إلى تغيير منطقنا فى التعامل مع الغرب، وطرف المعادلة الثانى فى يد الغرب الذى يجب أن يفهم أن حل المشكلة الفلسطينية وإعادة العراق وإنهاء ما يحدث فى أفغانستان هى جزء من الحل واستقرار الأوضاع، إذا أرادوا علاقات جيدة مع منطقة الشرق الأوسط.
■ ما رؤيتك لشكل العلاقات الخارجية بيننا وبين الغرب فى المرحلة المقبلة، وتأثير ذلك على القضايا الكبرى فى المنطقة مثل الملف الفلسطينى؟
- العلاقات ستقوم على أساس توازن المصالح إذا حددنا نحن أولا أهدافنا وكانت لدينا خريطة واضحة للتعامل مع أمننا القومى.. وفى رأيى أن القضية الفلسطينية ستحل فى المرحلة المقبلة لأنه سيوجد توازن بعد تغيير شكل المنطقة العربية وأنظمتها ولن ننتظر الحلول من الغرب.
■ هل من الممكن أن نعيد النظر فى اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام فى المرحلة المقبلة، خاصة أن أحد مرشحى الرئاسة صرح بأنه على استعداد لإلغاء كامب ديفيد إذا طلب منه الشعب ذلك؟
- ما أسهل أن تكون رئيسا شعبويا فى مصر.. ولكن الأهم هو أن تكون رئيسا يتمتع بالمصداقية مع شعبك.. وأنا أرى أن دورى آنذاك يحتم على أن أشرح للشعب تداعيات مثل هذه الخطوة، ثم علينا أن نسأل أنفسنا السؤال الأكبر: ماذا نريد من كامب ديفيد؟، الهدف هو حل القضية الفلسطينية، وهذا من الممكن الوصول إليه كما قلت بتشكيل ضغط عربى قوى أظن أنه سيحدث بعد تغيير المنطقة.
أعلم أننا وقعنا اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بشروط مجحفة، ولكنه قد حدث فلماذا نبكى بعد انتهاء الأمور؟ تماما مثلما دخلت الدول العربية كالقطيع فى اتفاقية حظر انتشار السلاح النووى وهى تعلم أن إسرائيل لم توقع ثم تبدى الدهشة بعد ذلك وتقول إن إسرائيل لديها سلاح نووى؟ فلماذا وقعنا إذن؟ لماذا وقعنا اتفاقية كامب ديفيد ولم نشر من قريب أو من بعيد إلى السلاح النووى الإسرائيلى، ثم نجلس «نخبط على الترابيزة ونقول إننا أخذنا مواقف وشجبنا ونددنا»؟.. لذا فى رأيى أننا يجب ألا ندخل فى مغامرة عدم الالتزام باتفاقية كامب ديفيد، لأنه طبقا للقانون الدولى لا يمكن تعديل وإلغاء الاتفاقيات الدولية إلا إذا تغيرت الظروف بما يسمح بإعادة النظر فيها، أو كانت هناك مخالفة صريحة من أحد أطراف الاتفاقية لنصوصها وإلا سيقف الغرب ضدنا وسنتهم بمخالفة القانون الدولى.. وأنا رأيى أن هناك أمرين حدثا لم تستطع مصر الإفاقة منهما حتى الآن: نكسة ٦٧ والسلام المنفرد مع إسرائيل.
■ ولكن البعض يقول إن النظام السابق قدم تنازلات شديدة لا علاقة لها باتفاقية السلام، مثل الجدار العازل وغلق المعابر وبيع الغاز بسعر بخس لإسرائيل؟
- أتفق مع ذلك، فإذا كان الأمن القومى يحتم إغلاق الأنفاق فلنغلقها، ولكن يجب عدم إغلاق المعابر وحبس مليون ونصف بنى آدم بلا طعام أو دواء فى أحلك الظروف حتى إن ممثل العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى قال إن غزة لها «سجانين» هما مصر وإسرائيل، وهذا بالطبع لا علاقة له بالاتفاقية.. وغلق المعابر كان من منطلق فكرة غيبية أننا إذا فتحنا المعابر سيحدث ائتلاف بين الحمساوية والإخوان المسلمين. أما بالنسبة للغاز فيجب أن يباع بالسعر العالمى، وأنا كنت ممن يؤمنون بأنه إذا كانت الطاقة لدينا قليلة فمن الأجدى الحفاظ عليها للأجيال القادمة إلى جانب التوجه إلى الطاقة المتجددة.
■ وما رؤيتك لأزمة المياه بعد انضمام بوروندى لمبادرة حوض النيل ودخولها حيز التنفيذ؟
- أعلم أن أزمتنا مع دول حوض النيل بدأت منذ حوالى ١٥ عاما ومع ذلك لم نتحرك إلا بعد أن تفاقمت. فنحن لم نعالج الأزمة فى بدايتها ولم نستثمر فى الدول الأفريقية وتعاملنا معها باستعلاء شديد، ولا أعرف إذا وصلت الأزمة إلى محكمة دولية هل يمكن أن تأتى النتيجة فى صالحنا أم لا؟ خاصة أن دول حوض النيل تعتمد على أن الاتفاقية التى تتمسك بها مصر تم توقيعها فى عهد الاستعمار وعلى اتفاقات دولية تقول إن على الدول التى تشترك فى مورد مائى واحد أن يكون هناك اقتسام عادل بينها لهذا المورد.. لذا يجب أن نكثف الجهود لحل الأزمة، ونوجد نقاطاً تجمعنا فى المصالح خاصة أن هذه الدول لا تحتاج الماء بقدر احتياجها للكهرباء والتنمية وهو ما يمكن أن نساعدهم فيه.
■ هل لديك علم بأسباب رفض مصر التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية؟
- نعم.. فهذه الاتفاقية تقوم على أساس محاكمة كل من يقدم على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وكانت تتضمن بندا يخص محاكمة رؤساء الدول، وعندما وصلت المذكرة إلى الرئيس السابق مبارك كتب عليها بالخط الكبير «لا»، ولم ندخل فى الاتفاقية، فالنظام السابق كان لا يفرق بين المصالح الشخصية ومصلحة الوطن.
■ عودة إلى ملف الرئاسة، ما علاقتك بالسيد عمرو موسى؟
- السيد عمرو موسى صديق عزيز وتجمعنى به كل مودة وقد دعانى الأسبوع الماضى للقاء على الغداء.
■ وعن أى شىء تحدثتما؟
- فى كل شىء. المرحلة الانتقالية، وكيفية إدارة البلاد، واتفقنا على أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تكون شفافة ومعبرة خاصة أنها ستكون الانتخابات الرئاسية الأولى من نوعها فى مصر.. واتفقنا على أن هدفنا فى النهاية هو إعلاء مصلحة مصر.
■ هل حدث أن أرسلت جواز سفرك الدبلوماسى فى ظرف إلى السيد عمرو موسى أثناء توليه وزارة الخارجية تعبيرا عن اعتراضك على عدم ترشيح مصر إياك لمنصب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
- لم يحدث.. لأننى أفرق بين النظام والدولة، وأعلم أن الرئيس مبارك نفسه لم يستشر فى أمر ترشيحى، وأن الرفض جاء من داخل عائلة الرئيس والمؤسسة الرئاسية.. تماما مثلما يقولون إننى حصلت على قلادة النيل من الرئيس السابق مبارك، وأنا أرى أن هذا غير صحيح لأنه منحنى القلادة نيابة عن الشعب المصرى، وقد قلت ذلك فى كلمتى آنذاك «إننى أشكر الرئيس مبارك الذى أعطانى القلادة وأشكر الشعب المصرى على تقليدى إياها».. فأنا لا أخلط بين الاثنين.
■ فى النهاية ماذا تقول للرئيس مبارك الآن؟
- مبارك كان رئيسا للبلاد ٣٠ عاما.. أخطأ وأصاب.. لكن الشعب قرر للأسف أنه فشل فى تأدية مهمته، ونتج عن فترة حكمه فساد كبير.. ولا خلاف شخصياً بينى وبينه، لذا أدعو له الله بالرحمة.
مجدى الجلاد ورانيا بدوى - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment