Monday, March 14, 2011

فين أيامك يا حسنى يا مبارك؟

«الأمن» فى اللغة ضد «الخوف»، وإذا كان الأمن القيمة الإنسانية العظمى التى لا تستقيم بغيرها الحياة فإن ما نراه اليوم من ترديدات وترويج وإنتاج لثرثرات فى جلساتنا يعصف بهذه القيمة، ويعد نكوصاً عما بدأناه منذ الخامس والعشرين من يناير، فخلال الأيام القليلة الماضية أعيد إنتاج نفس سيناريو الترويع الذى أخرجه بإتقان أنس الفقى وفرقته بإعداد وترتيب من أجهزة أمنية، كمحاولة أخيرة لإخراج النظام من غرفة العناية المركزة، وإنقاذه من مصير محتوم.

خطاب الترويع الجديد يحمل ملامح تناسب مرحلة ما بعد خلع مبارك، فالشائعات التى تنتشر على الرقعة الجغرافية الممتدة من أسوان إلى الإسكندرية فى دقائق بفعل التكنولوجيا دفعتنا إلى مقارنات خاطئة بين الماضى والحاضر، بدافع التعود والنزوع إلى الاستقرار حتى لو على حساب الكرامة والحرية.

من السهل أن يصرخ أحدهم فى وجهك قائلا: «لقد خطفوا ابنة جارتى فى عز الضهر» وتسأله: «أين كنت وهل رأيت ذلك بعينيك؟» فيكون رده «الصمت»، وقد يقودك حظك العاثر لتشاهد تامر أمين وبعضاً من جوقة الإعلام المصرى الرسمى ليحدثوك عن غياب الأمن بالمبالغة حيناً والجهل أحياناً، لتشعر أنك انتقلت بأهلك ومنزلك إلى أعتى أحياء شيكاغو الإجرامية، وإذا نظرت إلى الشارع من نافذتك فستجد العصابات على باب منزلك «ديليفرى» حسب طلبك، فهناك لصوص ونشالون و«حرامية غسيل» و«فتاحو خزن» وآخرون من عينة «على بوند» و«إسماعيل بوند» على رأى المرحوم محمد رضا فى «٣٠ يوم فى السجن»، وعليك أن تختار أيهم تفضل، وبإمكانك أن تطلب معهم السَّلَطَات وبابا غنوج.

اتصالات هاتفية على هواء التليفزيون الرسمى وبعض الفضائيات جزء من السيناريو الساذج، مع ماكينة الشائعات التى لم تعد تهدأ وتملأ دنيانا صباح مساء بحكايات ملفقة، وللأسف البعض فى الميديا والصحف يجرى وراءها وينتجها بوصفها حقائق دون التثبت والتدقيق وإعمال المعايير المهنية، فيتحول الأمر إلى مخطط منظم نشارك فيه جميعاً دون أن ندرى، وتلوك الألسنة هذه الكلمات وتعيد صياغتها والإضافة إليها بحسن نية لتصير مثل كرة الثلج التى يزداد حجمها كلما تحركت، وتصير جبلاً يبدأ بكلمة «شوفت اللى حصل امبارح؟...» مع التفخيم والتضخيم وإنتاجات «أبوالعُريف» المصرى.

ويبدأ البعض رغماً عن أنوفهم فى ترديد مقولة أحسبها خطيرة «فين أيامك يا حسنى مبارك؟!» ليبنوا لبنة فى جدار يرغب البعض فى بنائه لتقويض الثورة والدفع فى اتجاه انقلاب الشارع عليها، وهؤلاء جزء أصيل من الثورة المضادة التى بتنا دون أن ندرى تُروساً فى ماكينتها بعفوية وطيبة وجهل أيضاً، وفتنة «أطفيح» خير مثال، نستقبل الشائعات دون تفنيد أو تفسير بل نبثها للمحيطين بنا، فنرى فيها الوطن من خلال عيون المتآمرين لنضع شخابيط على صفحة الثورة البيضاء الشريفة ونلوث أياماً يسعى العالم إلى تدريسها لأطفاله، اليقظة فرض عين على الجميع، لا ينبغى تغييبها، وليقرر كل منا أن يذهب إلى المناطق التى يؤلفون حولها الحكايات بوصفها الأحراش أو بلاد «الواق الواق»، وعليه أن يعود كل ليلة إلى أرشيف صحف ما قبل ثورة «٢٥ يناير» ليعرف أن الجريمة طقس إنسانى فى حياة أى مجتمع، فليس هناك مجتمع فاضل مثالى، وما كان يحدث فى أقسام الشرطة وما تستقبله النيابات أضعاف أضعاف ما ينشر فى الصحف ووسائل الإعلام، المجتمع المصرى ليس آمناً مائة بالمائة لأن هناك قلة خارجة غير مسؤولة لا توقفها ثورات ولا تردعها مناشدات، ولا سبيل معها سوى تطبيق القانون والحسم المجتمعى، ومن كان يستخدمهم فى تزوير إرادة الأمة قد يستخدمهم لتأخير حسابه أو عرقلة ملاحقته.

أبحث عن رجال النظام السابق، وأجدنى ميالاً إلى السؤال عن عمر سليمان لأن الأسئلة كثيرة حوله وحول رجاله الأوفياء الذين يتولى بعضهم مناصب تنفيذية مهمة، مع تشابكاته فى دنيا المال والأعمال، الحساب يجب ألا يستثنى أحداً، وإن لم يكن حساب فالمراقبة واجبة، فهناك رجال يحاربون من أجل كرامتهم التى كُسرت حتى الرمق الأخير، ولا تأمنوا شر الرجال حين يسقطون من علٍ.

وأقول لكل من يفكر فى الترحم على أيام مبارك، تذكر أن المولى عز وجل خلقك حراً ولم يخلقك عبداً تبحث عن الاستقرار فى كنف الظلم والجور.

كلمة أخيرة: فى صلاة الجمعة الماضية استمعت إلى خطيب يفسر معنى الديمقراطية بأنها هى الآلية التى تجيز أن تتزوج المرأة من القرد، وأن يتزوج الرجل الرجل، وأن تأتى ابنتك بعشيقها إلى المنزل فترضى خاضعاً حتى لا تبلغ عنك الشرطة، وفى نهاية خطبته لعن جماعة الإخوان المسلمين!!

علاء الغطريفى - Almasry Alyoum

alaa_alghatrifi@yahoo.com


No comments: