Thursday, March 24, 2011

غزوة الصناديق

سعادتى تتجاوز قدرتى على الوصف.. فقد خرج الشعب المصرى العظيم للإدلاء بالصوت حول ما قيل عنه تعديلات دستورية.. أغلبية نحترمها قالت «نعم».. وأقلية نحترمها قالت «لا».. كنت فى «فسطاط» أهل لا.. لكننى لا أنكر احترامى لـ«فسطاط» أهل «نعم».. فكلنا مصريون، وكلنا أكدنا سقوط النظام السابق.. فنحن حين خرجنا بهذه الكثافة لنمارس حقنا الديمقراطى بكل هذا الوعى والتحضر، أكدنا للعالم أن عزوفنا عن المشاركة فى أى انتخابات أو استفتاءات كان يرجع لعدم ثقتنا فى الحزب الوطنى المقبور.

بعض منا اعتقد أنه صاحب «فسطاط» نعم.. وبعض آخر تصور أن له الوصاية على «فسطاط» لا.. الحقيقة أن مصر يصعب على أى طرف من أطراف اللعبة السياسية الادعاء بأنه يتكلم باسمها.. فقد أسقطت ثورة ٢٥ يناير هذه الادعاءات البالية إلى الأبد.. لكن المثير أن أهل «نعم» تركوا الأمر لإعلان دستورى يصدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. والمدهش أن أهل «لا» كانوا يطالبون بإعلان دستورى يصدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. إذن كلنا كنا نبحث عن إعلان دستورى يحقق القطيعة مع دستور عام ١٩٧١.. فإذا بالذين قالوا «نعم» يحققون أهداف من قالوا «لا»!!

لماذا إذن حدث كل الضجيج الذى سبق وجاء بعد عملية الاستفتاء؟.. ظنى أن هذا الاستفتاء كان عملية استكشافية للحاضر، حتى يعرف العالم أن مصر تستحق الديمقراطية.. واعتقادى الجازم بأنه كان كاشفا لمن يعتقدون أنهم ورثة الحزب الوطنى المقبور.. فالذين عاشوا على شعار أنهم مضطهدون ومبعدون من الساحة السياسية، أطلوا علينا بوجه لا يختلف فى ملامحه وتفاصيله عن الحزب الوطنى المقبور.. وليس عجيبا أن كليهما اتفق على أن يكونا أهل «فسطاط» واحد!!

ستكشف الأيام القادمة من هو الحقيقى ومن المزيف.. سيرد الشعب لشباب الثورة اعتبارهم.. فهذا شعب شديد الذكاء والوعى.. أراد أن يقول للشباب نرجوكم التعقل والهدوء.. وقال للذين حاولوا سرقة ثورة الشباب امرحوا وافرحوا لنراكم مختالين فخورين بما لا تملكون.. فالعملية الديمقراطية ليست جولة واحدة، لكنها جولات تتعاقب وتتوالى.. وغداً سنرى الذين اختالوا فرحين يعودون إلى الناى الحزين لعزف لحن الاضطهاد.. تلك ليست صورة أدبية، لكنها محاولة استشراف لمستقبل قريب جداً.. وفى كل الأحوال سيتحقق الاستقرار الذى تنشده الأمة بأسرها.. ثقتى فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تدفعنى إلى تلك الرؤية وكل هذا التفاؤل.. فالبعض يعتقد أن المجلس الأعلى مجرد مجموعة من «الجنرالات»، وها هم يتعلمون من أدائهم أنهم قادة يملكون الحس والوعى والفكر والمنهج القادر على ضبط إيقاع المجتمع فى قلب محيط هادر.. أراهن على أنهم سيصلون بالسفينة إلى بر الأمان.. الحمد لله أننى أتحدث باحترام وتقدير عن مؤسسة عسكرية، جعلتنا مثار احترام وتقدير الدنيا، بانحيازها إلى ثورة الشباب.. وأكدت أن مصر أُمّ الدنيا يمكن أن تكون تونس.. لكنها لا يمكن أن تكون تلك الدولة أو غيرها التى تضرب مؤسستها العسكرية الشعب.

أما السادة «جنرالات الثقافة» وهذا ليس وصفاً جديداً لهم، لكننى أطلقته عليهم قبل أكثر من ٦ سنوات، بل إن أحد كتبى يحمل العنوان ذاته.. فالسادة المثقفون الذين يعتقدون أنهم أوصياء على شباب الثورة، أو ألهموهم تفجيرها.. لا يختلفون عن «جنرالات الدين السياسى» الذين بلغت بهم الجرأة فى الادعاء بأنهم شركاء فى صنع الثورة وتحقيق انتصاراتها.. فلو أن «جنرالات الثقافة» و«جنرالات الدين» رحمونا من صراعهم الساذج.. لذهبنا إلى المستقبل من أقصر طريق.. يؤكد ذلك فضيلة الشيخ «أسامة القوصى» الذى تناقلت صفحات الـ«فيس بوك» رؤيته للمجتمع المدنى كما نتمناه، فبدا صوتا عاقلا ورشيدا وهادئا ومحترما.. وعلى نهجه ستظهر تلك الأصوات المعتدلة ليتحطم على صخورها من زعموا أن الاستفتاء الأخير كان عنوانا لما سموه «غزوة الصناديق»!!.. وظنى أن تجاهل بعض الأسماء أصبح أمراً حتمياً.. وإعلان أسماء أخرى ضرورة واجبة.. فالذين يفهمون الدين ويعرفون قيمته فى حياة المصريين، يستحقون أن نُعلى شأنهم وقدرهم.. أما الذين يتاجرون بالدين فلا حق لهم فى أن نتناولهم، بالقدر ذاته الذى نتجاهل به الحزب الوطنى المقبور

نصر القفاص - المصرى اليوم

nasrelkafas@yahoo.com

No comments: