Friday, March 11, 2011

ثورة ٢٥ يناير.. و ثقافة العبيد

كثيرة هى تجليات الصراع بين ثورة ٢٥ يناير والقوى المضادة لها، ومن أهمها الصراع بين ثقافة الحرية التى انطلقت منها هذه الثورة، وثقافة العبودية التى شاعت فى المجتمع فى مراحل عدة من تاريخه ونجح النظام السابق فى تكريسها.

وربما يكون مخزون ثقافة العبودية هو السلاح الرئيسى الذى تعتمد عليه الثورة المضادة الآن. فهى تسعى بكل السبل إلى استدعاء هذا المخزون وتقويته فى مواجهة ثقافة ثورة ٢٥ يناير.

وهذا مخزون لا يُستهان به لأن فى ثقافتنا المجتمعية الكثير منه. ولا عيب فى ذلك، ولا فى الاعتراف به، لأن مجتمعنا ليس استثناء. ففى ثقافات المجتمعات كافة مزيج من ثقافة الحرية وثقافة العبودية، ولكن بمقادير وأوزان تختلف من حالة إلى أخرى.

وربما يذكر بعضنا أنه عندما صدر كتاب «ثقافة العبيد» قبل سنوات، اتُهم مؤلفه المجهول بإهانة شعبنا، وقيل إنه خشى وضع اسمه على الكتاب. والحق أنه لم يقصد إهانة شعب تمنى أن يكون حراً، ولكنه أراد أن يكون كتابه صادماً بأمل أن يفيق المصريون سريعاً.

غير أن الكتاب أثار استفزازاً كان له ما يبرره. فليست هناك ثقافة عبيد، بل ثقافة عبودية. والفرق هو أن العبيد لا يتحررون إلا استثناء، فى حين أن ثقافة العبودية تتغير.

وهذا هو ما أكدته، مجدداً، ثورة ٢٥ يناير. فالحرية هى غاية هذه الثورة التى تستهدف تحرير المصريين من القهر والتسلط والظلم والفساد. فقد ثار المصريون من أجل استرداد حريتهم. وفى ثورتهم هذه إعلاء لثقافة الحرية التى تصبح – والحال هكذا- المصدر الرئيسى لقوتهم والضمانة الأولى لنجاحهم فى مواجهة قوى الثورة المضادة التى تعتمد فى المقابل على مخزون ثقافة العبودية.

وقد بدأ اللجوء إلى هذا المخزون منذ بداية الثورة. سعى مبارك إلى استدعائه فى خطابه الثانى (١ فبراير)، محاولا تقمص دور الأب الذى يعتبر إحدى ركائز ثقافة العبودية. فما الأب فى نظام سياسى تسلطى فاسد إلا الراعى الذى يحكم رعايا فى علاقة هى نقيض تلك التى تقوم بين رئيس ومواطنين فى ظل ثقافة الحرية.

وعندما فُرض عليه التنحى، لجأ أتباعه إلى محاولة استغلال خوف الناس من غياب الأمن وتحميل الثورة - وليس النظام السابق- المسؤولية عنه.

وإذا كان الخوف من غياب الأمن شعورا طبيعيا، فهو يرتبط فى الوجه السلبى من تراثنا باستعداد لقبول أى حكم غاشم يوفر هذا الأمن لتجنب الفتن. ولذلك ظلت مقولات من نوع (سلطان غشوم ولا فتنة تدوم) إحدى ركائز ثقافة العبودية التى تحاول الثورة المضادة استدعاء مخزونها فى مجتمعنا الآن.

ولا ينبغى أن نستهين بهذا المخزون مهما كانت روعة الشعور بالحرية، لأن الثقافة التى تدعم هذا الشعور وتدفع إلى التضحية من أجله لم تنتشر فى المجتمع كله بعد. ولذلك لم يكن مدهشاً التعاطف الذى حظى به الفريق أحمد شفيق حين هوجم فى برنامج تليفزيونى عشية استقالته. فعندما تترسخ ثقافة الحرية، يكون التقييم موضوعياً فى المقام الأول. وحين يسود هذا التقييم، لا تكون حدة د. علاء الأسوانى فى هذا الحوار هى القضية، بل تفوقه موقفاً وحجةً ونجاحه فى وضع شفيق فى زاوية ضيقة. ولو أن هذا حدث فى مجتمع ترسخت فيه ثقافة الحرية، لاعتذر رئيس الحكومة للرأى العام على الهواء، وتعهد إما بتغيير سياسته أو بالاستقالة.

أما وأن لثقافة العبودية رصيداً لا يُستهان به حتى الآن، فقد تحركت الثورة المضادة فى اتجاهات عدة من أهمها تزييف وعى قطاعات فى المجتمع عبر تخويفهم مما هو آت وعزف نغمة أن مصر فى خطر وكأنها كانت فى نعيم، وأن ما تحقق يكفى ويزيد وكأن التمسك بمطالب الثورة هو الذى يمنع توفير الأمن وتدوير عجلة الاقتصاد.

ومن هذه الاتجاهات أيضا النفخ فى المطالب الفئوية الاقتصادية والاجتماعية التى كادت تحجب وجه الثورة وأهدافها الكبيرة من أجل مصالح صغيرة، وتحريك أحداث طائفية لإعادة إنتاج الاحتقان الذى اختفى خلال الثورة. وليست الاستجابة إلى تحريض على خطف مكاسب سريعة فئوية أو طائفية على حساب قضايا الثورة الكبرى إلا أحد تجليات ثقافة العبودية..

ولن يكون هذا التحريض، ولا إغراق البلد فى تلال من تقارير أمن الدولة المفبرك بعضها، هو آخر ما فى جعبة أركان الثورة المضادة حتى إذا فشل رهانهم على أن ينشغل بعض معارضى نظام مبارك باتهامات متبادلة على خلفية تلك التقارير التى تُركت عمداً لهذا الغرض. فقد كان الهدف من فتح صناديق قمامة أمن الدولة أن ينغمس البعض فى صغائر هى جزء من مكونات ثقافة العبودية.

فلننتبه جيداً.. ونتمسك بثقافة الحرية التى أطلقتها الثورة حتى لا تفلت من بين أيدينا

د. وحيد عبدالمجيد - Almasry Alyoum


No comments: