الليبراليون فى السعودية نائمون.. جبناء.. لا يقوون على معارضة السائد، ولا يجرؤون على انتقاد حشرة.. الليبراليون مشتتون. ضائعون.. ما يميز التيار السلفى عنهم أنه جاد، جرىء بانتقاد أى شىء، وإن كان نقداً سياسياً بعض الأحيان. هل يكون لمكانة رجال الدين السياسية وارتباط الدين بالسلطة دور فى جرأتهم؟ ربما. لكنى أعتقد أن إيمانهم بمبادئهم راسخ جداً، على عكس الليبراليين الذين يثبتون يوما تلو الآخر أنهم ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية.. ليبراليو السعودية مختلفون عن ليبراليى العالم العربى، وإن كانوا جميعهم متفقين على مسألة واحدة هى عدم امتلاكهم مشروعاً حقيقياً أو عدم البدء به.. فماذا يفعل الفكر الليبرالى وسط الثورات وجنون الحرية؟ يتقوقع على نفسه أكثر فأكثر. ليكشف أنه لم يكن شيئاً. كان نزوة، خرافة. كان أى شىء باستثناء أن يكون تياراً ذا فكر ومنهج وإيمان.. الليبراليون كاذبون. منافقون. متقلبون.. أسأل الفرد منهم: هل أنت ليبرالى؟
فيجيب: والله حسب مفهومك لليبرالية.
أعيد سؤالى: يعنى إنت ليبرالى أم لا؟
فيجيب: أنا إنسانى أطالب بالتعديل والإصلاح.. أعيد سؤالى: أنت ليبرالى؟ أجبنى نعم أم لا.
يقول: لا.
غوغائيون. يهيمون. يقولون ما لا يفعلون.. المثقفون السعوديون يدعون إلى الحرية والانفتاح، ويزعمون أنهم يقومون بالتغيير والإصلاح وأنا أزعم أنهم يخربون البلد ويرجعونه للوراء أكثر مما أرجعه المتشددون، فلا حرية أو إصلاح يتصالحان مع عناصر هدامة كالخوف والخجل.. ما يزرعانه هو النفاق والالتواء، تجدهم فى كل مكان ينظرون ويحللون وليس أكثر منهم يتحدث عن الحرية. لكنها حرية مغشوشة، يمسكون بسلاح الليبرالية للتأكيد على مدنيتهم وعصريتهم، فيما هم تقليديون حتى النخاع. نساء غالبيتهم مازلن بالعباءات، نساء غالبيتهم لا يُكشفن على مخلوق، يحبون الليالى الحمراء. صاروا مشهورين بتلك الليالى. الأمر الذى يجعل الفرد أمام خيارين: إما أن ينضم لقائمة الإسلاميين والمحافظين، أو أمامه حياة لا تسير على مبدأ. اختفى النموذج العربى القديم. الفكر المتدين المتحرر. امرأة متدينة لا ترتدى الحجاب. رجل متدين يخالط النساء. مؤمن يطلق لأفكاره العنان ويطرح تساؤلات كونية. حبيبان تعلم القبائل بأمرهما وتتغنى بأشعارهما. اختفت الفطرة.. الاختلاط، حتى ولو بأماكن العمل.. فجور وكفر بنظر السلفيين. وحياة معتدلة بسيطة مستنكرة عند الليبراليين.
هل كانت الليبرالية ردة فعل متطرفة لتطرف التشدد الدينى؟!
يقول إنه ضد الاتجاه الإسلامى.. يدعو للحريات ولاحترام حقوق الإنسان، ويدعو لمؤسسات مجتمع مدنى، ويدعو لحرية المرأة وللحب ولأشياء أخرى.. أجبنى: هل أنت ليبرالى؟
لا يوافقنى على أنه ليبرالى بل حقوقى. يرتعد من فكرة أن يصل نبأ ليبراليته لأسماع الإسلاميين أو السياسيين فيلقوه بالخانة السوداء. أقصى مشاركة جريئة يقوم بها كتابة رواية جنسية تفصل العلاقة الجسدية وبلوغ النشوة بين رجل وامرأة، أو تصور تفاصيل حميمة لعلاقة مثلية نشأت بسبب التطرف والمحافظة. هو على استعداد تام لنقد المجتمع من خلال أطروحاته الجنسية، هذه أقصى وطنية يمتلكها. أما أمور السياسة والدولة فراضٍ عنها بلا نقاش.
طبعاً، الطرف الآخر (الإسلامى) فَرِحٌ بهذه المشاركة الوطنية التى تبدأ من الحزام فما تحت. حتى لو انتقدها وقام بتكفير أهلها، يبقى سعيداً بها، إذ لن تعطله أو تشكل أى عائق أمام مرماه الرئيسى. الطرف الآخر منشغل بالأهم. بالسيطرة. منظم ولديه برامج لا تنتهى. ومهما اختلفنا معه ومع القشور التى يريد أن يشغل بها حياتنا فهو التيار الأكثر تنظيماً وربما الأكثر تأثيراً. هدفه التمكين السياسى. يرفع من حظوظه السلطوية انغماس الفكر الليبرالى فى السرير ومداعباته.
المتحرر يشاهد وطنه يكاد يتفجر ضحية للفكر الواحد ويقف صامتاً.. هتافاته عن الحرية لن تخرج عن الطاعة، نفاقه اشتد فى الآونة الأخيرة وتحول لشاعر فى بلاط السلاطين. يمجد ويكبر ولا يجد مانعاً من أن يكون حراً فكرياً وعبداً عملياً فى آن، فيما العالم العربى يمر بمراحل تغييرية ويترقب الحال السياسية والفكرية بعد الثورات.
بعض التحليلات تصب فى صالح صعود الإسلاميين، وبعضها يجزم بصعود الليبراليين خاصة أننا نعيش عهد المفاجآت. خلال ذلك يبقى المثقف السعودى ينتظر الإرادة العليا ليحدد إرادته وفقاً لها وليحدد عنوان مقاله الجديد وفقاً لعنوانها، ليس لديه أى جديد، وليس بجعبته أى نهضة تذكر. وعن الرموز؟ ليست هناك رموز ليبرالية فى السعودية.. بالطبع ستكون الغلبة هنا للإسلاميين. ليس لأن السياسى يريد ذلك فقط بل لأنهم الوحيدون فى الساحة.
السلفية برأيى تسير بمنحى متصاعد.. واحترام وجودها واجب، فأتباعها جزء من الوطن. لكن الجريمة أن يسود تيار فكرى واحد وتغيب التعددية، أساس تقدم أى مجتمع. كل الشباب العربى الحر الذى خرج مقاتلاً من أجل النهضة والحرية وكل الشابات الصغيرات اللواتى لم يهبن شيئا فى سبيل أن تصل كلمتهن الحقيقية.. كلهم لم يؤثروا به ليصبح أكثر جرأة ولم يحركوا به ساكناً. بقى على عهده وزاد تمسكه بإخفاء هويته حتى لا يصنف ضمن المطالبين بالتغيير.
أكثر شىء يفعله هو المجاهرة بأنه ضد الأديان، رغم أن الليبرالية والعلمانية لا تتعارضان مع التدين. على العكس، فالعلمانية تضمن حرية الدين وحماية حقوق الأفراد بممارسة الشعائر التى يؤمنون بها من خلال فصل الدين عن السلطة.
بالطبع، لن يُغضب مقالى أحد ليبراليى السعودية لأنهم ببساطة خائفون حتى من الغضب، من التعبير عن أنفسهم، ومن الدفاع عن أفكارهم، كى لا يفتضح أمر ليبراليتهم، وهذا سبب كاف لأكتب عن دائرة العفن التى أراها تتسع أكثر فأكثر كل يوم، ويزيد معها حجم الشرخ فى وطن صار عاجزاً عن تحمل كل هذا التطرف الدينى وكل ذاك الخوف الليبرالى.. يبقى أمل واحد فى جيل الشباب الجدد. جيل لم تتحدد بعد ماهيته. أهو متطرف، أم خائف مرتعد، أم يكون متأثراً بمحيطه العربى الثورى فيتزعم نهضة تقود لمستقبل أكثر منطقية وأكثر عقلانية من راهننا السعودى المجنون؟!
نادين البدير - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment