إذا كان الدكتور محمد بديع يعنى ما يقوله حقاً، فإن «الإخوان» يستطيعون حصد ٧٥% من مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكنهم لن ينافسوا سوى على ثلث المقاعد فقط، ليتركوا لبقية القوى السياسية فرصة للتواجد. إنه حقاً شعور طيب من مرشد «الجماعة»، الذى «سيتصدق» على القوى السياسية بنحو ٤٠% من المقاعد التى يضمن الحصول عليها، دون أن يطلب ثمناً لهذه «النفحة» الكريمة.
ليست هذه لغة رجل سياسة يتحاور فى مجال عام مع أنداد ومنافسين، ولكنها لغة «حاكم» أو «وصى» أو «مرجع»، يسيطر على الأجواء، ويهيمن على الشارع، ويمتلك موارد الديمقراطية، ويمنحها لمن يشاء، وبالقدر الذى يحدده، وفى التوقيت الذى يراه مناسباً.
سيقول قائل إنها «لعبة سياسية»، أو «محاولة لتحلية البضاعة»، قبل الدخول فى معترك الصفقات الانتخابية، وبدء المساومات مع التيارات السياسية الأخرى على المقاعد والدوائر، وهو طرح سيبدو منطقياً، خصوصاً إذا أتى من «الإخوان» أصحاب التاريخ العريق فى عقد الصفقات كما يقول نقادهم عنهم.
يتهم النقاد «الإخوان» عادة بأنهم أصحاب مدرسة متكاملة فى التفاوض والمساومة مع الأصدقاء والفرقاء وألد الأعداء، مستندين إلى الحقائق الثابتة بخصوص الصفقات الكبيرة والمتكررة طيلة العقود السبعة الأخيرة من القرن الماضى، فضلاً عن «الصفقات الحديثة والمعاصرة»، مثل «صفقة انتخابات ٢٠٠٥»، والأنباء عن «صفقة انتخابات ٢٠١٠» التى أهدرها الحزب الوطنى، ثم كلام القيادى المستقيل هيثم أبوخليل عن «صفقة مع اللواء عمر سليمان»،
وأخيراً الحديث عن صفقة مع المجلس العسكرى. يبيع «الإخوان» عادة قاعدتهم الجماهيرية، المفترضة والمنظمة تنظيماً جيداً، لأحد الأطراف القادرة، فى مقابل مكسب سياسى ما، وقد كان المكسب السياسى قبل ٢٥ يناير يتعلق عادة برفع الضغوط، أو تحرير سجناء، أو إتاحة منابر، أو إنشاء حزب، أو فرص انتخابية عادلة. نعرف جميعاً الآن أن «الإخوان»، الذين التحقوا بثورة ٢٥ يناير بعدما تأكدوا من فرص نجاحها، حققوا بفضل تلك الثورة هذه المكاسب كلها، بل وما هو أكثر منها أيضاً. فإلى ماذا يسعون الآن؟
يبدأ الحديث عن ربع مقاعد البرلمان، ثم يعلو إلى «الثلث»، قبل أن يكون «حول الثلث»، وصولاً إلى ٣٥% أو يزيد، وأخيراً فهم يتحدثون عن تمكنهم من ٧٥% من المقاعد، وبالتالى، فهم سينافسون على منصب رئيس البرلمان، لأن «كل المناصب مفتوحة للمنافسة، وإذا لم ننافس سيحاسبنا الشعب»، كما يقول القيادى الدكتور حمدى حسن.
سئل الدكتور سعد الكتاتنى، وكيل مؤسسى حزب «الحرية والعدالة»، الذى تنوى «الجماعة» إنشاءه، عما إذا كان الحزب سيدعو إلى تطبيق الحدود، فرد بكلام كثير، من بينه قوله: «أولاً لكل حادث حديث، والحديث فى موقع المعارضة يختلف عن الحديث فى موقع الحكم».
الكلام طبعاً واضح، فلكل حادث حديث، ولذلك، فقد أكد الدكتور محمود عزت، نائب المرشد، والقيادى سعد الحسينى، فى مؤتمر جماهيرى بإمبابة الخميس الماضى، إمكانية «تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض، وتمهيد المجتمع للحكم الإسلامى»، مشددين على أن «حزب الجماعة وسيلة تؤدى إلى الحكم».
أما المرشد السابق مهدى عاكف، فقد كان كعادته أكثر وضوحاً، إذ حضّ «الجماعة» فى مؤتمر جماهيرى، عقده بالمنوفية الأربعاء الماضى، على «التوافق على مرشح رئاسى واحد سواء من داخل الجماعة أو خارجها».
يعلن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أنه يدرس الترشح للرئاسة، لكن القيادى المهندس خيرت الشاطر يؤكد أن «الجماعة» لن ترشح رئيساً ولن تدعم أى مرشح منها، أما عاكف فيبقى الباب موارباً، فيما يؤكد حمدى حسن أن «كل المناصب مفتوحة للمنافسة».
يتحدث عزت والحسينى عن «تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض»، و«صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية»، ويرفض القيادى الدكتور عصام العريان التعليق، قائلاً: «الجماعة ستحقق فى التصريحات إذا رأت أن فيها ما يثير الانتباه، وستناقش صاحبها والأسباب التى دعته إلى إطلاقها، وإذا كانت التصريحات خرجت من نائب المرشد، فهناك مرشد يمكن الرجوع إليه».
ثمة ثلاثة تفسيرات للتضارب السابق، أولها أن «الجماعة» تعانى انقساماً داخلياً وافتقاداً للرؤية الموحدة وصراع إرادات، وثانيها أن «الإخوة» يقومون بعملية توزيع أدوار محبوكة لتعزيز حظوظ «الجماعة» فى المعترك السياسى، وثالثها أن «الجوائز» التى هبطت على «الإخوان» منذ ثورة ٢٥ يناير كانت من الضخامة والكثافة بحيث باتت تغرى القيادات كل يوم بتعلية سقف المطالب والطموحات.
يبدو لى أن التفسير الثالث هو الأرجح، وأن «الإخوان» باتوا أشبه بعائلة متقشفة مضطهدة، هبطت عليها ثروة هائلة وعظيمة، فأخذت بعقل أعضائها، فتباروا فى الاستعلاء والجموح، وطلب الصعب وغير الواقعى، واجتراح أسقف جديدة للأحلام يوماً بعد يوم.
لا يبدو أن «الإخوان» يوزعون الأدوار، أو يرتبون لـ«صفقة»، لكنهم على الأرجح يغرقون فى إحصاء «هدايا الثورة وجوائزها وعطاياها الضخمة»، ويغترون بها، ويستفزوننا بحداثة عهدهم بـ«النعمة»، ويستعلون علينا بـ«التمكن والنفاذ».. لذلك، ستكون الصدمة كبيرة عليهم، حين تضعهم الانتخابات المقبلة على المحك الحقيقى، ويدركون أن الثورة قامت فى مصر لتأخذها إلى النور، لا لتقذفها فى الظلام
ياسر عبدالعزيز - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment