Thursday, March 24, 2011

هيا ندفع الجزية للشيخ يعقوب


تبدو مصر بعد 11 فبراير وكأنها خارجة للتو من جراحة رباط صليبى فى الركبة، ذلك أنها منذ 25 يناير وحتى يوم تنحى المخلوع كانت فى حالة ركض متواصل وبأقصى سرعة على مضمار التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.
غير أن البعض يتعجل عودتها لخوض المباريات والدخول فى التحامات عنيفة، فور خروجها من غرفة العمليات، رغم أن جراحة الرباط الصليبى لابد أن يعقبها فترة نقاهة طويلة، يليها فترة علاج طبيعى أطول، ثم حركة هادئة فى المكان، ثم أخيرا تبدأ العودة التدريجية للتدريبات الاعتيادية وصولا للمشاركة فى السباقات.
شىء من ذلك جرى فى الاستفتاء الأخير الذى سيقت إليه الكتلة الصامتة من الشعب المصرى دون أن تفهم شيئا، باستثناء أن «نعم» تعنى نصرة الإسلام والاستقرار، بينما كلمة «لا» تعنى الوقوف ضد الشريعة الإسلامية والخراب المستعجل.

هكذا أرادها بعض الذين فضلوا أن يحصلوا على «كل الحصرم» على اقتسام «الثمار الناضجة» مع الآخرين، ومن ثم لم يرحموا أمية قطاعات هائلة من الجموع، ولعبوا على تطلعهم إلى دوران عجلة الحياة الطبيعية وزرعوا فى أذهانهم أنها معركة بين الإسلام وخصومه.

ولعل ما قاله واحد من مشايخ هذا الزمان عن «الانتصار فى غزوة الصناديق» يكشف إلى أى مدى جرى قصف أدمغة العامة والبسطاء بأسلحة مجرمة فى الممارسة السياسية، أحدثت دمارا هائلا فى الوعى الوطنى النقى البسيط الذى سطع وتجلى طوال أيام الثورة.

إن حديث محمد حسين يعقوب عن «انتصار الدين» يعنى مباشرة أن الذين قالوا لا للتعديلات الدستورية متهمون بالتصويت ضد الدين، ويفضح كل ما كان مخفى تحت شعارات مزيفة عن استئناف الحياة واستعادة الاستقرار والأمن.

لقد تعامل الذين صنعوا الثورة بمنتهى الرومانسية والمثالية، وتصوروا أنهم يخوضون معركة سياسية نظيفة وشريفة محورها هو «دستور جديد أم مجرد ترقيعات» أو : الإبقاء على دستور نظام مبارك الساقط، أم وضع دستور كامل جديد فرضته الضرورة الثورية.

غير أن المشايخ اختطفوا القضية بعيدا عن جوهرها الحقيقى وأعادوا تسويقها للعامة على أنها قضية «إسلام ضد علمانية» أو وفقا لحالة الانتشاء التى ظهر عليها الشيخ يعقوب، بدا وكأنها كانت معركة بين مؤمنين وكفار، وغير خاف ما لمصطلح «الغزوة» من دلالات، كما أن الرجل لم يتمالك نفسه من نشوة «النصر» فاعتبر أن البلد أصبح بلد المشايخ وعلى الآخرين أن يبحثوا عن تأشيرة هجرة أو «نزوح» إذا لم يعجبهم الحال.

و أظن أنها منتهى الإنسانية والرحمة من الشيخ المنتفخ بانتصاره أنه لم يفرض على الذين قالوا «لا» وقرروا البقاء فى مصر أن يدفعوا «الجزية» سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين ممن رفضوا التعديلات.. كما أن الرجل كان كريما ولم يعتبرهم من «الرافضة» ولم يطلب تجريدهم من الجنسية لأنهم صوتوا ضد الدين والاستقرار.

وبمناسبة الاستقرار لماذا زادت الحرائق والاحتجاجات الفئوية بعد التصويت بـ«نعم»؟

بقلم:
وائل قنديل
- الشروق

No comments: