أثار إعجابى واحترامى ما كتبه الأستاذ مجدى الجلاد، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، بالصحيفة يوم ٩/٣، وشعرت بما فيه من شجاعة الفعل وصدق القول، وهو يعترف بخطئه فى حق د.محمد البرادعى عندما عاتبه بقسوة يوم ٢٧/١ قبيل حضوره إلى القاهرة، وأكد أن ما كتبه كان تحت تأثير ما حدث من انفجار شعبى وقمع للمتظاهرين يوم الثلاثاء العظيم ٢٥/١، ورغبته فى وجود د.البرادعى هذا اليوم، وأن كل ذلك العتاب القاسى كان سببه أنه كان يريده بجانب الثوار، يستمدون منه القوة على مواجهة النظام، وكيف أن كل هذا قد زال بمجرد مشاهدته واقفاً وسط جمع من أنصاره فى ميدان الجيزة فى «جمعة الغضب».
أثار ذلك الموقف فى نفسى الذكريات الأليمة المُفعمة بمشاعر الأسى والقرف إلى حد الغثيان طوال أكثر من عام مضى، وبالتحديد منذ ذلك اليوم الفارق الذى تجمع فيه آلاف الشباب المصرى فى مطار القاهرة لاستقبال د.البرادعى عند عودته إلى وطنه، بعد أن أعلن، عقب تركه موقعه العالمى المتميز كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية وقبيل مجيئه للقاهرة، عدم ممانعته فى أن يتولى قيادة مصر إلى عصر جديد تتمتع فيه بالحرية والديمقراطية الحقيقية..
تذكرت تلك الأيام التى حدث فيها ما يُشبه الزلزال فى الحياة السياسية المصرية آنذاك، وليس كما وصفه البعض بمجرد حجر أُلقى فى مياه راكدة آسنة. لم تع الطُغمة الباغية الحاكمة ولا النُخبة السياسية معنى خروج آلاف معظمهم من الشباب غير المُسيس لاستقبال الرجل فى المطار.. فقط وعى خطورة ماحدث وأهميته تلك الشخصيات الباهتة التافهة المكروهة والمرفوضة شعبياً، التى كانت تعمل من وراء ستار لتحقيق هدف نذروا أموالهم وجهدهم من أجله، وهو توريث الحكم لنجل الرئيس.
انطلقت حملة تشويه للرجل المحترم، لم يثنها عن ذلك أو حتى يضع حدوداً لتطاولها وسفالتها كونه يحمل أعلى الدرجات فى القانون وأنه تولى مركزاً عالمياً مرموقاً هو شرف لبلده قبل أن يكون شرفاً له، لم يشفع كل ذلك للرجل لأن يكون بمنأى عن التطاول عليه صمد الرجل لكل هذا فى البداية، والتف حوله نُخبة الوطنيين الشرفاء فى هذا البلد شِيبة وشباباً، وسرعان ماتولدت فكرة «الجمعية الوطنية للتغيير» ووثيقة «معاً سنُغير» بمطالبها السبعة المشروعة، والتوقيع عليها من مئات الألوف من المصريين عن طريق الإنترنت.. وأخذت توابع الزلزال تتوالى وتتسع لتشمل العديد من الدول فى جميع أنحاء العالم ، تجمع فيها المصريون الشرفاء فى بلاد الغُربة حول الوثيقة والجمعية والرجل، الذى أثار ذلك كله.
أدرك د.البرادعى حجم تحدى الأجهزة الأمنية المجرمة التى كانت تتعقبه وتتعقب مُناصريه، وحجم الصعوبات والمعاناة التى ترزح تحت عبئها منظمات العمل المدنى فى الأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها التى تعمل تحت ضغوط دولة بوليسية وأجهزة قمعية لا علاقة لها بالفضيلة أو الشرف، ولا تفكر إلا فى مصالحها الخاصة التى تتوافق مع مصالح أسيادهم فى مؤسسة رئاسة هذا البلد المُبتلى.. فقرر الرجل أن يعزف عن المشاركة فى هذا العبث الذى أمات الضمائر وأفسد النُخب، ورفض الالتحاق بأى من الكيانات الوهمية الموجودة، وأعلن رهاناته بكل وضوح:
١- أنه لن يلتحق بأى من الكيانات السياسية الموجودة فى الساحة باعتبارها حائزة لشرعيتها من نظام لا شرعية له.
٢- أنه يراهن على الشعب المصرى وفى الطليعة منه شبابه.
٣- وأنه سيتواصل مع هذا الشباب عن طريق المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت وسيطلب توقيعهم على وثيقته عن طريقها.
٤- أنه سيظهر معهم فى الشارع حال نزول أول مظاهرة مليونية.
٥- وأن تلك المظاهرة وما سيصحبها من عِصيان مدنى ستكون الأولى والأخيرة ضد هذا النظام الفاسد.
إننى أريد الآن من السادة القراء الأعزاء، وبعد أن ثبتت صحة رهانات الرجل كلها وتحقق حلم الثورة والتغيير، أن يعودوا إلى ما تمت كتابته عنه بأقلام السادة رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف والمجلات الحكومية بلا استثناء. إننى أتذكر الآن فقط ذلك الصحفى الذى كان يصر على استخدام مُصطلح «صكّه» وهو يظن أنه أتى بما لم يأت به الأوائل وهو: «مولد سيدى البرادعى»، فأقول له الآن وهو يدبج المقالات مدحاً فى الثورة وقدحاً فى رجال زمن مضى: هل شاهدت «مولد سيدى البرادعى»؟ وأين هم زملاؤك الإعلاميون الذين تنافسوا فى الإساءة للرجل.. هل تاهوا فى زحام المولد، أم أن الشباب عرفهم وألقى بهم فى مزبلة التاريخ؟
د. طارق الغزالى حرب
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment