Thursday, March 24, 2011

حل اللغز

كان المشهد فى ميدان التحرير دالا بقوة على ما تتبناه الثورة.. فعندما كان أحدهم يرفع شعارا دينيا أو يردد هتافا دينيا كان المحيطون به يجبرونه على التوقف مرددين «لا نريد شعارات أو لافتات دينية».. كان هذا هو دستور الثورة المصرية.. كانت هذه هى مصر تعود إلينا كما عهدناها من قبل وكما تمنيناها، كانت روح مصر تعود إليها بلا عنصرية ولا طائفية.. فما الذى حدث ونحن لم نبتعد كثيرا عن الثورة، هل كانت عودة الروح مقصورة فقط على ميدان التحرير أم أن روح الثورة قد تم الانقلاب عليها؟

كيف تحول الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى معركة طائفية قائمة بالأساس على الاصطفاف الدينى.. كيف تحول عرس الديمقراطية إلى استفتاء ليس على التعديلات الدستورية بل على الطائفية.. كيف تبدل الموقف الذى كان لابد أن يتعرض لما يؤكد «نعم» أو يدلل على «لا» إلى ادعاءات قائمة على أكاذيب لا تفعل شيئا سوى الحشد الطائفى.. كيف تحولت «نعم» بقدرة قادر من تعديلات يُتفق أو يُختلف عليها إلى إيمان دينى لا يأتيه الباطل؟ من قالوا إن فى قول نعم إهداراً لدماء الشهداء أقول لهم إن تبادل الحجة الدستورية أو القناعة الفكرية ليس إهدارا لدماء الشهداء، لكن ما جرى من استخدام الدين بشكل فج وترويج دعاوى بأن «لا» تعنى حذف المادة الثانية وأن هذا هو «ما يسعى إليه الكفرة والنصارى» كما جاء فى المنشورات التى وزعوها- هذا بالضبط هو الذى فيه تنكر فادح لدماء الشهداء الذين دفعوا دماءهم ثمنا لوطن ينعم فيه الجميع بالمساواة وتختفى منه الطائفية، وعندما ينقلب البعض إلى استخدام الدين للتعبئة بل الادعاء كذبا بأن هناك محاولة لحذف المادة الثانية من الدستور- رغم أن هذه المادة ليست من المواد المطروحة للتعديل- فإن هذا ليس فقط تجذيراً للطائفية لكنه أيضا استعداء على الأقباط بنفس الأسلوب الذى كان ينتهجه نظام مبارك.

والأسوأ من هذا أن فيه إشعالاً لنارها من أجل مكاسب سياسية.. هل شعرنا بالفرحة والمصريون يمتدون فى طوابير طويلة أمام اللجان ليمارسوا الديمقراطية لأول مرة؟ نعم لكن هذه الفرحة سرقت وتفاصيل ما جرى تتكشف شيئا فشيئا.. المسألة ليست فريقا تفوق على فريق، لكنها إشارة لما يمكن أن يحرك الكثير من المخاوف من استخدام الدين فى السياسة بشكل لا يفسد فقط الحياة السياسية بل يضربها فى مقتل، فهل قامت الثورة لتقتل بمثل هذه الطريقة من أجل مكاسب سياسية لفريق ما؟

نحن جميعا أمام لغز من حقيقة ما جرى، وما يجرى الآن؟ الشارع المصرى ملىء بالشائعات، والسيناريوهات تستطيع أن تدركها ليس فقط من المناقشات الدائرة فى برامج التوك شو بل فى أى جلسة تجمع مهتمين بالشأن العام.. ما جرى ليس فقط مليئاً بالتجاوزات الخطرة لكنه ملىء بالأسئلة التى لا تجد إجابات؟ أهمها فى رأيى لماذا تم كل هذا الحشد الطائفى من أجل التعديلات الدستورية، ولماذا انفصل الإخوان عن باقى القوى الوطنية التى اتحدوا معها طوال الثورة وتحالفوا بدلا من هذا مع السلفيين والجماعة الإسلامية بل الصوفية؟ ولماذا باتوا يتصدرون المشهد وكأن هذا مقصود، ولماذا يحدث هذا فى نفس التوقيت الذى نجد فيه الصورة قد ازدحمت بلقطات الإفراج عن مالك والشاطر ثم احتلال الإعلام المصرى من قِبَل عبود الزمر.. هل هذه معركة تؤصل لمعارك قادمة؟ هناك إحساس بأن ما جرى جزء من سيناريو موضوع يراد تنفيذه..

من حق الناس أن يخرج علينا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتفسير لما يجرى وللإجابة عن تساؤل مطروح بحدة وهو هل يسعى المجلس الأعلى لـ«تركيب» تيار بعينه؟ فلا تنتشر الشائعات والتكهنات والسيناريوهات والحديث عن الصفقات إلا عندما تغيب الشفافية ويستشرى الغموض فى الصورة.. لا يمكن أن يُقْبل كل هذا التجاوز فى استخدام الدين إلى الحد الذى يهدد بفتنة طائفية ما لم يكن هناك دافع وراءه فما هو الدافع؟

هل يخرج علينا قادة المجلس الأعلى بتفسير أم نعتمد السيناريوهات المطروحة رغم كل ما تثيره من بلبلة وما تطرحه من مخاوف حول المستقبل.. ما يتردد ليس خافيا على أحد والصمت حياله لا يعنى سوى الموافقة عليه، فهل المطلوب منا اعتماده؟ هل المطلوب تمريره من أجل قبوله أم أن هناك سيناريو آخر لا يدركه سوى من وضعوه؟

كريمة كمال-المصرى اليوم

karimakamal@almasry-alyoum.com

No comments: