Monday, April 04, 2011

إنت حوار يا حوار

كنا نظن أن المضحكات المبكيات فى مصر قد ذهبت إلى غير رجعة، لكنها بدأت تطل برأسها من جديد، ففى يوم واحد توقفت أعمال لجنة الحوار الوطنى ليتم إسنادها إلى الدكتور عبدالعزيز حجازى بدلا من الدكتور يحيى الجمل ولا عزاء للدكتور على لطفى، وهو مشهد لا يفوقه فى العبثية والأسى إلا إنشاء جروب على الـ«فيس بوك» للراجل «أبوجلابية» الذى نزل ليمارس الحوار «ضد» أشقائنا التوانسة فى قلب استاد القاهرة، وإلى أن يحدث تحقيق سريع وعلنى يكشف أبعاد تلك المؤامرة الحقيرة التى لا تخفى أهدافها على أحد، أضم صوتى إلى صوت الصديق محمد صلاح العزب فى مطالبته بمحاكمة الترزى الذى فَصّل تلك الجلابية المريعة التى أساءت إلى سمعة كل ترزية مصر.

فيما يخص ملف الحوار، سألنى صحفى: هل غضبت لأنك لم تتلق دعوة لحضور سرادق الحوار «المنصوب» فى مجلس الوزراء؟، فقلت: بالعكس كنت سأغضب لو تلقيت الدعوة بل كنت سأرفضها دون إبطاء، ليس لأن لدى موقفا من طريقة إدارة الدكتور الجمل للحوار، بل لأننى لست أهلا لحضور هذا الحوار من بابه، لعلك تعلم أن التواضع والعياذ بالله ليس من أخلاقى، كل ما فى الأمر أننى أؤمن بأن كونك تكتب عمودا فى صحيفة لا يؤهلك للاشتراك فى الحوار حول مستقبل أمة، وللأسف هذا هو الخطأ الحيوى الذى وقع فيه منظمو جلسات الحوار، فقد أعدوا للجلسات قائمة بها حاصل جمع ضيوف برامج التوك شو، كأن هؤلاء، وفيهم أساتذة وأصدقاء وأحباب، يمكن أن يكون لديهم جديد يقولونه غير الذى يقولونه كل يوم فى البرامج أو يكتبونه فى الصحف.

منذ أيام سمعت فكرة رائعة قالها الشاعر الجميل الأستاذ إبراهيم داود فى برنامج تليفزيونى، مفادها أن وسائل الإعلام المرئية روجت فكرة خاطئة لدى الملايين هى أن الصحفيين والكتاب أناس يفهمون فى كل شىء، ولذلك يمكن أن تستضيفهم البرامج ليتحدثوا فى كل شىء، فجنت على الناس وعلى الصحفيين أيضا. أتفق مع الأستاذ إبراهيم لكننى أقول إنه إذا كان ذلك المنهج مقبولا فى البرامج التى يُشترط فى ضيوفها الجاذبية والقبول والقدرة على التواصل مع الجماهير، لكنه لا يمكن أن يكون مقبولا عندما نتحدث عن جلسات حوار يُفترض فيها أن تصوغ مستقبل أمة،

لذلك كنت أتمنى ألا تكون الشهرة أو الخلفية السياسية معيارا لاختيار المشاركين بل أن يكون المعيار الأهم وجود مشروعات علمية وأوراق بحثية فى جميع المجالات يتقدم بها الراغبون فى الاشتراك فى الحوار، ويتم اختيار أكثر تلك المشروعات عملية وقابلية للتنفيذ لتتم مناقشتها واتخاذ قرارات فورية لترجمتها على أرض الواقع.

لكى لا تتصور أننى أهرف بما لا أعرف، دعنى أحدثك عن تجربتى فى برنامج (عصير الكتب) الذى استضفت فيه خلال العام الماضى نخبة من أهم باحثى مصر ومفكريها فى جميع المجالات، كان يجمع بين أغلبهم قاسم مشترك أعظم هو أنهم كانوا يظهرون على شاشة التليفزيون للمرة الأولى، مع أن لديهم أفكارا مبدعة يمكن أن تحل مشاكل مصر فى كل المجالات، بالأمس فقط استضفت عالما فى المركز القومى للبحوث اسمه الدكتور صبرى البادى لديه تصور مثير للاهتمام لممر تنمية شرقى غربى يعتمد على البنية الأساسية الموجودة بالفعل، ويمكن أن يحقق، فى حال تبنيه الفورى،

نتائج مذهلة دون تكاليف مادية كبيرة كالتى يحتاجها ممر التنمية الشمالى الغربى الذى يدعو إليه العالم الجليل د. فاروق الباز ويمكن أن يكون مقدمة لتنفيذ مشروع الدكتور الباز فى المستقبل، تعرفت على هذا العالم بالمصادفة من خلال بريد إلكترونى أرسله إلىّ ولو كان الزهق قد استبد به كما استبد بمئات مثله لما كنت قد سمعت عنه، يشهد الله أنه لا يمر أسبوع إلا وتلقيت فكرة مبهرة أو تصورا واعدا من أحد علماء مصر البعيدين عن الأضواء،

مثلا أكتب لك هذه السطور بعد أن قرأت ورقة رائعة جاءتنى على البريد الإلكترونى وحملت عنوان (الطريق إلى دولة البحث العلمى) كتبها الدكتور مجدى زعبل، أستاذ المناعة الوراثية بالمركز القومى للبحوث، كان يمكن فى رأيى أن تكون أساسا للنقاش فى جلسات الحوار الوطنى، لأنها تنظر إلى أزمة البحث العلمى فى إطارها السياسى الاجتماعى المتكامل.

كل هذا للأسف ستُحرم منه مصر الثورة لأن بعض قادتها لم تتملكهم روح الثورة بالقدر الكافى، فهم مصممون على أن يختاروا لملف الحوار الوطنى أناسا كبار المقام، عريضى التجربة، لكنها تجارب قديمة تعتبر أن السياسة شأن ينبغى أن يُترك لمحترفى السياسة ورجال الأحزاب.

، وأن الحوار يعنى أن تجمع فى قاعة واحدة أضدادا مشهورين ليقولوا للناس كلاما كادوا يتكرعونه من فرط ما سمعوه، وكأن مجرد حشد تلك الأسماء سيثبت أننا خلاص دخلنا مرحلة جديدة فى حياتنا، مع أن ميدان التحرير تجاوز هذه المرحلة منذ أول يوم حاشد رأى فيه الناس كيف يتجاور الأضداد عند توحد الهدف، وبالتأكيد كان الناس سيسعدون لو انتقلوا إلى مرحلة جديدة يرون فيها وجوها غير مستهلكة وأفكارا طازجة وأصواتا بكرا، على أن يواصل نجوم السياسة أداء مهامهم فى توعية البسطاء سياسيا فى السرادقات والمحافل العامة وبرامج التوك شو، والاستعداد لمعركة الانتخابات التى يبدو أغلبهم غافلين عنها كأنها ليست على الأبواب.

والله العظيم تلاثة، هذه ليست دعوة لإقصاء أحد من ساحة الحوار، فإذا كنت لا أرى نفسى أهلا للاشتراك فى هذا الحوار، فلست بالتأكيد أهلا لاقتراح أجندته وآلياته، إنها فقط دعوة للانسياق وراء خيال جديد يمنح الفرصة لأسماء لم تلعب السياسة فى عداداتها، ولذلك السبب تحديدا ربما يكون حل مشاكلنا على أياديهم. صدقونى لا يفرح الإنسان بغضب من يحبهم لكننى سأكون سعيدا إذا أغضب كلامى كثيرا من المدعوين إلى جلسات الحوار الوطنى وشجعهم على الاعتذار عن عدم حضور أى جلسات حوار مقبلة، لكى ينزلوا إلى الشارع الذى يحتاجهم أكثر من جلسات المكلمة، ولكم فى «غزوة الصناديق» عبرة يا أولى الأشداق.

المصرى اليوم - بلال فضل-

belalfadl@hotmail.com


No comments: