«السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها...»
هذا هو نص الفقرة الأساسية من المادة الثالثة بالدستور الحالى، ويمارس الشعب السيادة من خلال نظام للسلطات يفرزه طبقاً للدستور الذى ارتضاه ومنحه لنفسه، وقد مارس الشعب هذه السيادة بنفسه حين قرر- بدايةً - إسقاط الرئيس السابق واضطره للتخلى عن سلطاته، وكان أمام الشعب ثلاثة خيارات، أولها: إرغام الرئيس على التقدم باستقالته فى ظل الشرعية الدستورية القائمة، وهذا الخيار كان مرفوضاً مسبقاً، لأنه يؤدى إلى انتقال السلطة لرئيس مجلس الشعب أو لرئيس المحكمة الدستورية إن كان المجلس محلولاً، والذى يتعين عليه طبقاً للدستور أن يدعو إلى انتخابات رئاسية فى خلال ستين يوماً، ويمتنع عليه إجراء أى تعديلات دستورية مما يعنى إجراء انتخابات فى ظل المواد المعيبة والخاصة بإنتخاب الرئيس وهى المواد (٧٧،٧٦).
وثانيها: القبول بتخلى الرئيس عن سلطاته وتفويضها إلى نائبه طبقاً للدستور مع إلزام الأخير بإصلاحات محددة تتفق عليها أطياف الشعب السياسية، وقد رفض الشعب الأخذ بهذا الخيار، ربما لعدم اطمئنانه من حيث حق مانح التفويض قانوناً بالتراجع عنه، وربما لشعوره بأن الرئيس سوف يظل يحكم من خلال نائبه.
أما الخيار الثالث الباقى: فكان إسقاط النظام بالكامل بجميع سلطاته، وإلغاء الدستور، وانتخاب مجلس رئاسى لفترة محددة، يكلف حكومة انتقالية لتسيير شؤون البلاد، وانتخاب جمعية تأسيسية لتغيير الدستور وطرحه على الشعب للاستفتاء، ثم إجراء الانتخابات التشريعية طبقاً للدستور الجديد، تليها انتخابات الرئاسة، ولكن الحاصل أن الرئيس عندما تخلى عن سلطاته قام بتكليف المجلس الأعلى للدفاع بتسيير شؤون البلاد، وعلى الرغم من أن هذا التكليف لا يعتد به لأنه جاء مخالفاً للدستور والقانون، هذا على فرض أن الدستور لايزال قائماً،
أما إذا اعتبرنا أن النظام كان قد سقط وأن الدستور قد تعطل وأن المرجعية الثورية كانت هى الحكم، فإن تكليف الرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يكون غير ذى أثر، إلا فى حالة إجازة الشعب له، وهذا ما حدث، فالإجازة اللاحقة للشعب لهذا التكليف جعلت الشعب هو المانح له، وقبول المجلس الأعلى العسكرى يعنى أنه قد قبله نزولاً على رغبة الشعب وإرادته. وموضوع التكليف وإن كان لم يأت فى صورة مكتوبة من الشعب أو ممن يمثلون الثورة، على حد علمى، فإنه – ضمنياً – كان واضحاً شديد الوضوح فيما يختصص بتغيير النظام شبه الشمولى، وإقامة ديمقراطية حقيقية فى البلاد، تكون الأداة الرئيسية لتحقيق الحرية، والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد.
ويبدو أن المجلس العسكرى الأعلى قرر أن يقوم بهذا التكليف بالشكل الذى يضمن الانتقال إلى الدولة المدنية بالشكل السريع، فإكتفى بتعديل المادتين ٧٦ و٧٧ الخاصتين بانتخاب وترشح الرئيس، ومدة الولاية وعددها، بالإضافة إلى المادة ٨٨ لضمان نزاهة الانتخابات رئاسية كانت أو تشريعية، مع إضافة مادة ملزمة بانتخاب جمعية تأسيسية لدستور جديد، مما يجعل الدستور الحالى دستوراً مؤقتاً، وترك الشعب ليمارس سيادته بتحديد توجُّهات الدستور الدائم الجديد، فى ظل سلطة مدنية منتخبة، نائياً بالجيش ومجلسه عن أن يكون طرفاً فيه من قريب أو بعيد، ليس بالضرورة أن نتفق جميعاً على رؤية الجيش لتحقيق أهداف الثورة ولكننا بالتأكيد نتفق على أننا أوكلنا إليه إدارة هذا المشروع، بغرض تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة فى أنحاء البلاد، وعلى الرغم من أننا نقدر للجيش رغبته فى تسليم الإدارة لسلطة مدنية منتخبة فى أقرب وقت مستطاع إلا أننا يجب أن نشير إلى التوابع المنتظرة من انتهاج هذا الأسلوب،
فعلى سبيل المثال أن الدستور الجديد المنتظر أياً كانت توجهاته فإنه بالتأكيد سوف يتم فيه إلغاء نسبة الفلاحين والعمال، وربما يتم بناء على ذلك إعادة تقسيم الدوائر، وقد يتم إلغاء مجلس الشورى أو تعديل نسبة التعيين فيه وأشياء أخرى كثيرة سوف تسبغ عدم الشرعية على المجالس التشريعية المنتخبة فى ظل هذا الدستور، مما يستلزم حلها مرة أخرى بعد تغيير الدستور، فيتعارض ذلك مع الاستقرار الذى تشتاق إليه البلاد، وربما يكون الأفضل فى هذه الحالة إجراء انتخابات الرئاسة أولاً، ويقوم الرئيس المنتخب بتشكيل وزارة مؤقتة، والسير فى إجراءات تعديل الدستور، ثم إجراء الانتخابات التشريعية، وبذلك نكون قد أعطينا الفرصة للأحزاب للتحرك فى الشارع، وخروج برامجها وكسب المؤيدين، وتجنبنا حل المجالس التشريعية بعد تغيير الدستور من جديد.
أكمل قرطام - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment