Monday, April 04, 2011

مطلوب فحص ملفات قيادات وزارة الداخلية على مدار حكم مبارك


أعادت مهزلة استاد القاهرة خلال مباراة كرة القدم بين ناديى الزمالك والإفريقى التونسى الحديث بقوة عن جهاز الشرطة الذى خرج ولم يعد منذ تفجر ثورة 25 يناير التى أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسنى مبارك.
وإذا كان قادة الشرطة تسابقوا على تبرير جريمة الانسحاب الكامل لكل رجال الشرطة فى مصر مساء 28 يناير، بدعوى الخوف على حياة هؤلاء الأفراد فإن ما حدث فى الاستاد والسلبية الكاملة التى تعامل بها ضباط وأفراد الأمن الذين كانوا موجودين داخل الملعب يثير الكثير من الشكوك حول جدية عودة جهاز الأمن إلى ممارسة مهامه. والأسئلة التى تفرض نفسها بقوة هى: ماذا أصاب جهاز الشرطة، وما الذى لحق به إلى حافة هذا الدرك المهين؟. لماذا تصحرت وسائله فى مواجهة الأزمات، ولماذا تحجرت مواقفه والتى زج به فى خضمها بسبب فساد سياسى سلطوى واستبداد فوقى تزاوج مع سقطاته وغطرسته؟.



اللواء عبد الهادى بدوى مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة الأسبق يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها فى حوار مع الـ«الشروق»

لماذا انهار جهاز الشرطة بسرعة ومازال فى حالة غير مستقرة الى الان؟
ــ ما حدث من إخفاقات جسيمة لم يكن وليد اليوم وإنما يعود إلى حقبة تمتد إلى ربع قرن سابقة على الأقل ومن فعل نظام مهترئ، اختار أسوأ العناصر لتبوؤ أعلى الهرم الوظيفى لجهاز الشرطة، بل كانت توجه أجهزة الدولة الأخرى بتنصيب قيادات عرف عنها أخطر السوءات واشتهر عنها سوء السمعة تحمل بين ثناياها نزوات معلومة للنظام لاستخدامه ذليلا منبطحا فى بلاط السلطان طائعا وخادما مشوه الشخصية فتقوض الجسد الشرطى من قمته إلى قواعده بفيروسات الفساد المالى والإدارى مع إقصاء دورى ولسنوات عديدة لأفضل الكفاءات وأكثرها خبرة.

ومن هنا انتشر سرطان الفساد من عقد إلى عقد وأفسد الأجيال تباعا فانحسر أداء رجالات وعناصر الشرطة إلى غير الصالح العام وباتت الغلبة لتحقيق المصالح الخاصة الضيقة واستغلال الوظيفة للاستيلاء على المنافع وانتشر سعار التربح الحرام بشكل لم يسبق له مثيل وتشوهت القيم وأصبح جهاز الشرطة مخلخلا من الداخل وصعب ترميمه وتبددت أى فرصة للإصلاح.

كيف ترى صورة شباب الثورة أثناء وقوفهم أمام قوات الشرطة؟
ـ الشباب أيديهم نظيفة وقلوبهم طاهرة وأفكارهم ناضجة ويدافعون عن وطن وتطبيق قيم والحق وقد كان النصر من عند الله وناصرا لهؤلاء الشباب لأنهم أقوياء بشرفهم وعزيمتهم وإصرارهم وان هناك عقيدة اتخذوها فى تلك الثورة وهى الوطن ثم الوطن دون النظر عن تحقيق مصالح معينة أو أهداف وواجهوا طلقات الرصاص الحى والقنابل المسيلة للدموع والدهس أسفل عجلات السيارات الغاشمة فكانت ثورة جميلة تتراقص معها القلوب وتنبض وترتجف العيون بدموع الفرح والنصر وأنهم حققوا نصرا لا يقل عن حرب أكتوبر بل يزيد لأنهم أزاحوا نظاما فاسدا كان مستعمرا لثروات البلاد وطاقتها وشعبها ويأكلون عرق المواطنين وكان استعمارا للحزب الوطنى يسيطر على كل شىء وكان يجمع الثروات فى جيوبه ويفرض ضرائب جديدة وإتاوات على الفقراء ويرفع الأسعار ليكتوى بها الفقراء.

أما النظام الشرطى فكان يدافع عن نظام الحزب الوطنى المكروه شعبيا والمدمر لكل معنويات شعب فقير فمن هنا جاء النصر ونجاح الثورة.

هل تم إقصاء قيادات شرطية شريفة فى العهود الماضية؟
ـ نعم تم إقصاء العديد والعديد من القيادات الشريفة من جهاز الشرطة. وهذا هو سبب ضعف جهاز الشرطة على مدار الثلاثين عاما العجاف الماضية هذه كانت سياسة وزارة الداخلية وهناك مئات القضايا فى مجلس الدولة لقيادات شرفاء رفضوا التعاون مع النظام وحاولوا أن يكشفوا الحقائق إلا أن وزارة الداخلية أطاحت بهم وبكل من يرفض العمل من أجل حماية النظام الفاسد وحتى ينصب الفاسدين فى المناصب العليا التى تعمل معه ومن أجل ذلك قدم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى مشروع قانون لمبارك عام 1998 بتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 الخاص بقواعد الترقى بدءا من رتبة عقيد وحتى لواء «أى الترقى بالقطعة عاما بعد عام وهذا القرار أحبط جميع ضباط وزارة الداخلية وأصبح سيفا للعادلى لكى يقطع به يد أى قيادة شريفة وحرفية ومهنية.

وما هى مظاهر الفساد فى وزارة الداخلية ولماذا انتشر الفساد؟
ـ مظاهر الفساد تبلورت فى العجز المهنى والضعف الحرفى الأمنى فى أعمال البحث والتحرى والضبط فى المديريات، أضف إلى ذلك عدم توافر العدالة فى توزيع المبالغ.

هل هناك بعض ضباط شرطة اشتركوا فى جرائم منظمة؟
ـ نعم وبكل تأكيد وتناولت وسائل الإعلام العديد من تلك الجرائم وما خفى كان أعظم وقد كشفت العصابات المسلحة التى تم القبض عليها عن فساد وزارة الداخلية حيث تم ضبط 4 تشكيلات عصابية بشراكة بعض أفراد الأمن فى وزارة الداخلية والكارثة أن هذه العصابات اشترك فيها أمناء شرطة ومندوبو الداخلية ومسجلون خطر مما جعل الإجرام على أشده فى المرحلة السابقة وسرقات السيارات واقتحام شقق الأثرياء وقد تم اتهام العديد منهم فى قضايا.

والكارثة أن هناك ضباطا تم ضبطهم فى جرائم رشوة وتمت إعادتهم للعمل وهناك من تم الحكم عليه فى محاكم تأديبية ومازالوا يمارسون عملهم فى نفس المواقع التى يعملون بها.

وانتشر الفساد بوزارة الداخلية بسبب عدم وجود قيادة حكيمة أو قدوة يمكن أن يمتثل بها هؤلاء الضباط وفى نفس الوقت لا يوجد عقاب صارم ضد كل من تسول له نفسه أن يرتكب جريمة والكارثة الأخطر أن الضابط المخطئ يتم نقله إلى مكان آخر فقط. ولذلك لابد من فحص ملفات الفاسدين فى وزارة الداخلية وإحالة جميع من تثبت إدانتهم على مدار السنوات الثلاثين الماضية إلى محاكمات وبسرعة حتى يتخلص جهاز الشرطة ممن أفسدوه وأضاعوا هيبته وكرامته ويجب فصل كل من تورط فى قضايا حتى ولو كان الأمر يتطلب فصل الآلاف منهم ولابد من تطهير الجهاز منهم ولابد أن نحتذى بتجربة المكسيك التى تم فيها فصل 3200 عنصر أمنى فى حملة على الفساد.

هناك إدارة التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية مهمتها التحقيق فى مخالفات وتجاوزات الضباط فلماذا لم توقف هذه الإدارة الفساد فى الوزارة؟
ـ هذا القطاع من أهم القطاعات بالوزارة عمله رقابى وتحديد للمسئوليات وتقييم للأداء إلا انه فى الأعوام الماضية كلف بمهام تخرج عن وظيفته ومنها إشراكه فى العمل الميدانى ولذا فقد بعضا من اختصاصاته كما أن المسئولين بالوزارة فرضوا عليه أشخاصا بعينهم ولم يكن ذلك دارجا من قبل إذ كان الاختيار يتم بترشيح من ذات القطاع وبمواصفات خاصة منها الحرفية والأمانة ولذا انحسر الأداء نسبيا عن ذى قبل ولم يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفاسدين.

الرشوة تسللت إلى جهاز الشرطة وتغلغلت فيه وأصبحت أساس التعامل فلماذا؟
هذه كارثة كبرى يعانى منها الجهاز منذ زمن بعيد فالرشوة تتدرج فى وزارة الداخلية من الخفير حتى أعلى القيادات وكل حسب حجمه وهناك ضباط يدفعون رشوة حتى يمكن أن يجلسوا فى أقسام محددة بعينها وإدارات بعينها ويتم دفع رشاوى من أجل أن يتم تمديد اللواء وهذا أدى إلى وجود ضباط بعينهم فى قسم شرطة لأكثر من 15 عاما ويتم تجديد للواء شرطة لأكثر من 7 سنوات فى مكان ما سنة تلو الأخرى فى حين تتم الإطاحة بآخرين وهم فى رتبة عميد وكل ذلك أدى إلى خلخلة فى النظام الوظيفى بالوزارة وتدمير كل معنويات كل من يريد أن يعمل وفقا للقانون تكون نهايته الإحالة للمعاش.

وهناك مشكلة فى الرشاوى حيث يتخذ بعض الضباط سماسرة لهم يتلقون الرشوة بدلا منهم وهناك أماكن محددة لهم مثل مكاتب ومحال بجوار أقسام الشرطة وإدارات المرور والمصالح الشرطية المختلفة وكلها يشترك ضباط فيها.

والحقيقة أن الضابط الصغير يرى الكبير يحصل على أموال بالحقائب دون أن يقف فى طريقه أحد فإنه سيتعلم هو الآخر الرشوة وأصبحت الرشوة أساس التعامل مع عدد كبير من أفراد الشرطة الفاسدين.

هل الرشوة مرتبطة بضعف بعض الرواتب ضباط الشرطة فى إدارات معينة أم أنها فساد بصفة عامة؟
ــ ليس بالتأكيد لان هذا لا يشكل مبررا أو عذرا ولكن هناك ظلما كبيرا فى التفاوت بين الرواتب الضباط من مكان إلى آخر بعضهم يحصلون على مكافآت ليس لها نهاية مثل العاملين بمكتب وزير الداخلية وبعض الإدارات المختلفة. وبعض الإدارات المختلفة (شرطة الكهرباء ــ مباحث الضرائب) دون غيرهم من ضباط الأمن العام وأقسام الشرطة هذا بالإضافة إلى أن القيادات العليا يحصلون على مبالغ طائلة مما يثير الأحقاد والحنق.

ما رأيك فى اختيار الطلاب للالتحاق بكلية الشرطة وهل اختلفت المقاييس عما كانت عليه فى الماضى؟
ـ أول القصيدة كفر وهى التقدم لكلية الشرطة وآخرها فساد فى فساد حيث سيطر النظام الفاسد وبطانة الحزب الوطنى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى والوزراء السابقون على إلحاق الطلاب بالكلية والكارثة أنه يتم اختيار الضابط بناء على الوساطة وسؤال المتقدم للكلية علانية عن واسطته له ويتردد أن البعض يدفع رشاوى من اجل دخول الكلية وتم القبض على العديد من هؤلاء السماسرة. والمصيبة انه يتم دخول بعض الطلاب الكلية بدون اختبارات وحدث ذلك كثيرا.

وليس الاختيار هو المشكلة ولكن سلوك الطلبة داخل الكلية هو الأخطر فهناك انحراف لبعض الطلبة على مدار السنوات السابقة بارتكاب انحرافات جسيمة تخل بالسمعة والشرف وبعضهم عوقب بجزاءات متعددة وبعد التخرج يتم تعيينهم فى وظائف مهمة ومن ذلك بعض أنجال ضباط كبار فى وزارة الداخلية.

وان هناك توسعا كبيرا فى اختيار أبناء القيادات الأمنية فى كلية الشرطة وأصبح هؤلاء يشكلون خطرا فى جهاز الشرطة وللأسف يتم تفصيل آماكن خاصة لهم واختيار مواقع تليق بهم وأسرهم بصرف النظر عن الكفاءة ولذلك ففاقد الشىء لا يعطيه.

كيف نعيد الانضباط إلى جهاز الشرطة؟
ـ يستوجب الموقف البائس لهيئة الشرطة، توافر قيادة تتمتع بكاريزما خاصة، وذلك لجمع الشتات المبعثر، وإعادة الثقة المفقودة بين رجال الشرطة وأفراد الشعب، بعيدا عن الشعارات الإنشائية، تتصف بطهارة اليد، وحسن السيرة، وقيم الأمانة المطلقة، وان تكون قدوة تحتذى وتحظى بإجماع كبير من الضباط قبل الشعب.

ومن جهة أخرى، فإنه من الضرورى أيضا فتح ملفات الفساد المالى والإدارى، لقيادات وعناصر قيادات الشرطة، والتى أزكمت أنوفنا، وهشمت لوحة شرف أجيال سابقة، وان تتم محاسبة كل الفاسدين على مدار 30 سنة وهى سنوات حكم مبارك.

ويجب أيضا إجراء تحولات وتغييرات شاملة للعقيدة الشرطية وللأنساق الفكرية لأدمغة رجال الشرطة بفئاتها وتنوعاتها، وأن تكون مع الوطن وليس النظام، وليس رءوس النظام، ولكن النخبة وليس الصفوة.

ومن الأولويات التى يتحتم البت فيها تحقيق التقارب فى جداول الرواتب والحوافز والمكافآت بين فئات الشرطة المختلفة (ضباط أمناء وجنود ومندوبين) فمن المعيب أن تتمتع فئة دون أخرى داخل جهاز واحد بالدخل الكبير. وكذلك يجب توسيع رقعة الرعاية الصحية والاجتماعية والترفيهية لعناصر الشرطة من غير الضباط، وعدم إقحام جهاز الشرطة فى التصدى لازمات سياسية وقمع أطياف ورموز سياسية بسبب إخفاقات القيادة السياسية
ممدوح حسن - الدستور

No comments: